Friday, 13 October 2023

{الفكر القومي العربي} الرواية الإسرائيلية الكاذبة والأبواق الأمريكية المتواطئة

 في ظلال طوفان الأقصى "5"

الرواية الإسرائيلية الكاذبة والأبواق الأمريكية المتواطئة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ما إن انطلقت عملية طوفان الأقصى المباركة، وعاد المقاومون الفلسطينيون بغنائمهم إلى ثكناتهم، مخلفين وراءهم مئات القتلى الإسرائيليين، ومصطحبين معهم عشرات الأسرى من كبار الضباط والجنود والرتب العسكرية العالية، حتى بدأت الاتصالات الأمريكية تنهال على كبار المسؤولين الإسرائيليين المذهولين المصدومين، الذين هالهم ما حدث، وأربكهم ما وقع، وأدخلهم في دائرةٍ مؤلمة من الحيرة والقلق والاضطراب، وفاقم الأمر سوءً الصورُ المتناقلة بين المستوطنين، التي أظهرت حجم الهجوم وآثار العملية، وكشفت عن أعداد القتلى والمصابين وحجم الخسائر التي تكبدتها قواتهم ومستوطناتهم في غلاف غزة.

 

صدمة انهيار القوات الإسرائيلية أذابت جليد القطيعة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأنهت حالة البرود والفتور التي سادت بينهما، إذ أسرع الرئيس الأمريكي بالاتصال بنتنياهو مستفسراً عما حدث، ومتسائلاً عما جرى، ورغم أنه لم يكن قد استفاق من هول الصدمة، ولم يتمكن بعد من جمع خيوط العملية وفهم ما جرى، إلا أنه عرض على الرئيس الأمريكي روايته الكاذبة وسرديته المختلقة، وتباكى أمامه واشتكى، واستذكر المحرقة وخشى، وقص عليه قصصاً وحكاياتٍ لا أصل لها إلا في سجل جيشه الإجرامي ضد الشعب الفلسطيني.

 

قلب نتنياهو الحقائق، وزور الوقائع، وكذب في روايته، واستحضر مشاهد قتل الفلسطينيين، وصور اعتداء جيشه على النساء والأطفال، وقدمها للرئيس الأمريكي على أنها جرائم الفلسطينيين وفظائعهم ضد الإسرائيليين، ووصفهم بنبرةٍ حزينةٍ وصوتٍ باكٍ أنهم "داعش"، وأن مقاتليهم هم "جيش الدولة الإسلامية"، وأعاد إلى الأذهان جرائمهم ومجازرهم، والصور القاسية التي نقلت عنهم، متهماً حركة حماس بأنها فعلت فعلهم وقتلت مثلهم، وذبحت وقطعت الرؤوس ومثلت في الأجساد وقتلت الأطفال والرضع واغتصبت النساء، وأنه ينبغي على العالم كله أن يقف مع "دولة إسرائيل" ضدهم، وأن يتحالف لقتالهم، ويعمل على استئصالهم والقضاء عليهم.

 

صدق بايدن رواية نتنياهو ونقلها، وكذب إذ قال أنه رأى الصور وتألم للمشاهد، وسمع العالم كله تصريحاته المنحازة لإسرائيل، والقائمة على الكذب والافتراء، وتبناها الكثير من كبار المسؤولين والمشاهير والكتاب والإعلاميين وغيرهم، قبل أن يتراجع كبير الناطقين باسم البيت الأبيض عن الرواية، ويعترف بأن الرئيس الأمريكي لم يشاهدها، وإنما سمع عنها من نتنياهو، الذي هاتفه أربع مراتٍ متتاليةٍ خلال ثلاثة أيامٍ فقط، وهو الذي رفض تحديد موعدٍ له لزيارة واشنطن، وامتنع عن الاتصال به واستقباله منذ تشكيله حكومته قبل أقل من عامٍ، وأكثر من توجيه النقد له ولساسته ولبعض أعضاء حكومته.

 

رغم نفي البيت الأبيض لصحة رواية نتنياهو وتراجع الرئيس الأمريكي عنها، إلا أن الأخير عاد وكررها، وكأنه قد عز عليه ألا يصدق "الكاذب" نتنياهو، وعمد مساعدوه إلى تكرار الرواية وتبنيها، إذ استعظم وزير الخارجية أنتوني بلينكن "الجرائم"، ووصفها بأنها قاسية ومؤلمة، وأنه لا يستطيع أن يشاهدها لفظاعتها، وبدأ يسرد في مؤتمراته الصحفية بعض القصص التي رويت له، ويتحدث بألمٍ عن معاناة العائلات والأسر الإسرائيلية التي فقدت أبناءها، ولحق بها الضرر نتيجة "هجوم" حماس عليها، وحذا حذوهم وصدق مثلهم وروى عنهم وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وأصغى إلى وزير حرب العدو يؤاف غالانت، الذي وصف الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية".

 

أمام هذه الحملة المنظمة لتشويه المقاومة والإساءة إليها، وتبرير الاعتداء عليها وإعلان الحرب ضدها، وهي المقاومة الوطنية الشريفة، التي تلتزم القوانين الدولية وأعراف الحرب، وتلتزم التعاليم الإسلامية ولا ترتكب جائم منافية لها، وقد شهد العالم كله كيف أن مقاتلي القسام قد امتنعوا عن إيذاء المستوطنات وأطفالهن، وأنهم أعادوا امرأةً إسرائيلية وطفليها، وأمنوا لها الطريق، واطمأنوا إلى انتقالها إلى الجانب الآخر، يجب على كل قادرٍ وفي كل مكانٍ وبكل اللغات، ولدينا كل الأدوات والشواهد من الصور والوثائق، أن يساهم في تفنيد الرواية الإسرائيلية ودحضها، وإماطة اللثام عن جرائمهم النكراء وفضحها، والتأكيد على الرواية الفلسطينية ونشرها، وتوثيقها بالصوت والصورة وتعميمها.

 

بيروت في 14/10/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojg4zoWj3tj_HYtmg6aEbR6qxx2ksSBVQzOx2KRNmRuk_Q%40mail.gmail.com.

