Monday, 23 January 2012

{الفكر القومي العربي} السعودية قبيلة مستدوِلة معولمة

المقال مع الصور و الوثائق   : ملف مرفق
* * *
آل سعود: قبيلة مُستدوِلة/معولمة
مقدمات في خدمة السعودية للكيان
عادل سمارة
راودتني منذ سنوات أهمية دراسة في دور عرب وأعراب في بناء الكيان الصهيوني وهو الأهم من خدمات/تحالف/تبعية كثير منهم للكيان هذه الأيام1. صحيح أن الكيان ما كان ليوجد ولا ليبقى لولا مخطط ومصالح المركز في هذه المنطقة. ولكن هذا لا يقلل من دور أنظمة عربية وطبقات حاكمة وقوى سياسية وطائفية، دورها في رفد الكيان سواء بمستوطنين، أو بدعم سياسي "عقائدي بالاعتراف به" أو دبلوماسي ومخابراتي أو بتبادل اقتصادي ولاحقاً بالاعتراف والتطبيع العلني وربما بتعاون عسكري معه2.
لعل الدور الخطر والمخفي في العلاقة مع الكيان هو دور النظام السعودي. فمن الأمور اللافتة في السعودية اتباعها دبلوماسية هادئة وسياسة أقل صخباً من غيرها بين حكام العرب من جهة، ومن جهة ثانية إعطاء هامش لرجال المؤسسة الدينية هناك (وهي تابعة تماماً للمؤسسة السياسية) ليتحدثوا في أمور غير امور السعودية نفسها مع إضافة اعتماد الدين في هذه القراءات مما يضفي على سياستها طابعاً دينياً كآلية تستخدم الدين للتاثير السياسي.
هذا عن وتيرة مسار سياسة السعودية عموما. أما السنة الأخيرة 2011 بما شهدته من تطورات فقد زادت من التساؤل حول سياسة السعودية: هل تركت المجال لإمارة قطر فبدت الأمور وكأن القط قد ابتلع الجمل، وكذلك شأن الإمارت المتحدة لتبدوا وكأنهما تسيطران على مجلس التعاون الخليجي ومجلس الجامعة العربية. هذا ناهيك عن ما لعبته كلتيهما في احتلال ليبيا والاتجاه إلى احتلال سوريا، بل لأن صوت السعودية في كل هذه الأحداث لا يكاد يُسمع في اي محفل.
في اعتقادنا أن هذا لا يعني ان آل سعود منطوون داخلياً ربما على خلافاتهم حيث يبلغ عددهم الآن 32000 شخصا/أميراً3، أو أنهم غيروا من دور نظامهم التابع "بهدوء"، بل الأرجح أن ما يتم هو تقسيم عمل تمليه خطة الغرب (اميركا وأوروبا والكيان) بأن تقوم السعودية بدور غير مرئي ولكن اساسي. وقد يؤكد هذا أن السعودية قد انفقت لتهدئة ما يسمى "الربيع" العربي 130 مليار دولار4، على ان يكون الدور المكشوف لقطر والإمارت العربية المتحدة اللتين لا تتورع سلطاتهما عن ممارسة اي مستوى من الأدوار السياسية التصفوية ضد القومية العربية وخاصة ضد فلسطين وبأية درجة من الانكشاف. وهذا ما يؤكد ان التناقض بين حكام السعودية وقطر ليس هو بكل تلك المبالغة، دون أن ننفي وجوده، لكن الأهم أن الطرفين يقومان بدورهما ضمن تقسيم عمل تضعه الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة والغرب الأوروبي كذلك.
ليس ما نبغيه في هذه المقالة جرد حساب لتاريخ سياسة واقتصاد السعودية، بل مقاربة أو الإشارة إلى أمرين اساسيين يتعلقان ب "حتمية- إن جاز التعبير" وقوف هذا النظام ضد القومية العربية والأمران:
  • الأول: البداية القَبَلية والريعية للنظام (من ريع التلقي إلى ريع التوزيع لصالح الثورة المضادة)
  • والثاني: دور السعودية في توظيف ريع النفط في بناء الكيان الصهيوني وتقويض قضية العرب الأولى ومحط إجماعهم، وهو الأمر الذي يقدم خدمة جُلَّى للكيان ومعسكره ويفكك التماسُك العربي. وربما لا يحلم أعداء الوطن العربي بأكثر من هذا.
