دعوة الى جبهة يسارية موحدة
قيّم الحزب الشيوعي اللبناني إيجابياً الانتفاضات الشعبية العربية من تونس، الى مصر، الى ليبيا واليمن والبحرين والأردن والسعودية وبدايات الانتفاضة في سوريا، واعتبرها في معظم هذه الدول انتفاضات بوجه مثلث الخيانة والقمع والتجويع، وذلك برغم قناعتنا بأن قوى أخرى، وبرعاية من الامبريالية الأميركية ومن قوى سياسية دينية، مرتبطة بها أصلاً وممولة من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج وتركيا، ستحاول احتواء النضالات والانتفاضات وتوجيهها ضد مصالح الشعوب المطالبة بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، من هنا، وعلى رغم وصول الإسلاميين الى السلطة، لا زلنا نرى أن تلك الانتفاضات التي أتت تتويجاً لآلاف التحركات العمالية والشعبية، من اضرابات ومظاهرات واعتصامات، كانت وستبقى أكثر من ضرورة. لقد أثبتت الشعوب العربية انها تختزن الكثير من الشجاعة، بحيث أنها ضربت أسس حالة الموت السياسي العربي التي سعت الأنظمة الرجعية الى تعميمها والتي تلاقت مع حالات أخرى مشابهة، عممتها أنظمة قامت، مبدئياً، على شعارات التحرر من الاستعمار وتحرير فلسطين. ويمكن القول إنه رغم تعرض تلك الحالة الثورية الى انتكاسة، تمثلت بالبدائل التي وصلت الى السلطة في أكثر من مكان، والتي تبدو أكثر قمعية من الأنظمة السابقة، بسبب التسريع في أسلمة الإدارة والاستئثار بالسلطة، يبقى الأهم راهناً هو كيفية تطوير النضال وصوغ البرامج المرحلية لقوى اليسار والديموقراطية من أجل التغيير الذي طرحته تلك الحالة. بعد تراجع الهجوم الأميركي، الذي اندفع مع بدايات القرن الحالي باحتلاله لأفغانستان والعراق، وتعزيز قواعده في الخليج العربي، ونشر الدرع الصاروخية في أوروبا وتركيا، عمدت الولايات المتحدة، بفعل الأزمة الرأسمالية التي تجتاحها وبمساعدة دول الحلف الأطلسي والخليج العربي وإسرائيل، الى وضع خطة بديلة لشرق أوسط جديد، علها تحافظ على وضعيتها من ناحية، وتؤمن استمرار سيطرتها على الثروات العربية وطرق إمدادها من ناحية ثانية، وتحاكي المخطط الصهيوني المدعوم اميركياًً، ألا وهو تدمير كل ما هو محيط بالكيان الاسرائيلي، على أن تحصل حروب وفتن وفوضى وخراب في الدول العربية المحيطة بالدولة اليهودية المزمع إعلانها من قبل القيادة الإسرائيلية. ومن تلك العناوين: 1. احتواء الانتفاضات الشعبية، وإفراغها من محتواها الوطني. 2. إدخال البدائل التي لم تستقر حتى الآن في عملية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. وهذا ما أبدت الحكومة التونسية الانتقالية استعداداًً له، بينما تعهدت سلطة الإخوان المسلمين في مصر بالالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات التي وقعها النظام السابق، وفي مقدمتها اتفاقية (كامب دايفيد). 3. منع قيام حلف يشمل إيران والعراق وسوريا وقوى لبنانية، أو على الأقل مواجهة ما سمي «الهلال الشيعي» بقيام «هلال سني» يجمع بين تركيا وبعض دول الخليج ويمتد الى الأردن ومصر. 4. تحريك دول الخليج العربي وجعلها بوابة المواجهة مع القطب العالمي الجديد، ودعم المعارضات السياسية الدينية بالمال والسلاح. 5. التركيز على سوريا، باعتبارها حلقة أساسية من حلقات الاعتراض في المنطقة. هذه السياسة الأميركية والأوروبية والأطلسية أدخلت المنطقة في حالة صراع دولي وإقليمي، اندمجت مع عوامل محلية تختلف من بلد الى آخر، مع عدم استبعاد تطور الأوضاع الى حرب إقليمية مسرحها سوريا لتمتد وتشمل معظم البلدان المحيطة. ومن أسباب ومظاهر تلك الحرب: - الأزمة المالية المستعصية على الحلول في المركز الرأسمالي العالمي. - تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا. - زيادة التسلح في المنطقة العربية، وحشد الأساطيل في المتوسط والخليج. - التهديدات الإسرائيلية ربطاً بمسألة النووي الإيراني. - مخاطر تمدد الأزمة السورية الى البلدان الإقليمية المحيطة. ثمة قناعة عند الشيوعيين اللبنانيين أن الأزمة التي تعيشها سوريا اليوم ليست ناجمة فقط عما يسمى بنظرية المؤامرة، بل