Wednesday, 29 March 2023

{الفكر القومي العربي} الحرس الوطني الإسرائيلي الهوية والمهمة والمرجعية

الحرس الوطني الإسرائيلي الهوية والمهمة والمرجعية

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

منذ أن بدأت مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية، واليمين الإسرائيلي يتحدث عن المصادقة على تشكيل قوة عسكرية ضاربة جديدة تحمل اسم "الأمن الوطني"، وتتولى مهاماً عسكرية وأمنية جديدة، وتأخذ جزءً من صلاحيات الجيش والأجهزة الأمنية، لكنها لا تخضع لهما ولا تلتزم بسياستهما، وإنما تتبع لوزير الأمن القومي، وتنشط في المناطق الفلسطينية كافةً، ولا يقتصر عملها في الضفة الغربية فقط، وإنما يمتد ليشمل المدن والبلدات الفلسطينية في الأرض المحتلة.

 

وكان ثنائي الصهيونية الدينية بن غفير وسموتريتش قد اشترطا على نتنياهو قبل الدخول في ائتلافٍ معه، التوقيع على عشرات الاتفاقيات، وتمرير العديد من القرارات في الكنيست الإسرائيلي، ومنها الموافقة على تشكيل "الحرس الوطني"، وإلحاقه بوزارة الأمن الداخلي بعد تغيير اسمها إلى وزارة "الأمن القومي"، وإخضاعها إلى إيتمار بن غفير، الذي يخطط لاستخدامها ضد الفلسطينيين، واستغلال صلاحياتها في محاصرتهم والتضييق عليهم، وقمعهم ومنعهم من التوسع والبناء، وممارسة الضغوط القصوى ضدهم.

 

فما هي هذه القوة الجديدة المسماة "الحرس الوطني" وما هي مهامها، وكيف ستتشكل وأين ستعمل، وكم عدد عناصرها وما هو عتادها ونوعية تجهيزاتها، وهل ستخضع لإدارة الجيش وستلتزم بسياسته، أم أن لها برامج مختلفة وأهداف خاصة، وهل سيخضع لسياستها المستوطنون الإسرائيليون، أم أنها ستمارس سلطاتها ضد الفلسطينيين فقط، وهل هو نفسه الأمن الوطني الذي صادق على تشكيله رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينت، على أن يتبع حرس الحدود وجهاز الشرطة العام، لتمكينهما من أداء مهامهما، والتعويض عن غياب وعدم قدرة الشرطة عن القيام بواجبها، فضلاً عن قمع العنف وفض التظاهرات في الأوساط العربية.

 

ولماذا يعترض معسكر المعارضة على تشكيلها ويطالبون نتنياهو وحكومته بعدم الموافقة عليها، أم أنهم يرفضون تشكيل أي قوة عسكرية خارجة عن سلطة الجيش، ويعتبرون التشكيل الجديد مليشيا بيد وزيرٍ غير ذي صفةٍ.

 

أم أنهم حريصون على المصالح الفلسطينية، ويخشون تغول "الحرس الوطني" عليهم واعتدائه على حقوقهم وممتلكاتهم، خاصةً أنه سيكون تحت سلطة وزير متطرف.

 

أم أنهم يخشون على صورة كيانهم، ويخافون على مستقبل وجودهم، ويرفضون الصورة النمطية المتطرفة التي يرسمها المتطرفون لكيانهم، ويرون أن اليمين الإسرائيلي الحاكم يقود كيانهم نحو الهاوية، ويعجل بصناعة الخاتمة، التي باتت تبدو لهم قريبة، لكنها ستكون دموية، إذ ستخالطها دماءٌ يهودية، وستصاحبها هجرة معاكسة، لا تقتصر على المستوطنين فقط، بل ستسبقها هجرة الأدمغة ورجال الأعمال ورؤوس المال.

 

يتشكل الأمن الوطني الإسرائيلي من مدنيين وأمنيين وعسكريين متقاعدين، ويتبع وزارة الأمن الوطني، ويتلقى منها ميزانيته السنوية، التي قدرت للتأسيس لمرةٍ واحدة بقيمة 32 مليون دولار، وسنوياً بقيمة 17.5 مليون دولار، على أن تراعي الوزارة الحاجات المستجدة للتشكيل الجديد، سواء المتعلقة بالتجهيزات والمعدات، أو الخاصة بالعناصر والعاملين، ويتميز المنتسبون إلى الحرس الوطني وهم عدة آلاف من المتطوعين، بالكفاءة العالية، والخبرة والتجربة، والقدرة على الانتقال السريع، والعمل في وقتٍ واحدٍ على أكثر من جبهة، والقدرة الفائقة على ضبط الأمن والتصدي للعنف وفض المظاهرات.

 

قد لا يشكل الحرس الوطني خطورةً جديدةً أو إضافية على الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، فجيش الاحتلال وشرطته لا يقصران أبداً في قمع الفلسطينيين والتضييق عليهم، بدليل الإحصائيات الرسمية التي تبين حجم الشهداء وعدد الإصابات، وحالات الاعتقال والمداهمة، وعمليات الاقتحام وهدم البيوت ومصادرة الأراضي وتوسيع الاستيطان.

 

لكن الحرس الوطني الجديد، بقيادته المتطرفة المنفلتة من عقالها، قد يشكل خطورةً كبيرة على أهلنا في القدس وفي النقب وفي المدن والبلدات والتجمعات الفلسطينية، حيث سيعمل في هذه المناطق بتعليماتٍ مباشرةٍ من بن غفير، كما عمل في العام 2021 في مدينة اللد، وواجه المواطنين الفلسطينيين فيها وقتل وجرح العديد منهم، وكما عمل إثر تشكيل الحكومة في النقب خلال زيارة بن غفير لمدنه وبلداته، ومن الواضح من خلال تصريحات بن غفير وأنصاره، أن هذا الجهاز العسكري سيكون عنيفاً وقاسياً ومتطرفاً، ولن يتردد في استخدام القوة المفرطة والعنف الأقصى ضد الفلسطينيين.

 

الأمن الوطني الإسرائيلي هو صورة منظمة وشرعية عن العصابات الصهيونية القديمة، شتيرن والهاغاناة والأرجون، التي عاثت فساداً في أرضنا الفلسطينية فقتلت وهجرت، ودمرت وخربت، وصادرت ونهبت، وارتكبت المذابح ونفذت أبشع المجازر ضد شعبنا الفلسطيني، ثم أصبحت فيما بعد جزءً رئيساً من الجيش الإسرائيلي، وغدا قادتها وزراء ورؤساء حكومة، وكأن التاريخ يعيد نفسه ويكرر ذاته.