{الفكر القومي العربي} المعركة البرية الإسرائيلية بين الإقدام والإدبار

 في ظلال طوفان الأقصى "4"

المعركة البرية الإسرائيلية بين الإقدام والإدبار

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ما زالت حكومة الكيان الصهيوني قبل وبعد تشكيل حكومة الحرب المدعمة بالجنرالات ترغي وتزبد، وتهدد وتتوعد الفلسطينيين في غزة باجتياح قطاعهم، وتدمير بنيانهم، وتخريب أرضهم، وتعطيل مرافقهم وتغيير معالم مناطقهم، ثأراً وانتقاماً من حركة حماس، التي باغتتهم ونالت منهم، وصدمتهم وروعتهم، وألحقت بهم خسائر فادحةً جداً ما كانوا يتوقعون يوماً دفعها، أو التعرض لها في حياتهم أبداً.

 

قبل أن يصل جنرالات الحرب الجدد إلى مكاتبهم الوزارية، كان جيش الاحتلال قد أحاط قطاع غزة على حدوده الشرقية بمئاتٍ من الدبابات، وصفها بعض ضباطه أنها جدارٌ فولاذي معزز بالنار، وإلى جانبها وخلفها انتشرت مدافع الميدان ومنصات إطلاق القذائف الموجهة، وتجمعت دباباتٌ أخرى على الحدود الشمالية للقطاع بالقرب من بلدة بيت حانون، وأما البحر الذي يشكل الحدود الغربية للقطاع فتجوب شواطئه بوارج وسفن حربية تشارك الطائرات المغيرة بقصف مناطق مختلفة من القطاع بقذائف وصواريخ مدمرة، وما زالت حشود جيش الاحتلال تتوالى حشداً وتموضعاً وتزداد عدداً وعتاداً.

 

يحرص جيش الاحتلال أن تكون حركة آلياته العسكرية مكشوفة ومعلومة، ولا يمانع قيام وسائل الإعلام المختلفة بتصويرها والاقتراب منها، وكأنه يريد أن يقول للمقاومة الفلسطينية أن هذا ما أعددناه لكم وما جهزناه لقتالكم، وعلى المدنيين الفلسطينيين الاستجابة إلى التعليمات العسكرية الإسرائيلية بالتحرك جنوباً والابتعاد عن وسط وشمال القطاع قبل بدء العمليات البرية،

 

وخلال عمليات الحشد والاستعداد للاجتياح البري للقطاع، لا تتوقف طائرات العدو وسفنه الحربية عن قصف جميع المناطق الفلسطينية في قطاع غزة بلا استثناء أو تمييز، وتقوم بقصف بعض المناطق التي سبق وأن قصفتها مراتٍ عدة، في محاولةٍ لتحويل المناطق إلى أراضٍ محروقة، لا سكان فيها ولا مباني سكنية ولا مؤسسات ولا شيء آخر يدل على الحياة، حيث تستهدف المدنيين العزل في البيوت والشوارع، وفي المدارس والمساجد، وفي الأسواق وعلى الطرقات، مما تسبب في سقوط قرابة 1600 شهيداً وأكثر من 7000 جريحاً في بداية اليوم السابع للعدوان على قطاع غزة، وما زالت تهدد بالمزيد في حال قيامها بالدخول البري.

 

بغض النظر عن قدرة الكيان الصهيوني على خوض حربٍ بريةٍ ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أم لا، إذ أن قيادته السياسية والعسكرية لم تحسم أمرها، ولم تحدد قرارها، وما زالت تتخبط في تيها وتتعثر في خلافاتها، وهي تحسب المكاسب والخسائر، وتوازن بين المنافع المرجوة والأضرار المتوقعة، ولها في الحروب السابقة خبرة وتجربة، ودرساً وعبرةً، تعلمت منها وخافت، وقاست فيها وعانت، وانسحبت منها خائبةً وعزمت ألا تعود لمثلها أبداً، إذ لا قدرة لجنودها على مواجهة رجال المقاومة، ولا يستطيعون فرادى ومجتمعين أن يفلوا عزم المقاتلين وبأس المقاومين.

 

لكن قد يكون الأمر هذه المرة مختلفاً عن المرات السابقة، فحجم الخسارة كبير، وأثر الإهانة فاضح، وعمق الجرح غائر، وأعداد القتلى تزداد، وصور الأسرى تذل، وحالة المستوطنين مزرية، فالخوف يسكنهم، والرعب يجمد أوصالهم، ولم يعد لديهم ثقةً في جيشهم ولا أماناً في مؤسساتهم الأمنية، فضلاً عن حكومتهم التي يتهمونها بأنها حكومة الأغرار التي لا تحسن التصرف ولا تملك الخبرة وتعوزها التجربة، وإن التحق بها آخرون فإنهم لن يزيدوها إلا ضعفاً ورهقاً، وتعثراً واضطراباً، وسجلاتهم العسكرية عليهم تشهد، ولهذا فإنهم يتطلعون إلى عملٍ حاسمٍ يحقق أهدافهم المرجوة، ويطمئن قلوبهم الخائفة، ويعيد الثقة بحكومتهم الخائبة.

 

فهل يقدمون على فعلتهم، ويستطيعون المغامرة بسمعتهم وحياة جنودهم وأمن مستوطناتهم، بعد التجربة المرة التي خاضوها، والخسائر الكبيرة التي منوا بها، وبعد أن علموا أن المقاومة قد أعدت خطة الدفاع قبل أن تعد خطة الهجوم، وأنها استخدمت في هجومها أقل من 5% من قواتها وقوتها وقدراتها، وأنها ما زالت تحتفظ بالكثير من الأوراق الرابحة والأسلحة الرادعة، أم أنها فقط حرب نفسية ومحاولة محمومة لكسر الروح المعنوية، وإضعاف المقاومة، وتفتيت وحدتها وتشتيت صفوفها، وإرهاب الشعب وتخويفه، والتأثير على الحاضنة وتشتيتها، ودفعها للتخلي عن المقاومة والابتعاد عنها.

 

بيروت في 13/10/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojio_nmOHY1KyU%2BsT4EVrX4u8FWeniUnu-Gfv_4cLYFpMQ%40mail.gmail.com.

