فكر الإخوان المسلمين في ميزان التحليل والنقد
الدكتور عادل عامر
جماعة الإخوان المسلمين تتمتع بحضور كثيف في أدبيات السلفية الجهادية، ولعل ذلك يعود إلى أنها خرجت من رحم هذه الحركة الواسعة، والممتدة في العالمين العربي والإسلامي، فسيد قطب كان أحد أعضائها البارزين وقد سخر أدواته وقدراته النقدية البارعة في إحداث قطيعة مع الفكر الإصلاحي الذي نادت به حركة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها على بد حسن البنا عام 1928، ويتجلى ذلك بشكل أساسي في كتابه «معالم في الطريق» الذي يعتبر دستور السلفية الجهادية، ومع أن قطب لا يذكر جماعة الإخوان المسلمين بالاسم؛ إلا أن معظم فصوله مخصص لنقد ونقض مجمل الأفكار التي نادى بها الشيخ حسن البنا، ومنظرو الإخوان المسلمين، والحركة الإصلاحية عموماً، فالإشكالية العميقة في خطاب قطب ليست موضوع «تطبيق الشريعة»؛ وإنما إقامة الدولة بالجهاد، باعتبار المجتمعات الإسلامية القائمة ليست سوى «مجتمعات جاهلية»، فالحاكمية كأحد مرتكزات الخطاب القطبي (نسبة إلى سيد قطب) مسألة إلهية، فبمقتضى: «لا إله إلا الله» كما يدركها العربي العارف بمدلولات لغته، لا حاكمية إلا لله، ولا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد على أحد؛ لأن السلطان كله لله، ويستند هذا المفهوم إلى العبودية لله والتحرر من حاكمية البشر، سلطة الطواغيت، والتي تشمل كافة الأنظمة الديمقراطية، والاشتراكية، أو العلمانية بكافة أشكالها وأنواعها، أما الجاهلية فهي منحدرة في الواقع وممتدة في الزمان والمكان، ولا تتحدد بمرحلة زمنية محددة، فالمجتمع الجاهلي: «كل مجتمع لا يخلص العبادة لله وحده» متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي، وفي الشعائر التعبدية (....) وفي الشرائع القانونية (....) وبهذا التعريف الموضوعي تدخل في إطار المجتمع الجاهلي جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلاً. وبهذا فهو «سيد قطب» يتقاطع مع كافة التوجهات الإصلاحية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، ويؤكد أن التغيير لا يتم بالتدرج ومجرد تكتيل الأفراد، فالجماعة التي ستتولى عملية البعث الإسلامي، بحسب قطب، لا تتم إلا عن طريق «تجمع حركي» أو «عصبة مؤمنة» أو «جيل قرآني فريد» أسوته وقدوته جيل الصحابة الأوائل الذي نهل من «النبع وحده له مكان في التاريخ ذلك الشأن الفريد».وقد حدد سيد قطب في «المعالم» حاجات هذا التجمع الحركي الذي يطلق عليه عدة أسماء كـ «الجماعة» أو «الطليعة» أو «القاعدة الصلبة» وهي أسماء اعتمدتها سائر الحركات الجهادية السلفية المعاصرة، ومن هذه الحاجات: التميز، والمفاصلة، ورابطة العقيدة، ومنهج التلقي، وزاد الطريق، وسنة الابتلاء، أو طبيعة الجهاد، واستعلاء الإيمان، وهي مصطلحات ومفاهيم تتكرر في أدبيات السلفية الجهادية، ولا سبيل إلى التدرج والمداهنة في عملية التغيير، فمفهوم «الجهاد» يفرض على المسلمين البدء بالجهاد، الذي يعتبره فرض عين على كل مسلم ومسلمة لإزالة العقبات التي تمثلها الحكومات والأنظمة التي تحول دون نشر العقيدة: «فلم تكن الدعوة في أول عهدها في وضع أقوى ولا أفضل منها الآن، كانت مجهولة متفكرة من الجاهلية، وكانت محصورة في شعاب مكة، مطاردة من أصحاب الجاه والسلطان فيها، وكانت غريبة في زمانها في العالم كله، وكانت تحيط بها إمبراطوريات ضخمة عاتية تنكر كل مبادئها وأهدافها، ولكنها مع هذا كله كانت قوية كما هي اليوم قوية، وكما هي غداً قوية» وبهذا النقد الجذري لمجمل الترسيمة الإصلاحية الإخوانية فتح قطب الباب واسعاً في تناول جماعة الإخوان المسلمين.