ديالكتيك القبيلة والدين السياسي
لا تستقيم التوعية ما لم تتوفر/تتجدد أخلاق توعية الشيخ لذاته كي يضطلع بمسؤولية توعية مريديه. وإذا كان هذا الحمل الهائل على الشيخ وهو ليس سوى معلِّم لعدد محدود من الناس، فما بالك بعبء من يحكم ويتحكم بالبلاد والعباد، اي السلطة والحكم؟
شاهد هذا الحديث أن مؤسس دولة آل سعود في جزيرة العرب كان حالة مركَّبة من ثقافة القبيلة في زمن الانحطاط (تحديداً أواخر الاستعمار التركي) وثقافة نمط من الدين السياسي، الوهابية، التي صيغت اسسها على يد الاستعمار الإنجليزي في مشروع قديم لتاسيس قاعدة جغرافية اقتصادية اجتماعية روحية ضد القومية العربية5. ويبدو أن أحد مقاصد اختيار الجزيرة العربية لكونها أصل العرب. ثقافة القبيلة في عصر الانحطاط والتبعية وتحويل القبيلة إلى دولة هي ليست ثقافة قريش قبل الرسول حينما كانت قريش التجارية في قمة الصعود تُدير شبكة تجارة عالمية في تلك الفترة وحينما كان قُصي بن كُلاب يؤسس لدولة العرب رغم فاصل/فارق 15 قرناً بقيادة الرسول الأكرم.
لا اقتصر ولن يقتصر الدور الخطر لآل سعود على ثقافة/عقلية القبيلة التي سقف طموحها الولاء لشيخها، وبالتالي انحصار جغرافيتها في الحدود التي تحددها النوق سعيا وراء الكلأ والماء وهي حدود قبائلية لا دولانية بالمعنى القومي ولا حتى إقطاعية. ولكن ما اعطى هذه العقلية القبائلية/المشيخية خطرها الهائل الذي لم تتمكن العرب من صده ورده بعد، أنها وُجدت في منطقة هي بالنسبة للاستعمار حياة او موت. فكان لا بد من صياغة نموذج سياسي يقوم على تحالف ابدي بين عقلية القبيلة/المشيخة الباحثة بالضرورة في حقبتَيْ الاستعمار والإمبريالية والأمر موصول في حقبة العولمة، عن سيد يحميها وبين قواعد وأهداف أمبراطورية راس المال الاستعماري المتقدم. هذه الثقافة التي تتشرّك/تتواشج في راس المال المالي العالمي وتُقصِّر عن الارتفاع إلى الطموح القومي وتستخدم الدين دائماً لمناقضة الطموح القومي. ومن هنا ظلت هذه الثقافة لدى مختلف حكام الخليج معادية للقومية العربية. وذلك بمستويين:
  • الأول: لأنها حينما جرى تركيبها في ممالك ومشيخات وإمارات كانت ما تزال بثقافة ما قبل راسمالية وبالطبع ما قبل وعي قومي (بما هي قبيلة من أمة، لم تمثل هي كقبيلة الجزء الأساسي من الأمة الذي دفعه تطوره الموضوعي، وجوده المادي لبلورة هويته القومية وإعلانها والنضال من أجلها، وهو ما تم في مصر والشام والعراق أولاً)، ولم تكن قد انتقلت من اشكال الإنتاج الماقبل رأسمالية كالرعي والزراعة المحدودة (الواحات) وبعض التجارة، وصيد اللؤلؤ...الخ إلى النفط والاندماج التابع في السوق العالمي. بكلمة اخرى فقد قُفز بها عن حقبة الوعي القومي.