Wednesday, 11 October 2023

{الفكر القومي العربي} عدوٌ أحمق وقصفٌ أهوج

 في ظلال طوفان الأقصى "1"

عدوٌ أحمق وقصفٌ أهوج

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ما زالت حكومة الكيان الصهيوني رغم كل ما قامت به ترغي وتزبد، وتهدد وتتوعد الفلسطينيين في غزة باجتياح قطاعهم، وتدمير بنيانهم، وتخريب أرضهم، وتعطيل مرافقهم وتغيير معالم مناطقهم، ثأراً وانتقاماً من حركة حماس، التي باغتتهم ونالت منهم، وصدمتهم وروعتهم، وألحقت بهم خسائر ما كانوا يتوقعون يوماً دفعها، أو التعرض لها في حياتهم أبداً، إذ اعتبروا أن زمن الهزائم قد ولى، وحروب المفاجئات قد انتهت، والجيوش التي كانت تهددهم قد ضعفت وتفككت، وعقيدتها القومية قد تلاشت، وبات قادتها أصدقاءً لهم وحلفاءً معهم، ولا يوجد بعدهم من يتجرأ عليهم أو يعتدي عليهم ويهدد أمنهم، فاطمأنوا إلى قوتهم واستعلوا، وركنوا إلى سلام المطبعين معهم وبطشوا، واستفردوا بالفلسطينيين وقصفوا، ظانين أنه ضعيفٌ وحده، وعاجزٌ بمفرده، وأنها مسألة أيامٍ ويسقط ويذعن.

 

 

إلا أن المقاومة الفلسطينية كذبتهم والمواجهة فضحتهم، ووجدوا أنفسهم في رحى معركةٍ لا ترحم، وبين رجالٍ لا يهابون مواجهتهم ولا يترددون في قتالهم، ولا ينتظرون هجومهم بل باغتوهم بالهجوم عليهم، وانقضوا عليهم في بلداتهم ومستوطناتهم، واقتحموا قواعدهم ومقراتهم العسكرية ومعسكرات تدريب جنودهم ومستودعات أسلحتهم، وخاضوا معركةً على مساحةٍ من الأرض هي ضعف مساحة قطاع غزة، على طول خمسين كيلو متراً وعمق ثمانين، قتلت فيها مئات الجنود والضباط، وساقت العشرات منهم أسرى إلى قطاع غزة، وأظهرت للعدو أنه وجنوده أضعف ما يكونون عند المواجهة، وأجبن ما يظهرون عندما يتقابلون وجهاً لوجه، بعيداً عن الطائرات التي تساندهم، والجدران التي تحميهم، والدبابات التي تقويهم.

 

 

لم يستفق العدو الصهيوني من هول الصدمة، ولم يتمكن من امتصاص حجم الضربة، ووقف مذهولاً صامتاً عاجزاً عن فعل شيءٍ أمام المقاومة، فلجأ بعد ساعاتٍ طويلةٍ بعد المعركة في قصف أهداف مدنية سكنية وشعبية في القطاع، ودمرت حمم صواريخه مدارس ومساجد وبيوت وأسواق، في قصفٍ أعمى أهوج وحشي، نفذته طائرات هجومية وبوارج حربية، تساندها مدافع الميدان والدبابات التي أحاطت بالحدود الشرقية لقطاع غزة فيما يشبه السور الحديدي، وأحدث القصف المتواصل المجنون ليلاً ونهاراً دماراً كبيراً في أرجاء القطاع، وتسبب حتى الساعات الأولى من اليوم الخامس على انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، في استشهاد أكثر من 1000 فلسطيني، وإصابة أكثر من 5500، وما زال القصف مستمراً، تدميراً للمباني ومسحاً لبعضها من الوجود، ونقباً للأرض وحرثاً للشوارع والطرقات.

 

 

لا يبدو أن العدو سيتوقف عن قصفه، أو سيتراجع عن غيه، فهو ما زال تحت هول الصدمة مشدوهاً ومذهولاً، فاقداً لعقله وغير مدركٍ لما يجري حوله، بعد أن أفقده طوفان الأقصى رشده وسلبه وعيه، فغدا كالثور الهائج يبحث عن هدف، ويتطلع إلى كسب، مدفوعاً بمشاعر الحقد وغرائز الانتقام الأسود، مما يرجح أنه سيمضي قدماً في عملياته الوحشية التي بدأ بها، متسلحاً بالولايات المتحدة الأمريكية التي تؤيده وتشجعه، وبدول أوروبا الغربية المريضة نفسياً التي تتفهمه وتبرر جريمته، ومستفيداً من صمت الدول العربية وعجزها، التي لا تمارس دورها وكأن ما يحدث في غزة لا يعنيها وليس من شأنها.

 

 

لكن العدو يخطئ كثيراً أنه بهذا القصف المجنون المؤيد بالصمت الدولي المخزي، والتأييد الأمريكي المعيب، يستطيع أن يجبر الشعب الفلسطيني الذي ذاق مرارة الحروب السابقة، وعاش ويلاتها، واكتوى بنيرانها، وتعرض لما يتعرض له اليوم، وأن يدفعه للخضوع والخنوع، والتسليم والاستسلام، والتخلي عن المقاومة، فهذا حلمٌ بعيد المنال، وغايةٌ مستحيلةٌ لن يدركها، فالفلسطينيون قد عرفوا عزة المقاومة، وشرف القتال، وذاقوا حلاوة النصر وكرامة القوة.

 

بيروت في 11/10/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjjmC7zaCh3VwU1BjojiReq6i7UWYGAqjxOD8UGF26W9eg%40mail.gmail.com.

Friday, 29 September 2023

{الفكر القومي العربي} صبرا وشاتيلا تذبح من جديد وشواهدها تطالها التهديد

صبرا وشاتيلا تذبح من جديد وشواهدها تطالها التهديد

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ليس أبلغ شهادةً على مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين، التي ارتكبتها إسرائيل وأعوانها في العام 1982، من المقبرة التي تقع على أطراف مخيم شاتيلا وتحمل اسمه، ويدفن فيها أكثر من ثلاثة آلافٍ وخمسمائة فلسطيني ولبناني هم ضحايا المجزرة الدموية التي نفذتها مليشيات إسرائيلية الفكر والهوية، وفق التحقيقات المختلفة التي ألقت المسؤولية الكاملة عنها على السلطات الإسرائيلية، التي سهلت وأجازت وأشرفت على تنفيذها، مسجلةً بذلك واحدة من أبشع المجازر البشرية في التاريخ الحديث.

