Wednesday, 29 December 2021

{الفكر القومي العربي} رسالةٌ عربيةٌ فلسطينيةٌ في ظلالِ ليالي الميلادِ المجيدةِ

رسالةٌ عربيةٌ فلسطينيةٌ في ظلالِ ليالي الميلادِ المجيدةِ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

يحتفل المسيحيون في العالم كله، في هذه الأيام المباركات من كلِ عامٍ بعيد الميلاد، وعيونهم ترنو إلى فلسطين المحتلة، الأرض المباركة التي ولد ونشأ فيها السيد المسيح عليه السلام.

 

فهي قبلة المسيحيين الأولى، حيث مدينة المهد بيت لحم، ومدينة المولد الناصرة، المدينتان اللتان احتضنتا السيد المسيح وأمه عليهما السلام طفلاً وكهلاً، وبينهما وحولهما رُسمت خطواته الخالدة، التي أسست للديانة المسيحية، وغرست جذورها في الأرض المقدسة، وجعلت منها أرضاً مباركة، تهوي إليها قلوب المسيحيين، وإليها يحجون ومنها يستمدون البركة.

 

يسأل المسيحون في هذه الأيام المباركة،  الله في الأعالي المسرة بين الناس، وينشدونه على الأرض السلام، في رسالةٍ سرمديةٍ خالدة، أنهم أهل محبةٍ وسلام، وأتباع نبيٍ كريم سبق رسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم بسنين، وبشر به بعلمٍ ويقين، فهنيئاً للمسيحيين ليلة ميلاد رسولهم، وجعلها الله ليلةً مباركةً، وأعادها عليهم سنيناً عديدة وأعواماً مديدة، مليئةً بالخير، وافرةً بالعطاء، عامرةً بالعدل والسلام.

 

ولكن أرض المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام مستباحةٌ محتلة، تغتصبها عصابةٌ مارقة، من أعداء المسيح القدامى، الذين حسدوه وخانوه، وتآمروا عليه وأرادوا قتله، وتهيأوا لصلبه، لولا عناية الله عز وجل به التي أنقذته من شرورهم، ورفعته مكاناً علياً، وأمهلته فترةً من الزمن لا نعلمها، ليعود بعدها إلى الأرض، هادياً ومبشراً ونذيراً، برسالة الإسلام المحمدية، وسنته الحنيفية، ينشر العدل، ويبسط السلام، ويحكم بين الناس بالسوية، ويحارب الظلم ويلاحق المسيخ الدجال حتى يدركه بباب لدٍ الفلسطينية ويقتله، منهياً بقتله عصور الظلم والفسق والضلال، وناشراً للعدل والحق والمساواة، ومؤذناً بقرب يوم القيامة.

 

أرض المسيح عليه السلام تستغيث العالم في يوم الميلاد من ظلم اليهود ومن بطش بني إسرائيل، الذين يعيثون في الأرض الفساد، ويقتلون البشر، ويقتلعون الشجر، ويدمرون الحجر، ويغتصبون الأرض من ملاكها، ويبنون فوقها مستوطناتٍ ومستعمراتٍ، حتى كادت مدن بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور تلتحم بمدينة القدس، لكثرة الأحزمة الاستيطانية التي طوقتها وألحقتها بما أسمته مدينة القدس الكبرى، وهي المدينة المقدسة التي تحتضن كنيسة القيامة، التي حفظها المسلمون وأكدوا على بقائها، بوثيقتهم العمرية الخالدة، كنيسةً للمسيحيين ومعبداً لهم، ومنعوا الاعتداء عليها، أو الإساءة إلى المصلين فيها، وهي الكنيسة التي دأب اليهود على تدنيسها وطرد المصلين منها، وهم اليوم يحاولون تشويهها وتجريدها من أوقافها، وحرمانها من أرضها، والتضييق على أتباعها.

 

إن ميلاد السيد المسيح عليه السلام هو إيذانٌ بميلاد السلام والمصالحة بين البشر جميعاً على أسسٍ من الحق والعدل، والفلسطينيون أجدادُ المسيح عيسى بن مريم، هم أكثر من يحتاج إلى رسالته وتعاليمه، فقد ملوا الفرقة، وعانوا من الانقسام، ودفعوا ضريبة فادحة من أرواحهم وممتلكاتهم ومصالحهم، وما زالت صفوفهم نتيجة الاختلاف متفرقة، وكلمتهم ممزقة، وقوتهم خائرة، ولا حول لهم ولا قوة، ينال منهم العدو وعليهم ينتصر، وقد ساهم الانقسام في ذهاب بريقهم، وتشويه صورة نضالهم، وانفضاض الناس من حولهم.

 

لعل الفلسطينيين في هذه الليالي المباركة، في أمس الحاجة إلى تعاليم المسيح عليه السلام، الزاخرة بالمحبة والتآلف، وبالاتفاق والمصالحة، وبالغفران والمسامحة، والداعية إلى وصل عُرى الأخوة، ومواثيق المحبة، فنحن أبناء شعبٍ واحد، ننتمي إلى أمةٍ واحدة، ونعاني جميعاً من عدوٍ واحد، لا يفرق بيننا ولا يفاضل فينا، فلنحب بعضنا، ولنغفر لأنفسنا، ولنتسامح ونتصافح، ولنغتسل من آثامنا، ولنتظهر من ذنوبنا، ولنعود إلى الله خالقنا.

