من همجيي السلفية المدعمين من قطر و السعودية لصالح المشروع الأمريكي الصهيوني
بعد تحذير رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي من مخاطر هيمنة التيارات السلفية على مستقبل الثورة التونسية في عامها الأول، تناقلت وسائل الإعلام في 5 تشرين الأول 2012، مواقف أساتذة تونسيين دقوا ناقوس الخطر بسبب عودة العنف بقوة إلى الجامعات التونسية. وتجمهر العشرات منهم إلى جانب أعداد كبيرة من الطلبة أمام مقر وزارة التعليم العالي للتنديد بتزايد أعمال العنف المنظم داخل أسوار الجامعة بصورة تهدد أمن الأساتذة والطلبة على حد السواء، ما أثار قلقا شديدا على مصير العام الجامعي الذي ما زال في بدايته.
وأعلنت منظمات دولية وأفريقية معنية بحقوق الانسان، عن وجود انتهاكات متمادية لحقوق الإنسان في تونس. ونبهت إلى أن وسائل الاعتداء الشخصي والتعذيب والترهيب ومصادرة الحريات الطلابية والأكاديمية، باتت اليوم أكثر حدة في زمن الثورة عما كان عليه في السابق.
وأكدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول حقوق الانسان أن المنظمة رصدت اعتداءات متنوعة ضد صحافيين وفنانين وناشطين في تونس، وأن عددا متزايدا من المناضلين التونسيين يلقون تهديدات يومية من مجموعات إسلامية تعرّف عن نفسها بالسلفية. كما أن رئيس الجمهورية التونسية، المنصف المرزوقي، أشار بنفسه إلى مخاطر الممارسات التي تقوم بها جماعات سلفية باتت تهدد مستقبل الثورة التونسية التي أصبحت عرضة لانتكاسة خطيرة ما لم يوضع حد نهائي لتلك الانتهاكات، الفردية منها والجماعية.
وأعربت منظمات نقابية وسياسية في المعارضة عن قلقها الشديد على مستقبل الديموقراطية في تونس بسبب تمنع الشرطة عن تأمين الحماية الكافية للناشطين الديموقراطيين الذين يتعرضون يوميا لقمع مبرمج من جانب الجماعات المتشددة عند نزولهم إلى الشارع للقيام بتظاهرات سلمية. وتتزايد حالات الاحتجاز العشوائية، وحالات التعذيب في ظروف سيئة من الاحتجاز.
ورصدت المقررة الخاصة للمفوضية الأفريقية حول حقوق الإنسان، حالات تعذيب كثيرة، منها مقتل تونسي تحت التعذيب في مركز شرطة، والإعلان عن انتهاكات متزايدة لحقوق الانسان في أكثر من مركز للشرطة على امتداد الأراضي التونسية، ما يذكر بالأساليب نفسها التي كان يمارسها النظام التونسي السابق.
لكن غياب الحريات الأكاديمية للأساتذة والطلبة التونسيين خاصة، بعد انتصار الثورة، يستوجب معالجة سريعة لأنه يؤكد استمرار الأثر السلبي للنظام السياسي السابق على أجيال متعاقبة من الشرطة وقوى الأمن في تعاطيها مع المواطنين التونسيين.
ودلت تقارير التنمية الصادرة بإشراف الأمم المتحدة على أن نظام القمع في العالم العربي أدى إلى هجرة الأدمغة العربية على نطاق واسع، وأجهض قيام أي مشروع نهضوي عربي جديد، ما جعل مسألة التنمية البشرية المستدامة في الوطن العربي معضلة حقيقية بسبب غياب البنى الأساسية الضروروية للإصلاح التربوي والثقافي والأمني، وفي طليعتها احترام الحقوق الأساسية للإنسان بصفته الرأسمال الأعلى. ولا يمكن تحقيق تنمية بشرية أو اقتصادية مستدامة بمعزل عن ضمان الحريات الشخصية والعامة في المجتمعات العربية. ولم يعد الكلام على الإصلاح المؤجل مفيدا، كما أن الإصلاح الأكاديمي الشامل في البلدان العربية لم يعد يحتمل التأجيل. ويشكل القيد السياسي والأمني على التنمية البشرية معوقا كبيراً أمام أية نهضة قابلة للاستقرار والتطور في تونس وغيرها من الدول العربية.