  • والثاني: وهو إشكالية تتجلى في لحظة أنه حينما بدأت تعرف معنى الوعي القومي كانت:
    • من جهة لم تتجاوز ثقافة القبيلة بعد
    • ومن جهة ثانية متورطة في علاقة تبعية وجود مع الاستعمار
    • ومن جهة ثالثة بنت لاحقاً علاقات تشريك مع راس المال المالي العالمي بما يتجاوز في بلدان المحيط السيادة الوطنية والقومية بل ويتناقض معها.
وعليه، فإن الأجيال الشابة من هذه العائلات لا تجد من مصلحة لها في أي ارتباط قومي فهي وريثة ثقافة ما قبل قومية تراكبت عليها ومعها مصالح مرتبطة براس المال المالي عابر القارات مع شركات مركز مراكماتها وقراراتها هو مركز النظام الراسمالي العالمي مما جعلها بالضرورة لا قومية ومتخارجة. هل يقوم موقفها السياسي كفئة شباب على أنها ذات عقلية قبلية بحتة؟ ليس شرطاً، ولكن الواقع الاقتصادي المتكون من فائض الريع وضعها في موقع طبقي معين تحتاج إلى رافعة وعي قومي واشتراكي هائلين حتى يتحول بعضها، وهذا أمر صعب وقاسٍ6.
هذا التراكب العجيب بين المستعمِر والمستعمَر قام في السابق على حاجة آل سعود لريع من المستعمِر كي يُطوِّعوا له البلاد بينما كان يبحث هو عن النفط. يتطابق الريع مع عقلية/ثقافة القبيلة/المشيخة بعكس الإنتاج زراعيا وصناعيًا الذي يبزل في العادة فائضاً يحفز قوى سياسية اجتماعية طبقية على وجوب طرد المستعمِر (حال مصر وسوريا والعراق والجزائر) وبالطبع على التنمية الزراعية والصناعية وفي النهاية بلورة مشروع قومي.
فالقبيلة وهي تعيش على الرعي إنما تعيش على ما تقدمه الأرض دون عناء من الإنسان من كلأ وماء وهذا اقرب لثقافة القبيلة التي تتلقى الرزق من الله يغرسه هو في الأرض. لذا ربما كان هذا سبب نُدرة أو طول المدى في تحول القبائل إلى دول لا سيما في الفارق بين منطقة/جغرافيا وأخرى. فالعراق الغني والمائي اي الزراعي كان أول من خلق الدولة في التاريخ. وهذا لا يقلل من شأن الإنسان الذي وُجد في الصحراء، ولكن نورده لتبيان فوارق تاثير البيئة بشكل عام، وهذا امر بريىء، ولكن بشكل خاص، فإن ما ليس بريئاً هو تبعية القبيلة السعودية للغرب تبعية مقصودة ومدفوعة الثمن. أما الدولة القومية العصرية فكانت وليدة الصناعة في أوروبا، فلا يُحمِّلن أحدٌ (من الشرق او الغرب ) أحداً دَيْناً . فلا بد أن يقود الإنتاج إلى تكوين تشكيلة اجتماعية اقتصادية لها حضورها الثقافي والهوياتي الذي يؤسس للمشروع القومي. وليس هذا استجداء او تبعية أو نسخاً واستيراداً لما يسمى ظهور القومية في الغرب الأوروبي الاستعماري7.