 

رسالة عيد الميلاد العربية من أهلنا المسيحيين، شركائنا في الأرض والوطن، وإخواننا في الظلم والمعاناةِ، وأمثالنا في السقم والعدم، إلى العالم المسيحي الحر، أن انحازوا إلى الحق، وكونوا إلى جانب المبادئ والمثل التي نادى بها عيسى عليه السلام، ودعا للتمسك بها، فلا تناصروا الظالمين، ولا تمدوا في عمر الخائنين، وكونوا ربانيين أحباراً أتباعاً لرسولكم الكريم، الذي انتفض على الظلم، وقاتل الشر، ورفض الخضوع للغاصبين، وثار على الكاذبين المدلسين، وأقسم بالله أن يبيع قميصه ويشتري به سلاحاً يقاتل به المعتدين، ويرد به حق المظلومين، ولا يكون يوماً ظهيراً للظالمين، فأسس لثورات الجياع والمظلومين والمضهدين والمحرومين، ممن أحتلت أرضهم، وانتهكت مقدساتهم، وأغتصبت حرماتهم، وفرضت عليهم إراداتُ غيرهم وسياسات أعدائهم.

 

المسيح عيسى بن مريم في ليلة ميلاده المباركة يقول إن فلسطين أرضٌ واحدة، في وسطها ولدتُ، وفي شمالها شببتُ وترعرعتُ، وإليها أعود، وفيها أنشر العدل والسلام، فهي أرضٌ واحدة، ملكٌ لشعبها الفلسطيني، لا تقبل القسمة، ولا يجوز فيها التجزئة.

 

إنها الأرض التي سكنها الفلسطينيون قبل آلاف السنين، وعمروها بحضارتهم العربية والإسلامية، وعليها طرأ اليهود واحتلوها، وحاربوا مسيحييها قبل مسلميها، فلا ينبغي التفريط فيها أو التنازل عنها، وعلى أهلها الحفاظ عليها والتمسك بها، هويةً وانتماءاً وفكراً وحضارة، وإن مسيحيي قطاع غزة الذين يحرمون زيارة مهد رسولهم، ويعاقبون بالحرمان من المشاركة في إحياء ليلة الميلاد، فإنهم سيعودون إلى مدينة بيت لحم من جديد، وسيقفون على باب المغارة، وسيشعلون شموعاً على بابها، وسيدخلون كنيسة المهد، وسيصلون فيها رغماً عن يهود وبني صهيون.

 

إنه المسيح عيسى بن مريم كلمة الله وروحٌ منه، يخاطب أتباعه في كل مكان، أن كونوا أبراراً أنقياء، أطهاراً أصفياء، وكونوا معاً يداً واحدة في صناعة السعادة الأبدية التي أرادها الله لكم، وتخلصوا من الإثم والمعصية، وانشروا السلام الحقيقي، وأعيدوا للحق نصابه وللعدل مكانة.

 

فما الإنسان إلا خليفة الله في أرضه، وقد كلفه بعمرانها ومواصلة الحياة فيها، وأعلمه أن للإنسان كرامة وله حقوق، فلا ينبغي الاعتداء عليها أو تجريده منها، وهو من المسيحيين براء إن هم حادوا عن دربه، وساندوا الباطل وتخلوا عن الحق، وناصروا الظلم وخذلوا المظلومين، وانقلبوا على الشريعة وتنكبوا للرسالة.

 

السيد المسيح عليه السلام يوصي أتباعه فيقول "سلاماً أترك لكم، وسلاماً أعطيكم، لا كما يعطيه العالم أنا أعطيكم، لا تضطرب قلوبكم ولا تفزع"، وكأن لسان حاله يقول، لا سلام دون عدل، فالعدل أساس السلام وهو طريقه، فحتى يتحقق السلام، ويستعيد الفلسطينيون حقوقهم، ويطردوا عدوهم، ويحرروا أرضهم، فإن نشيد المسيحيين مع ملائكة السماء سيبقى، "المجدُ لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وللناس المسرة".

 

بيروت في 29/12/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjjBSu9bmq6Kor9tzgQFLjBRoZ_4rp1%2BdorEPLzXMhrDbQ%40mail.gmail.com.

{الفكر القومي العربي} لائحةُ اتهامٍ دوليةٍ ضد المستوطنين الإسرائيليين وحكومتهم

لائحةُ اتهامٍ دوليةٍ ضد المستوطنين الإسرائيليين وحكومتهم

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

أعتقد أنه قد آن الأوان لأن يتقدم كبار رجال القانون الدوليون، والمؤسسات الحقوقية والإنسانية العربية والدولية، والشخصيات الفلسطينية الحقيقية والمعنوية، خاصةً أولئك الذين يتمتعون بجنسياتٍ أجنبيةٍ، ويعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية وعموم دول أوروبا، بشكاوى أمام محكمة الجنايات الدولية، وأمام المحاكم الوطنية ذات الاختصاص لدى بعض الدول الغربية، التي تتيح قوانينها الخاصة محاكمة متهمين أجانب من غير جنسية بلادها، ممن يثبت قيامهم بأعمالٍ إرهابية تخل بالقانون العام، وتمس الأمن العالمي، وتسببوا في إلحاق الضرر بمواطني الشعوب الأخرى، وقد شهدت سجلات المحاكم وأروقة القضاء قضايا مشابهة، نظر فيها القضاء، وخضعت للقوانين المحلية والدولية، ونال المدانون فيها عقوباتٍ مختلفة.