 

وهو لا يعبر عن سياسة بن غفير وسموتريتش فقط، فهما لم يؤسساه أصلاً إذ تشكل قبل انضمامهما إلى الحكومة، ولكن بن غفير تبنى فكرته وطور نظرية عمله، إلا أن أغلب الأحزاب الإسرائيلية والحكومات السابقة تتبناه وتؤيد تشكيله، وتدعم فكرة عمله، ولا تعارض انتشاره في المناطق الفلسطينية، لكنها تريد أن تخضعه بالكامل لسلطة الجيش أو الشرطة، وألا يكون بإمرة وزيرٍ يستخدمه للعمل وفق أفكاره الخاصة.

 

إنه مليشيا مسلحة، وعصابة صهيونية منظمة، وهي جزءٌ من الدولة، وتتلقى ميزانيتها منها، ومهمتها الوحيدة قمع الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وعموم الأرض الفلسطينية المحتلة، وعناصرها هم من غلاة المتطرفين والمتشددين، ومن دعاة طرد الفلسطينيين وترحيلهم، ومن أقطاب المستوطنين وفتية التلال ومجموعات تدفيع الثمن وغيرهم، ممن يؤمنون بأن فلسطين هي "أرض إسرائيل"، وأنها لهم وحدهم خالصةً من دون العالمين، وأنه لا ينبغي أن يشاركهم فيها أحد، فهم مُلأَّكها الأصليون وأهلها الشرعيون، وأما الفلسطينيون فهم بزعمهم ليسوا شعباً، وفلسطين ليست لهم وطناً، وليس لهم فيها جذور ولا تاريخ، ولا أصول ينتمون إليها ولا آثار تدل على عيشهم فيها.

 

بيروت في 30/3/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojh7E%2B9rM4aqBfo0PF4m%3Dw-%3Dhb%3D_XuktZtGgF2WP1Ky9Rg%40mail.gmail.com.

Monday, 27 March 2023

{الفكر القومي العربي} العيون الإسرائيلية القاتلة ووحدات المستعربين الغادرة

العيون الإسرائيلية القاتلة ووحدات المستعربين الغادرة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

تالياً لمقالي السابقين المعنونين بــــ "حيرةُ المحبين في كيفية وصولِ العدو إلى المقاومين" و"الفلسطينيون في مواجهة الاغتيال الجبان والقتل الغادر"، في محاولتي لبيان كيفية وصول العدو إلى مقاومينا وقتلهم، أشير إلى أنه رغم اعتماد المخابرات الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية المختلفة على الوسائل التكنولوجية الحديثة التي بينتُ بعضها، إلا أنها لا تستغني أبداً عن المخبرين المحليين، وعن عملائها المنتشرين في مختلف المناطق الفلسطينية، الذين يتلقون تدريباتٍ خاصة، ويرتبطون ارتباطاً مباشراً بضباطٍ أمنيين يوجهونهم ويتلقون منهم مختلف المعلومات، ويقدمون لهم خدمات كثيرة جداً، أقلها تجديد المعلومات ومتابعة الشخصيات وملاحظة حضورهم وغيابهم، ومراقبة الفعاليات، ورصد الجديد والمتغيرات في المنطقة، وكل ما يلفت الأنظار ويثير الريبة، فالعدو مهما بلغت دقة أدواته التكنولوجية، فإنه يبقى أعمى دون عيونه من العملاء المحليين، والجواسيس الخائنين.

 

يستغل العملاء المحليون كل الأوساط المحيطة بهم لجمع المعلومات، وتحليل أحاديث العامة وحواراتهم، ويستفيدون كثيراً من أخطاء عناصر المقاومة الذين يثرثرون أحياناً ويتباهون، أو يتفاخر أهلهم ويتحدث عنهم أبناؤهم، ويستخدمون للوصول إلى غاياتهم المشبوهة جلسات النساء وحلقات الأطفال، وتجمعات الشبان والرجال، والمدارس والمساجد ومختلف التجمعات، ويرصدون خلالها الكلمات ويتابعون المعلومات، التي قد يأتي بعضها سهواً أو نتيجة سقطات اللسان وأخطاء الأهل غير المقصودة.

 

 يقوم العملاء المحليون بمهام أخرى كثيرة منها زرع الكاميرات حول بيوت المقاومين وأقاربهم، وفي أحيائهم وداخل مساجدهم، ووضع علاماتٍ مميزة على بيوتهم وأخرى فارقة في الشوارع والطرقات تدل عليهم، وإلصاق شرائح إليكترونية على سياراتهم الخاصة ودراجاتهم النارية، يحددون بواسطتها مسار السيارات وحركتها، وأماكن وجودها ومقرات عملها، مما يسهل على العدو استهدافها إما بالطائرات المسيرة، أو من خلال مجموعات المستعربين المدربين، وهم الأخطر والأسوأ، والأجرأ والأكثر دمويةً، حيث وقعت أغلب عمليات الاغتيال والتصفية على أيدي مجموعات المستعربين، الذين هم عناصر في الوحدات الخاصة للجيش الإسرائيلي.

 

تتشكل وحدات المستعربين التي تتبع المخابرات الإسرائيلية، وتصنف بأنها مجموعات خاصة، من عناصر أمنية مدربة تدريباً عالياً، ممن يشبهون الفلسطينيين في أشكالهم، ولا يميزون عنهم في أسمالهم، ويلبسون ثيابهم ويتقنون لهجاتهم، ويأكلون طعامهم ويعملون في محال مثلهم، وبعضهم يعيش في المناطق الفلسطينية كأنهم من أهلها، فلا يميزهم أحدٌ أو يشك فيهم.

 

ويساعدهم على البقاء في المناطق الفلسطينية والعمل فيها بعض العملاء المحليين، الذين يتخفون مثلهم ويساعدونهم في مهماتهم، ويرتبطون وإياهم بجهات التشغيل المركزية، التي تتابعهم وتوجههم، وتحميهم وتكون جاهزة في حال انكشافهم وتعرضهم للخطر، للتدخل السريع لإنقاذهم وإخراجهم، إلا أن مهام المستعربين المقيمين تختلف عن مهام وحدات العمليات الخارجية، حيث يقتصر عمل الأولى على زرع الأدوات وتشغيل الأجهزة، وجمع المعلومات وتغذية الخلايا التابعة لها.

 

أما وحدات المستعربين الخارجية فتتلخص مهامها في تنفيذ عمليات اغتيال وتصفية ضد مقاومين محددين، وتتميز هذه الوحدات بأن عناصرها الأمنية يتمتعون بقدراتٍ قتالية عالية، ولديهم خبرة كبيرة في عمليات الملاحقة والمطاردة، ويدخلون إلى المناطق الفلسطينية بسياراتٍ تحمل أرقام لوحاتٍ فلسطينية، ولا تتميز عن سيارات أهل المنطقة، وقد تكون أحياناً مسروقة من أصحابها الفلسطينيين، وتكون سيارتهم مجهزة بكل ما يلزم من أدوات القتال وسائل الاتصال، وتجهيزات التحكم والسيطرة، وتكون المجموعات على اتصالٍ كاملٍ ومباشرٍ مع قيادة الوحدة، التي تكون قريبة من المنطقة، وجاهزة بعناصرها المجهزة للتدخل السريع للدعم والإسناد وأحياناً للإنقاذ، وتربط قيادة العمليات كافة الوحدات العاملة في الميدان بطائراتٍ عسكرية لديها الجاهزية الكاملة للتدخل المباشر للقصف والتدمير.

