Sunday, 6 May 2012

{الفكر القومي العربي} أسرى ومطبعون ومخبرون 3



-
كنعان النشرة الألكترونية
Kana'an – The e-Bulletin
السنة الثانية عشر العدد 2881
4 أيّار (مايو) 2012      
أسرى يواجهون مطبعين، دونيين، مخبرين ومتطامنين
(3 الأخيرة)
عادل سمارة
 
تعرضت في المقالة الأولى بإيجاز لدور اتفاق اوسلو  (سلام راس المال) السلبي تجاه الأسرى، باعتبارها خذلاناً على يد النخبة السياسية الفلسطينية مدعومة بتنظيرات النخبة الثقافية المرتبطة بها. ومن اللافت أن إضراب الأسرى الحالي تزامن مع هجمة تطبيعية تمثلت في فئتين:
  • نخبة المؤسسة الدينية سواء مفتي الديار المصرية علي جمعة مدعوا من الحكومة الأردنية أو الشيخ اليمني الحبيب الجفري
  • ونخبة ثقافية أكاديمية فلسطينية وخاصة د. أحمد برقاوي ومن استدعوه في الأرض المحتلة.
 
وبالطبع وراء هؤلاء كثيرون من امثالهم ممن أتوا ومن سيأتون، ناهيك عن دعوات من سلطة الحكم الذاتي لهذه الهجمة التطبيعية. وقد لفت نظري نقاش في برنامج عمرو ناصف على قناة المنار  25 نيسان الماضي حيث ذكر أحد ضيفيه أن المطبعين يزعمون: " بأن مجيئهم إلى الأرض المحتلة أمر طبيعي ومبرر لأن زيارة السجين ليست اعترافاً بالسجان". وحبذا لو تذكر المتناقشون، أن هذا التبرير لا ينطبق على الحالة الفلسطينية لأن السجين ليس معتقلاً في دولة هو أحد مواطنيها وبأن السجين هو معارض للنظام أو رافض له ولكنه ليس رافضاً لوجود الدولة نفسها، كما هو حال الأسرى لدى الاحتلال الذي يغتصب وطنا لا سلطة ويخطط لاغتصاب نصف الوطن العربي وإتباع نصفه الآخر. كما ناقش نفس البرنامج يوم 2 ايار الجاري مسألة التطبيع مع السيد عبد الغفار شكر والصديق احمد بهاء الدين شعبان أحد قياديي الحزب الاشتراكي في مصر والمناضل العريق ضد التطبيع. وأكدا على وجوب تخلص مصر من اتفاق كامب ديفيد والكويز والتطبيعين الزراعي والصناعي.
 
وبالطبع، فإننا ندين جميعاً للحركة الوطنية المصرية في مناهضة التطبيع وكذلك للراحل الأنبا شنودة. وهذا الإقرار يضعنا في إحراج كيف يندلق فلسطينيون على التطبيع، بينما يرفضه العرب وخاصة في البلدان العربية التي تشكل تشكيلات اجتماعية اقتصادية مكتملة، اي ليست مجرد تشظيات مجتمعية، حال الفلسطينيين والقطريين والكوايتة والأردنيين...الخ. وحتى الراحلة السيدة بناظير بوتو التي حينما عرفت أن الاحتلال ما زال مسيطراً على الضفة رفضت الدعوة بالزيارة!
 
في كتابي : "اللاجئون الفلسطينيون بين حق العودة واستدخال الهزيمة: قراءة في تخليع حق العودة"[1] أجريت في الفصلين الثاني والثالث مقارنة بين مواقف مثقفين فلسطينيين ومثقفين صهاينة من الصراع العربي الصهيوني فوجدت أن الصهاينة بالمطلق تقريباً ضد حق العودة بينما في مواقف الفلسطينيين اختلالات وتساقطات تطبيعية هائلة.
 
وهذا يستدعي الإشارة والتنبيه إلى دونية كثير من الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين والعرب الذين يخرُّون سُجَّداً أمام اي أكاديمي أو مثقف يهودي إذا ما أدان احتلال 1967 ولا يجرؤون قطعياً على مناقشته في رفضه لحق العودة أو مقارعة احتلال 1967 بغير القانون الدولي، وكيف يفعلون وهم بالتطبيع يثبتون نفيهم لحق العودة. أقصد بهذا مواقف كل من نوعام تشومسكي[2] ونورمان فنكلشتاين الذي أكد نفس الموقف في كتابه الأخير: يعرفون الكثير Knowing too much، مراجعة سعيد عريقات، واشنطن. فرغم مواقف هؤلاء وأمثالهم المضاد بوضوح لحق العودة فإنهم يُدعون ويُستقبلون من قبل أكاديميا ومثقفين ومؤسسات فلسطينية وعربية بكل الدونية والخنوع اللذين ينجمان عن تبعية في الخطاب. وقد نسأل السؤال التالي: لو قام فلسطينيون وعرب بصياغة عريضة لصالح اسرى المقاومة، هل سيوقع عليها امثال هؤلاء؟ أم سوف يصرون على أن هؤلاء فلسطينيون وعرب إرهابيون!
 