 

لن يجد المتطوعون لتقديم شكاوى ضد المستوطنين الإسرائيليين، صعوبةً في تحديد جريمتهم، وتوصيف تجاوزاتهم لمختلف القوانين الدولية والإنسانية، ولن يشكوا من نقصٍ في المعلوماتٍ، أو خللٍ في المعطياتٍ، أو عجزٍ في الصور والبيانات، أو عدم وضوحٍ في الشواهد والأدلة والقرائن، وسيجدون في ملفاتهم آلاف الشهود الموثقة شهادتهم بالصوت والصورة، التي تؤكد جرائم المستوطنين، التي يقدمون عليها عن سابق قصدٍ وإصرارٍ، ويكررونها بعمدٍ وعنادٍ، ولا يجدون عقباتٍ تعترضهم، أو سلطةً تمنعهم، أو قوةً تردهم، أو قوانين تدينهم، بل إن الجيش الإسرائيلي ومختلف سلطات الكيان تحميهم وتحفظهم، وتواكبهم وترعاهم، وتحول دون إدانتهم أو المساس بهم، وتعتبر أن تقصير الجيش والشرطة في حمايتهم أثناء عمليات التخريب والاعتداء، جريمةً يعاقبون عليها، ويوجه إليهم لفت نظرٍ بسببها.

 

جرائم المستوطنين "اليهود" في فلسطين المحتلة كثيرةٌ وعديدةٌ، وهي لا تخفى على أحد، ولا يختلف على توصيفها أحدٌ، فهي جرائمٌ من الدرجة الأولى، التي يقدم عليها مرتكبوها وهم يعلمون أنها جريمة، وأن القانون الدولي العادل يجرمها ويعاقب عليها، ولكنهم يصرون على ارتكابها والقيام بها لعلمهم أن القانون الإسرائيلي لا يطالهم، والقضاء لا يدينهم، والجيش لا يعتقلهم، والشرطة لا تحقق معهم، فلماذا لا يصرون على أفعالهم ويكررون جرائمهم طالما أنهم أَمِنوا العقوبة، وقد قال الحكماء قديماً "من أَمِنَ العقوبةَ أساءَ الأدب"، وهم، أي المستوطنين اليهود، أكثر من أّمِنَ العقوبة وأكثر من أساء الأدب.

 

قد لا تكفي هذه الصحيفة مهما طالت، أو أبدع كاتبها وأسهب وأطنب وأَلَمَّ شمولاً بجرائمهم، أن تحصيها عداً، أو تصنفها نوعاً، أو تنظمها درجاتٍ، فهي أكثر مما يعدها العادون، فهم إلى جانب جريمتهم الأولى والأساس التي ارتكبها آباؤهم ومضوا على سنتهم أبناءً وأحفاداً، باحتلال فلسطين واغتصاب أرضها، وطرد سكانها، ومصادرة حقوقهم، وتدنيس مقدساتها، ونهب خيراتها، وحرمان أهلها من حقوقهم في الحياة الحرة الكريمة في أرضهم، وعلى تراب وطنهم المستقل، في إطار دولةٍ تجمعهم، وحكومةٍ تمثلهم وتعبر عنهم، وهي الجريمة الأكبر التي بنيت عليها كل جرائمهم التالية واستندت إليها.

 

ينبغي أن يرد في لائحة الاتهام الدولية قيام المستوطنين الإسرائيليين يومياً وبصورٍ مستفزة، وبرعاية الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، وبمشاركة وزراء وأعضاء كنيست وضباط سابقين، باقتحام المسجد الأقصى، وإغلاق بواباته، ومنع الفلسطينيين من الدخول إليه والصلاة فيه، وقيامهم خلال ذلك بالاعتداء على المواطنين الفلسطينيين، وتخريب محلاتهم وقلب بسطاتهم، واتلاف بضاعتهم.

 

وإقدامهم المتكرر على ترويع المواطنين الفلسطينيين، والاعتداء على بيوتهم وحرقها، ورشقها بالحجارة الصخرية، وتكسير أبوابها ونوافذها، وتلويثها بزيوت السيارات والأصباغ المختلفة، ورسم علاماتٍ عنصرية عليها، وكتابة تهديدات وكلماتٍ بذيئةٍ مهينةٍ ضد أهلها وسكانها.

 

يعمد المستوطنون الإسرائيليون إلى مداهمة بعض البيوت الفلسطينية، ويطردون أهلها منها، ويلقون بمتاعهم وأثاثهم خارجها، ويأتون ببعض العائلات اليهودية ويدخلونها إليها، ويعلنون أنها بيوتهم قد عادت إليهم، وأنهم يمتلكونها منذ مئات السنوات ولهم كامل الحق بالتصرف فيها.

 

وقيامهم بوضع حواجز على الطرقات والشوارع التي يرتادها الفلسطينيون، واعتراضهم فيها قطعها عليهم، وإطلاق النار عليهم ورشقهم بالحجارة، وتحطيم سياراتهم وتهشيم زجاجها، وإضرام النار فيها أحياناً، دون مراعاةٍ للركاب فيها، سواء كانوا أطفالاً صغاراً، أو شيوخاً مسنين، أو نساء مرضى أو حوامل.

 

ويعمد المستوطنون بجماعاتٍ كبيرة وعصاباتٍ منظمة إلى الاعتداء على المزارع والحقول الفلسطينية، فيخربون الزروع، ويقتلعون الأشجار المثمرة، خاصةً أشجار الزيتون الوارفة، ويقومون بتجريفها أو حرقها، أو يفتحون مجاري المياه العادمة الكريهة الرائحة عليها، ويعتدون في طريقهم على شبكات الكهرباء فيقطعونها ويحرقون أعمدتها، وعلى شبكات مياه الشرب فيخربونها أو يسممونها.

 

يهاجم المستوطنون الإسرائيليون وقد اشتهر فيهم "فتية التلال"، البلدات الفلسطينية، ويعتلون جبالها، ويصعدون إلى تلالها، ويطردون منها أهلها، وينصبون فوقها خيامهم، أو يركبون فيها بيوتهم المسبقة الصنع، ليجعلوا منها أنويةً لمستوطناتٍ جديدةٍ، وقد تتحول هذه البؤر الاستيطانية العشوائية بعد ذلك إلى مستوطناتٍ حقيقيةٍ ودائمة، تشرعها المحكمة ويحميها الجيش وأجهزته الأمنية.