 

إلى جانب ما ذكرنا أعلاه وما سبق، لا نستطيع أن نتجاهل حالات الاختراق والتجسس داخل المجموعات العسكرية، فقد تنجح المخابرات الإسرائيلية في زراعة بعضهم، وتنمي قدراتهم وتتابعهم، وتشرف على تدريبهم وتوجههم، وقد يرتقي بعضهم في المسؤولية والموقع، وهذا ليس بالأمر الغريب أو الشاذ، فقد شهدت أغلب حركات التحرر العالمية مثل هذا النوع من الاختراقات الأمنية، رغم الاحتياطات الكبيرة ودرجة الوعي العالية لدى المقاومة، إلا أن الطبيعة البشرية تفترض الضعف والخيانة، والمرض والغيرة، والأحقاد والكراهية، والانحراف والشذوذ وغير ذلك.

 

تحرص المخابرات الإسرائيلية على هذا النوع من العيون المتقدمة، التي يصعب اكتشافها أحياناً، رغم أنها حالات نادرة جداً، ولكنها في حال نجاح العدو في زرعها وتشغيلها، فإنها تكون من أخطر المصادر التي يعتمد عليها في الحصول على المعلومات الدقيقة والخاصة جداً، إلا أن المقاومة تنجح غالباً في كشف بعض الحالات، التي شكلت بعضها خطورة كبيرة على المقاومة، بالنظر إلى المهام التي يضطلعون بها، والمعلومات التي يمتلكونها عن أنشطة وفعاليات المقاومة.

 

تلك هي بعض الأسباب التي تمكن العدو من الوصول إلى مقاومينا والنيل منهم، آملاً أن تكون كافية للإجابة على تساؤلات المحبين، ووافية لتطمينهم على المقاومة التي يحبونها ويقلقون عليها، راجياً أن يعذرني القراء الكرام أنني لم أتعرض إلى التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية، الذي هو التنسيق الأخطر والتعاون الأقذر، وهو العين الصديقة المميتة والجدار الأهلي القاتل.

 

إلا أن هذه الوسائل مهما بلغت دقتها واشتدت خطورتها، وزاد عدد ضحاياها، فإن المقاومة الفلسطينية مصرة على تحديها ومواجهتها، واستمرار العمل رغم وجودها، وقد أثبتت عمليات المقاومة الأخيرة قدرة أبنائها على تخطي الصعاب، وتحدي المستحيل، ومواجهة العدو بكل قدرته العسكرية وتقنيته الأمنية.

 

بيروت في 28/3/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjiOGWUEaGAdcBHpkHW3rx71T2YxWk_aLTa%3D_F%2BDYAkEsQ%40mail.gmail.com.

Saturday, 25 March 2023

{الفكر القومي العربي} الفلسطينيون في مواجهة الاغتيال الجبان والقتل الغادر

الفلسطينيون في مواجهة الاغتيال الجبان والقتل الغادر

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

متابعةً لمقالي السابق المعنون بــــ "حيرةُ المحبين في كيفية وصولِ العدو إلى المقاومين"، أضيف أن العدو الإسرائيلي يستخدم ضد الفلسطينيين في هذه الحرب القذرة وسائل مختلفة وأساليب عديدة في عمليات التصفية والقتل، أغلبها لا تخضع لمعايير ميزان القوى غير المتكافئ مع المقاومة، كإطلاق النار بصورةٍ مباشرة، أو تفجير السيارات والمقار بواسطة صواريخ دقيقة تطلقها طائراته، أو بإطلاق قذائف صاروخية دقيقة الإصابة وشديدة الأثر، وأخيراً باستخدام الطائرات المسيرة الحديثة، القادرة على الوصول إلى أدق الأماكن وأضيقها، وأكثرها صعوبةً ووعورةً وتخفياً، حتى ولو كانت داخل تجمعاتٍ سكنية، أو مباني متلاصقة ومتداخلة.

 

وهو يتمتع بقدراتٍ عسكرية وأمنية كبيرة، ولديه إمكانيات تكنولوجية متطورة جداً، ويستفيد من قدرات الآخرين وتعاون الدول وتنسيق الأجهزة الأمنية الدولية المختلفة، التي تتنافس في تقديم المعلومات له، وهو لا يعتمد في حربه على الفلسطينيين على الوسائل البدائية والسبل التقليدية فقط، وإن كانت لا تزال لديه أساسية ولا يستغني عنها، وإنما يوظف التقنيات الأمنية والعسكرية والمعلوماتية وغيرها في خدمة مخططاته، وغالبها لا تستطيع المقاومة مجاراتها والسيطرة عليها أو الحد منها، اللهم إلا محاولات الاختراق الإليكترونية التي نجحت فيها إلى درجةٍ كبيرة ضمن حرب "السايبر".

 

فكما هو معلومٌ للجميع أن مساحة المناطق الفلسطينية المتاحة لهم الآن محدودة جداً، وهي تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية المباشرة، التي يتحكم في أجوائها ومحيطها، ويزرع فيها الكاميرات والمجسات والرادارات وينصب المناطيد وغيرها من أدوات المراقبة والتصوير والتسجيل، وتلعب أقماره الاصطناعية التجسسية أدوراً رئيسة في هذه الحرب، بالنظر إلى قدرتها الكبيرة على التصوير الفضائي وإجراء عمليات المسح والمقارنة.

 

كما أنه يسيطر على شبكات الاتصال السلكية واللاسلكية، وتخضع له شبكة الانترنت بكل برامجها وتطبيقاتها وخدماتها، ما يجعله قادراً على متابعة جميع مستخدمي شبكات الاتصال الأرضية والخلوية واللاسلكية، ومعرفة هواتف المقاومين وتحديد شخصياتهم وأماكن وجودهم، وهو يستطيع مراقبة جميع برامج التواصل الاجتماعي المشهورة والمغمورة، ورصد بعض الكلمات المفتاحية، كما أن لديه القدرة على تفكيك الرسائل المشفرة، ومتابعة الحوارات والدردشات، وتسجيل المكالمات وتحديد الشخصيات من خلال تقنية البصمة الصوتية، وهو يتحكم في جميع الخوادم الإليكترونية ومحطات الهواتف الخلوية، ومقاسم وخطوط الهواتف الأرضية، وهي الأدوات التي تستخدمها المقاومة ويستخف بها رجالها، ولا يلقون لها بالاً ولا يحذرون منها.