 

 

أصبحت مقبرة صبرا وشاتيلا الشاهدة على الجريمة البشعة والمجزرة المروعة مزاراً للفلسطينيين عموماً، وخاصةً لأولئك الذين فقدوا بعضاً من أفراد عائلتهم، حيث ما زالت قلوبهم تحمل غصة الألم ولوعة الفقد، وتكتوي بنار الحرمان وفاجعة الخسارة، رغم مرور أكثر من أربعين سنة على ارتكابها، إلا أن معالمها ما زالت حاضرة وماثلةً أمام العيون، وشاخصةً في وجه العالم شواهد حجرية تحمل أسماءً بشرية، وقبوراً متراصة تحوي رفاة آلاف الضحايا من الأطفال الرضع والصبيان والنساء والشيوخ، حيث لم تكن القلوب الحاقدة والعنصرية البغيضة تفرق بنيران بنادقها بين فلسطيني ولبناني، وبين صغيرٍ وكبيرٍ أو امرأةٍ ورجلٍ.

 

 

لكن هذه المقبرة التي باتت تحمل رمزيةً خاصة، ويحيي ذكرى مجزرتها الفلسطينيون واللبنانيون، وتؤمها وفودٌ عربيةٌ ودولية، شعبيةٌ ورسميةٌ، وشخصياتٌ رمزية سياسية وروحية، وأخرى فكرية وفنية، وتحرص على أن تضع أكاليل الورد على "نصب" المجزرة التذكاري، وتلقي كلماتٍ بالمناسبة، تدين فيها مرتكبي المذبحة، وتحمل سلطات الكيان الصهيوني المسؤولية عنها، ولا تبرئ المجتمع الدولي وعواصمه الكبرى من المسؤولية عنها، وتطالب الهيئات الحقوقية والمؤسسات القانونية والمحاكم الدولية، بضرورة ملاحقة المسؤولين ومحاسبتهم، وعدم التهاون في معاقبتهم أياً كانت مناصبهم ومسؤولياتهم الحكومية، والتأكيد على أن هذه الجريمة لا تسقط بالتقادم، ولا تغلق ملفاتها بموت جناتها.

 

 

باتت هذه المقبرة الشاهدة على الجريمة والدالة على المجرمين، تواجه تهديداً حقيقياً يستهدف وجودها، ويهدد بقاءها، مما يستدعي سرعة التدخل من جميع الجهات المسؤولة للحفاظ عليها، وعدم السماح بجرفها أو إغلاقها، فهذه المقبرة وإن كانت مشادة على أرضٍ خاصة، يملكها مواطنون لبنانيون، ويحق لهم بموجب القانون التصرف الحر بها وبممتلكاتهم، إلا أنها لم تعد عقاراً خاصاً أو أرضاً عادية، يجوز جرفها وإعادة تخطيطها، أو تغيير تصنيفها وتحويل صفتها، بما يهدد رمزيتها ويشطب ذاكرتها، ويزيل من على الأرض الشواهد الدالة على الجريمة، ويمسح أسماء الضحايا ويلغي حضورهم.

 

 

وعليه استكمالاً للجهود الوطنية اللبنانية التي تقع المقبرة ضمن مسؤوليتها العقارية، التي تبذل جهوداً مقدرة للحفاظ على المقبرة، ومنع التعديات عليها، وتسعى لاسترضاء ملاكها والتوصل معهم إلى حلولٍ تحفظ حقوقهم ولا تظلمهم، بما يحفظ المقبرة ويبقي على وجودها ويحول دون إزالتها، فإنه يجب على الجهات الفلسطينية كلها، سواء كانت سلطة أو فصائل، أن تعنى بهذه المسألة عنايةً كبيرة، وأن توليها اهتماماً خاصاً، وأن تسعى بالتعاون مع السلطات اللبنانية المسؤولة للتوصل إلى صيغة مرضية، تحفظ المقبرة وتبقيها، وتحفظ حقوق ملاك الأرض وترضيهم، ولن تعدم أمتنا العربية الخير أبداً، وسنجد فيها الكثير ممن يرغبون في المساهمة في هذه المسألة القومية، وإيجاد حلٍ يصون المقبرة ويحفظها ونصبها التذكاري.

 

 

وخلال ذلك يجب على الجهات المسؤولة، الفلسطينية واللبنانية، تشكيل هيئة وطنية مشتركة للحفاظ على المقبرة وصيانتها، والاهتمام بها ورعايتها، وتسويرها وحمايتها من أي تعدياتٍ عليها، والإشراف على نظافتها وتوفير الخدمات فيها، وإعادة تنظيمها لبيان أعداد الشهداء وجنسياتهم، وأجناسهم وأعمارهم، والعمل على تنظيم برامج خاصة بها، وتصميم لوحاتٍ جدرانية تصور المجزرة، وتوفير منشوراتٍ وإنتاج أفلامٍ تسجل فيها حقيقة ما تعرض له سكان المخيمين، وتبين المجرمين الذين نفذوا المجزرة، وتفضح كل الجهات المتورطة فيها، وتسلط الضوء على التواطؤ الدولي والصمت المخزي إزاء هذه الجريمة ومرتكبيها.

 

 

لسنا من هواة البكاء على القبور، ولا نحب الوقوف على الأطلال، ولسنا قلقين على شهدائنا في أي أرضٍ دفنوا، وتحت أي ثرى رقدوا، وأياً كانوا أجساداً اكتملوا أو أشلاءً تمزقوا، فنحن نحتسبهم شهداء عند الله عز وجل، منزلتهم عالية، ومكانتهم رفيعة، ومقامهم سامٍ، ودرجتهم عليةٌ، ونعتقد أنهم في الجنة يحبرون مع الأنبياء والصديقين ومن سبقهم من الشهداء، وأن أرواحهم في حواصل طيرٍ خضرٍ تحت عرش الرحمن، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، بل هم أحياءٌ عند ربهم يرزقون، ولكن هذا لا يمنعنا من أن نوثق الجريمة، وأن نخلد المجزرة، وأن نبقي على قضيتهم حاضرة، فهم ما قتلوا إلا لأنهم فلسطينيون وإن كان منهم لبنانيون، وما قتلهم إلا الإسرائيليون وإن نفذ أمرهم غيرهم، فهل في الأمة من زبيرٍ حرٍ ينبري للتصدي لهذه المسألة، ويعجل في الحفاظ على هذه المقبرة الشاهد، بمالٍ يؤديه، أو برنامجٍ ينفذه، أو مشروعٍ يعده.

 

بيروت في 30/9/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhRJdLMEZbgeegqeoEfjVsbE_5x7%2B3n9cT4WrhcawtDNg%40mail.gmail.com.