 

ويقوم المستوطنون الذين يحملون السلاح المرخص من الحكومة بدهس المواطنين الفلسطينيين، وإطلاق النار عليهم أحياناً، والتقدم بشكاوى لدى الشرطة والجيش ضدهم، يتهمونهم بالاعتداء عليهم ومحاولة دهسهم أو قتلهم، وتصدق الشرطة أقوالهم، وتؤكد على روايتهم، وتقوم باعتقال الفلسطينيين وتحقق معهم، وتوجه إليهم قائمة طويلة من الاتهامات الباطلة، التي يدانون بها ويحاكمون على أساسها.

 

كثيرةٌ هي جرائم المستوطنين الإسرائيليين التي يقترفونها تحت سمع الحكومة وبصرها، وبرعايتها ومباركتها، وبسلاحها وأدواتها، وكثيرةٌ هي آثارهم ومشاهد عدوانهم والشهود على اعتداءاتهم، فهلا عجل القانونيون الأحرار والمحامون الإنسانيون، والفلسطينيون والعرب والمسلمون، إلى رفع قضايا ضدهم، وملاحقتهم ومحاسبتهم، والتضييق عليهم ومحاكمتهم، فلعل هذا الإجراء يلجمهم والقانون الدولي يردعهم، أو يكون سبباً في التشويش عليهم وإرباكهم، فكل سلاحٍ ضدهم يلزمنا، وكل سبيلٍ يضعفهم ويفض العالم من حولهم، يجب أن نطرقه ونسلكه، وأن نستغله ونستخدمه.

 

بيروت في 24/12/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhNYbUNz1JSAoxnhDe2SzoLZucXnobT%3D%2BjzhG5YFyHCbQ%40mail.gmail.com.

Wednesday, 22 December 2021

{الفكر القومي العربي} وا يوسفاه فلسطينيةٌ ثائرةٌ ووا معتصماه عربيةٌ خائبةٌ

وا يوسفاه فلسطينيةٌ ثائرةٌ ووا معتصماه عربيةٌ خائبةٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لم يمنعه قيدُه، ولم يعجزه أسرُه، ولم يؤخره عزلُه، ولم يفقده العزمَ ألمُه، بل ثار حراً، وانتفض شرفاً، وانتقم كرامةً، وقرر أن يكون أول الثائرين وأسبق المنتقمين، وأسرعهم على العدو رداً، وأوضحهم له رسالةً، فاستل أداته المدببة، وإن لم تكن حادةً تقتل، أو قاسيةً صلبةً تؤذي، إلا أنه أرادها رسالةً إلى العدو فلسطينيةً، صريحةً واضحةً، ومباشرةً وسريعة، ولو كانت بمخرزٍ صغيرٍ، لكنها تلقن درساً وتعبر عن موقفٍ، أننا لا نسمح بالاعتداء على نسائنا، ولا نسكت عمن يضيم بناتنا، أو يضيق عليهم حبسهن، أو يعاقبهن فوق الأسر والعقاب عزلاً وقمعاً، فنساؤنا حرائر كُنَّ أو أسيراتٍ، عجائز وأمهات أو صبايا وشاباتٍ، فهن حرمٌ لا يمس، وشرفٌ لا ينتهك، وكرامةٌ لا تداس، والويل كل الويل لمن يتطاول عليهن أو ينتهك سترهن، أو يخدش حياءهن ويهين نفوسهن.

 

ما قام به الأسير الحر الثائر الغيور يوسف المبحوح، ليس إلا رسالةً رمزيةً باسم الشعب الفلسطيني كله، تحمل تهديداً ووعيداً وعزماً أكيداً إلى العدو الصهيوني ومن سانده وأيده، وإلى كل من سكت عنه وجبن عن انتقاده والرد عليه، أو تردد في استنكار فعله وشجب جريمته، أن يكف عن إجراءاته، وأن يتوقف عن ممارساته، وأن ينهي كافة التدابير التي اتخذتها سلطة مصلحة السجون الإسرائيلية ضد نسائنا الحرائر، اللاتي يقبعن في سجونه، ويعانين في معتقلاته، ويضطهدن بممارساته، وليعلم أنه سيجبر عما قريب رغم أنفه، شاء أو أبى، وتمنع أو اشتكى، على أن يفتح لهن أبواب سجونه، ويقف صاغراً أمامهن لا يقوى على المساس بهن، وهن يتنسمن الحرية، ويتهيأن للعودة إلى بيوتهن، حيث أهلهن وأطفالهن، وعائلاتهن وأحيائهن.

 

ألا يخجل هذا العدو الدعيِّ الأفاق، الذي يدعي أنه "الدولة" الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وأنه ينتسب إلى الأمم المتحضرة والبلاد المتقدمة، التي تحترم حقوق الإنسان، وتقدر المرأة وتصون الطفل، وأن جيشه وأجهزته الأمنية والشرطية، هم الأكثر مناقبية في العالم، بينما يقوم بحبس حرية نساءٍ واعتقالهن، وتعذيبهن والإساءة إليهن، وحجزهن في ظروف صعبة تخلو من كل الشروط الإنسانية، في زنازين معزولة، باردة شتاءً حارةً صيفاً، تفتقر إلى أساسيات حياة الأسرى وحاجياتهم الحيوية والإنسانية اليومية، ويرفض الإحسان إليهن أو حفظ حقوقهن ورعاية ظروفهن، وقد شهدت المؤسسات الحقوقية الدولية، والإسرائيلية والفلسطينية، أنه يمارس القمع ضدهن، ولا يراعي حاجتهن الطبيعية، بل يعذب الحامل، ويضطهد الأمَ، وينتزع منها الطفل، ويقسو على المريضة منهن.