 

كما أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تستفيد إلى درجةِ كبيرةٍ جداً من كاميرات الفلسطينيين، التي تنتشر في الطرقات العامة وعلى أبواب المحال التجارية، فضلاً عن كاميرات المساكن الشخصية، وحيث أنها جميعها مرتبطة بشبكة الانترنت، ويمكن التحكم في بعضها عن بعد، فإن المخابرات الإسرائيلية تستطيع أن تحصل على مادة الكاميرات الفورية والمخزنة وتستفيد منها، كما أنها تداهم أحياناً بعض المحال والبيوت وتنزع منها كاميراتها، وتقوم بتفريغ محتوياتها، وهي غالباً تحوي معلوماتٍ أمنية خاصة، كان من الصعب عليه أن يحصل عليها بجهوده الخاصة، لولا هذه الكاميرات المصنفة بأنها كاميرات أهلية آمنة.

 

أما الثغرة الأكبر والأخطر التي تستغلها المخابرات الإسرائيلية في الوصول إلى المقاومين، فهي متابعة الهواتف ومراقبة الاتصالات، حيث يستسهل المقاومون الاتصال بعائلاتهم وأقاربهم ومعارفهم، ويتحللون من الضوابط الأمنية ويتحدثون ويثرثرون، وتكون المكالمات غالباً تحت المراقبة والمتابعة، مما يمكن العدو من التعرف عليهم وتحديد أماكنهم، واستهدافهم بالطريقة التي يرونها الأنسب والأفضل، والأقل كلفةً وعرضةً للمخاطر، وقد تبين أن أغلب عمليات الاغتيال الصاروخية تتم من خلال متابعة الهواتف الخلوية، حيث تسقط الصواريخ على حامليها، أو على المناطق التي توجد فيها، وقد لاحظ الفلسطينيون أن الصواريخ تلحق الأجهزة الخلوية إلى الأماكن التي تلقى فيها.

 

يساعد العدو في دقة تحديد الأشخاص والوصول إليهم، أنه يملك قاعدة بيانات دقيقة لكل الفلسطينيين، تتضمن صورهم الشخصية التي يقومون عادة بتبادلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وتقوم المخابرات بجمعها وتحليلها والاستفادة منها، حيث تحدد من خلالها بصمة العين وملامح الوجه، فضلاً عن البصمة الصوتية من خلال التسجيلات المحفوظة لديها، ومن المعروف أن لدى العدو الإسرائيلي أقوى برامج التجسس والرقابة على الهواتف الخلوية، ومن أشهرها برنامج "بيغاسوس".

 

كما تلجأ المخابرات الإسرائيلية إلى تسهيل بيع ونشر أسلحة، بنادق ومسدسات، مزودة بشرائح خاصة، من شأنها تسجيل مختلف التفاصيل المتعلقة بمستخدميها، مما يسهل عليها تحديد شخصية حاملها ومكان وجوده، وأحياناً تحصل من خلال أجهزة التنصت والتصوير المزروعة في هذه الأسلحة على معلوماتٍ أكثر وأدق، إذ من الممكن أن يتبادل المقاومون أسلحتهم، أو يقومون بعمليات تدريبٍ أو مناوراتٍ مشتركة، مما يقود إلى تحديد أماكنهم وإحباط عملياتهم، ومعرفة المناطق التي ينتشرون فيها أو ينوون العمل فيها.

 

ربما لا أستطيع في هذه المقالات التي سأتبعها بمقالاتٍ خاصة عن العيون والعملاء المحليين، وعن المستعربين وثرثرة المقاومين والمحيطين بهم وضعف الحس الأمني لديهم، أن أحيط شمولاً بمختلف الوسائل التي يستخدمها العدو في حربه على الفلسطينيين، والتي تمكنه من تسجيل نقاطٍ لصالحه ضدهم، ولكنني أزعم أنها ستساعد بلا شك في بيان الأسباب التي تمكن العدو من الوصول إلى مقاومينا والنيل منهم، وإزالة الشبهات عن فشل المقاومة وعجزها، وقد يكون فيما سيلي ما يوضح الحقائق ويجيب على التساؤلات والمخاوف.

يتبع...... 

 

بيروت في 26/3/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjgB6g50MAvy-UTQbdBVT4on4Fkfehqz9KjxwPFMu%2B1LKw%40mail.gmail.com.

Friday, 24 March 2023

{الفكر القومي العربي} حيرةُ المحبين في كيفية وصولِ العدو إلى المقاومين

حيرةُ المحبين في كيفية وصولِ العدو إلى المقاومين

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

بحزنٍ وحيرةٍ وأسى يتساءل المحبون لفلسطين وشعبها، والمتضامنون معها والمؤيدون لقضيتها، وأبناؤها المخلصون وأهلها الغيورون، الذين تحزنهم عمليات الاغتيال اليومية، وجرائم التصفية الجسدية التي تقترفها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في حق الفلسطينيين في الداخل، فتقتل خيرة الشبان، ونخبة المقاومين، وأمهر القادة وأقدر المسؤولين، عن كيفية نجاح جيش العدو وأجهزته الأمنية في الوصول إليهم وتحديد مكانهم وتمييز أشخاصهم، فضلاً عن معرفة أنشطتهم العسكرية وتحركاتهم اليومية، ويحارون في قدرته الدائمة على النيل منهم، ونجاحه في قتلهم وتصفيتهم بوسائل مختلفة وأشكال متعددة، حيث يلاحقهم في بلداتهم ومخيماتهم، وبين أهلهم ووسط شعبهم، ويدخل إلى حواريهم الضيقة وأزقتهم المتشعبة، حيث يفترض أنهم في مأمنٍ منه، ورغم ذلك فهو ينال منهم ويقتلهم.

 

يزيد في حيرة المتسائلين وأغلبهم من المحبين لفلسطين، ومن أهلها الذين يعيشون في الشتات، ولا يعرفون طبيعة العدو، ولا يدركون حقيقة المواجهة معه، إذ لا خبرة عندهم، ولا تجربة سابقة معهم، ولا يعرفون حقيقة العدو، ولا من يشرح لهم وسائله التي يستخدمها في الوصول إلى المقاومين والإيقاع بهم، نجاحُ العدو الدائم في تحقيق أهدافه، والوصول إلى عمق المناطق الفلسطينية، رغم أن المقاومة موجودة فيها، وتمتلك أسلحتها، وعندها خبرتها، ولها السيادة في بعض مناطقها، وسبق لها أن عرفت وسائله وخبرت طرقه في كيفية الوصول إليهم واغتيالهم، أو تحديد مكانهم ومداهمتهم بصورة مفاجئة وقتلهم، ورغم ذلك فإن الحوادث ذاتها تتكرر والشهداء يزدادون في نابلس وجنين، وفي القدس ورام الله، وفي الخليل وبيت لحم.