تتمتع جماعة الإخوان المسلمين بحضور كثيف في الخطاب السلفي الجهادي باعتبارها الحركة الإسلامية الأم، بسبب أن مؤسسي السلفية الجهادية في مصر على وجه الخصوص كانوا منضوين تحت راية الجماعة، ضمن الترسيمة الإصلاحية، قبل أن يتحولوا إلى جماعة جذرية راديكالية أصولية، ويتميز خطاب السلفية الجهادية تجاه الإخوان بغلبة العقلية التآمرية الانفعالية، وتتلخص رؤيتهم باعتبار جماعة الإخوان المسلمين، أحد الجماعات التي تعمل على ترقيع الوضع القائم، والجهل بأصل الدين، وعدم إدراكهم لمبدأ الولاء والبراء، والدخول في اللعبة الديمقراطية، البرلمانات، التي تشرع بغير ما أنزل الله، وتعمل في ظل حكومات كافرة مرتدة، واعتبار الجماعة مرضاً لا بد من استئصاله، بسبب تبنيهم منهجاً سلمياً متدرجاً في التغيير، وتعطيل فريضة الجهاد العيني، هذه هي مجمل الأفكار التي تتكرر في الخطاب السلفي الجهادي، لكنها لا تتم في إطار حوار تداولي تواصلي، وإنما عن طريق عنف المجادلات، والتهكم والسخرية والسب، والشتم والقذف، والاتهام والتحريض، كشيمة ملازمة للخطاب الانفعالي التآمري. إن المآخذ على جماعة الإخوان المسلمين لم تقتصر على المواقف السياسية. بل وجه لها النقد في بعض الجوانب العقائدية والمنهجية وأقوال الأتباع: فمن الناحية العقائدية أخذ على البنا قوله في مجال تعداد صفات الحركة الشمولية "وحقيقة صوفية". والتصوف - كما هو معلوم - مخالف لمنهج أهل السنة . ولعل الشيخ رحمه الله قد تأثر بنشأته الأولى مع الطريقة الحصافية ، أو أنه أراد ( تقريب ) أهل التصوف للجماعة . وهذا مسلك خاطئ ؛ لأنه يستحيل جمع الحق بالباطل إلا بالتنازل والمداهنة . كما أخذ على البنا موقفة التفويضي في مجال الأسماء والصفات واعتبار البدعة الإضافية خلافًا فقهيًا كما أن الجماعة لاتعنى كثيرًا بنشر عقيدة السلف والدعوة إلى التوحيد الخالص ، والتحذير من البدع والشركيات المنتشرة ؛ سواء في مصر منشأ الجماعة أو غيرها ؛ مما جعلها تهتم ( بالتجميع ) على حساب التصفية ، وبالكم لا الكيف .
وبطبيعة الحال، فإن الحكم هو بمثابة القلب في كل صراع إرادات القوة في التاريخ الإنساني، ولا يمكن لحركة الإسلام السياسي أن تشذ عن هذه القاعدة خاصة عندما كفت عن حصر نشاطها في المجال الدعوي على الصعيد الإيديولوجي وفي العمل الخيري على المستوى الاجتماعي لتدخل في خضم الممارسة السياسية. لذلك فإنها تتوسل في معركتها وسائل الحداثة من عقلانية وواقعية سياسية وحكامة رشيدة وشفافية، وربما، أيضا، نوعا من عملية إعادة البناء خارج سياق شعارها الدعائي «الإسلام هو الحل»، الذي يبدو أنه قد وضع على الرف بالنسبة للحزب الذي أنشأه الإخوان في مصر لولوج حلبة الصراع السياسي من أبوابها الواسعة، وهو حزب الحرية والعدالة. وهو ما يدل على أن الجماعة لا ترغب في أن تنتقل كليا من مواقعها الإيديولوجية الأساسية إلى معترك الحياة السياسية اليومية بصورة حصرية، لذلك أقدمت على تدشين نوع جديد من قسمة العمل داخل كادرها الحزبي، اعتقادا منها أنها بهذا تمارس بذراعها السياسية العمل المدني، إلى جانب غيرها من القوى السياسية المصرية من مختلف التوجهات الفكرية والإيديولوجية محتفظة لكادرها الدعوي بممارسة مهام التوجيه الإيديولوجي الإستراتيجي، وإمكانية العمل على تصحيح مسار ممارساتها إذا رأت أن ولوج العمل السياسي المدني بهذه الطريقة يمكن أن يجر عليها بعضا من النقد الذي قد يطاول عقيدتها.
--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
01002884967
الدكتور عادل عامر
No comments:
Post a Comment