 

ليست هي المرة الأولى التي يستهدف فيها العدو الإسرائيلي نساءنا في سجونه ومعتقلاته، بل هي سياسته الدائمة ومنهجه القمعي المعروف لدى شعبنا، فقد اعتاد العدو أن يصب جام غضبه على الأسرى عموماً، والشواهد على ذلك كثيرة وعديدة، وهي مستمرة ولا تتوقف، لعلمه أنه يوجع الشعب الفلسطيني كله عندما يمس الأسرى والمعتقلين بسوء أو يطالهم بأذى، ولكنه يدرك أنه يؤلم الشعب الفلسطيني أكثر عندما يضيق على نسائهم الأسيرات، ويستهدف بناتهم الحرائر وأمهاتهم الماجدات، اللاتي يرفضن الخضوع لإرادته، ويكابرن في مواجهة سياسته، ويعاندن في التصدي لمخططاته ومقاومة إجراءاته.

 

قد لا تكفي طعنة يوسف في لجم العدو وإسكاته، أو في تعليمه وإخضاعه، وقد يكون في حاجةٍ إلى المزيد منها ومن غيرها ليرعوي ويتراجع، وهو ما قد تحمله الأيام القادمة، فالفلسطينيون لن يقبلوا من العدو أن يفرض عليهم سياساته، وأن يخضع الجميع لمعادلاته، وأن يطبق ما يريد وينفذ حراً ما يخطط، ولعله نفسه يتوقع دوماً من الفلسطينيين غضبةً كهذه وأشد، ويتهيأ لانتقامٍ كهذا وأسرع، وقد تأتيه ضرباتٌ من حيث لا يتوقع، أو يتلقى طعناتٍ من حيث لا يحتسب، فالفلسطينيون يتلمظون ويستعدون، ومقاومتهم تعد وتتوعد، وكل هدفٍ ضد العدو مشروعٌ، وكل مستوطنٍ وجنديٍ موتورٌ، منهم يجب الثأر والانتقام، وإلا مضى العدو في غيه سادرياً، وفي ظلمه مصراً.

 

إلا أن العدو الذي استفرد بالفلسطينيين وأسراه من الرجال والنساء، بات واثقاً مطمئناً أن صرخة الأسيرات واستغاثتهن لا معتصم عربي لها، ولا مضري يغضب لأجلها، ولا عمري يستل سيفه غيرةً عليها، ولا من يستجرن به لنصرتهن ومساعدتهن، أو استنقاذهن وتحريرهن، فقد استراح العدو إذ استناخ العرب، وباتت نوقهم حملاناً، ونسورهم بغاثاً، لا يخيفون عدواً، ولا ينصرون صديقاً، ولا يدفعون عن أنفسهم البِلَى، ولا يردون عن صاحبهم الأذى، ولا يعيبهم في عيونهم القذى، فقد ارتضوا أن يكونوا للعدو سنداً وله عوناً، يسترون عيبه، ولا يفضحون أمره، ويصدون من انبرى للهجوم عليه أو الانتقام منه.

 

ليس غريباً أن يثور يوسف المبحوح وينتقم، وأن يغضب وينتفض، فهو ينتسب في مخيم جباليا الثائر إلى عائلةٍ عريقةٍ، عرفت بالمقاومة والجهاد، سبقها إلى سوح المقاومة وميادين الشهادة رجالٌ كبارٌ وأبطالٌ شجعان، كان منهم الشهيد محمود المبحوح، الذي جهز المقاومين وأمدهم بالسلاح، ومن قبل خطف جنودهم وأذل قيادتهم، وفي شهادته فضحهم وهتك سترهم، وقد فرح والد يوسف بما قام به ابنه وافتخر، وأشاد بعمليته واعتبرها شرفاً له ولشعبه، ورأى أن شرف الأسيرات خطٌ أحمر، وحذر العدو من المساس بهم، وإلا عليه أن ينتظر إلى جانب رد ولده ردوداً أخرى وعملياتٍ أكبر.

 

بيروت في 22/12/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojj6D5ZDCBAxpa2Ou3bOu43gGYm_S2Z2ZE8LjmBrCVMToQ%40mail.gmail.com.

Monday, 6 December 2021

{الفكر القومي العربي} روادُ القدسِ الأغيارُ يحملونَ سيفَها البتار

روادُ القدسِ الأغيارُ يحملونَ سيفَها البتار

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

تنادى مئاتُ المشاركين من جهات الدنيا الأربعة، رجالاً ونساءً، شيباً وشباناً، عرباً وعجماً، يمثلون طيف الأمة كلها، من أكثر من أربعين دولة عربية وإسلامية، تلبيةً لنداء القدس ومسجدها الأقصى، ونصرةً لفلسطين وأهلها، واستجابةً لصرختها ومعاناتها، وهبةً لنجدتها والدفاع عنها، وإحساساً بهمومها وأحزانها، وإدراكاً منهم لحجم الأخطار المحدقة بها وخبث المؤامرات التي تحاك ضدها، وقد تجشم المشاركون جميعاً عناء السفر من بلادٍ بعيدةٍ وأماكن نائيةٍ، وصبروا على التعب واللأواء، والبرد والزمهير والرياح، وتحمل أغلبهم تكاليف السفر والإقامة، وساهموا بالقدر الذي يستطيعون في إنجاح المؤتمر، وتحقيق الأهداف المرجوة منه.

