تفجير جرمانة وتفعيل الاستقطابات الطائفية
بقلم : حسين الربيعي
"جرمانا مدينة للعيش والحياة وليست ساحة حرب وأستعراض قوة لأحد " هذا ما جاء في نص "بيان" قيل انه لأهالي ووجهاء جرمانا ، وجدته منشورا بتاريخ 25 من اب الحالي ، وهو كلام منطقي اراد ناشروه ان يعرضوه من وجهة نظر متوافقة مع مؤامرة مايسمى بالثورة السورية ، ولكنه في جوهره متوافق مع اهداف الدولة المقاومة في تأمين الأوضاع الصالحة للحوار الوطني ، ولكن الذي استوقفني أن نشر هذا البيان مع حزمة من الأنباء عرضت قبل ايام من تفجير جرمانا ... عرضت محطات فضائية لها ادوار في تأجيج الوضع السوري ، مشاهد لتجمع لما سمته بتنسيقية الشباب السريان الأشوريين السوريين ، إذا المقصود تفعيل استقطابات طائفية ، تقصد الجموع الأشورية ومسيحيي سوريا ، خصوصا وان ابناء هذه الطائفة ، حذرون ومتخوفون مما يطلق عليه الثورة السورية ، لأسباب واقعية ، مثل قيادة ما يسمى " الثورة" التي يهيمن عليها المتطرفيين الأسلاميين ـ القاعدة ـ وفروعها ، وفداحة الضرائب التي سددها ابناء الطوائف المسيحية ، والأشورية بشكل خاص ، من ارواح ودماء واموال في الصفحة العراقية، وما تبعها من تضحيات اخرى للمسيحيين العرب في مصر وغيرها من اقطار امتنا العربية ، فالأسلوب والطريقة للعمليات السياسية الجديدة في دول " الربيع العربي" المحاصصاتية ، حرمت الطوائف المسيحية من امتيازاتها التي تمتعت بها منذ مئات السنين ، ولعلنا يدرك من قريب الزمان ، أنه وفي اقسى ضروف الأستبداد والدكتاتورية السياسية في عالمنا العربي ، لم يحرم المسيحيون من مزاياهم ، كان نائب رئيس الوزراء في العراق ووزير الخارجية ، مسيحيا ، وكان هناك غيره من الوزراء والمسؤولين المسيحيين ، كذلك في مصر ، بطرس غالي واخرين ... ناهيك عن مكانتهم المميزة في سورية بسبب الثقافة الوطنية المتفتحة السائدة في سورية وابتعاد قيادتها عن النهج الطائفي .
اني اتحدى الذين نصبوا أنفسهم زعماء للمسيحية ، أن يتمكنوا في حومة ما بذلوا ضمن دائرة المؤامرات المغلفة بعباءة الديمقراطية ، وما نتج عنها من أنظمة ودساتير وبرلمانات ووزارات ، ان يحصلوا على القلة القليلة من تلك المزايا ، في ظل قانون المحاصصة ، فهذا ما جنته اياديهم من جريمة ضد ابناء طوائفهم ـ ليس لسبب إلا إرضاءا لأمريكا اولا ، والسير خلف سراب الزعامة ، فالمنحدر الذي يقف عليه اليوم بعض ممن ادعى تمثيله للطائفة المسيحية في تنسيقيات المؤامرة على سورية ، هو نفس المنحدر الذي أوقع امثالهم في العراق لمستنقع التأمر على الوطن والمشاركة في استقدام الغزاة والمحتلين ، والبصم على وثيقة الدستور التي خلقت المحاصصة .. والقبول بالبقاء في زاوية مظلمة من التعتيم التام ، بل إنهم على الأقل لم يتمكنوا من حماية ابناء طوائفهم ومقدساتهم الدينية ، لقد تقلص وجود الطائفة المسيحية لأدنى مستوياته في تأريخ العراق .