كان أحرى بالقيمين على الانتفاضات العربية دراسة تجارب التحديث الناجحة في العالم والتي وضعت في رأس أهدافها إصلاح التعليم الأكاديمي وإطلاق الحريات الأكاديمية نظرا لدورها الفاعل ومساهمتها الكبيرة في التنمية الاقتصادية.
وعند تقييم مدى نجاح الثورة في تونس أو فشلها، تأتي الحريات الديموقراطية لجميع العاملين في قطاع التعليم في المرتبة الأولى. فمن حق العاملين فيه أن يتمتعوا بمكتسبات مادية كالرواتب الجيدة، وتمويل الأبحاث، وتنشيط المراكز العلمية، وسهولة الحصول على منح أكاديمية وبحثية، ومشاركة الباحثين الأكاديميين في سوق العمل والتنمية الاقتصادية.
لقد واجهت تونس في زمن الحكم السابق معضلات كبيرة حين فشلت في تطبيق برامج الإصلاح الشمولي لنظام التعليم على كل مستوياته. وكانت تظاهرات الطلبة الجامعيين إبان الانتفاضة التونسية تطالب بنظام أكاديمي متطور، يحترم الحريات الأكاديمية كحق مشروع للعاملين فيه والساعين إلى تطويره لكي يتلاءم مع طبيعة عصر العولمة. ونشر الأكاديميون التونسيون مقترحات عملية لإصلاح وتطوير النظام الأكاديمي في تونس عبر سياسة عقلانية ترى إلى الإنسان التونسي مادة التنمية وغايتها، وأن التنمية البشرية المستدامة هي أعلى مراتب التنمية.
وأثبتت تجارب التحديث في جميع الدول النامية أن المدخل الأساسي للإصلاح ينطلق من منابر الجامعات ومراكز الأبحاث، ويتطلب التدريب المستمر لجميع العاملين فيه لكي يطلعوا على أحدث المقولات التربوية. فلأساتذة الجامعات دور بارز في تنشيط التنمية المستدامة، بشقيها البشري والاقتصادي. ولا تستقيم عملية الاصلاح الثقافي مع غياب الحريات الأكاديمية، أو منع التفاعل الإيجابي الحر بين التعليم والابتكار والتكنولوجيا المتطورة.
إن انفتاح التونسيين بعد الثورة على النظريات الأكاديمية الحديثة لتنمية طاقاتهم البشرية مؤشر أساسي على نجاحها أو فشلها. ولا يستقيم ربط التعليم الأكاديمي بالتنمية الاقتصادية وسوق العمل إذا قمع الأستاذ الجامعي والطلبة الجامعيون، فهم يشكلون العمود الفقري لبناء مجتمع المعرفة في تونس لكي يكون قادرا على مواجهة تحديات عصر العولمة والتنمية المستدامة.
يبدو أن النظام التونسي الجديد ما زال متشبثا بأساليب القمع التي كانت تمارس ضد الشعب التونسي. ولم يستوعب جيدا الدروس المستفادة من أن الجماهير الشعبية المنتفضة كسرت حاجز الخوف وباتت قادرة على إسقاط أي نظام قمعي عربي. ولكي تلحق تونس الثورة بركب الدول المتطورة علميا وتكنولوجيا، على نظامها السياسي اعتبار الحريات الأكاديمية والبحث العلمي ركيزة أساسية للتنمية المستدامة. فغياب البحث العلمي يشكل معوقا أساسيا للتنمية البشرية والاقتصادية المستدامة، وضرب الحريات الأكاديمية يؤدي إلى خسارة كفاءات علمية لا تجد بيئة حاضنة لها. أما شح الموازنة المخصصة للبحث العلمي فيعطل دور الأساتذة والطلاب الأكاديميين معا، ويحول مراكز الأبحاث التونسية إلى هياكل معطلة تنقصها البنى البشرية والمادية الضرورية لبناء مجتمع المعرفة في تونس.
