Sunday, 19 May 2013

{الفكر القومي العربي} الثورة بين التغيير الثوري والبناء العقلي

أرجو نشر هذا المقال أو أفكاره، كما أرجو ممن ينزعج بمقالاتي أن يخبرني حتى أكف عن ذلك.
الثورة بين التغيير الثوري والبناء العقلي
سيبقى صراع البشر ما دامت هناك قلة متألهة، تحتكر الموارد، وتغتصب السلطة، وتنتشي بالتميز.
دكتور محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
19 مايو 2013
صديقي الأستاذ المهندس كمال غبريال، يكرس حياته من أجل التنوير وبناء العقل المصري الحديث، مع تنقية المجتمع من أدران التخلف والخرافة والقداسة غير المستحقة. الرجل يؤدي هذا العمل بحماس "بروميثيوس" وعزم "هرقل". يكفيه ذلك كرسالة للمثقف الحق، ولكني استغثت به أن يساهم معنا في محاولات الإنقاذ الفورية للانهيار الحادث في المجتمع المصري بعد حكم تيار ما يسمى بـ "الإسلام" السياسي، أو بمعنى أدق حكم الإخوان المتأسلمين والمتسلفة.
سَعِدَ صديقي بتصريح الفريق أول السيسي صراحة بخطورة نزول الجيش، حيث صرح السيسي بأن الحل يجب أن يكون من خلال الصناديق، أي الوعي والعقل الشعبي وهذا بالطبع ما يتمشى مع فلسفة الحبيب الصديق غبريال.
هل ينكر أحد أهمية الفرد ووعيه في التحديث والتقدم؟ لا أحد يختلف مع ذلك على الإطلاق، خاصة وأن بعض الناس يظنون أن المجتمع ما هو إلا مجموعة من الناس، فإذا صلح آحاد الناس صلح المجتمع بدوره. في هذه اللحظة أريد أن أصحح شيئا بسيطا هنا ولكنه أساسي، وهو أن الناس يموتون ويبقى المجتمع. فلو كان المجتمع مكونا من مجرد "ناس"، ومات هؤلاء الناس فإن المجتمع يموت بالضرورة، أو على الأقل يتزلزل المجتمع بموت الأفراد من الناس. الصحيح، إذن، هو أن المجتمع نظام حي مستقل عن أفراده يتكون من "أدوار" اجتماعية يؤديها الناس، تبقى هذه الأدوار، حجارة بناء المجتمع، ويموت شاغلوها أي الناس ويحل محلهم آخرون. إذن الدور مهم جدا (وهو المجتمع) والممثل مهم جدا (وهو الإنسان). ولذلك فلا يجب التركيز فقط على الفرد الإنسان وإنما لا ننسى بناء الأدوار الاجتماعية ووظائفها وهو المجتمع.
ما أود أن أقدمه في هذا المقال هو أن التقدم أو التحديث، يتم عن طريق مسارين متداخلين يؤازر كل منهما الآخر ويعتمد عليه، ألا وهما:
1.    تحديث الفرد وترشيد عقله وتطوير شخصيته، وهو مسار يعتمد على التعليم والتوعية والإعلام والتثقيف والتنشئة الاجتماعية. هذا المسار يستغرق وقتا طويلا أقله مع الكفاءة والفعالية جيل كامل، أي حوالي 25 سنة. وهو مطلوب، ولكنه قد لا يمكن إحداثه أو البدء فيه إلا بعد ثورة.
2.    المسار الثاني هو التغيير الثوري الذي يتم في بنيان المجتمع ومهام مكونات هذا البنيان ووظائفها. هذا ما يعبر عنه بتغيير النظم أو التغيير المؤسسي.
عند قيام الثورات، تَسْتَدْعي تلك الثورات المسار الثاني لإحداث التغيير، ولذلك فهو يسمى بالتغيير الثوري، أو التغيير الجذري. يحدث هذا التغيير بسرعة هائلة، وذلك عكس التغيير الفردي. ويشمل التغيير الثوري بدء التغيير الفردي ليتساير مع التغيير الثوري.
الإخوان الآن، استلبوا الثورة ثم بدؤوا في التغيير الثوري من خلال محاولة السطو على التعليم والإعلام والقضاء والقانون والسلطة التشريعية ناهيك عن أخونة السلطة التنفيذية، كل ذلك من أجل تغيير بنيان المجتمع ومهام مكوناته أي وظائف مكوناته. باختصار، تغيير بنيان وثقافة المجتمع بما يتلاءم مع أيديولوجيتهم وثقافتهم وأهدافهم الفاشية الخاصة.