Thursday, 28 September 2023

{الفكر القومي العربي} أتباع رسول التضامن ونبي التراحم لا يتوادون

أتباع رسول التضامن ونبي التراحم لا يتوادون

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

تظلل الأمة العربية والإسلامية ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، النبي العربي الأميِّ الكريم، المبعوث رحمة للعالمين، والمؤيد بالقرآن العظيم والحق المبين، ورسوله الأمين إلى الناس أجمعين بالرحمة المهداة والنعمة المجزاة، ليخرجهم بتعاليم السماء من الظلام إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، ومن التيه إلى الرشاد، ومن الجور إلى العدل، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، وقد أراد عليه السلام أن تكون أمته خير الأمم وأوسطها، وأفضل الناس وأعدلها، وأكرم الخلق وأنبلها، وأسمى الأمم وأعزها، تمضى على طريق الحق وتلتزم الصراط المستقيم، وتنأى بنفسها عن الباطل، وتحيد عن سبيل الشيطان الرجيم.

 

 

يريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمته أن تكون قويةً أبيةً، موحدة الكلمة، متراصة الصف، عزيزةَ النفس، متينة البنيان، مرفوعة الرأس مهابة الجانب، شامخة الجبين لا تذل، واثقة الخطى لا تتعثر، يُشار إليها بالبنان أنها أمة سيد الخلق ورسول رب العالمين، التي يباهي بها ويفخر، ويتيه بها ويسعد، ويمد إليها يده لتنهض، ويدعو الله ربه أن يحفظها ويكلأها، وأن يرعاها ويحميها، وأن يكثر سوداها النبيل وعددها الجليل، وأن يقدمها معه إلى الحوض وأن يسقيها بيده من الكوثر، وأن يجتاز بها الصراط إلى الجنة، فلا يسقط منهم أحد، ولا يحول بينه وبينهم سدٌ.

 

 

قد لا يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد من أمته أن تحيي يوم مولده العظيم بالأناشيد والأهازيج، والمدائح والوشائح، وبتوزيع الحلوى والسكاكر، وتبادل التهاني والمباركات، وتعطيل الأعمال وإغلاق المحال، بقدر ما يريد أن تتمسك بتعاليمه، وأن تأخذ بتوجيهاته، وتسير على هديه وتحيي سنته، وتعظم أوامره، وتتجنب محاذيره وتلتزم نواهيه، لتكون جديرةً برسالته وقديرةً ببعثته، وإلا فإنه سيقول لمن خالف أوامره ونأى بنفسه عن سنته وغيَّرَ منهجه "سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي".

 

 

فهل نسي المحتفلون بمولده، والمحتفون برسالته، المنتسبون إليه والرافعون لواءه، أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد دعاهم وأوصاهم، وحضهم وذكرهم بالتواد والتراحم، وأن ينصروا بعضهم ويوحدوا صفهم، وأن يكونوا رحماء فيما بينهم وأشداء على أعداهم، وألا يوالوا عدواً لهم وألا يتخلوا عن أنفسهم، وأن يكونوا أوفياء مع من لجأ إليهم واحتمى بهم، وألا يقبلوا بإهانة بعضهم والإساءة إلى أمتهم، وألا يقصروا في نجدة بعضهم وإغاثة أهلهم، وألا يتخلوا عن نصرة الضعيف وإنصاف المظلوم، وإشباع الجائع وتأمين الخائف، وألا يقصروا في مساعدة العاني وفك إسار الأسير، وألا يسكتوا عن تدنيس مقدساتهم والإساءة إلى معتقداتهم.

 

 

ألم يقرأوا حديثه عليه السلام "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، فعلموا أننا جميعاً جسدٌ واحدٌ، لا فرق بيننا، ولا اختلاف يطغى علينا، وأن أصل العلاقة التي تجمعنا هي الرحمة والمودة، والألفة والمحبة، والتضامن والتكافل، والتعاون والتكامل، فلا حروب بيننا ولا نزاعاتٍ، ولا خلافاتٍ ولا صراعاتٍ، ولا تخلي عن بعضنا ولا نكوص عن واجباتنا، وأن مثلنا كمثل الجسد الواحد نتضامن إذا جرحنا، ونحزن إذا تألمنا، ونهب لنجدة بعضنا إذا اعتدي علينا أو أسيئ إلينا، ولا نترك أحدنا فريسة لعدونا، ولا ندعه وحيداً في المواجهة، يستفرد به العدو وينال منه، ويستغل انشغال أمته عنه وتخليها عن نصرته.

 

 

أليست فلسطين جزءاً أصيلاً من هذه الأمة المحمدية العظيمة، وركناً رئيساً من بنيانها العتيد، وأليست القدس عاصمتها، وفيها أولى القبلتين وثالث الحرمين، وأنها آيةٌ في كتاب الله عز وجل تتلى إلى يوم القيامة، فهي الأرض التي أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها، ومنها عرج إلى السماوات العلى.

 

 

أليست هي الأرض المقدسة المباركة التي فتحها واستلم مفاتيحها خليفته عليه السلام الفاروق عمر بن الخطاب، وهي الأرض التي جمع لتحريرها السلطان صلاح الدين الأيوبي أجناد المسلمين من كل بقاع الدنيا لتحريرها من الأسر، واستعادتها من الصليبين، الذين استباحوها ودماء المسلمين، ودنسوها والمسجد الأقصى المبارك، وعاثوا فيها سنين طويلة فساداً في الأرض وإثخاناً في القتل.

 

 

أفلا يرى العرب والمسلمون في ذكرى مولد رسولهم الكريم ونبيهم العظيم أن فلسطين تغتصب وتنتهك، وتدنس وتهود، وتغير معالمها وتبدل، ويقتل أهلها ويطرد سكانها، ويعتقل رجالها ويوأد أطفالها، ويستفرد العدو بها مطمئناً إلى أن أمتها غافلة نائمة، وأنها سادرة تائهة، قد ضلت الطريق، وانحرفت عن المسار، وخانت الأمانة، وتخلت عن الواجب، وانقلبت عن الحق وانكفأت إلى الباطل، فهادنت العدو ومالئته، واعترفت به وعاهدته، وفتحت له أبوابها ورحبت به، وطبعت معه وساندته، وصافحت يده الملوثة بدماء أبنائها، واستضافت قادته المجرمين الذين يتباهون بقتلنا، ويتنافسون في سفك دمائنا، ويتبارون في انتهاك حرماتنا وتدنيس مقدساتنا.

