"اليساري شلح" ليس اليساري السابق تماما
روبير بشعلاني
درج مؤخرا بعض الاصدقاء وبعض الكتاب والصحافيين على استعمال تعابير او معاني غير دقيقة تصف فئة من اليساريين غير محددة الانتماء والوجهة. فئة تعمل وتكتب وعيش وتدعم منابر اعلامية وسياسية اقل ما يقال فيها انها رجعية الرجعية العربية . لكنها سبحان الله يسارية مع ذلك كما تصر هي على القول.
يقول بعض قدامى اليساريين,ابناء اليساريين, ان اليسار انقسم الى يسار " أعاد النظر في أيديولوجيته وفي مسلماته النظرية" ويسار لم يعد النظر طبعا . يسار انساني ويسار غير انساني حتى لا نقول كلمات كبيرة(همج ثقافي اعلامي مثلا).
اليساري الذي اعاد النظر في مسلماته النظرية لم يتوقف هنا. . عند "النظر". هذا كلام على طريقة نصف الآية: لا اله. يجب ان نكمل الاية . اعاد النظر بمسلماته فاكتشف ان فكر خصمه كان المحق لا فكره اليساري فانتقل اليه لا على الصعيد الفكري وحسب بل فيزيقيا ايضا. هكذا صارت السعودية ومنابرها ديمقراطية وانسانية, وصار الاميركي انسانيا وداعما للمجتمع المدني وللجمعيات غير الحكومية , وصار التركي حقوق الانسان بذاتها. واسرائيل "جارا" والاميركي "شريك". فقط الاتحاد السوفياتي بقي هو العدو . غير ان الاتحاد السوفياتي لم يعد موجودا لكن النبأ لم يصلهم بعد . طيب الممانعة يا اخي . لعن الله الممانعة فهي ضد الانسان الانساني النقي المحب للحياة.
هكذا اعاد النظر بمسلماته هذا النوع من اليساري. لكن الخطورة في منهجه ليست هنا بالحقيقة. أن يغير الانسان رأيه ونظرياته في امور الكون والسياسة ليس عيبا بذاته بل هو حقه المطلق. أن يرى الحرية في السعودية وحقوق الانسان في اميركا حق لا نجادله, أن يرى تداولا للسلطة في قطر – على سبيل المثال لا الحصر- ولو بدا غير طبيعي بعض الشيء, ان يرى كل ذلك فهو حق طبيعي له لكن ما يؤخذ عليه هو اعادة النظر بالمسلمات الى هذا الحد بدون التخلي عن "الاسم" اليساري, عن اللوغو, فهو مصر ان اليسار انقسم الى يسارين هو احدهما: يسار سوفياتي ويسار بوشي جديد . هكذا بكل بساطة . يسار متحجر ويسار سعودي انساني منفتح . يسار استبدادي ويسار حمدي ديمقراطي . تصوروا ان حمد انقلب على ابيه اثناء غياب الاخير في الخارج . لم يقتله . هل هناك ديمقراطية وانسانية متقدمةعلى انسانية حمد . بربكم اجيبوا.
من هنا رأى البعض ان يطلق على هذه الفئة من الناس لقب "اليساري السابق" باعتبار انه "اعاد النظر بمسلماته", مرتدا كما كان يقال قديما . غير أن اصراره على انه هو اليساري جعلني استعير من التراث الشعبي القروي اللبناني تعبيرا "يلبق" اكثر لهذه النوعية من اليسار: "اليساري شلح".
اما التعبير ,شلح, فأدين به لبعض اهالي القرى اللبنانية اذ يطلقونه على الكاهن الذي يترك الكهنوت فيسمونه " خوري شلح". الخوري شلح هو اذا خوري وشلح في الوقت ذاته تماما مثله مثل اليساري شلح, يساري وشلح في الوقت ذاته.
فاليساري "السابق" هو, وكما يدل النعت المستخدم, اليساري الذي لم يعد يساريا ويعلن ذلك على الناس علنا وجهارا. اما الذي يتبنى فكر عدوه السابق ويصر على يساريته فهو ليس يساريا سابقا برأيي. انه "يساري شلح".
"اليساري شلح" وليس الشالح هو اليساري السابق الذي رغم تخليه الطوعي عن افكاره وتبني فكر عدوه السابق وتولعه به كفكر غالب يصر على تقديم افكاره الجديدة وكأنها امتداد وتطور للفكر اليساري نفسه متناسيا انها فكر اليمين الذي امضى عمره السابق في محاربته ومغالبته قبل ان يفشل .
التعبير اذا لا يمكن اطلاقه على اليساري السابق الذي يعلن انه لم يعد يساريا بل اصبح بنعمة الله يمينيا خالصا . انه خاص ناص بالذي يدعي انه ما زال يساريا انما مدعوما هذه المرة لا بالاتحاد السوفياتي بل ب"افكار" حمد والسعودية او بوش او اوباما او العرعور او اشباهه وينشر صورا او نصوصا ل مهدي عامل, غيفارا, ماركس او غيرهم ويستمر في "نقد" الحزب الشيوعي بهدف "تطويره" طبعا ولكي يلعب "دوره" الايجابي الانساني الحر الجديد .
اول الحوار وشرطه الاساس الشفافية والدقة. فاقتضى التنويه. شكرا لتفهكم .
No comments:
Post a Comment