إنها أيضاً، وكما في البلدان العربية الأخرى، النتيجة المنطقية لسياسات مورست على مدى أربعين عاماً، وتمثلت أساساً بحكم العائلة والفساد والتضييق على الحريات وإرساء حالة الطوارئ. وازدادت الحالة سوءا مع السياسات النيوليبرالية التي أقرت في السنوات العشر الماضية والتي أدت الى ضرب القطاعات الانتاجية في الصناعة والزراعة. كما تجدر الاشارة الى أن النظام في سوريا قد فوّت العديد من الفرص للإصلاح وإرساء قواعد الديموقراطية والخروج من السياسات الاقتصادية التي أملاها صندوق النقد الدولي. من هنا كانت دعوتنا الى قوى اليسار والديموقراطية في سوريا، من داخل الحكم وخارجه، الى التوحد تحت شعار خيار ثالث مستقل عن نهج السلطة، ورافض للتدخل الخارجي، وللمعارضة التي ارتضت لنفسها ان تكون حصان طروادة للسياسة الأميركية المقنعة. وباعتقادنا إنّ تَشكُل مثل هذه الحالة السياسية يمكن لها أن تخفف من عذابات الشعب السوري وأن تمنع انزلاق سوريا باتجاه الحرب المذهبية التي تلوح في الأفق القريب، اذ ما زالت هناك فرصة للدخول في مؤتمر وطني عنوانه وقف القتل والتدمير، ورفض التدخل الخارجي، وبناء الدولة المدنية الديموقراطية المقاومة. إن الإسلاميين الذين وصلوا الى السلطة سيعجزون عن تأمين الاستقرار في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية بفعل موقفهم الممارس كنتاج لطبيعة قيادتهم وموقفها وموقعها الطبقي من القضايا الأساسية: - الموقف من مسألة السيادة الوطنية ومسألة الصراع العربي ـ الإسرائيلي - الموقف من القضية الاقتصادية ـ الاجتماعية والحلول المطلوبة. - الموقف من الحريات العامة والحقوق الفردية، وبشكل خاص حقوق المرأة. في ظل هذا الواقع، تتبدى سلسلة تحديات امام قوى اليسار والديموقراطية في الوطن العربي: 1. الحفاظ على نبض الشارع بمواجهة التحالف الأميركي والقوى اليمينية الإسلامية الملتحقة او المرتبطة به. 2. إعادة البحث بمكونات الانتفاضات الشعبية وتحالفاتها، إذ أثبتت التطورات أن لا تغيير حقيقياً، بدون دور طليعي لليسار في قيادة أي حراك. 3. تجميع قوى اليسار والديموقراطية لمواجهة المعارك المحتملة على صعيد كل بلد وفق أولوياته وحاجات تطويره. وهنا إشارة الى أهمية الجبهات اليسارية والتقدمية التي قامت في مصر وتونس وغيرهما. 1- ذلك أن المرحلة المقبلة تتطلب الإعداد الجدي والدؤوب للمرحلة الثانية من الانتفاضات، حيث يزداد الفرز سياسياً وطبقياً، وتتسع مجالات النضال الجماهيري كرد على أجواء تراجع قوى السلطة الجديدة، خاصة في مصر وتونس وليبيا، ولذلك، لا بد من طرح شعارات للمرحلة المقبلة، وأبرزها العمل على اطلاق جبهة الأحزاب والقوى اليسارية المقاومة للمشاريع الأميركية ـ الإسرائيلية. إن هشاشة الوضع في لبنان تجعله قابلاً لأن يتحول الى صندوق بريد للرسائل الدولية والإقليمية. فالوضع المهترئ كنتاج للنظام البورجوازي الطائفي، مهدد اليوم أكثر من أي وقت مضى، بأن يتحول الى ساحة من ساحات الصراع المذهبي، الذي يضرب المقاومة انطلاقاً من بنيتها الحالية، ويجعل الكيان الوطني اللبناني في مهب الريح بفعل الانقسام الداخلي والمجاهرة بالارتباطات الإقليمية والدولية، وما يزيد الوضع خطورة ليس فقط انعكاس ما يجري من تطورات إقليمية على بلدنا، بل دور الدولة المتخلي عن القيام بأبسط الواجبات على صعيد الإصلاح السياسي أو الاقتصادي الاجتماعي، أو حتى الاستقرار الأمني، حتى أن الحكومة اللبنانية عجزت عن منع انزلاق البلد نحو الفوضى، بل إنها ساهمت في خلق مناخ الانفلات السياسي عند كل الطبقة السياسية الحاكمة، سواء كانت في المعارضة او الموالاة ، كل ذلك يؤشر الى دخول بلدنا نفق الفتنة الداخلية حيث تنامى الشعور الميليشياوي عند أطراف السلطة والمعارضة على حساب الشعور بالمسؤولية الوطنية. ([) ورقة قدمها عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني أمام المشاركين في مؤتمر للأحزاب اليسارية والديموقراطية، (استضافته اسطنبول من 20 الى 22 تشرين الأول) علي سلمان السفير - 26 تشرين الأول 2012 |
No comments:
Post a Comment