 

ومما يزيد في حيرتهم واستغرابهم، ويثير غضبهم ويحرك كوامن نفوسهم، أن الكثير من عمليات الاغتيال والقتل تتم على مرأى ومسمعٍ من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي ترى حشود الجنود الإسرائيليين وهم يقتحمون المناطق الفلسطينية، وتسمع أصوات إطلاق النار، وتشاهد مجموعات فلسطينية تشتبك مع الدوريات العسكرية الإسرائيلية، وتتعارك مع عناصر الوحدات الخاصة، ورغم ذلك لا تقوم باعتراضهم ومنعهم، ولا تشتبك معهم وتقاتلهم، بل إن بعضها تغادر مراكز عملها، وتغض طرفها عما يجري، وكأن الحدث لا يعنيها ولا يمس شعبها، علماً أن بعض العناصر الأمنية الفلسطينية تخالف الأوامر وتشتبك مع العدو من تلقاء نفسها، وبعضهم يصاب أو يستشهد خلال المواجهات.

 

لا يخفي الكثير من المتابعين للشأن الفلسطيني، ممن يخافون على المقاومة ويخشون عليها، استغرابهم واستنكارهم للاستعراضات العسكرية التي يقوم بها المقاتلون، والتصريحات الإعلامية التي يدلون بها، والظهور المتكرر لهم بكامل أسلحتهم على الوسائل الإعلامية العربية والأجنبية وربما الإسرائيلية أحياناً، علماً أن المخابرات الإسرائيلية تتابع مختلف وسائل الإعلام، وتراقب الصور، وتميز الأشخاص، وتحدد النشطاء، وتركز على المطلوبين.

 

كما يظهرون اعتراضهم الشديد على عمليات إطلاق النار الكثيف في الهواء، سواء خلال المسيرات والمناسبات العامة، أو أثناء تشييع جنازات الشهداء، ويرون أن هذه المظاهر تضر بالمقاومة ولا تخدمها، وتفضحها وتكشفها، وقد توقع بعض الضحايا أحياناً نتيجة إطلاق النار العشوائي، علماً أن المقاومة في حاجة إلى كل طلقةٍ، التي يجب أن تستخدم في مكانها وزمانها وضد الأهداف المرصودة لها، فضلاً عن الكلفة العالية للطلقات والذخيرة، التي يجب ادخارها لحاجتها فقط.

 

لعل حيرة هؤلاء منطقية وتساؤلاتهم مشروعة، وما من شكٍ في حسن نواياهم وصدق مشاعرهم، فالأحداث الجارية يومياً تدفع الجميع للحيرة والتساؤل، لكن لا ينبغي تحميل الفلسطينيين مسؤولية الفشل في حماية أنفسهم، أو اتهامهم بالضعف والخور، ووصفهم بالعجز والفشل، وإدانتهم لعدم قدرتهم على حماية مقاتليهم والدفاع عن حياتهم وممتلكاتهم، وصد هجمات الاحتلال المتكررة ضدهم، فالفلسطينيون حقاً مقاتلون شجعانٌ، وعندهم الجرأة والقوة، والحماسة والاندفاع، ويقتحمون ولا يترددون، ولا يخافون ولا يجبنون، ولا يعترفون بالمستحيل ولا يتراجعون أمام الخطر، لكنهم يواجهون عدواً خطراً قوياً مسلحاً مدعوماً، وعنده من القدرات الكبيرة ما يفوق قدرات المقاومة وإمكانياتها المحدودة البسيطة.

 

وعليه سأجيب في مقاليَّ القادمين على هذه التساؤلات وغيرها، وسأحاول أن أوضح للمحبين أسباب نجاح العدو في النيل منا، والأدوات التي يستخدمها في حربه الأمنية ضدنا، وأسباب فشل الشعب والمقاومة في تحييده والتصدي له، في عرضٍ موضوعي رصين، بعيداً عن العواطف والمشاعر التي قد تضرنا وتخدعنا خلال دراستنا لهذه الظاهرة.

 

وكلي أمل أن يتفهم المتسائلون، وهم محبون وصادقون، ومخلصون وغيورون، وأن نتعلم ومقاومتنا أكثر، ونستفيد من النقد الإيجابي الموجه، لنصوب المقاومة أكثر، ونحصنها ونصونها، ونحول دون اختراقها، ونحمي شبابنا ونحول دون استهدافهم السهل واغتيالهم الرخيص وقتلهم المتكرر، وغير ذلك فإنه قد يعمي عيوننا ويضر بنا، وقد يلحق بنا خسائر مادية ومعنوية أكبر، وقد يحبط المتابعين لنا والمؤيدين لقضتنا ويحزنهم، وهم الذين يبتهجون لكل عملية تقوم بها المقاومة، ويفرحون بها ويوزعون الحلوى استبشاراً بغيرها.

يتبع....

 

بيروت في 24/3/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojizx0QbXbE6Acx%2BnjBWCf4hJtcGzFyCX%3DS05t2xAd%2BO2Q%40mail.gmail.com.

Sunday, 19 March 2023

{الفكر القومي العربي} الأسود على خطى اللقيس والبطش والزواري وفخري زاده

الأسود على خطى اللقيس والبطش والزواري وفخري زاده

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لا يتوقف جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" عن ملاحقة واستهداف عقول المقاومة النابغة، وأدمغتها الخلاقة، ومهندسيها الأفذاذ، وفنييها المهرة، ومبتكريها المميزين، وصُنَّاعها المبدعين، وخبرائها العسكريين والأمنيين، والمختصين في علوم الكمبيوتر ومهارات الانترنت، والعالمين في شؤون السايبر ووسائل الاختراق الاليكترونية، وسبل التجسس والتنصت والتصوير والمراقبة، وإدارة شبكات الاتصال والتواصل، وأجهزة السيطرة والتحكم، وغيرهم من كبار المهندسين المختصين في مجال صناعة المسيرات الحديثة، وتطوير الصواريخ الدقيقة، وتجهيز المتفجرات القوية، وبناء المنصات وصناعة المضادات، وعلماء الفيزياء والكيمياء وهندسة الكمبيوتر، ممن يسخرون قدراتهم لخدمة المقاومة وتحسين قدراتها.

 

وفق هذه السياسة الأمنية التي يتبعها جهاز الموساد الإسرائيلي، والتي يعلن المسؤولية عنها أحياناً، بينما يبقي الكثير منها غامضة دون اعتراف، وإن كانت كل الدلائل والشواهد تدل عليه وتشير إليه، إلا أنه يؤثر لأسباب خاصة عدم الاعتراف بالمسؤولية عنها وتبنيها، فقد أقدم يوم أمس السبت 18/3/2023 في ريف العاصمة السورية دمشق، على اغتيال المهندس علي رمزي الأسود، القائد في سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، في عمليةٍ قذرةٍ جبانة، استخدم فيها على الأرجح عملاءً له، وأدواتٍ ترتبط به وتعمل معه، وإن كان احتمال وجوده على الأرض، وتنفيذه العملية بنفسه دون وسطاء يستخدمهم، يبقى قائماً وغير مستبعد.