 

 

فهل نسي المنتسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن من أصول الإسلام وقواعد الإيمان وشروط الوسطية أن ينتصروا لشعبهم المظلوم وأمتهم المكلومة، وأن يبذلوا وسعهم مالاً وجهداً، وكلمةً وفعلاً، وحرباً ومقاومة، سراً وعلناً، وقولاً فصلاً، لاستعادة الحقوق وتحرير البلاد وتطهير المقدسات، وإلا فإن عبادتهم لا ترفع، ونسبتهم لا تصل، وعملهم لا يقبل، واحتفالهم لا يقدر، حتى يصلوا رحمهم، ويتداعى قلبهم وتتنادى أطرافهم للعمل الجاد والسهر المضنى والحمى الغيورة، وبذا يكونون لائقين برسولهم الكريم، وجديرين بالانتساب إليه والاحتفال بمولده، فهل يتدبرون ويعون، أم على قلوبٍ أقفالها فلا يعقلون.

 

بيروت في 28/9/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhCFoENubOT-hXE-K1Y-B0y%3D1XrSFkGfX1XkPsTWdPaxw%40mail.gmail.com.

Wednesday, 13 September 2023

{الفكر القومي العربي} ثلاثةُ عقود من التيه والضياع والتشرذم والانقسام

ثلاثةُ عقود من التيه والضياع والتشرذم والانقسام

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ثلاثون عاماً مرت على اتفاقية أوسلو "للسلام"، الاتفاقية التي ظن الفلسطينيون الموقعون عليها أنها ثمرة المقاومة وخاتمة الصمود، وأنها إنجازٌ وطني ونصرٌ تاريخي، فهي ستحرر الأرض، وستعيد الشعب، وستفضي إلى دولةٍ ووطنٍ، وسيادةٍ وعلمٍ، وستخلق للفلسطينيين لأول مرةٍ وطناً حقيقياً على أرضهم، وسيكون لهم فيها على مراحل محددة زمنياً، على حدود الرابع من حزيران دولة وحكومة وقرار وطنيٌ مستقل واقتصادٌ ذاتيٌ حرٌ.

 

وظنوا أن "الجانب الإسرائيلي" سيحترم كلمته، وسيحفظ عهده وسيلتزم ببنود الاتفاقية، التي صاغها وفقاً لأهدافه وبما يحقق مصالحه ويحفظ أمنه واستقراره، وأنه سيمنح الفلسطينيين ما وعدهم به، وسيحقق للموقعين على الاتفاقية أحلامهم "الصغيرة" في كيانٍ عربيٍ إلى جانب كيانٍ يهودي "إسرائيل"، وأنهما سيعيشان معاً جنباً إلى جنبٍ، وسيتعاونان على استقرار المنطقة، وخلق مناخاتٍ اقتصادية واعدة.

 

 

في حين وصفها المعارضون لها بأنها خيانة تاريخية، وأنها أشد من النكبة وأسوأ من النكسة، فالأخيرتين رغم مرارتهما إلا أنهما لم تفضيا إلى اعترافٍ بالعدو، ولم تقسما الشعب الفلسطيني، ولم تجزئا أرضه، ولم ترغما الفلسطينيين على التنازل عن جزءٍ كبيرٍ من أرضهم التاريخية، والاعتراف بها دولةً إسرائيلية شرعية، لها حق الوجود والبقاء، والاستمتاع بالأمن والسلام، وهو ما كان يحلم به الإسرائيليون دائماً ويخططون له دوماً، إذ كانوا يتمنون أن يعترف الفلسطينيون بهم، وأن يتقبلوا وجودهم، وأن يعيشوا إلى جوارهم بأمنٍ وسلامٍ شأنهم شأن دول المنطقة في المحيط العربي.

 

 

الحقيقة أن قطاعاً كبيراً من الفلسطينيين قد أدركوا منذ الأيام الأولى لتوقيع الاتفاقية، أنها شؤمٌ عليهم، وأنها لعنةٌ أصابتهم، وسبةٌ لحقت بهم، وعارٌ لطخ تاريخهم، وانحرافٌ أثر على قضيتهم، وأن التاريخ لن يرحم الموقعين عليها والمبشرين بها، وأن شعبهم لن يغفر لهم، وأن أجيالهم لن تسامحهم.

 

 

فهي فضلاً عن أنها تنازلت عن أكثر من 70% من أرض فلسطين التاريخية، وشرعت استيطان اليهود فيها، فقد جزأت ما بقي منها وصنفت القليل الذي لم يعترف الكيان الصهيوني بالسلطة الفلسطينية المطلقة عليها، بل نازعها السلطات والصلاحيات، فكانت مناطق ثلاث متنازعٌ عليها، كان الفلسطينيون فيها هم الأضعف، والكيان هو الأقوى وصاحب اليد الطولى والكلمة الأخيرة، وقد بدا أنها تنتقص كل يومٍ من أطرافها، وتنهش قصداً وعمداً من قلبها، ولا تقوى السلطة الفلسطينية على منعهم أو اعتراض سياستهم.

 

 

كما كانت اتفاقية أوسلو سبباً في انقسامٍ حادٍ بين الفلسطينيين في الوطن والشتات، أثر على مكانتهم وسمعتهم، وأضر بهم وأساء إلى قضيتهم، وإن كان أغلبهم ضدها وعارضها بمختلف الوسائل والطرق، وندد بها واستنكرها، ونظم الفعاليات المناهضة لها، وتحمل الكثير من الأذى والعنت بسبب موقفه منها، إلا أن فريقاً آخر وإن كان أقلية، آمن بها ودافع عنها، واستفاد منها وانتفع بها، وأباح لنفسه استخدام جميع الوسائل لحمايتها ومنع سقوطها، فاستغل السلطات "الشكلية" التي منحته أوسلو إياها في البطش بالمعارضين والتنكيل بهم، فزجت بالكثير منهم في السجون والمعتقلات، وكممت الأفواه وقيدت الحريات وتعاونت مع العدو ونسقت معه، بحجة الدفاع عن "المشروع الوطني"، ومنع التآمر عليه لإضعافه وإسقاطه.

