--
فى نعى " الوطن " والثورة
(تأملات فى أحوال مصر المحروسة تحت حكم الإخوان)
بقلم د. رفعت سيد أحمد
* ما الذى يجرى فى مصر المحروسة ؟ وإلى أين يأخذنا هذا الذى يجرى ؟ وهل بدأ بالفعل زمن الإخوان السياسى وهل سيطول أمده إلى عقدين أو ثلاثة – كما يذهب البعض - وليس مجرد شهور كما يراهن الثوار والخصوم ؟! .
***
* أسئلة تطرح نفسها بعد أكثر من خمسين يوماً على تولى الإخوانى العتيد د. محمد مرسى رئاسة مصر إثر انتخابات حصل فيها على ما يعادل 25% من تعداد القوة الانتخابية المصرية المقدرة بـ 50 مليون ناخب ، وتزداد أهميتها بعد التطورات المتلاحقة التى أصابت الثورة والوطن ، داخلياً وخارجياً ، فكادت أن تحوله إلى (جثة) بلا دور أو قيمة ، (جثة) إكرامها فقط وفقاً للبعض من الغاضبين هو فى (الدفن) ؛ جثة يتراقص حولها الطامعون فى جزء من التورتة ، رغم أنهم يعلمون جيداً أنها قد تحولت إلى رفات ، لا روح فيه ولا أمل ولسنوات طويلة مقبلة ؛ بفضل أطماعهم وأدوارهم المشبوهة .. والآن دعونا نجيب على الأسئلة :
أولاً : نحسب أن القوة السياسية للإخوان والتيارات السلفية (الوهابية أدق لفظاً ومعنى ومقاما!!) ، ليست كامنة فى داخلها، ولكنها آتية – كما سبق وقلنا مراراً – من ضعف وتشرذم القوى الوطنية والثورية الأخرى ، وتهافت بعضها على الفتات الذى يلقى إليها من فوق المائدة الإخوانية (انظر المشهد الجديد شديد البؤس لاختيار من سموا بالمستشارين السياسيين للرئيس ومن قبله مشهد تشكيل الحكومة .. وراقب الفتات الملقى ومن الذى تلقاه وكيف بلعه من غير هضم !!) . إن هذه القوة السياسية والتنظيمية للإخوان ، فى تقديرنا ، ستستمر لفترة طويلة ، وسيتميز حكمها بالاستبداد والاستحواذ فى إدارة اللعبة السياسية إلى الحد الذى سيكون فيه الإخوان هم وحدهم الحاكمون لمجمل العملية السياسية ، وستكون باقى القوى مجرد (كومبارس) سياسى ليس إلا ، وسيرقص هذا (الكومبارس) فرحاً بالدور ، وسيحاول أن يثبت أنه أكثر إخوانية من الإخوان ، ولكنهم لن يصدقونه ، ولن يأمنوا فى كل سنوات حكمهم القادم إلا لمن هو إخوانى قلباً وقالباً ، تاريخاً وحاضراً ؛ إننا باختصار مقبلون على (زمن الإخوان) وعلى الجميع أن يستعد له وألا يبنى أوهاماً أو خيالات عن (ثورة قادمة) قادرة على الإطاحة بهم كما كان المشهد يوم 25 يناير 2011 مع نظام مبارك ، لأن الفارق كبير فى القدرة على الإطاحة وإن كان التشابه كبيرا فى طبيعة النظامين (الإخوانى) و(المباركى) حيث فقط القشرة الإسلامية هى الفارق ، أما العلاقات مع واشنطن وتل أبيب وصندوق النقد الدولى، والاستبداد المقنع وتوظيف الدين ، فإنها سمات واحدة حتى لو تبجح البعض أو انخدع بالزائف من الشعارات .