 

اعترف العدو الإسرائيلي بهذه الجريمة النكراء أو لم يعترف، فهو الذي نفذها أو أمر وأشرف على تنفيذها، وأياً كانت الأدوات التي استخدمها، محليةً أو أجنبيةً، فهو الذي قتل، وجهازه الأمني "الموساد" هو الذي حدد الهدف وخطط، وهو الذي راقب وتابع وقرر التنفيذ وأشرف على تفاصيل العملية كلها، وعليه أن يعلم أنه وحده من يتحمل المسؤولية عنها، وأن يتوقع الرد والانتقام، فهذه المقاومة الشريفة الأمينة، التي لا تسكت على الضيم، ولا تقبل بالذل، وترد بسرعةٍ في القدس وتل أبيب، وفي نابلس وجنين، وفي كل أرجاء فلسطين، وتقطع اليد التي تتآمر عليها وتتعاون مع عدوها، فإن ردها سيكون سريعاً ومباشراً، ومؤلماً وموجعاً، وستوقعه السرايا والألوية والكتائب وغيرها، بالدم والنار، وهي اللغة الوحيدة التي يعيها العدو ويفهمها، ويخاف منها ويخشاها.

 

اغتيال المهندس علي رمزي الأسود يذكرنا بالمقاومين الذين سبقوه، وبالشهداء الذين لاحقهم العدو واستهدفهم، وخاف من قدراتهم وقلق كثيراً من إمكانياتهم، فكان قراره قتلهم للتخلص منهم ووقف مشاريعهم وتعطيل برامجهم، فقتل في بيروت مهندس الاتصالات حسان اللَّقيس، ولاحق في تونس مهندس الطيران محمد الزوَّاري، واستأجر في ماليزيا متعاونين للتخلص من العالم المبدع الواعد فادي البطش، واستخدم أقصى قدراته الأمنية والتكنولوجية في إيران لقتل أحد أكبر رواد المشروع النووي الإيراني محسن فخري زاده، وقد سبقهم علماء آخرون، راقبهم العدو طويلاً، واستخدم وسائل مختلفة في قتلهم والتخلص منهم، لئلا يترك وراءه أدلةً ماديةً تدل عليه وتحمله المسؤولية عن قتلهم.

 

لن يتوقف العدو الإسرائيلي الذي يلق مساعدةً من الكثير من أجهزة المخابرات الدولية، ويتعاون معه عملاء كثيرون مقابل مبالغ مالية أو مصالح مادية، عن المضي قدماً في تنفيذ مثل هذه الجرائم، التي يعتبرها عملياتٍ أمنيةً استباقية، ويرى أنها ضرورية وواجبة، وأنها تحمي كيانهم من الأخطر، وتقيه من المستقبل المجهول، وتحصنه من الأسلحة الفتاكة المدمرة، ومن الصواريخ الدقيقة المتطورة، فهؤلاء المهندسون والعلماء، والمختصون والخبراء، والفنيون المدربون، يشكلون بعلومهم وقدراتهم خطراً على كيانهم، وسيكون خطرهم أكبر لو ترك لهم المجال للمزيد من التجارب وعمليات التطوير، خاصةً أنهم يضعون أنفسهم في خدمة المقاومة ويؤمنون بمشروعها، ولديهم كامل الاستعداد للفداء من أجلها والتضحية في سبيلها.

 

لكن الشعب الفلسطيني والمقاومة الذي تدرك حقيقة حربها مع عدوها، ولا تستبعد لجوءه إلى كل الخيارات، ولا تنسى سوابقه معها ومع علماء الأمة العربية والإسلامية الأفذاذ، الذين قتلهم غيلةً وغدراً، أو قضوا نحبهم في ظروف غامضة، فإنها وعلماءها سيستمرون في برامجهم، وسيواصلون مشاريعهم، وسيمضون على نهجهم، ولن يفت في عضدهم قتلٌ أو اغتيالٌ، كما لن يؤخرهم عن واجبهم تضييقٌ أو حصارٌ، فهم يعلمون أنها حربٌ مفتوحةٌ مع العدو على كل الجبهات، وهو لن يتأخر عن توجيه ضرباته إليها في أي مكانٍ وزمانٍ، طالما أنه يستشعر خطر مشاريعهم وجدية برامجهم.

 

رحمة الله على الشهيد المهندس على رمزي الأسود، وجعله من أهل الجنة وأسكنه الفردوس الأعلى، وجمعه بإخوانه الذين سبقوه على دروب المجد وساحات العزة والكرامة، وليطب نفساً وليقر عيناً أن إخوانه من بعده سيواصلون دربه، وسيسيرون على طريقه، وسيحفظون عهده، فالأمانة التي بدأها وإخوانه العلماء الشهداء، سيحملها من بعدهم رجالٌ صادقون، وطلابٌ مبدعون، وخلفٌ مخلصون، بما يجعل العدو يندم على فعلته، ويأسف على جريمته، ويذوق وبال أمره، فالخلف أشد بأساً من السلف، وأقوى عوداً وأشد مراساً، وأوجع ضرباً وأدق إصابةً، وسيعلم بإذن الله الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.

 

بيروت في 20/3/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjjftiDc3LvBm4O-Q8X0pzRMWHS%2B02FVKh8wL0-nmY7%3D%2Bg%40mail.gmail.com.

Friday, 17 March 2023

{الفكر القومي العربي} إدراجُ المستوطنين على قوائمِ الإرهابِ أولويةٌ سياسيةٌ وعدالةٌ إنسانيةٌ

إدراجُ المستوطنين على قوائمِ الإرهابِ أولويةٌ سياسيةٌ وعدالةٌ إنسانيةٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لو كانت دول العالم حرةً نزيهةً، وصادقةً مخلصةً، ومنصفة غير منحازة، وعادلة غير ظالمة، وقانونية غير مزاجية، وموضوعية غير استنسابية، وتحكم بمعايير موحدة، وتحتكم إلى ضمائر حيةٍ، فإنها كانت ستصنف المستوطنين الإسرائيليين بالإرهابيين، وستصف أعمالهم بالإجرام وأفعالهم بالعنصرية، وكانت ستدرجهم ضمن قوائم الإرهاب الدولية، التي تصدرها دورياً وتجددها بانتظام، وتورد فيها أسماء الجهات التي تصنفها إرهابيةً، وتخضعها لقوانينها وأنظمتها العقابية، وتفرض عليها حصاراً اقتصادياً ومقاطعةً سياسية، وتلاحق المتورطين منهم والمتهمين فيهم، وتعمم أسماءهم عبر منافذ العالم كله، البرية والبحرية والجوية، وتفرض على الدول توقيفهم واعتقالهم وتسهيل تسليمهم إلى الدول التي تطالب بهم.