 

إنه المؤتمر الثاني عشر لرواد بيت المقدس، الذي يعقده وينظمه الائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين، تحت شعار "رواد القدس يحملون سيفها"، وقد سبقه أحد عشر مؤتمراً، لا يقلون أهميةً عن الأخير في السلسلة المقدسية الذهبية، التي عقدت كلها تحت شعاراتٍ مختلفةٍ، نصرةً للقدس وفلسطين، إلا أن المؤتمر الأخير يختلف عن سابقيه، فقد جاء بعد معركة سيف القدس الباسلة، التي أبلى فيها الفلسطينيون بلاءً حسناً، وأدت فيها المقاومة دورها الرائد، الذي أظهر دورها السني، وعملها البهي، ومصداقيتها النضية، وجدواها العملية، وفرضت على العدو معادلةً جديدةً، تختلف عما مضى، وتتجاوز مع اعتاد عليه وعرف، فقد انتصرت المقاومة للقدس، وأعلنت أنها لن تتخلى عنها أو عن أي مدينةٍ فلسطينيةٍ أخرى يستهدفها العدو أو يستفرد بها.

 

لم يقتصر المؤتمر على الكلمات والخطابات، ولا الأناشيد والتسجيلات، وإنما كان هناك عرضٌ علميٌ عمليٌ رائعٌ ورائدٌ، لمشاريع مستقبلية ناهزت الأربعين مشروعاً، تستهدف القدس والأجيال، والأقصى والأمة، والقرآن والمقدسات، والأطفال والذاكرة، والتاريخ والحضارة، قامت بتصميمها وإعدادها وإخراجها مجموعاتٌ عربية وإسلامية شابة من الجنسين، ممن تملؤهم الحماسة والحمية، والغيرة والحرص، والتميز والإبداع، وهم في أغلبهم شبان في مقتبل العمر، يعملون بلا كللٍ ولا مللٍ، بعقيدةٍ واقتدارٍ، والتزامٍ وإيمانٍ، طوعاً واختياراً، وتضحيةً وفداءً، من أجل القدس وفلسطين، يقتطعون الأوقات من حياتهم، ويدفعون من جيوبهم، ولا ينتظرون عطاءً من غير الخالق عز وجل أو جزاءً، فبدت أعمالهم موفقة، ومشاريعهم رائعة، وأهدافهم كبيرة، وغاياتهم سامية، وجهودهم بإذن الله مباركة، ستثمر اليوم أو غداً، جنىً يرضى، وحصاداً يسعد، وغرساً في القدس ينمو، وفي كل أرض فلسطين يكبر ويثمرُ حريةً وانتصاراً، وعودةً وتحريراً.

 

الوفود التي أمت المؤتمر وشاركت فيه، وفودٌ شعبية، تمثل سواد الأمة الفقير، وجمهورها المعدم، وعامتها البسيط المُتعَب، الذين يقضون أعمارهم بحثاً عن قوت يومهم ورزق عيالهم، ولكنهم في ساعة العطاء كانوا كعثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه في تجهيز جيش العسرة، فأعطوا بسخاء، وتبرعوا بكرم، وتعهدوا بصدق، وقدموا غاية ما يملكون وأقصى ما يستطيعون، مدخرين ما قدموا لفلسطين وقدسها وأقصاها، في سبيل الله عز وجل، الذي لا تضيع عنده الجهود، ولا يفقد من أقرضه ماله وادخر عنده جنى عمره، فكان حصاد ما جمعوا كبيراً، وحصيلة ما تبرعوا بركةً وخيراً كثيراً، سيراه المسجد الأقصى نوراً، والقدس ثباتاً، وفلسطين حريةً وانتصاراً.

 

أما القيمون على المؤتمر، غير رائدهم الكبير المهندس منير سعيد، ورئيس لجنتهم التحضيرية التونسي الشاب المتألق، فقد كانوا مجموعةً أخرى من الشبان اليافعين، المبدعين المتميزين، شكلوا بتنوعهم واختلافهم لوحةً جميلةً وثوباً قشيباً، عكسوا صورة الأمة التي تتحد أطرافها ويلتقي أبناؤها جميعاً من أجل القدس وفلسطين، وقد ازدانوا بالعرض الرشيق والتقديم الرائع، وحافظوا على لغتنا العربية الجميلة البليغة، وأدبها الراقي وبلاغتها الساحرة، فغدت كلماتهم أدباً وشعراً رائعاً، بديعاً مميزاً، خالياً من الأخطاء والعثرات، ومتجاوزاً للسقطات والهنات، حتى بدت مقدماتهم جدولاً رقراقاً صافياً، ينساب بسهولة، ويجري بسرعة، فأصغى إليهم الحضور، وأُعجب بجميل نظمهم وفاتن نثرهم السامعون، فاستحقوا الشكر والإشادة من المتلقين والملقين على السواء.

 

تزامن انعقاد المؤتمر مع مناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي أطلقته الأمم المتحدة بهذا التاريخ من العام 1978، فكانت كلماته صرخةً في آذان وضمائر المجتمع الدولي، ووخزاً وتأنيباً لهم، وتذكيراً لهم بالواجب الملقى على عاتقهم، والدور الذي يجب أن يلعبوه لتحقيق العدالة وإعادة الحقوق إلى أصحابها، واستعادة الفلسطينيين جميعاً في الوطن والشتات حريتهم، وتمكينهم من بناء دولتهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم، وإلا فإنهم كما كانوا شركاء في أصل الجريمة، وساهموا في احتلال الأرض واغتصاب الحقوق، فإنهم بمواقفهم المنحازة ما زالوا شركاء فيها، ويتحملون كامل المسؤولية عن نتائج سياساتهم الجائرة.