ولكن، بعيداً عن المقارنة، يلاحقني السؤال: كيف يشعر الأسرى حين يرون مثقفين فلسطينيين يُطبعون مع الكيان بينما هم يُضربون بقرار يصل الاستعداد للاستشهاد. ألا يدرك الأسرى أنهم بعد مرحلة التضحية الأولى، اي النضال ضد الاحتلال، يعبرون مرحلة التضحية الثانية بإضرابهم هذا، ألا يدركون أنهم قاموا بذلك من أجل الوطن! ألا يعني تطبيع أمثال أحمد برقاوي والشاعر إبراهيم نصر الله أنهم يطعنون نضال الأسرى؟ بل إن برقاوي وأمثاله إنما يقولون للأسرى: النضال والتضحية والعذاب  واجبكم، بينما نحن نخبة الثقافة والخطاب والفلسفة لا علاقة لنا بنضالكم، وابعد من هذا، سنقطف ذات وقت ثمرة ذلك النضال، كما حصل في سلام راس المال. لا بل إن هؤلاء المثقفين إنما يكرهون أولئك المناضلين لأن مجرد نضالهم وصمودهم يُحرج هؤلاء المثقفين لأنهم يعلمون كم يختزن ضمير الشعب احتراما للمناضلين واستخفافاً بمثقفي التطبيع. لا بل يعرف هؤلاء المثقفين أن وجود المناضلين هو نفسه الذي يحرمهم من احترام الشعب ومن انتهازهم لفرصة قيادة الشعب. فكيف حين يصطدمون بمناضلين مثقفين في الوقت نفسه!
التقاني قبل ايام صديق مسرحي برام الله وقال لي: رأيت على فضائية فلسطين شخص اسمه أحمد برقاوي يقول، : هذا عادل سمارة مجنون لأنه يهاجم التطبيع. وفضائية فلسطين في الحقيقة تمارس قناعة إدارتها، ولذا لا الوم من أجرى المقابلة. فبقدر ما نُتابع المطبعين، فإنهم يتابعوننا لا شك، وإذا كنا ننقدهم فهم يكرهوننا، وحبذا لو يتوقف الأمر منهم حدَّ الكراهية، فكثير من المطبعين/ات هم كتَبة تقارير وابحاث عن هذا أو ذاك وهذا القطر أو ذاك.
تعج ساحة الوطن العربي بمخاليط عجيبة  بحيث لا أحد يتابع أحداً. فلو قرر اتحاد الكتاب العرب بياناً يعاضد الأسرى وأرسله إلى اتحادات الكتاب في العالم، سنجد المطبعين وقد مهروه بأسمائهم وحتى في البداية. وهذا ليس اقل من إثبات على ذاكرة مخروقة، بمعنى أن متابعة المطبعين يجب ان تكون منهجية ودائمة. ويجب التأشير إليهم بوضوح، ودون شعور بالحرج لأن التطبيع هو الآلية الأكثر سهولة لدمج الكيان في الوطن العربي اندماجاً مهيمناً. إن مناهضة التطبيع هي النضال الحقيقي في هذه الظروف.
 التطبيع قوة هجوم هائلة من الثورة المضادة يقوم على فيالق من المخروقين عبر أنماط عدة من الاختراق سواء السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الأكاديمي أو الإيديولوجي أو النسوي أو المذهبي أو الطائفي مما يجعل مقاومة التطيع واجب ضخم يستحق ما نعانية. هي معركة ينخرط فيها كل فرد كل يوم، حيث يحرك الاختراق أدواته في في كل ساح ولحظة، ويمارس الشرفاء رفض التطبيع  وتكريس المقاطعة. ويتذكرون كل يوم عذابات الأسرى الذين تطوعوا لحمل الهم الوطني حتى التحرير.
 
( *** )


[1]  إصدار مؤسسة فلسطين للنشر، جلنديل ، كاليفورنيا 2000 ودار الكنوز الأدبية بيروت 2001، وهي الدار التي اسسها المناضل الراحل  العروبي الماركسي البحريني  عبد الرحمن النعيمي (سعيد سيف).
 
[2]   أنظر حوله كتاب عادل سمارة، التطبيع يسري في دمكِ، منشورات دار ابعاد بيروت 2010، ومنشورات مركز المشرق العامل للدراسات الثاقفية والتنموية، رام الله 2010، ص ص  44-49.
 


No comments:

Post a Comment