إذن لنستعد لزمن الإخوان الأمريكى ، زمن مبارك الجديد ذو اللحية ، إنه زمن سيكون سلاح التكفير والقهر باسم الله – جلا وعلا وتنزه – هو الديدبان الحاكم .. إنه زمن سينعى فيه الوطن والثورة ، وربما – وهنا المفارقة الكبرى – سيكون الإخوان فيه مجرد أداة طيعة وإن كابروا أو كذبوا فى أيدى واشنطن وتل أبيب ، سيكونون ضحايا ، ولكن بإرادتهم ، وسيكون لهم دور فى المنطقة ولكن لخدمة واشنطن وتل أبيب من خلال دعم ثورات الـ C.I.A الأخرى المنتشرة من ليبيا إلى سوريا لخدمة إسرائيل بالأساس ، سيكونون ضحايا وأدوات ولكن بالمزاج .
***
ثانياً : ولكن .. ألا يوجد مخرج لهذه الحال البائسة التى سيكون فيها الوطن مجرد (جثة) يتصارع حولها القتلة ؟ الإجابة نعم ثمة مخرج واحد أنه وبإختصار لابد وأن يكون بتقديم البديل الشعبى ، لا الإستناد – كما جرى – على إنقاذ يأتى من السماء .. أو من العسكر ، أولئك الذين خذلوا من راهن عليهم وأثبت مجلسهم العسكرى السابق أنه كان مجرد (نمر من ورق) وأنه كان شريكاً فى المؤامرة الأمريكية – الإخوانية لخطف الثورة وإعادة إنتاج نظام حسنى مبارك ولكن بلحية ، المخرج هو فى الشعب وحده ، المخرج هو فى إعادة الروح وبأداء ومنهج جديد لميدان التحرير ، المخرج هو فى الاعتصام مجدداً بخيار المقاومة ضد الاستبداد والتطبيع مع العدو الصهيونى ، المخرج هو فى حصار السفارتين الأمريكية والإسرائيلية وطرد سفرائهم وجواسيسهم ومشاريعهم وصندوقهم وبنكهم الدوليين الذين يعيدون مع الإخوان – الآن- زمن حسنى مبارك ولكن بلحية جديدة شابة ؛ مطلوب منها – أى هذه اللحية الشابة - أن تخدع الناس على الأقل لمدة عقدين من الزمن باسم الثورة الزائفة والتدين المغشوش ، الحل فى ضرب هذه الأوكار وبقوة ولكن من خلال الشعب ، وإعادة توحيد صفوف الوطنيين بكل ألوان طيفهم بشرط إنكار الذات من خلال تواضع قياداتهم ، ولتكن بداية هذه الرؤية الاستراتيجية هى انتخابات مجلس الشعب القادم ، مصحوبة بحصار أسبوعى للسفارتين الإسرائيلية والأمريكية لطرد سفرائهم من مصر ثأراً لدماء الشهداء ، وإفشالاً لمخطط سرقة الثورة الذى يديرونه مع القوى الحاكمة الجديدة فى المنطقة من داخل سفاراتهم؛ حصار أسبوعى جاد ورمزى (كما يفعل المناضل إبراهيم علوش وصحبه الشرفاء فى عمان بالأردن منذ عدة سنوات) .
* إن مواجهة الاستبداد والانفراد السياسى بالحكم وإحباط مخطط سرقة الوطن والثورة الذى يجرى أمام أعيينا من أصحاب التدين المغشوش ، أصحاب الإسلام الأمريكى – الخليجى ، لا يمكن له أن ينجح دون الضرب على رأس الأفعى ، والتى فى تقديرنا ، تتمثل فى واشنطن وتل أبيب ؛ إذا لم ندرك جميعاً (يساريون وليبراليون وقوميون وإسلاميون وثوار) أهمية هذا الربط الآن ، وأهمية العمل على إشعاله مجدداً ، فأنا – للأسف – أنعى لكم هذا الوطن الجميل وتلك الثورة التى كانت وطنية جامعة ، فأضحت يتيمة الأب والابن ، وأضحى سُراقها أكثر عدداً من شهدائها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
No comments:
Post a Comment