 

 

أوسلو اللعينة شوهت قضيتنا وقيدت نضالنا، وحرفت جهودنا، ومزقت صفوفنا، وبعثرت شعبنا، وتنازلت عن حقوقه، وفرطت في مقدساته، وأدخلتنا في متاهاتٍ غريبةٍ، وأقحمتنا في مسالك بعيدة، وجعلت بأسنا بيننا شديداً، وقسمتنا إلى مجموعاتٍ متصارعة، وأحالت بعضها رحماء مع عدونا، كراماً معه تصدقه وتؤمن به وتعترف، وتنسق معه وتتفق، وتفتك بشعبها لتكسب رضاه، وتعتقل أبناءه لتضمن أمنه، وتتنازل عن حقوقه لتحقق أهدافه وتنجز مشروعه، حتى غدت مع الأيام قيداً يقيد الفلسطينيين كلهم، ويكبلهم بالأغلال والأصفاد جميعهم، ويجرهم إلى حمأة الخيانة بالأشطان والحبال، ويقيد حريتهم بالسلاسل والجدران.

 

 

إلا أن العدو الذي نعم بأوسلو وهلل لها، واستفاد منها وضمن إلى حينٍ استمرارها، لم يعد راضياً عنها، ولا مكتفياً بما كسب منها، أو مقتنعاً بما حقق من خلالها، فهو اليوم ينتقدها ولا يريدها، ويعمل على وأدها والتخلص منها، ولا يريد أن يتنازل عن النزر اليسير الذي بقي للفسطينيين، ولا يعترف بالشريك الذي فاوضه ووقع معه، ولا يحترم الذي اعترف به وطبع معه، بل يحرجه ويخزيه، وينكس رأسه ويفضحه، ويضيق عليه ويعاقبه، ويحشره ويضعفه.

 

 

يرى العدو أن أوسلو قد أصبحت عقبة أمام مشاريعه، وعائقاً تعطل مخططاته، ولا تستجيب إلى رغباته ولا تحقق أحلامه، فمهد عملياً لإسقاطها ودفنها، والتراجع عنها وعدم الالتزام ببنودها، ورأى أنه قد آن الأوان للاعتراف بأنها أصبحت لاغية، ولم يعد لها وجود على الأرض، وأنه ينبغي استبدال السلطة التي نشأت بموجبها بأخرى تناسب المرحلة وتخدم الهدف، ولا يكون لديها سقوف وطنية أو طموحات قومية.

 

 

آن الأوان لأن ننعتق من اتفاقية الذل هذه ومن كل الاتفاقيات التي تبعتها وأكدت عليها، وأن نثور عليها ونتحلل من شروطها ونتخلص من بنودها، فالخلاص منها وحدةٌ واتفاقٌ، والحفاظ عليها فرقةٌ وضياعٌ، فهذه قضيةٌ مقدسةٌ مباركةٌ، نص عليها قرآننا الكريم وأوصى بها رسوله الكريم، وقد ضحى في سبيلها عشرات الآلاف من العرب والمسلمين، فلا يملك حق التصرف فيها أحد، ولا يجوز التنازل عنها مهما كان السبب، وأي تصرفٍ فيها لا يتفق مع الأصول، ولا يحفظ الثوابت والحقوق، ولا يحقق العودة والتحرير، هو تصرفٌ باطلٌ غير مشروع، واتفاقٌ فاسدٌ غير مقبول، لا قيمة له ولا التزام به.

 

بيروت في 13/9/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjhNPBffuJGK2B%2BjQf%3DdTEdGnB%2BQq%2BamO2-Q0N8M%2Bw89Dg%40mail.gmail.com.

Sunday, 10 September 2023

{الفكر القومي العربي} أحداثُ مخيم عين الحلوة تبكي العيون وتدمي القلوب

أحداثُ مخيم عين الحلوة تبكي العيون وتدمي القلوب

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

تناقضٌ عجيبٌ في المشهد الفلسطيني، وصورةٌ غريبةٌ غير مفهومة ولا مبررة، بل مدانة ومستنكرة، ومؤلمةٌ ومحزنة، ومخزيةٌ ومخجلةٌ، فبينما يرسم أهلنا الصابرون المرابطون، القابضون على الجمر، والمكتوون بنار العدو، والثابتون في الوطن، والمتجذرون في الأرض، والمتمسكون بالحقوق، المقاومون بالسكين والحجر، وبالسلاح الذي يشترونه بقوت أطفالهم، ويسعون للحصول عليه بأغلى ما يملكون وأنفس ما يدخرون، ليقاتلوا به العدو ويواجهوه، ويصدوه ويردوه، فيقتلون ويقتلون، ويؤلمون ويتألمون، وينالون منه ويستشهدون، ومعهم الأسرى والمعتقلون، الذين يعانون من قيد السجن وإذلال السجان، لكنهم يقاومون بصمودهم وثباتهم، ويقاتلون بمعداتهم وأمعائهم، ويجبرون العدو على الخضوع لهم والقبول بشروطهم.

 

 

أولئك ومعهم كثيرٌ من أبناء الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء والشتات، يرسمون أجمل صورةٍ لشعبٍ مقاومٍ مقاتلٍ، صابرٍ معانٍ، معطاءٍ مضحٍ، ثابتٍ عنيدٍ، جريءٍ شجاعٍ، مغامرٍ مقدامٍ، لا يأبه العدو ولا يخافه، ولا يجبن عن قتاله والوقوف في وجهه، يتحدى جحافله ويرد قوافله، ويصد دورياته ويفشل مجموعاته، ويرفع الصوت عالياً في وجهه، ويسجل على الأرض بمقاومة أبنائه أعظم الملاحم البطولية، التي يتأسى بها المقاومون ويقتدون، ويقلدونها ويضيفون، ويقدمون على مثلها ولا يهابون، فيخشاهم العدو ويقلق، ويشكو منهم ويتألم، ويحاول القضاء عليهم ويفشل، ويدعي الانتصار عليهم ويكذب.

 

 

تلك الصورة الجميلة واللوحة القشيبة التي يرسمها أهلنا يدمائهم، ويؤطرونها بأرواحهم، ويزرعونها في الأرض بأجسادهم، فيفرح بها الفلسطينيون ويفتخرون، ويباهون بها ويستعلون، ويتيه بها العرب والمسلمون، المحبون والمؤيدون، والمناصرون الدوليون والمتضامنون الأمميون، ويرون أنفسهم فيهم ويتمنون تقليدهم أو أن يكونوا معهم، يشاركونهم المقاومة، ويقاسمونهم النصر، ويساهمون معهم في إرغام العدو وإذلاله، فقد جَمَّلَ الفلسطينيون صورتهم، وأحسنوا عرض قضيتهم، وأعادوا الألق والبريق للعرب كأمةٍ عظيمةٍ، ذات تاريخٍ ومجدٍ، وعزةٍ وكرامةٍ، تجاهد لتصل ماضيها التليد بمستقبلها الواعد.

