كي لاننسى .. ليست حديثة وحدها !!
بقلم : حسين الربيعي
ما لاأستطيع فهمه .. هو : كيف تتحول مدن كانت أكثر ضررا من الأحتلال ، إلى داعية لمشاريع الأحتلال ؟
وبداية فإن المقصود ليس مدينة حديثة ، فلهذه المدينة وأهلها ، وفقا لمعلوماتي الخاصة ، موقف شجاع من قضية الفدرالية ، إذ رفضوها ابناء المدينة رغم كل الإغراءات ... وربما التهديدات ... التي قدمها ممثل أو ممثلين حزب من الأحزاب المشتركة في العملية السياسية ، التي برزت مع الأحتلال وترعرت برعايته ، ولكن حديثة ليست مدينة منقطعة ، فهي واحدة من أهم مدن محافظة الأنبار .. تلك المحافظة التي لعبت دورا أساسيا في مقاومة الأحتلال ، حتى صارت أسماء مدنها كحديثة والفلوجة والرمادي وغيرها ، نجوم في تأريخ العراق المعاصر وحرب التحرير الشعبية ضد الأحتلال وعملائه ، جنبا إلى جنب أخواتها من المحافظات والمدن العراقية المقاومة في جنوب العراق ووسطه وغربه . فأرتفاع شعار الفدرالية والأقليم في هذه المحافظة الباسلة ، كأنه صوت نشاز في سفر هذه المحافظة .
وإذ يأتي قرار الحكم على منفذ جريمة حديثة في عام 2005 والتي نفذتها قوات أمريكية بيد المجرم (السيرجنت فرانك ) والتي ذهب ضحيتها خمسة وعشرون مواطنا عراقيا ,,, أطفالا ونساءا ورجال ، بالحبس لمدة ثلاثة أشهر للمنفذ وخفض راتبه ورتبته ، ومن ثم أيقاف تنفيذ الحكم الذي صدر من محكمة عسكرية في قاعدة كاليفورنيا ، ليتجاوز حدود الوصف ، فهو لايمكن أن يكون إستهانة بالدم العراقي فقط ، إنما .. بنظرة أوسع .. دليل قاطع على السلوكية الأجرامية للولايات المتحدة الأمريكية في ثقافاتها وسياساتها ، ودليل على فراغ هذه الثقافات وتلك السياسات من أية ثوابت إنسانية أو ديمقراطية ، فالديمقراطية التي حاربونا واحتلوا بلادنا بإسمها ، والحرية التي عنونوا غزوتهم علينا بها ، لايمكن أن تقوم أو تكون على إستلاب الحقوق في العيش بكرامة وسلام من الشعوب الأخرى لمصلحة أمة ودولة دون غيرها ، فذلك بعينه النظام الشوفيني الأستعلائي الهيمني المتعجرف .
إن مقايضة أرواح خمسة وعشرون من المواطنين العراقيين الشرفاء ، لمصلحة التقليل من أثار الهزيمة النكراء للقوات الأمريكية في العراق، لرفع معنويات جنودها المندحرين بالعفو عن المجرم ( فرانك ) ، وتكريمه بتعليق الحكم ، يؤكد أن الولايات المتحدة دولة تقوم على أسس ومبادئ العصابات الأوربية التي وردت إلى القارة الأمريكية ، لتسرقها من اهلها الأصليين بعد أن تبيد غالبيتهم بأدنى وسائل الجريمة والإرهاب .
وإذا كان المثل الكردي يقول .. ( حفنة واحدة تنبئ عما في الحمل ) إلا ان البعض لايكتفي بهذه الحفنة ، ولن يكتفي بقناطير منها ، لأنه راغب بما تحمله جيناته من موروثات في الخيانة ، أن يقر بهمجية هذه الدولة وتجاوز سياساتها الخطوط الإنسانية الحمراء ، وتأريخ الإنسانية ، يشهد جرائم من الطراز الشيطاني الأول ( للأمبراطورية الأمبريالية الأمريكية ) فاقت كل جرائم الإمبراطوريات التي سبقتها ، إبتداءا من قنبلتي هيروشيما وناكازاكي في اليابان ... وأنتهاءا بجرائم المخابرات الأمريكية والناتو الذي تقوده في ليبيا ، بما فيها جريمة تصفية العقيد معمر القذافي ، مرورا بجرائمها في كوريا وفيتنام ولبنان وفلسطين ومصر والسودان ... والعراق وأفغانستان والباكستان وكوبا ويوغسلافيا وكمبوديا ، وما تعتزم وتخطط من جرائم ومؤامرات في سلسلة جديدة ضد سورية وأيران وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وجنوب شرق أسيا و.. و... ألخ .
ناهيك عن دعمها للحكومات والأنظمة الدكتاتورية ، كنظام ساموزا والأنظمة الرجعية العربية في المغرب والأردن ومحميات الخليج ودولة الأسرة السعودية ، تلك الأنظمة التي لاتتطابق مواصفاتها وصلاحياتها مع أدنى حدود العصرنة أو المدنية والديمقراطية ، بل إنها لاتتطابق إلا مع قياسات القرون الوسطى او الجاهلية الأولى ، إن المتابع يدرك شذوذ الإدارة ... عفوا القذارة الأمريكية في تعامله مع الشعارات البراقة التي يحاول خداع الناس بها .
لإن هزيمة الولايات المتحدة العسكرية في العراق التي أوقعتها بها المقاومة الوطنية ، لن تردع الولايات المتحدة نهائيا وتقطع الطريق على مشروعها الصهيو أمبريالي ... يجب هزمة مشروعها السياسي ، وأن نعبد سبلنا من المطبات التي حفرتها وهيأتها بقصد ، كالأقاليم والفدرالية والطائفية والشوفينية والمناطقية والعشائرية والحزبية الفاسدة ، ولو أدرك أهلنا ، وفي مقدمتهم السياسيون والحكماء ، أن ملاحقة الولايات المتحدة ومعاقبتها عن جرائمها ، بمنزلة المتطاول على شرفنا ودمائنا وديننا وعقائدنا .. إن لم تكن أكثر عمقا وأهمية ، وإن ثقافة الثأر أهم أركان ثقافتنا ، فإن اللجوء للأستنكار وإبداء الأنزعاج ، خيبة مابعدها خيبة ، وردة أشد من كل ردة ، ولعلي أستغرب أن نتباهى في الثأر من بعضنا ونعفو عن عدونا تحت سقف القانون الدولي !!
أسقطوا حلفاء الأحتلال ، ومستقدميه ، فهم شركاء في جرائمه ، لاحقوا لتثأروا ، وإن لم تتمكنوا فعلموا أولادكم وأقطعوا طريق النسيان كي لاننسى ولاتنسى الأجيال القادم ، فحديثة ليست وحدها عانت من جرائم الأحتلال وعملائه ، فالعراق كل العراق ملزم بالثأر .. ولعلي أذكر أنه في 22 تشرين اول 2004 أقترفت قوات الأحتلال جريمة بدم بارد أستهدفت صبيان يمارسون كرة القدم في مدينة بهرز ... وتلك حفنة أخرى تنبئ عما في حمل الأحتلال وعملائه .
No comments:
Post a Comment