Tuesday, 24 January 2012

{الفكر القومي العربي} article

بأي إصطفاف يواجه العراق التحدي الكبير ؟
صباح علي الشاهر
 
 
لا أحد من أطراف العملية السياسية  يريد أو  يتجرأ على وضع يده على جوهر المشكلة، الكل يلف ويدور لينتهي إلى حيث بدأ، حتى لكأنما هنالك أمر غير مكتوب توافق الجميع على عدم الخوض فيه، ربما لأنه يهدد الأسس التي بُنيت عليها هذه العملية، والتي أريد لها أن تمتد حتى بعد خروج المحتل .
ينتقلون من هذا الموقف إلى الموقف المضاد. يقفون في هذه الضفة تارة، وفي الضفىة الأخرى تارة أخرى. لو أحصيت أقوالهم لوجدت أن كلامهم يناقض بعضه بعضاً،  لكنهم لا يريدون، ولا يفكرون حتى مجرد التفكير بملامسة العلة، والخروج من المأزق مرّة واحدة وإلى الأبد.
بعد تسع سنوات ثمة شيء ما تغيّر، البعض لا يريد معرفة أن ما تغيّر ليس فقط  خروج الجيش الأميركي من العراق، سيان إن كان في جنح الظلام أم على مرأى ومسمع من إعلام الدنيا كلها، فثمة إرهاصات لتحوّل ليس على مستوى الإقليم، وإنما تحوّل يتصف من دونما مبالغة بالصفة الكونية لا يُعرف مداه، وليس من الميسور حالياً تحديد تأثيراته. تحوّل لسنا وحدنا فقط من عمل عليه، أو نقل حجاراته، وإنما عملت عليه قوى عديدة، صعد بعضها الآن إلى مرتبة الحسم عالمياً، في حين بدأ البعض الذي كان مستكيناً إلى إعلان التمرد بعد أن كان يرفع صوت الإحتجاج الخافت.
معطيات القرن العشرين شيء، ومعطيات القرن الحادي والعشرين شيء آخر، وما كان ممكناً فيما مضى لم يعد ممكناً الآن، وما سقوط الوجوه المُتحجرة المُتتالي في منطقتنا وسواها سوى التمهيد للمواجهة الأهم والأخطر، والتي ستدشن عالما آخر جديدا لا بمقاسات (غورباتشوف) ولا ( ريغن) ، وإنما وإلى حد بعيد بمقاسات شعوب كوكبنا وتطلعاتها، والصراع الجاري الآن، مهما تلون بألوان تبدو فاقعة وشديدة الوضوح والتنافر، فإنها لا تعدو في حقيقتها وجوهرها من أن تكون صراعاً بين المحافظة على سمات القرن العشرين، أو عدم الخروج عن معطياته، ومتطلبات شعوب الأرض، لا أوربا وأمريكا فقط، في أن تكتب ولأول مرّة التأريخ الإنساني للإنسان.
باديء ذي بدء لابد من توصيف هذا الخروج، هل هو نهاية الإحتلال وبداية الإستقلال، أم أنه مجرد إنسحاب لقوات بضعة كيلومترات خارج الحدود؟
تتوقف كثير من الإمور على الإجابة على هذا السؤال، فهي ستُحدد المهمات والأهداف اللاحقة لما بعد الإنسحاب، هل ستكون تكريس السيادة، أم التصرف وفق منطق التبعية، الذي يستوجب الرجوع إلى السيد أو ولي الأمر الأميركي في كل صغيرة وكبيرة، أو الإستقواء به، وهو ما فعلته وتفعلة القائمة العراقية حالياً، في تناقض سافر ومُثير للدهشة مع كل ما قالته ودعت إليه، ولا يخفى على المتابع أن موقف العراقية المُعلن حالياً لا تستفرد به وحدها حيث تشاركها فيه عناصر واسعة في التحالف الوطني، والتحالف الكردستاني،  وهذه العناصر التي رفضت حتى تسمية الإحتلال إحتلالاً زاعمة باصرار إنه تحريراً، ستحاول خلق وإذكاء الإختلافات بشتى أنواعها، وبالأخص الطائفية منها.   
هل سيتصرف المسؤولون بعقلية السيد، المتحرر من الإحتلال والتبعية، أم بعقلية التابع غير المُصدق بإن الإحتلال قد رحل؟
الذين كانوا وإلى أمد قريب لا يريدون خروج المحتل بذرائع منها عدم جاهزية القوات العراقية لحفظ الأمن والدفاع عن البلد، سيحاولون بشتى الوسائل إستحضار المحتل لأي سبب، لكي يكون وسيطاً أو حكماً، وهم بهذا يتخذون الموقف الأشد وضوحاً في عدم الإيمان بزوال الإحتلال، أو عدم الرغبة في هذا الزوال، لأسباب لا تخرج عن حدود النظرة الطائفية الضيقة، التي تخشى هيمنة الأغلبية على الأقلية، علماً أن مفهوم الأغلبية والأقلية لا يستقيم في حالة العراق، فلا السنة أقلية، ولا الشيعة أغلبية، وإنما هم شيء واحد، يصبحان (خندقان) فقط عند الطائفي، الذي يتناسى أنهم عراقيون، وعرب، ومسلمون، ويركز على الطريقة التي يتعبدون بها، وهي قضية محصورة بين الفرد وربه ولا دخل لأي مخلوق فيها.
