تونس في عهد الإسلام السياسي: في فقه الإغتصاب - الطاهر المعز 28/09/12
في ساعة متأخرة من ليلة 3 أيلول 2012، في ضاحية "قرطاج"، حيث قصور الأثرياء والقصر الرئاسي، وآثار تعود إلى 3 آلاف سنة، قام 3 عناصر من الشرطة بمراقبة مواطن ومواطنة، تونسيين، كانا على متن سيارة، ثم أوثقوا ربط أيدي الرجل بالسلاسل، وبقي تحت مراقبة أحدهم، واغتصب الآخران المرأة...
لم يتوقع الشرطيون الثلاثة أن تتقدم المرأة بشكوى وترفع قضية أمام القضاء، وكانت كل الأدلة ضدهم فلم يجد القاضي بدا من اعتقالهم، لكنه وجه إلى المرأة تهمة "الإخلال بالأمن العام"، والتواجد في "وضع مخل بالأخلاق"...
تكاثرت في تونس، منذ وصول الإسلام السياسي إلى سدة الحكم، الإعتداءات المادية واللفظية على النساء في الفضاء العام، في الشوارع والمدارس ووسائل النقل العام الخ، بدعوى أنهن سافرات أو لا تحترمن "الأصول الشرعية"، أو لمجرد الظهور في الفضاء العام...
يعتبر الإسلام السياسي (بمختلف تياراته وفرقه) المرأة "شيئا" يجب إخفاؤه تحت عباءة أو من وراء حجاب أو جدار سميك، ويعتبر شعرها وقدماها وكل جزء من جسمها إضافة إلى صوتها "عورة"، والعورة يجب أن تخفى، ومن حيث الحقوق فلها نصف ما للرجل، ومن حيث القانون فهي "مكملة" للرجل (إن لم تكن في خدمته وطاعته) وليس مساوية له، وللرجل، أي رجل (خصوصا إذا كان ذا لحية طويلة وقميص أفغاني) حق (بل واجب) نهرها وضربها وإعادتها "لسواء السبيل"، فهي ناقصة عقل ودين، ولا بد لها من مربي يعيدها (ضربا وركلا) إلى الطريق المستقيم !! وما دام الرجل (خاصة من ذوي اللحي والجلابيب والعمائم) قوام على النساء، فمن حقه، بل من واجبه القيام بكل ما في وسعه لتربية المرأة بالشتيمة (وهي أضعف الإيمان) وبالضرب (إن لم ترتدع) وبالإغتصاب، إن اقتضى الأمر، وإذا ارتأى أن هذا "الفعل الطيب" يدخل في باب "إصلاح المجتمع"، وإصلاح المجتمع يقتضي أحيانا القضاء على جزء منه (الثلث حسب ملك المغرب السابق، الحسن الثاني)... لذا يعتبرون ان حكم "الشرع" في المرأة التي تخالف أوامر الرجل (خاصة إذا كان مهووسا بالجنس)، وتتجرأ على الظهور في الأماكن العامة (الطرقات والساحات والمتاجر والمدارس...)، هو الردع والردع قد يكون بالإعتداء جنسيا، لذا فإن الإغتصاب حق من حقوق الرجل (المتأسلم) وواجب أحيانا، لأن المرأة ما خلقت ووجدت على هذه الأرض إلا لتلبية رغبات الرجل، وخصوصا الرغبات الجنسية، ولا حق لها في الإختيار (اختيار الرجل مثلا) ولا في الحب ولا في الرغبة أو الشهوة (مثل الرجل)، ولا حق لها في الرفض، فذلك يعتبر عصيانا وعقوبة العصيان الإعدام... أما هؤلاء "الرجال" فلا يهمهم غير إفراغ ما تجمع في خصياتهم من مني، ولا يهم عمر المرأة أو جمالها أو ثقافتها، فهي مجرد وعاء لتلقي ما يقذفه ذكرهم من "نجاسة" (آلة زنا على رأي الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد)...