 

فالمستوطنون الإسرائيليون الذين اعتدوا على بلدات حوارة وبورين وبيتا وزعترة، وحرقوا بيوتها وأشعلوا النار في سياراتها، وعاثوا فساداً فيها، وعرضوا حياة سكانها الذين أصيب بعضهم بالخطر الشديد، وتسببوا في خسارة ملايين الدولارات، هم أنفسهم الذين حرقوا آلَ دوابشة في بيتهم، وهم الذين صبوا البنزين في جوف محمد أبو خضير، وأشعلوا فيه النار حياً، وهم الذين يقطعون الطريق على الفلسطينيين ويطلقون النار عليهم، ويحطمون سياراتهم، ويعتدون على ركابها بالضرب المبرح والمهين، وهم الذين يدهسون الفلسطينيين في الشوارع، ويطلق قادتهم النار على رؤوس أطفالهم.

 

وهم الذين يشكلون مجموعات "تدفيع الثمن"، وعصابات "فتية التلال"، ويقومون بالسطو على بيوت الفلسطينيين، ويخرجونهم منها بالقوة، ويلقون متاعهم وأثاثهم خارج بيوتهم، قبل أن يستولوا عليها ويسكنوا فيها، في مشاهد تتكرر يومياً في مدينة القدس وأحيائها، وفي مختلف أرجاء الضفة الغربية، التي باتت جميعها مرتعاً للمستوطنين ومطمعاً لهم.

 

وهم الذين يطلقون النار على المواطنين الفلسطينيين، بحجة الاشتباه فيهم، أو للدفاع عن أنفسهم وصد الاعتداء عليهم، فيقتلون تحت هذه الذرائع الكاذبة الرجال والشيوخ والأطفال والنساء، ويقف الجيش وعناصر الشرطة يرقبونهم ويتابعونهم، لكنهم يسكتون عنهم ولا يعترضون عليهم، بل يساعدونهم ويقفون إلى جانبهم، ويحمونهم ويفرقون الجموع الشعبية التي تتصدى لهم وتحاول رد عدوانهم.

 

وهم أنفسهم الذين يحرقون أشجار الزيتون ومحاصيل الزروع، ويغرقون الحقول الزراعية بالفضلات والمياه العادمة، ويشعلون النار في جذوع الأشجار وأغصانها، ويتلفونها وثمارها وحصادها، ويمنعون أصحابها من الاقتراب منها لحمايتها، ويعطلون كل مسعى لإطفاء الحرائق ومنع امتدادها.

 

لكن المجتمع الدولي يغمض عيونه عن المستوطنين وجرائمهم النكراء، رغم أنها واضحة وصريحة، ومكشوفة ومفضوحة، وجريئة ووقحة، ولا يحرك ساكناً ضدها، ولا يسمح لمؤسساته الدولية بالانعقاد من أجلها، بينما يقف ضد الفلسطينيين ويحاصرهم، ويستنكر محاولاتهم الدفاع عن أنفسهم، وحماية مصالحهم، والذود عن حقوقهم، ويصف كل من يدافع عن حقه منهم بأنه "إرهابي"، ويصنف تنظيماتهم بالإرهابية، ويلاحق عناصرهم، ويفرض مختلف العقوبات عليهم، ويسعى لحصارهم وتجفيف منابعهم، ومحاربة كل من يؤيدهم ويساعدهم، أو يؤمن بحقوقهم ويدافع عنهم.

 

عيبٌ كبيرٌ ما يقوم به المجتمع الدولي، وعوارٌ شديدٌ ما تمارسه بعض دول العالم، التي تمارس الأستاذية على الشعوب المستضعفة المظلومة، وتفرض نفسها شرطيةً عليها، وتقوم بمعاقبة المظلومين وتقف إلى جانب الظالمين، فلا ننتظر من هذه الدول أن تنصفنا، ولا أن تنتصر لنا وتعاقب المعتدين علينا، رغم أن العقل السليم والمنطق الصحيح يفرض عليهم أن يعاقبوا المعتدي، وأن يمارسوا ضده القوة ليوقف ظلمه وعدوانه.

 

وعليه فليس من المتوقع أن تصدر الولايات المتحدة الأمريكية، أو دول وروبا الغربية، منفردة أو مجتمعة، ومعهم كندا وأستراليا وبعض الدول التي تناصر الباطل وتعادي الحق، قراراً تعتبر فيه المستوطنين الإسرائيليين جماعاتٍ إرهابيةً، وقوىً مسلحةً خارجة عن القانون، تمارس الإرهاب والعنف العنصري ضد الفلسطينيين عموماً، وترتكب ضدهم جرائم الطرد والترحيل والتطهير والإبادة الجماعية.

 

أمام هذا القصور والانحياز الدولي المشين، الذي يصنف الفلسطينيين وهم أهل الأرض وأصحاب الحق بالإرهاب، يصبح لزاماً على جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، أن يبادرا إلى اتخاذ هذا القرار وتعميمه، والطلب من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي تبنيه وإدراجه ضمن مقرراتهم، واعتبار إسرائيل كياناً صهيونياً عنصرياً غاصباً ومحتلاً، واعتبار مستوطنيه عصاباتٍ مسلحةً ومجموعاتٍ إرهابيةً.

 

كما يجب على الدول العربية والإسلامية، بصفاتها الدولية ومنظماتها الإقليمية، إلى جانب السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، أن يصدروا بحق المستوطنين مذكرات جلب دولية من خلال الانتربول الدولي، والتقدم بشكاوى قانونية ضد قادتهم ومسؤوليهم، ورعاتهم ومموليهم، إلى المحاكم الدولية والوطنية، وإلى محكمتي العدل والجنايات الدولية.

 

لا نستخف بهذه الخطوات، ولا نستصغر هذه الإجراءات، ولا نتأخر عنها أو نهمل فيها، فهي مؤثرة معنوياً ومادياً، ولها أثر مباشر على الكيان ومستوطنيه، ولدينا من الأدلة المادية والشواهد الحسية، والاحصائيات والبيانات والصور والشهادات، ما يكفي لإدانة الاحتلال ومستوطنيه، وملاحقة مسؤوليه والتضييق عليهم، والمطالبة باعتقالهم ومحاكمتهم، شرط أن نعقد العزم، ونصدق النية، ونخلص العمل، ونعد الخطط، وننتقي الأدوات، ونحسن المواجهة، ونستعين بأهل الخبرة والكفاءة وأصحاب التجربة من المؤيدين لنا والمؤمنين بحقنا.

 

بيروت في 18/3/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhNr%3DmLKBC3T%3DJrk0gtJrD6u-tcG6qMOnWDG6xpWk1b8A%40mail.gmail.com.