أما قبيلة آل سعود فقد اعتمد وجودها أو سيطرتها على الجزيرة العربية على ريع الرعي وبعض الزراعة وربما نغامر بالقول هنا إن اشكال الإنتاج التي كانت تعيش عليها، اي التي في المناطق التي سيطر عليها آل سعود فعليا وسلطويا ورسمياً 1932 كانت ما قبل راسمالية سواء الأشكال الرعوية والزراعية البسيطة غير الراسمالية وريع الحجيج...الخ لم تكن اشكالاً تؤسس لدولة عصرية، الأمر الذي أوجب على ابن سعود الاعتماد على الاستعمار في تسليح نفسه وهزيمة آل رشيد وتأسيس دولته . بهذا المعنى اعتمدت دولة ابن سعود (قبل ريع النفط) على ريع العلاقة مع المستعمِر.. ريع اساسه سياسي دفعه المستعمِر لتحويل القبيلة إلى دولة ضمن رؤية أسس لها الاستعمار إلى زمن طويل لاحق. والريع السياسي هو تغذية مالية تمويلية لقوى أو أنظمة مقابل دور سياسي لها يكون دائماً تابعاً ومضاداً للمصالح الوطنية للبلد الذي تنتمي إليه. هو إنشاء نظام حكم على يد المستعمِر وارتباط هذا النظام بذلك المستعمِر في كافة الظروف لأن مجرد الوجود السياسي الحُكمي هو بيد ذلك المستعمِر. هذا هو الريع السياسي الذي بدأ بدعم من المستعمِر الذي احتل المنطقة بخطة تتجدد طبقاً للتطورات. لذا كان يعرف ما هي مصالحه في المنطقة وهو ما أوجب في مرحلة استغلال النفط قلب المعادلة بمعنى اعتماد أو تشارك/تقاسُم المستعمِر والنظام الوكيل او التابع في ريع النفط. بهذا المعنى، فالحالة الموجودة في السعودية (ومختلف كيانات الخليج) هي الإقرار بان النفط من خلق المستعمِر وأن وجود النظام السياسي فيها واستمراره مرهون بقوة وبقاء المستعمِر ومن هنا يحصل المستعمِر على ريع النفط ويحصل النظام على قسط من ذلك الريع بشكلين:
  • ريع سياسي سلطوي بمعنى حماية النظام
  • وريع مالي بمعنى حصته من ريع النفط.
لعل اقرب ما يبرهن استمرار التكوين الريعي والتابع للسعودية هو مآلها الحالي كدولة تدفقت إليها مقادير هائلة من فوائض النفط لكنها بقيت عاجزة عن حماية نفسها رغم إنفاقها الهائل على أجيال من الأسلحة التي تُشترى وتتهرّأ ليتم استبدالها بأجيال جديدة ورغم ذلك تعتمد في الدفاع عن نفسها ضد عدوان محتمل، وقد يكون متخيلاً، على وجود قوات أمريكية على أرضها. هذا ناهيك عن عدم حصول نهضة تصنيعية إنتاجية فيها بما يوازي الدفوقات المالية التي تحوزها كل سنة. فالسعودية لو كانت ذات توجه عروبي تصنيعي وتنموي عموماً بوسعها تمويل قاعدة صناعية إنتاجية تُقام فيها (أو في مصر) باعتماد على قوة عمل وخبرات عربية من مصر مثلا والقيام باستثمارات زراعية في السودان وغيرهما من القطريات العربية. لكن السعودية أخذت مناح مختلفة وخطرة في الوقت نفسه، وهو ما يفسر دورها المعادي للقومية العربية والوحدة:
  • فبدل الاستثمار الإنتاجي قامت هي ودول الخليج بتقديم مساعدات مالية، حسب الظروف، لبلدان العجز العربي لتغطية عجز الحكومات وليس للتنمية، وهو ما عُرف في السبعينات والثمانينات ب (بلدان العجز والفائض).
  • لم تستثمر في بلدان الاشتراكية المحققة وركزت فوائضها في البنوك التجارية الغربية
  • لم تُقم قاعدة صناعية حقيقية في اراضيها بل تشاركت مع راس المال الغربي ضمن شركات لها فيها اسهما سواء كحكومات أو كقطاع خاص، ولكن ليس لها فيها قرار تحديد طبيعة الإنتاج أو مكان الاستثمار، الأمر الذي حال دون تكوين قاعدة صناعية متمحورة على الذات في هذه البلدان8.