إن أرقى رتبة يمكن أن تطمح لها المرأة في عرف وقضاء هؤلاء المرضى هي رتبة الأمومة، أي أن المرأة ليست سوى آلة ناسخة، آلة إنجاب، تسهر على تربية الأطفال وعلى نظافة البيت والمطبخ، وتعيد إنتاج ما يردده فقهاء الإسلام السياسي من تخلف اجتماعي وسياسي وثقافي أي كل الموروث الثقافي الذي يشرع اضطهادها واضطهاد بنات جنسها، وإلغاء الجانب التقدمي والمضيء من موروثنا الثقافي والحضاري...
لقد كان هؤلاء الشرطيون الثلاثة (الذين يتحمل المواطن والمواطنة نفقات أجورهم وسياراتهم ومحلات عملهم، من أجل حمايته) يدركون أنهم محميون إداريا وإيديولوجيا واجتماعيا، على الأقل، إن لم يكن قضائيا أيضا، بما أن ضحية شهواتهم ونزواتهم كانت سافرة، ليلا، برفقة رجل، ولذا فإن كل المبررات الإيديولوجية تبيح لهم تصرفهم الحيواني، فالضحية هي المتسببة في تأجيج رغبتهم وبالتالي فما عليها إلا تحمل مسؤولية ما لم تقم به، ونتائج ما تعرضت له، من قبل ممثلي الدولة الإخوانية... إنه منطق "الإسلام السياسي"، منطق الشواذ والمنحرفين جنسيا، الذين يحتاجون إلى فيالق من الأطباء لمحاولة علاج ما أفسده الدهر فيهم، وإقناعهم بأن شعر المرأة أو قدمها ليس عورة ولا سببا للفتنة (والفتنة أشد من القتل !)... وفي الحقيقة فقد أنذرونا (نساء ورجالا) أن على المرأة أن تغطي جسمها من الرأس إلى القدمين وتتشبه بكيس أسود من الفحم أو بخيمة سوداء متنقلة، وإلا فإنها ستثير شهوة الرجل (أي رجل؟) الذي يضطر إلى إفراغ شحنته الجنسية فيها...
منذ وصول "الإسلام السياسي" إلى السلطة في تونس، تفاقمت نسبة البطالة، وارتفعت أسعار المواد الضرورية من غذاء وماء وكهرباء وخدمات، وارتفعت قيمة ونسبة الديون الخارجية، وقمعت مليشيات الإسلام السياسي وأجهزة الشرطة (التي يغتصب عناصرها نساء البلاد) مظاهرات واحتجاجات النقابيين والمدرسين وأطباء الصحة العمومية، وعمال البلديات والفنانين والصحافيين والنساء (اللاتي تجرأن على التظاهر، وبعضهن سافرات) والعاطلين على العمل وأهالي ضحايا الإنتفاضة، وسكان المناطق المحرومة، التي أشعلت لهيب الإنتفاضة التي أوصلت "الإسلام السياسي" إلى الحكم... ولم يحاكم المجرمون الذين قتلوا شباب القصرين وسيدي بوزيد، وغيرها، وأطلق سراح بعض المجرمين، وانتدبت النهضة رموزا معروفة من الحزب الحاكم السابق، لتبوأ مناصب هامة في قطاع الأمن والإعلام، ومناصب سياسية كمستشارين ورؤساء دواوين، لتدرب وتؤهل عناصر "النهضة" على تسيير شؤون البلاد... وعموما فقد حافظ الإسلام السياسي على مصالح التحالف الطبقي الحاكم قبل 14 كانون الثاني 2011، ووسعه إلى عناصر حركة "النهضة"، أي شرائح من التجار وأصحاب المهن "الحرة" والشرائح الوسطى أو العليا من البرجوازية الصغيرة...