السؤال، هل نترك مصرنا وشعبنا وأولادنا وأحفادنا فريسة لهذا السطو المرفوض بكل حجر وبشر في بقاع مصر عدا الأهل والعشيرة المنتظرين توزيع الغنائم وتحقيق حلم الخلافة السرابي؟ إذن التغيير ضرورة، إذا لم يكن بالتوافق السياسي والاجتماعي والأيديولوجي الوطني، وهذا ما رفضه ويرفضه الإخوان حتى هذه اللحظة، ولا مؤشر على قبولهم ذلك إطلاقا، فلا مناص من الاستسلام، أو إحداث التغيير الثوري المضاد.
المهندس كمال غبريال يرى أن التغيير الثوري سيغير المتخلفين بمتخلفين أمثالهم أو ربما أسوأ منهم إذا لم يكن قد حدث التغير الفردي العقلي الذي يكرس حياته له. وهنا أود أن أشير إلى دلائل نجاح التغيير الثوري (تغيير النظم والمؤسسات) لو تم بأقل درجة من العقلانية والمنطق:
1.    يبدع المصريون المغمورون هنا في مصر عندما يسافرون إلى الدول المحترمة ويصبحون من أكفأ عناصر هذه الدول لأنهم يعملون في نظم وتحت مؤسسات ذات بنيان ومهام حية وفعالة.
2.    في نفس المجتمع المصري تجد الإبداع الكامل في مركز الكلى للدكتور محمد غنيم وكذلك مركز القلب للدكتور مجدي يعقوب لمجرد عمل الناس هناك تحت نظام ومعايير وبنيان ووظائف حية وحديثة.
3.    عندما تعرضت أنا شخصيا لنظام الجيش (بنيان ومهام النظام العسكري)وأنهيت فترة التجنيد الأولى في كلية الضباط الاحتياط تغيرت شخصيتي بسرعة مذهلة تغيرا شاملا من ضمنه الصبر وعدم التململ واللياقة البدنية لدرجة أني كنت أنتظر حضور أوتوبيس 30 لمدة ساعتين على القدمين دون حتى كسر أحد الساقين.
4.    عندما يعمل الأمريكيون والأوربيون ويعيشون في القاهرة سرعان ما يتعودوا على طريقة المصريين في قيادة السيارات فيخالفوا قواعد المرور المصرية نفسها بحجة أنهم لو لم يفعلوا ذلك لعرضوا أنفسهم للحوادث المرورية.
وقس على ذلك للوصول إلى أمثلة كثيرة
الخلاصة: الثورات والانقلابات والحروب والاقتتال كلها ظواهر طبيعية تاريخية منذ الأزل وإلى الأبد، ذلك لأنها تُحدث تغييرا يستحيل تحقيقه بالإقناع الفردي أو بمنطق النصيحة أو بتحقيق التوافق أو بالشكوى من الظلم والقهر، ويكاد المولى سبحانه وتعالى أن يسن ذلك في قوله جل جلاله: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الحجرات  9)".
الحكم الإخواني الآن قد استلب الثورة الشعبية الينايرية المستنيرة واتبع آلياتها الثورية في إنشاء نظامٍ إخواني، أي بنيان من الأدوار والمهام والمؤسسات، يتمكن من تطويع الشعب المصري وتغييره ليمثل بالأجر أو بالقهر أدوار هذا النظام الفاشي المرتقب. ماذا نفعل؟ الحل هو النضال السلمي إلى أن يفيء الإخوان إلى أمر الله، وإلا فلا مناص من تطبيق الحل الرباني في شرع الله، وما حركة "تمرد" إلا إبداع شبابي مصري على طريق النضال السلمي في مواجهة هذا الاحتلال الغاصب، عسى أن ينقى الله مصر الحبيبة من هذه الآفة المزمنة وتنضم مصر حينئذ إلى عضوية الدول المدنية الراقية. 
Prof. Mohamed Nabil Gamie
Department of Rural Development, College of Agriculture,
Alexandria University, Al-Shatby, Alexandria, Egypt
mngamie@yahoo.com
01227435754



No comments:

Post a Comment