  • لم تكن هذه التوجهات مصادفة، فتكوين قاعدة صناعية متقدمة في قطر عربي سوف تفرض على هذا القطر توجها تكامليا عربيا يحاول تحقيقه إما بالتكامل والتراضي المصلحيين أو بالطريقة البسماركية، وهما خياران لم تتوجه إليهما السعودية لأنهما خياران يصبان في البعد القومي. ومن اللافت أن بلدان الخليج هذه كثيراً ما اقامت صناعات متشابهة مع أن اسواقها لا تستوعب منتجات تلك الصناعات كصناعة الألمنيوم مما انتهى إلى هدر مالي بوعي.
  • قامت السعودية ومختلف دول النفط بتقديم مساعدات مالية للإنفاق وليس للاستثمار لكثير من الأنظمة العربية ولمنظمة التحرير الفلسطينية وذلك كي نُبقيها بحاجة لهذا التمويل، وخاصة منظمة التحرير. وعليه، ظهرت السعودية دوماً بمظهر الدولة العربية التي تفي بتعهداتها المالية مما منع الكثير من نقد سياسة السعودية المضادة للقومية العربية ملجوماً بالحاجة المالية واوضح مثال وأخطره هو صمت منظمة التحرير الفلسطينية9. وربما تفسر هذه المسألة تحديداً خبث هذا النظام وخطورة المتمولين منه بمعنى استثمار الأموال وتوظيفها سياسياً ليس إنتاجياً أو من أجل التكامل الاقتصادي العربي.
وقد يكون كعب أخيل في السعودية في غياب الحدود الدنيا لحقوق المواطنين حيث لا برلمان ولا أحزاب ناهيك عن ذكورية المجتمع وليس النظام السياسي وحسب مما يكاد لا يعتبر المرأة جزءاً منه. وهذا ما يعيد إلى الذهن بوضوح ذلك التراكب بين ثلاثي: ثقافة القبيلة والذكورة والدين السياسي الوهابي كأكثر ألوان الدين السياسي رجعية ومحافظة.
اين موقع الكيان في هذا؟
ولكن، اين موقع العلاقة بالكيان (التطبيع واستدخال الهزيمة) في هذا السياق؟ وهذا يعيدنا إلى كتابنا: "التطبيع يسري في دمكِ" حيث اشرنا أن التطبيع بدأ مع سايكس- بيكو. ولنبقى ضمن سياق هذه المقالة فإن تجلي التطبيع بين دولة القبيلة وبين دولة الإمبريالية، (لاحظ اتساع المدى بين الإثنتين) هو في طريقة تعاطي عبد العزيز آل سعود من المستعمِر البريطاني بشأن فلسطين التي كانت من أول القرابين التي قدمتها السعودية للمستعمِر/المستوطن.
وجه الغرابة هنا أن هذه القبيلة الدولة المفرغة من اي بعد قومي عروبي، استخدمت المسألة القومية بالمعنى التفريطي، اي خيانة الأمة مما يؤكد أطروحتنا بأن القومية العربية لدى أنظمة الحكم العربية، وخاصة السعودية، هي مشروع تقويض القومية العربية وليس مشروع توحيدها. إنه توظيف زعم الانتماء العربي من أجل قتل المسألة القومية العربية.