على الصعيد الخارجي، تكاثرت رحلاتهم إلى قطر لأداء "العمرة"، وأصبحت واشنطن كعبتهم (وكذا حال حكام المغرب وليبيا ومصر) واصطفوا وراء الأمبريالية الأمريكية بخصوص قضية فلسطين، ودعوا إلى التدخل العسكري لحلف الناتو في ليبيا وسوريا، واستدعى معهد واشنطن راشد الغنوشي الذي صرح لوسائل إعلام أمريكية وصهيونية أن قضية فلسطين تعني الفلسطينيين أما هو فغير معني بها (معهد واشنطن هو من تأسيس منظمة آيباك، أكبر لوبي صهيوني في العالم)، وفي دافوس (مكان انعقاد قمم الإثرياء والمنتدى الإقتصادي العالمي) صرح قادة الإسلام السياسي "العرب"، بأنهم سيطبقون اللبرالية والخصخصة أكثر من آدم سميث ومن رونالد ريغن ومرغريت تاتشر، ويسهرون على مصالح الشركات الأجنبية العابرة للقارات أكثر من الحكومات التي سبقتهم، وجازاهم قادة الإمبريالية الأمريكية على انبطاحهم، فقدمت أمريكا ضمانات ائتمان لحصول حكومة الإسلام السياسي في تونس على قروض من صندوق النقد الدولي، وهو ما لم تفعله أمريكا قبل ذلك سوى مع الكيان الصهيوني سنة 2002 ...
ماذا بقي لقادة الإسلام السياسي من مواضيع وقضايا يمكن أن يلهي بها المواطنين، بعد عجزهم عن حل قضايا الفقر والبطالة والحريات التي انتفض من أجلها الشعب؟ بقي لهم أن يعلنوا عن تشبثهم بالحكم، مهما كان الثمن، وتنصيب أعضاء حزبهم في المناصب الحساسة، وتشجيع تيار يبدو أكثر ظلامية منهم ليظهروا كمعتلين (بينما كانوا مثلهم تماما قبل ثلاثة عقود)، وخلق لنا الإسلام السياسي مشاكل ومشاغل جديدة، ذات صبغة "أخلاقية" نتلهى بها مثل الفن "الحرام" الذي يجب محاربته... بقي الموضوع الأبدي، موضوع حواء التي تسببت بسبب خبثها (الفطري؟) وإثارتها في إخراج الرجل من الجنة، وأغوت الشيطان نفسه، وواصلت "الصيد في المياه العكرة"، إلى أن تربع حزب "النهضة" في الحكم، بفضل تضحيات أبناء سيدي بوزيد والقصرين وكافة المناطق التونسية المحرومة، وقررت "النهضة" إفراغ أدمغتنا مما علق بها من شوائب جاء بها المعتزلة والقرامطة وابن رشد وماركس وقاسم أمين والطاهر الحداد الخ وتعويضها بتعاليم الغزالي وابن قيم الجوزية وابن تيمية وحسن البنا وأبي الأعلى المودودي وسيد قطب... وراشد الغنوشي، وآل سعود وحكام "دولة قطر" العتيدة...
إن ما يحصل هو مجرد عينات لما سيحصل إذا لم نتصد ونقاوم. إن مساندة المواطنة التي اتهمت بأنها مسؤولة عن اغتصابها، واجب على كل رجل وكل امرأة، فالمرأة هي أمنا وأختنا ورفيقتنا وزوجتنا وابنتنا... وشريكتنا في هذا الوطن، الذي انسحب منه قادة النهضة لما احتد القمع، أما قبل ذلك فقد وقعت حركة النهضة "الميثاق الوطني" (بواسطة البحيري) وقال راشد الغنوشي حرفيا "ثقتي في الله وفي بن علي كبيرة"، ولما اشتد القمع ضد عناصر النهضة كانت تعليمات راشد الغنوشي "احني ظهرك إلى أن تمر العاصفة"، وذهب إلى لندن ليعيش حياة لا يبدو أنها كانت ضنكة أو يشوبها التقشف الذي يفرضه اليوم على الشعب الكادح والفقير، فقد كان يتنقل بكل حرية في بقاع العالم...
يجب أن نعمل من أجل إرساء مجتمع يحكمه أناس "عاديون" (عوضا عن هؤلاء المرضى الذين يرون في شعر المرأة سببا للفتنة)، يعملون، بمشاركتنا واستشارتنا، على حل مشاكل البطالة والفقر وتوزيع الثروات بشكل عادل...
No comments:
Post a Comment