ادرك ان عددا هائلا من اهالي جرمانا ، من العوائل المسيحية ، وبالقدر الذي احمله من محبة لهذه الطائفة ، واعتزازي بهم على خلفية انتمائهم للعروبة والإنسانية المشتركة ، فقد قدرت ان العملية الإجرامية التي أستهدفت مراسم تشييع ودفن شهيدين في مقبرة المدينة ، كانت تستهدف الدفع في عملية أستقطاب للمسيحيين تحت طائلة هذه التنسيقيات والحركات التي تمول وتدار وتدرب من قبل قوى الأستكبار العالمي ، وان يمر هذا على مسح تأريخ اهالي المدينة المشرف في مناهضة الأحتلالات العثمانية والفرنسية ، وليكونوا وقود لوصول القتلة الوهابيين والسلفيين الذين يكفرون دينهم وطوائفهم لسدة الحكم ... والمساعدة في شحذ سكاكينهم وسيوفهم لتسلط فيما بعد على رقابهم ، مقابل حفنة من الريالات والدراهم الخليجية والسعودية .
لا أظن ان عيون العرب مغمظة الأن ، ولا أظن ان هناك من لم يعد يفهم ، فضجيج حرب العراق ، وانفجارات طلعات الناتو على ليبيا ، مضت لتترك خلفها ، عصابات إجرامية ، لتقوم بما لم تقدر عليه قوى التدخل والأحتلال الصهيوامبريالي من إبادة للأمة والقضاء على قيمها وتدنيس مقدساتها وهدم أماكن عبادتها ، أفلهذا " تناضل هذه التنسيقيات ؟ ولهذا مطلوب أن يتصافف المسيحيين السوريين معها ؟ لقد اصبح واضحا ان سورية تواجه عصابة تحت عنوان الثورة السورية ضمت كل هؤلاء الظلاميين المتأسلمين ... يوم أمس القي القبض على إرهابي عراقي ، وشاهدت من على شاشة التلفزيون اعترافا لإرهابي من تونس ، ونشرت المحطات السورية جثة إرهابي اخر من ليبيا ، ولعل ذلك وحده يضع امام الجميع الإدراك ان المؤامرة ينفذها متطرفون اسلاميون ، وأن هذا ما كان ليحصل وما كان هؤلاء ليدنسوا أرض الشام .. والعراق .. وليبيا .. وتونس .. ومصر .. واليمن .. ووو ، لولا الميسرة التي مارسها ويمارسها هواة الزعامة للطوائف العربية على طاولة قمار صهيونية امريكية رجعية ولو على رقاب ابناء وطنهم وقوميتهم ودينهم ومذاهبهم .. اليس ذلك خيانة لله والمسيح ؟
إنها صناعة الفتنة بدرجة راقية من الجودة ، ولعلني أشير إلى ما حدث في غزة ، ومحاولات توسيع الحصار عليها بمختلف الطرق والوسائل ، قد يكون من بينها حوادث سيناء الإجرامية ، التي كانت مسوغات لهدم الأنفاق وإحكام الحصار على غزة، ولكن الأنتاج الجديد للفتنة هذه المرة جرت صناعته من مواد محلية "غزاوية" ولكنها لاتخلو من الخبرة الصهيونية ، فليس من الجائز أخذ الأمور الحساسة على منزلة من الطيبة المفرطة والسذاجة ، فإن اشهار اسلام اثنين من مسيحيي غزة ، وفي هذه الظروف الخطيرة فلسطينيا ومصريا وعربيا ، لم يكن بعيدا من مؤامرات الفتنة ... ولعل الحكمة والحذر والخبرة والوطنية ، كان يجب ان بالمرصاد لمثل هذه الأفعال التي توقع المزيد من الضجيج والتأجيج ، خصوصا وأن غزة تنام على حصار وعدوان مستمر ...
ولعل ما احب ان اختم به قولي ، هو تعدد المنتجات من الهيئات التسيقية والمجالس الأنتقالية ، والجيوش الحرة ، مخزونة في مستودعات التأمر الغربي الصهيوني العثماني الرجعي العرباني ، وحينما قلنا في إن إدارة المؤامرات ضد وطننا العربي واحدة ... خصوصا بين ساحتي سورية والعراق ، لم يكن قولنا مجرد هذيان ، بل هو حقيقة ثابتة ، أكدته الأنباء عن "إنطلاق" ما يسمى الجيش العراقي الحر ، على أستراتيجية الحقد الطائفي الوهابي الأعمى على ترددات المؤامرة الصهيونية الأستعمارية الكبرى ... والسؤال الذي يستحق الطرح الأن في ظل هذه الأحداثيات ... أين هي وحدة قوى المقاومة المناهضة والممانعة .. وأين هي مؤسساتها الوطنيةوالقومية الجامعة ؟ سؤال لايستحق جواب .. يستحق عمل جدي.
No comments:
Post a Comment