 

 

هذه الصورة التي نتغنى بها وغيرنا، ونضحي في سبيلها ولا نتردد، ونفاخر بها ولا نحجل، ونُريَ الله عز وجل بها أنفسنا ونرجو نصره، تشوهها صورةٌ مظلمةٌ معتمةٌ، سوداء قاتمة، بشعة كريهةٌ، منفرة مقززة، تسيء إلى قضيتنا الناصعة، وتشوه صورتنا المشرقة، وتعبث بتاريخنا الوضيئ، وتفض الأمة من حولنا وتنفر المحبين لنا، إذ ليس لها ما يبررها أو يجيزها، فلا الوقت وقتها ولا التحرير غايتها ولا العودة مقصدها، بل هي طعنةٌ في ظهر الشعب، وخيانةٌ للمقاومة، وتفريطٌ بالتضحيات، وإساءة بالغة إلى القضية الوطنية العادلة، وهي تفرح العدو وتسره، وتحقق أمانيه وتستجيب إلى رغباته، وتخدم مصالحه وتصب في أهدافه.

 

 

عنيت بذلك المعارك الضارية والأحداث الأليمة التي يشهدها مخيم عين الحلوة، درةُ المخيمات الفلسطينية، وشامةُ اللجوء الفلسطيني، وعاصمة الشتات الوطني، وظهر المخيمات الفلسطينية في لبنان وسندها، وعنوان وجودها ورافع لواء عودتها، المخيم الذي طالما تمنى شارون زواله، وعمل على شطبه واستئصاله، وقد غاظته بندقيته، وأقلقته وحدته، وخشي من عقيدة العودة المتجدرة في أجياله، فتآمر عليه وكاد لأهله، لكنه صمد في وجهه، وتحدى غيه، وصد عدوانه، حتى غدا مفخرةً للفلسطينيين ومزاراً لهم، فهو يربض كالأسد على حدود الوطن، ويرنو أبناؤه بعيون اليقين والأمل للعودة والتحرير.

 

 

اليوم مخيم عين الحلوة حزينٌ مكلومٌ، مجروحٌ يتأوه، يئن ويشكو، ويتألم ويتوجع، فأبناؤه يخربونه ويدمرونه، ويقصفون أحياءه ويحرقون مرافقه، ويغيرون معالمه ويطيحون بمنازله، ويشعلون النار في سيارات اللاجئين وممتلكاتهم، ويخنقون فيه ذكرياتهم وآمالهم، ويقضون على آخر ما بقي لهم فيه من أحلام العودة وأماني التحرير، إذ أجبروهم على الخروج منه عنوةً ومغادرته كرهاً، فخروجوا وهم لا يلوون على شيءٍ وقد حملوا معهم بقايا متاعٍ قد ينفعهم، وآخر ما بقي في بيوتهم من أوراق ومستندات، وأموال قليلة كانوا بشق الأنفس قد جمعوها وبشقاء مغتربيهم قد ادخروها، ليكفوا بها حاجتهم، ويستروا بها عورتهم، ويعيشوا كراماً في مخيمهم.

 

 

لا نملك ما نفسر به ونشرح، وليس في جعبتنا ما يكفي وينفع، لأن نقنع أهلنا في الوطن وشعبنا في الشتات واللجوء، ولا أمتنا العربية والإسلامية التي ما زالت تؤمن بقضيتنا وتدعمنا، وتضحي في سبيلنا وتدافع عنا، فماذا نقول لهم ولغيرهم عن بيوتنا المحروقة، ومنازلنا المدمرة، وشوارعنا الخالية، وألسنة النار التي تتصاعد من جوانب المخيم وأزقاته، وكيف نشرح لهم عن طوابير اللاجئين الهاربين من نيران أبنائهم وحروب إخوانهم، وقد بنت لهم اللجنة الدولية للصليب الأحمر خياماً جديدة تشبه تلك التي آووا إليها ولجأوا فيها قبل أكثر من سبعين سنة.

 

 

ماذا نقول للشعب اللبناني الشقيق الذي آوانا وأكرمنا، وأحسن إلينا واستضافنا، ونصر قضيتنا وضحى في سبيلها معنا، ولأهل صيدا الأبية التي تحتضن الفلسطينيين وتعدهم جزءً منها، تشاركهم وتعمل معهم، وتصاهرهم وتتزوج منهم، بينما نحن نرعبهم ونخيفهم، وبعض قذائفنا تصل إليهم وتصيبهم، وتلحق الضرر بهم وتؤذيهم، فتشمت الكارهين بهم، وتلومهم على حسن صنيعهم وكرم ضيافتهم، وتحرضهم على الانقلاب والتغيير، والانفصال عنهم وعدم التعاطف معهم، فهذه فرصة الشامتين للصيد في المياه العكرة، والاستفادة من المحنة والأزمة، وتعميق الفتنة والتأسيس للقطيعة.

 

 

أيها الفلسطينيون الحكماء، المخلصون الأوفياء، الصادقون الأمناء، المضحون العقلاء، فليكن صوتكم عالياً وقراركم حاسماً وموقفكم فاصلاً، فمخيم عين الحلوة غالٍ علينا وعزيز، له دوره وعنده وظيفته، فلا ينبغي أن يكون فيه سلاحٌ عابثٌ، ولا مجموعاتٌ طائشة، ولا غرباء يفسدون، ولا خلافات حزبية تضر بحياة اللاجئين، ولا نزاعات مسلحة بين الفرقاء أياً كانت الأسباب، وليحتكم الجميع إلى الحق والعدل، والمصلحة الوطنية والمنفعة الشعبية والأمن العام والسلاح الرشيد والقرار الحكيم، وإلا فإننا سنهلك وقضيتنا، وسنخسر وشعبنا، وسيكون المتقاتلون في هذا المخيم هم السبب، وسيحاسبهم التاريخ وسيلعنهم الشعب، فلنوحد صفنا، ولنضمن أمننا، ولننظم خلافاتنا، ولنحسن إلى أهلنا، وإلا فسنندم، وستأتي ساعةٌ نقول فيها "ولات حين مندمٍ".

 

بيروت في 10/9/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojhx3QTeGBNMVHPHfp_uLj6rreMRDAq59OTTsPt1%3DjJ%2Bmw%40mail.gmail.com.