ختاما، أدى غياب الحريات الأكاديمية إلى إفقار الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية. وقاد نزيف الأدمغة العربية من الأجيال العربية الشابة إلى منع الشراكة الحقيقية بين الجامعات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية العربية. فاستقلالية مراكز البحث العلمي شرط أساسي لنجاحها، وذلك يتطلب احترام الكفاءات العلمية والبحثية ومساعدتها على إتمام عملها بحرية تامة في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وإطلاق خطة وطنية شمولية للنهوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
كاتب وأكاديمي ـ لبنان
وأعلنت منظمات دولية وأفريقية معنية بحقوق الانسان، عن وجود انتهاكات متمادية لحقوق الإنسان في تونس. ونبهت إلى أن وسائل الاعتداء الشخصي والتعذيب والترهيب ومصادرة الحريات الطلابية والأكاديمية، باتت اليوم أكثر حدة في زمن الثورة عما كان عليه في السابق.
وأكدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول حقوق الانسان أن المنظمة رصدت اعتداءات متنوعة ضد صحافيين وفنانين وناشطين في تونس، وأن عددا متزايدا من المناضلين التونسيين يلقون تهديدات يومية من مجموعات إسلامية تعرّف عن نفسها بالسلفية. كما أن رئيس الجمهورية التونسية، المنصف المرزوقي، أشار بنفسه إلى مخاطر الممارسات التي تقوم بها جماعات سلفية باتت تهدد مستقبل الثورة التونسية التي أصبحت عرضة لانتكاسة خطيرة ما لم يوضع حد نهائي لتلك الانتهاكات، الفردية منها والجماعية.
وأعربت منظمات نقابية وسياسية في المعارضة عن قلقها الشديد على مستقبل الديموقراطية في تونس بسبب تمنع الشرطة عن تأمين الحماية الكافية للناشطين الديموقراطيين الذين يتعرضون يوميا لقمع مبرمج من جانب الجماعات المتشددة عند نزولهم إلى الشارع للقيام بتظاهرات سلمية. وتتزايد حالات الاحتجاز العشوائية، وحالات التعذيب في ظروف سيئة من الاحتجاز.
ورصدت المقررة الخاصة للمفوضية الأفريقية حول حقوق الإنسان، حالات تعذيب كثيرة، منها مقتل تونسي تحت التعذيب في مركز شرطة، والإعلان عن انتهاكات متزايدة لحقوق الانسان في أكثر من مركز للشرطة على امتداد الأراضي التونسية، ما يذكر بالأساليب نفسها التي كان يمارسها النظام التونسي السابق.
لكن غياب الحريات الأكاديمية للأساتذة والطلبة التونسيين خاصة، بعد انتصار الثورة، يستوجب معالجة سريعة لأنه يؤكد استمرار الأثر السلبي للنظام السياسي السابق على أجيال متعاقبة من الشرطة وقوى الأمن في تعاطيها مع المواطنين التونسيين.
ودلت تقارير التنمية الصادرة بإشراف الأمم المتحدة على أن نظام القمع في العالم العربي أدى إلى هجرة الأدمغة العربية على نطاق واسع، وأجهض قيام أي مشروع نهضوي عربي جديد، ما جعل مسألة التنمية البشرية المستدامة في الوطن العربي معضلة حقيقية بسبب غياب البنى الأساسية الضروروية للإصلاح التربوي والثقافي والأمني، وفي طليعتها احترام الحقوق الأساسية للإنسان بصفته الرأسمال الأعلى. ولا يمكن تحقيق تنمية بشرية أو اقتصادية مستدامة بمعزل عن ضمان الحريات الشخصية والعامة في المجتمعات العربية. ولم يعد الكلام على الإصلاح المؤجل مفيدا، كما أن الإصلاح الأكاديمي الشامل في البلدان العربية لم يعد يحتمل التأجيل. ويشكل القيد السياسي والأمني على التنمية البشرية معوقا كبيراً أمام أية نهضة قابلة للاستقرار والتطور في تونس وغيرها من الدول العربية.
كان أحرى بالقيمين على الانتفاضات العربية دراسة تجارب التحديث الناجحة في العالم والتي وضعت في رأس أهدافها إصلاح التعليم الأكاديمي وإطلاق الحريات الأكاديمية نظرا لدورها الفاعل ومساهمتها الكبيرة في التنمية الاقتصادية.