Wednesday, 15 March 2023

{الفكر القومي العربي} الحكومة الإسرائيلية في مواجهة الداخل تفتح النار على الخارج

الحكومة الإسرائيلية في مواجهة الداخل تفتح النار على الخارج

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

قبل أن يشكل نتنياهو حكومته اليمينية السادسة، التي ضم إليها أكثر الأحزاب اليمينية المتطرفة في كيانه، وكبل نفسه وقيد حكومته باتفاقياتٍ ثنائية ومتعددة مع شركائه في الائتلاف، وكشف فيها عن سياساته المتطرفة ومخططاته الانقلابية تجاه الداخل والخارج، أخذ الشارع الإسرائيلي في تنظيم المظاهرات ضد حكومته وأركانها محاولاً تعطيل تشكيلها، ولكنها اشتدت وقويت وأخذت أشكالاً منظمة وواسعة بعد نجاحه في تشكيلها، وما زالت قوى المعارضة الإسرائيلية "بديل نتنياهو" تصر على إسقاطه وحكومته، وحرمانه من العمل السياسي وتقديمه إلى المحاكمة.

 

أمام هذه التحديات التي يدرك أنها صعبة وليست سهلة، وأنها جادة وليست عابثة، وأنها قد تسقطه وحكومته فعلاً، وقد تحرمه وتجرده وتحاكمه، لجأ نتنياهو إلى خداعِ الشارع، وتبنى لعبة الهروبَ إلى الأمام للتخلص مما يواجهه وحكومته، وخلقَ تحدياتٍ أخرى، حقيقية ووهمية، علها تخفف من حالة الاحتقان التي تعيشها، وترفع عنها بؤس الحصار الذي يحدق بها، وتعمي عنها عيون المتظاهرين، وتشغل الشعب بملفاتٍ أخرى تنسيه المطالبة بإسقاطها ورئيسها، في محاولةٍ يائسةٍ لكسب الشارع إلى جانبها، بحجة التصدي للتهديدات الخارجية التي تستهدفهم جميعاً، حكومةً ومعارضة، وكياناً وشعباً.

 

لجأ نتنياهو داخلياً إلى إشعال الشارع الفلسطيني، وتوتير الأجواء وتصعيد الأوضاع الأمنية، وتهيئة الظروف للمواجهات العسكرية، وأقدم إلى جانب قصف مواقع عديدة في قطاع غزة، على القيام بإجراءاتٍ وأعمال من شأنها دفع الفلسطينيين للثورة والغضب، والثأر والانتقام، فاجتاح مناطقهم، وعاث فساداً في بلداتهم، ولاحق أبناءهم، واغتال نشطاءهم، وهدم بيوتهم، وأوحى لمستوطنيه أن حياتهم وكيانهم في خطر، وكأنه يقول لهم لا وقت للمماحكة الداخلية، ولا للاختلافات البينية، فالخطر داهم والعدو قادم.

 

أما خارجياً فقد أثار نتنياهو من جهةٍ رعب شعبه وأخاف مستوطنيه بحديثه المتكرر عن إيران ومشروعها النووي، وضرورة الاستعداد لمواجهتها والتصدي لها، مبيناً أنها العدو الأكبر والخطر الأشد الذي يهدد كيانهم، وأن خطرها يزداد بقوة وبسرعٍ بعد أن نجحت في تخصيب اليوارنيوم إلى مستوياتٍ متقدمة، تتجاوز عتبة ألـــ 84-90%، مما يجعلها قادرة فنياً خلال أيامٍ قليلة من قرارها إنتاج أسلحة نووية.

 

ومن جانبٍ آخر لم يغفل الجبهة الشمالية وقوة حزب الله المتعاظمة، بل سلط الضوء عليها، واستعرض المخاطر المحتملة منها، وأوحى إلى سكان مدن الشمال وقادة المستوطنين فيها، أن الخطر الكامن في الشمال كبير، وأنه يجب عليهم التعاون مع الجيش والأجهزة الأمنية لإحباط أي عملٍ "معادي" والتصدي له، ولعل الحملة الإعلامية والتحذيرات الأمنية التي أطلقها بعد عبوة مجدو، قد ساعدته كثيراً في تعميم فلسفته الخبيثة في أوساط الإسرائيليين عموماً وسكان الشمال على وجه الخصوص.

 

وضمن هذه السياسة أطلق نتنياهو العنان لشركائه المتطرفين جميعاً، وفي المقدمة منهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ووزير الحرب ورئيس الأركان، وسمح لهم بترجمة أفكارهم وتنفيذ مخططاتهم، والمضي قدماً حتى النهاية في مواجهة الفلسطينيين والتصدي لهم، وأيد سياسة الجيش والأجهزة الأمنية الخشنة ضد الفلسطينيين، وسمح لهم باستخدام القوة المفرطة والسلاح المميت، ووافق على تغيير تعليمات إطلاق النار بحجة إحباط العمليات وتحييد المنفذين.

 

وسمح لهم بالعمل على توسيع الاستيطان وحماية البؤر العشوائية، وأجاز لهم هدم البيوت وطرد السكان وسحب الهويات ومنع الإقامة، ومصادرة الأراضي والأموال، وفتح الباب واسعاً أمام الكنيست ليشرع قوانين عنصرية وأخرى من شأنها التضييق على الفلسطينيين وتيسير اقتلاعهم من أرضهم وطردهم منها.

 

كما أيد إجراءات شركائه ضد الأسرى والمعتقلين، الذين ضيقوا عليهم وسحبوا كل الامتيازات منهم، وأوصوا مصلحة السجون بالقسوة عليهم والمواظبة على تعذيبهم وعدم التهاون في التعامل معهم، ولم يعارض تشريع قوانين تجيز إعدامهم، وأخرى تجيز طردهم ومصادرة أموالهم وسحب الجنسية منهم.

 

لم يترك نتنياهو سبيلاً للهروب إلى الأمام إلا وسلكه، ولم يدع وسيلةً تحريضية إلا واستخدمها، إلا أنه سيفشل ولن ينجح، وسيصعد أكثر لكن نحو الهاوية، فهو أكثر من يدرك أنه ومركبه غارقٌ، وأن مصيره مجهولٌ غامضٌ، وأن حكومته لن تصمد طويلاً، وهي التي تنازل فيها عن كثيرٍ من صلاحياته لشركائه ليسترضيهم ويستبقيهم إلى جانبه، ولكنهم زادوه رهقاً ولم ينفعوه، وأغرقوه أكثر ولن ينقذوه.

 

وما يزيد في أزمته ويستعصي عليه الخروج منها، أنه يعلم يقيناً أن الشعب الفلسطيني لن يصبر عليه كثيراً، ولن يسكت على سياسة حكومته طويلاً، ولن ينام على الضيم ويرضى به، ولن يقبل بالظلم ويتعايش معه، ولن يخذل الواثقين فيه والمتأملين به فلا يثأر لهم ولا ينتقم من قاتلهم، بل سيواجه عدوانه وخبثه بما يصدمه ويذهله، وسيرد عليه بما يؤلمه ويوجعه، وما يراه على الأرض في نابلس وجنين، وفي القدس وتل أبيب خير دليلٍ وأصدقُ برهانٍ.  

بيروت في 16/3/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojg0%3DJ3wEJ06vVL0_7rORtgdcJM8Q0z1f3sEX8r2FkeT-Q%40mail.gmail.com.