Helmi Mousa's Photos
(في مثل هذا اليوم 3 كانون ثانٍ في العام 1919 وقع الأمير فيصل اتفاق تعاون مع حاييم وايزمان اعتمر بموجبه الأخير العقال العربي وتخلى فيه الأول عن حبه لفلسطين)
عبر علاقتها بالاستعمار البريطاني نمكنت الصهيونية من اختراق المتنافسين في الجزيرة العربية على السلطة المرتبطة بالاستعمار حيث حصل تنافسا أو تسابقاً بين آل سعود وآل رشيد على إرضاء الصهيونية والاستعمار على حساب فلسطين. فقد تحالف اشراف مكة مع الاستعمار البريطاني على امل هزيمة الاستعمار العثماني وإقامة مملكة عربية لشريف مكة الحسين بن علي. لذا، في مؤتمر السلام في باريس 1919 استطاع لورنس أن يقنع الأمير فيصل بشروط مناسبة جدا لليهود: " حيث تمكن من إقناع فيصل بصيغة اتفاق مع وايزمن في 3 كانون الثاني 1919، كتبه لورنس بخط يده بالإنجليزية وقدم مضمونه للأمير، وتضمنت المادة الثالثة منه الموافقة على تنفيذ وعد بلفور (29) تشرين الثاني في دستور إدارة فلسطين، وأن تتخذ كل التدابير الضرورية لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين على أن تحفظ حقوق الفلاحين والمزارعين العرب10" . ولكن الأسئلة التي بقيت معلقة حتى اليوم هي:
من الذي خوَّل فيصل بهذا التبرع بفلسطين وهو لا يمثل أي فلسطيني لا سلطويا ولا قومياً؟ ماذا غير استخدام الوهابية لتبرير ذلك؟ هذا من حيث المبدأ.ثم كيف ستُحفظ حقوق المزارعين العرب ومن سوف يضمن حفظها؟. ومن قال أن العرب كانوا في فلسطين آنذاك مجرد مزارعين بهذا التبسيط الذي يحمل معنى الزراعة الاكتفائية المحدودة مع أن فلسطين كانت تصدر إلى أوروبا الحبوب ومنتجات الصناعة الزراعية منذ القرن التاسع عشر، وهذا أمر جرى بحثه وتأكيده من كثيرين. ما نقصده هنا أن فيصل قد تماهى مع الدعاية الصهيونية بان فلسطين كانت متخلفة وأن الاستعمار اليهودي سوف يقوم "بتطويرها". هل كان يعلم أن هذه دعاية صهيونية؟ أم انه لم يكن يعرف عن فلسطين؟ في مجمل الحالات فإن فيصل قد مثَّل هنا دور التابع المفرِّط بما لا يملك والمفرط سياسيا بمحرمات قومية سواء عن وعي أو جهل سيان11.
وبالمقابل، كان على آل سعود أن يقدموا بدورهم إلى الاستعمار والصهيونية ما يعادل وربما يفوق ما قدمه فيصل وعلى حساب فلسطين كذلك. وهو ما اتضح فيما يلي:
(مؤسس المملكة السعودي يتعهد بفلسطين لبريطانيا
Saudi monarchy founder assured UK on Palestine)
An ancient document has revealed how Sultan Abdul Aziz, the founder of Saudi Arabia assured Britain of creating a Jewish state on Palestinian lands, a news report says.
" هذه وثيقة قديمة تكشف كيف أكد السلطان عبد العزيز، مؤسس العربية السعودية لبريطانيا على خلق دولة يهودية على أرض فلسطين، كما يقول تقرير إخباري"


إذن كان عام 1919 بداية الدور السعودي في تثبيت الكيان الصهيوني في فلسطين، أي خلال عامين بعد وعد بلفور. لم يتوقف الأمر عند ضمان حقوق المزارعين، بل ساهمت السعودية مع عدة دول عربية أخرى في وقف الإضراب الفلسطيني الشامل عام 1936 بعد ستة اشهر من استمراره دون أن تُلزم المستعمِر البريطاني بأي شيىء لاحقاً. بل ما ترتب على ذلك كان الكتاب الأبيض 1937 والذي اسس لتقسيم فلسطين.
وهناك حديث متداول في أوساط الفلسطينيين منذ عام 1948 حيث اغتصبت فلسطين بأن هذا السلطان الذي اصبح يُدعى ملكاً، رفض استخدام النفط للضغط آنذاك لصالح الفلسطينيين قائلاً: "لا علاقة بين الاقتصاد والسياسة". وبالطبع لم تساهم هذه المملكة حتى في الحرب العربية الرسمية لمنع اغتصاب فلسطين عام 1948. ولم تشارك في اية حرب أخرى ضد الكيان الصهيوني. ورغم الضجيج عن وقف ضخ النفط في حرب اكتوبر 1973، يبين التحليل الاقتصادي أن ذلك كان بقرار من شركات النفط وخاصة الأميركية لاستغلال حاجة أوروبا للنفط لتتبيع أوروبا نهائياً للولايات المتحدة، ولم يكن قراراً سعودياً بنزعة قومية. فسياق سياسة هذه الدولة قبل 1973 وبعدها لا توصلنا إلى هذا التحول الدرامي.