 

توجُ رواد بيت المقدس مؤتمرهم الثاني عشر، ببيانٍ ختاميٍ جامعٍ، عبر عن روح الأمة وآمالها، وعبر عن حالها وأحلامها، فجاءت كلماته حادةً كحدي سيف القدس البتار، حيث أكد على وحدة الأمة ووجوب حوار أبنائها واتحاد أطيافها، ورأى أن التطبيع مع العدو الصهيوني خيانةً ويجب التوقف عنه ومحاربته، وكرم المقاطعين العرب وأشاد بمواقفهم، واعتبر أن القدس هي قلب الصراع ومركز الأمة، ودعا إلى الدفاع عنها والعمل على تحريرها واستعادتها، ولم تغب قضية الأسرى ومعاناتهم عن بيانهم الذي رصع بنوده بالعمل على تحريرهم واستنقاذهم من براثن المحتل السجان.

 

هو مؤتمر رواد القدس بحق، وطلائع جيش الأمة الفاتح غداً، وسيفها البتار العائد، وقوسها المشدود المستعد، وسهمها المبري الجاهز، الذي لن تضيع جهوده هدراً، ولن يذهب عمله سدىً، ولن تجف كلماته أو تمزق صحفه، ولن يمل أعضاؤه، ولن يتعب القائمون عليه، حتى تتحقق الأهداف المرجوة والغايات المنشودة، ويأتي اليوم الذي نراه بإذن الله قريباً، الذي نعقد فيه مؤتمرنا الجامع في مدينة القدس الحرة، وفي رحاب مسجدها الأقصى المبارك، وبحضور ومشاركة الأمة كلها، وأبنائهم جميعاً، إنه على ما يشاء قدير، وبتحقيق الوعد الآخر جدير. 

استنانبول في 7/12/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjgoVyKS0RdQNE9MNP6X5Netoz82VJLt96FWSH1ZOWHUPg%40mail.gmail.com.

{الفكر القومي العربي} محمد اليوسف حبيبُ الشعبِ يرحلُ وسندُ الأيتامِ يترجلُ

محمد اليوسف حبيبُ الشعبِ يرحلُ وسندُ الأيتامِ يترجلُ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

بكته العيونُ، وحزنت لرحيله القلوبُ، وجزع لموته المحبون، وغصت لوفاته المفاجئةِ النفوسُ، واضطرب لسماع الخبر المعوزون وذووا الحاجات المتعففون، وخرج الفلسطينيون في مخيمات لبنان يتساءلون، وفي مدنه وبلداته على فراقه يتحسرون، واستيقظ المغتربون يتصلون ويتأكدون، وعقدت الصدمةُ ألسنَ إخوانه المحبين وأصدقائه المقربين، وكلهم قد أصابهم النبأ بالصدمة، ونزل بهم الخبر كما الصاعقة، وقد شاهده بعضهم صباحاً على قدميه يمشي، وبهمةٍ يهرول، وبأملٍ يسعى، فلا شيء يقلقه، ولا مرض يقعده، ولا شكوى تيأسه، وقد أعد برنامجه اليومي كما اعتاد، وأرجأ بعض مهامه حتى يعود، فقد كان عفيَّاً قادراً، ذا همةٍ عاليةٍ مقداماً، سليماً معافىً لا يشكو،  وصاحب عزمٍ لا يلينُ، ويقينٍ لا يضعفُ.

 

إنه محمد اليوسف، المكنى كبقية أشقائه السبعة وهو ثامنهم، بأبي السعيد، تيمناً بشقيقهم الأكبر "المغيب" القائد سعيد اليوسف، الذي حافظت عائلته على ذكره، وأصرت على اسمه، وما زالت تذكره قائداً، وتعظمه أخاً، وتفتخر به مسؤولاً، وتتشرف به مناضلاً، وهو الذي سبقهم إلى ميادين المقاومة وسوح النضال، وغرس فيهم حب الوطن والتضحية في سبيله، وعلمهم العطاء بلا حدودٍ والفداء من أجل الوطن، فكان محمد كبقية أشقائه أبا سعيدٍ آخر، وفياً له، ومخلصاً مثله، وصادق الوعد يشبهه، سائراً على الدرب، وماضياً على النهج، وحافظاً العهد، وواثقاً بالنصر وإن تأخر، وبالعودة وإن تعذرت.

 

وافته المنيةُ فجأةً وهو يحمل ملفات المرضى، ويمسك بين يديه أوراقهم، ويحمل هموم فقرائهم وطلبات محتاجيهم، ويحفظ في ذاكرته مطالبهم الملحة وحالاتهم الإنسانية، وهمومهم اليومية، وهو الذي عاش بينهم في مخيم عين الحلوة، وأصر أن يكون منهم ولا يختلف عنهم، يجاورهم ولا يسكن بعيداً عنهم، يخف إليهم كل صباح، ويطرق أبوابهم في الليل والنهار، وقد عَمَّرَ بيت العائلة الكبير وفتحه، وجعله عنواناً لأهله، وبيتاً لشعبه، وسرداقاً لأفراحه، ومنزلاً يخفف أحزانهم ويسري عنهم، ويهون عليهم همومهم وآلامهم.

 

فقد كان محمد اليوسف، الباسم الثغر، العذب الكلمة، الباش الوجه، الحيوي النشط، السريع السباق، الخدوم المعطاء، البسيط المتواضع، الطيب الخلوق، المعروف بكوفيته، والمشهور ببسمته، يسعى لشعبه ويعمل من أجلهم، ويسخر أوقاته خدمةً لهم، ويوظف علاقاته للتخفيف عنهم وتقديم العون لهم، يحجز لبعضهم مواعيدَ، ويحدد لغيرهم لقاءاتٍ، ويحصل لآخرين حسوماً وتخفيضاتٍ مالية تخفف عنهم الأعباء، وترفع عن كواهلهم الهموم، وترسم على شفاههم البسمة، وتزرع في قلوبهم الأمل، وقد رحل عن الدنيا وملفات شعبه بين يديه، لم يتخلَ عنهم ولم يبخل عليهم، حتى آخر يومٍ من حياته، لم تشغله همومه عنهم، ولم ينسه مرضه ومعاناته حاجات أهله وشجون شعبه.