وعند تقييم مدى نجاح الثورة في تونس أو فشلها، تأتي الحريات الديموقراطية لجميع العاملين في قطاع التعليم في المرتبة الأولى. فمن حق العاملين فيه أن يتمتعوا بمكتسبات مادية كالرواتب الجيدة، وتمويل الأبحاث، وتنشيط المراكز العلمية، وسهولة الحصول على منح أكاديمية وبحثية، ومشاركة الباحثين الأكاديميين في سوق العمل والتنمية الاقتصادية.
لقد واجهت تونس في زمن الحكم السابق معضلات كبيرة حين فشلت في تطبيق برامج الإصلاح الشمولي لنظام التعليم على كل مستوياته. وكانت تظاهرات الطلبة الجامعيين إبان الانتفاضة التونسية تطالب بنظام أكاديمي متطور، يحترم الحريات الأكاديمية كحق مشروع للعاملين فيه والساعين إلى تطويره لكي يتلاءم مع طبيعة عصر العولمة. ونشر الأكاديميون التونسيون مقترحات عملية لإصلاح وتطوير النظام الأكاديمي في تونس عبر سياسة عقلانية ترى إلى الإنسان التونسي مادة التنمية وغايتها، وأن التنمية البشرية المستدامة هي أعلى مراتب التنمية.
وأثبتت تجارب التحديث في جميع الدول النامية أن المدخل الأساسي للإصلاح ينطلق من منابر الجامعات ومراكز الأبحاث، ويتطلب التدريب المستمر لجميع العاملين فيه لكي يطلعوا على أحدث المقولات التربوية. فلأساتذة الجامعات دور بارز في تنشيط التنمية المستدامة، بشقيها البشري والاقتصادي. ولا تستقيم عملية الاصلاح الثقافي مع غياب الحريات الأكاديمية، أو منع التفاعل الإيجابي الحر بين التعليم والابتكار والتكنولوجيا المتطورة.
إن انفتاح التونسيين بعد الثورة على النظريات الأكاديمية الحديثة لتنمية طاقاتهم البشرية مؤشر أساسي على نجاحها أو فشلها. ولا يستقيم ربط التعليم الأكاديمي بالتنمية الاقتصادية وسوق العمل إذا قمع الأستاذ الجامعي والطلبة الجامعيون، فهم يشكلون العمود الفقري لبناء مجتمع المعرفة في تونس لكي يكون قادرا على مواجهة تحديات عصر العولمة والتنمية المستدامة.
يبدو أن النظام التونسي الجديد ما زال متشبثا بأساليب القمع التي كانت تمارس ضد الشعب التونسي. ولم يستوعب جيدا الدروس المستفادة من أن الجماهير الشعبية المنتفضة كسرت حاجز الخوف وباتت قادرة على إسقاط أي نظام قمعي عربي. ولكي تلحق تونس الثورة بركب الدول المتطورة علميا وتكنولوجيا، على نظامها السياسي اعتبار الحريات الأكاديمية والبحث العلمي ركيزة أساسية للتنمية المستدامة. فغياب البحث العلمي يشكل معوقا أساسيا للتنمية البشرية والاقتصادية المستدامة، وضرب الحريات الأكاديمية يؤدي إلى خسارة كفاءات علمية لا تجد بيئة حاضنة لها. أما شح الموازنة المخصصة للبحث العلمي فيعطل دور الأساتذة والطلاب الأكاديميين معا، ويحول مراكز الأبحاث التونسية إلى هياكل معطلة تنقصها البنى البشرية والمادية الضرورية لبناء مجتمع المعرفة في تونس.
ختاما، أدى غياب الحريات الأكاديمية إلى إفقار الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية. وقاد نزيف الأدمغة العربية من الأجيال العربية الشابة إلى منع الشراكة الحقيقية بين الجامعات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية العربية. فاستقلالية مراكز البحث العلمي شرط أساسي لنجاحها، وذلك يتطلب احترام الكفاءات العلمية والبحثية ومساعدتها على إتمام عملها بحرية تامة في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وإطلاق خطة وطنية شمولية للنهوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
كاتب وأكاديمي ـ لبنان
No comments:
Post a Comment