وقد يكون أخطر ما قامت به السعودية، وخاصة منذ إقامة م. ت. ف وحتى الآن هو تحويل تمويل سياسي منها إلى هذه المنظمة بهدف شراء صمت قيادات هذه المنظمة وحتى الآن السلطة الفلسطينية وحتى معظم القوى الفلسطينية عن الدور السياسي للنظام السعودي تجاه القضية الفلسطينية، والتي اخطرها المبادرة العربية.
استمر موقف السعودية المضاد للقومية العربية ولا سيما في حقبة الناصرية. وهي سياسة لم تتغير بعد هزيمة حزيران 1967 وانهاء الناصرية. بل إن السعودية بعد الناصرية انتقلت إلى دور قيادي على مستوى الوطن العربي بسياسة تخريبية قومياً. وبدل أن تنطوي على نفسها لعبت دوراً في الجامعة العربية مضاداً للأمة العربية. كما واصلت نهجها تجاه فلسطين ففي ايار عام 1977 صرح الأمير فهد ولي العهد السعودي :" إن على إسرائيل أن تطمئن بأننا لا نعترض على وجودها"12. وهو موقف تبرع ينم عن دور هذا النظام علاوة على أنه يتخذ لنفسه صلاحيات وحقوق ليست له ليتبرع بها للكيان الصهيوني. لقد دعمت قطريات الخليج الدولة العراقية في حربها مع إيران وقلبت لها ظهر المجن وتآمرت عليها بعد تلك الحرب وشاركت في غزو العراق 1991 و 2003.
ورغم ما كتبه كثيرون عن دور إمارة قطر في خرق قوانين وقرارات المقاطعة العربية للكيان الصهيوني وللشركات المتعاملة معه، إلا أن أحداً لم يتحدث عن السعودية التي كانت لها سياسة ثابتة في تخريب المقاطعة.
" ...في عام 2005 أعلنت السعودية انتهاء مقاطعتها للبضائع والخدمات الإسرائيلية وغالباً بسبب تطبيقها قرارات منظمة التجارة العالمية حيث انه من غير القانوني لأي بلد عضو أن يحظر المتاجرة مع آخر13. والسعودية هي صاحبة ما تسمى بالمبادرة العربية التي تشرعن الكيان الصهيوني وهي المبادرة التي أصرت سوريا على ربطها بحق العودة14.
واليوم، تقف أنظمة الخليج في الصف المتقدم لاحتلال ليبيا والحرب على سوريا مما يؤكد دورها الذي اُعدَّ لها كدور مضاد للأمة العربية وللوحدة العربية. وتقود السعودية الآن وتمول العدوان على سوريا ولكن دون ضجيج حيث ابقت الضجيج لإمارة قطر.
أما والحراك/الربيع/الثورات في الوطن العربي تتحول إلى حرب بين الثورة والثورة المصادة حيث يحاول معسكر الثورة المضادة إعادة ترتيب هجومه ومصالحه على صعيد عالمي وخاصة في الوطن العربي، وهذا يكشف عن وجود حرب عالمية وإن بدت متقطعة من حيث الوقت ومتنقلة من حيث الجغرافيا، فإن هذا لن يسمح للخبث السعودي بالبقاء بعيدا عن الأضواء. وسواء نجح في هذا أو ذاك، فإن توجيه النضال العربي لتقويض هذا النظام هو ربما المهمة التي وحدها قادرة على بدء نهوض عربي جذري مرة وإلى البد. هل نستطيع اليوم أم لا؟ هذا أمر آخر.
( *** )

No comments:

Post a Comment