التحدي الكبير أمام الوطنيين العراقيين على أعتاب خروج قوات الإحتلال هو التصدي بحزم للنعرات الطائفية، وسحب البساط والذرائع من تحت أقدام الطائفيين من الجانبين، بالتصدي الحازم للخطاب الطائفي، وتعريته وكشف أغراضة التي باتت واضحة لأكثرية الشعب، والتأكيد على أن لا شخص ولا جماعة يمكن أن يختزلان اية طائفة من طوائف العراق، وبالحد الأدنى فإن أي شخص من أية طائفة مهما كان مركزه وموقعه، يمثل شخصة، وأية جماعة تمثل ذاتها ليس إلا.
 بتأكيد هذه المسلمات في العمل والخطاب السياسي العراقي نكون قد نجحنا في دك أهم الركائز التي حاول المحتل تثبيتها في العراق، وبهذا ندق إسفين الهزيمة النهائية للطائفية ولكل ملحقاتها من تقاسم طائفي، أو أية ممارسة طائفية في عراق ما بعد الإحتلال المعافى ، وإذ تتسع رقعة المنادين بحكومة الأكثرية، فإنه ينبغي التأكيد هنا أن المقصود بحكومة الأكثرية ليس حكومة الطائفة الأكثر عدداً، وإنما حكومة الأكثرية السياسية التي تضم كل الطوائف والأثنيات على قاعدة البرنامج العراقي الوطني.
خروج قوات الإحتلال ينبغي أن يترافق مع إصطفافات جديدة تدشن مرحلة نهاية تأثير الطائفيين في الحياة السياسية العراقية، إذ حيثما يكون للطائفيين تأثير فإنه يصبح من المتعذر حتى مجرد التفكير بأي شكل من أشكال الديمقراطية، حتى بإشكالها البدائية.
وهذا الإصطفاف الوطني هو المؤهل لبناء العراق السيد، الحر، المستقل، وهو القادر على وضع خطط البناء والإعمار من خلال النظر للعراق كوحدة متكاملة إقتصادياً وإجتماعياً، وليس ككيانات وأقاليم متنافسة تخاف التهميش أو الأقصاء.
قبل أيام أعلن مسؤول أميركي إن قواتهم المقاتلة خرجت من العراق، لكن وجودهم المخابراتي مازال هناك!
لا أحد يجادل في هذا، فمثل هكذا وجود موجود في دول العالم كلها، ولا يخلو بلد في المعمورة منه، إلا أن هذا التصريح يضع القيادات العراقية أمام مسؤوليات كبرى، تتركز في السعي الجاد والحثيث لتقليل هذا الوجود والحد منه، خصوصاُ وأنه غير شرعي ويتعارض مع العلاقات السوية أو الطبيعية بين بلدين غير متعاديين كما هو حال العراق وأميركا حالياً .
الكل يعرف أن أميركا هي التي أنشأت ورعت جميع المؤسسات الأمنية العراقية، ليس بدءاً بالمخابرات العامة التي إحتكرت الإشراف عليها حتى إلى ما قبل فترة قريبة، ولا إنتهاءاً بمستشارية الأمن القومي، حيث أن جميع مسؤولي هذه المؤسسات وقادتها عينوا بعقود مع المحتل، وليس هذا بالأمر اليسير والهين، الذي يمكن المرور عليه مرور الكرام.
من المؤكد أنه لا يمكن الإكتفاء بالحديث عن الإختراقات فقط، وإنما المهم معالجة هذا الخلل الفاضح الذي يرهن أمن البلد بقوى خارجية، ويجعله مكشوفاً لدولة إن حسبها البعض ( مُخطئناً ) صديقة الآن، فإنها قد لا تكون كذلك في المستقبل، ومعالجة مثل هكذا ملف تستوجب مغادرة التقاسم الطائفي والأثني والحزبي، وإعتماد معايير الوطنية والكفاءة، التي هي وحدها الكفيلة بتحقيق الهدف الذي هو حماية الوطن والمواطنين من دونما تمييز، كما أنها تساهم وبشكل عملي في إشاعة الشعور بالإمان والإطمئنان لدى المواطنين كافة، وتوجه ضربة مميتة للنعرات الطائفية، وتقضي على إحساس المواطن بالغربة، هذا الإحساس الذي راكمته عقود من تصرف عدائي وهمجي من قبل هذه التشكيلات إزاء المواطن، الذي أبيحت كرامته وإمتهنت من قبل المكلفين أساساً بصيانتها وحمايتها. 
 

No comments:

Post a Comment