 

استحق بجدارةٍ لقب "حبيب الشعب"، وكان جديراً به، فقد منحه الشعب هذا اللقب مختاراً، وقلده أرفع الأوسمة الشعبية، ووضعه في أعلى المناصب والرتب الوطنية، وعلق على صدره أعظم النياشين الإنسانية، وليس أصدق من الشعب وصفاً، ولا أخلص منه تقديراً، فقد رأوا فيه الصدق والوفاء، والحب والحرص، والعمل والعطاء، والإخلاص والتجرد، والتفاني والإيثار، وهو الذي فتح بيوتاً مغلقة، وأفرح قلوباً حزينة، وكفكف دموعاً ساخنةً، ومسح على رؤوس الأطفال الأيتام وربت على ظهورهم، وأقسم لهم أن يبرهم ويحفظهم، وأن يرعاهم ويكلأهم، وأن يعوضهم ما استطاع عمن فقدوا، فلا يشكون عجزاً، ولا يشكون نقصاً، ولا يعانون عوزاً وحاجةً.

 

يقول الفلسطينيون في صيدا ومخيماتها، وفي جنوب لبنان ومخيماته، وفي عاصمته وشماله، أنهم ما شهدوا منذ سنواتٍ جنازةً تشبه جنازة المرحوم محمد اليوسف، فقد كانت جنازةً مهيبةً، ومسيرةً عظيمةً، ووداعاً شعبياً مشهوداً، وحضوراً لافتاً، استرعى الأنظار كثافتُه، ولفت المراقبين حشودُه، وقد خرجوا من بيوتهم، رجالاً ونساءً، وشيباً وشباباً، على أقدامهم سائرين، مختارين طائعين، صامتين بخشوع وباكين بألمٍ، وكأن الفقيد فقيدهم، والمرحوم ابنهم، والفاجعة فجيعتهم، يودعون رجلاً منهم، لا يختلف عنهم، ولا يتكبر عليهم، يشعر بأوجاعهم، ويتألم لمعاناتهم، ويحلم مثلهم.

 

في وجوه المعزين الكثيرة رأيته، وفي عيونهم شاهدت ملامحه وعرفت الكثير من صفاته، فقد أَمَّ بيت العزاء في دار أخيه العامرة اللواء ناظم اليوسف، آلاف الفلسطينيين الذين عرفهم وعرفوه، وألفهم وألفوه، وكان لهم سنداً وعوناً، فرأيت الفزع في عيونهم، والجزع في نفوسهم، فقد انكسر ظهرهم، وغاب معيلهم، ورحل الرجل الذي يعنى بهم، ولسان حالهم يقول من لنا من بعده، ومن سيهتم بشؤوننا بعد رحيله، وهو الذي كان لا يرد أحداً، ولا يطردُ سائلاً، ولا يمتنع عن مساعدةِ محتاجاً، فكان ينفق من لا يخشى الفقر، ويعطي من يملك سخاء البحر، وإن لم يكن في جيبه شيئاً أو في حوزته مالاً، فقد كان يعطي وعينه في عيني الله عز وجل الذي لا يخيب أمثاله، ولا يفقده رجاءه.

 

أما بالنسبة لي شخصياً فقد أفجعني موته، وأحزنني رحيله، وإن كنت أؤمن بالقضاء والقدر وأسلم بالأجل، وأرضى بحكم الله عز وجل وقضائه، ولكن غيابه السريع وموته المفاجئ آلمني، وهو الذي عرفته أخاً معيناً وصديقاً قريباً، ألفته منذ اليوم الأول الذي أُبعدت فيه إلى لبنان، وأحببته منذ أن عرفته، وشاركني أعباء العمل وهموم الحياة، وسعدت به وهو يفاخر الجميع بأنه أول العاملين في حركة حماس وإن لم يكن ينتسب لها، لكنه سبق الجميع عملاً وعطاءً، وجهداً وسعياً، فكان من أوائل من خدم في صفوفها نيابةً عن أبنائها، وأداءً لواجبٍ رأى أنه يستطيع أن يقوم به وأن يحسن فيه، فسبق بالفضل أخاه علياً وبَزَّه، وتباهى عليه وتفاخر.

 

رحم الله أبا السعيد محمد اليوسف، وتغمده بواسع رحمته، وجعل الجنة مثواه والفردوس الأعلى منزله، وجمعه في جنان الخلد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الأخيار والشهداء الأبرار، وعوض الله أهله خيراً، وجعل أولاده من بعده خير خلفٍ لخير سلفٍ، يبرونه ميتاً، ولا يقطعون عمله الصالح وقد رحل، ويحفظون بيته عامراً وذكره طيباً، ويواصلون بالبر عطاءه وبالخير فعاله، فقد والله سبق بصدقه، ونال الدرجات العلى بإخلاصه، ولا نزكيه على الله عز وجل، ولكننا ندعوه سبحانه وتعالى أن يجعله في الآخرة كما كان في الدنيا في أعلى عليين، فرحمة الله عليك أبا السعيد، وسلام الله عليك في الخالدين.

 

بيروت في 30/11/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojine6H0%2BHe5hesRk8_Bp-4AcGR3wb46nCmBANYKiNegRw%40mail.gmail.com.