مرَة أخرى عن ( الكتلة التأريخية)
صباح علي الشاهر
قبل بضعة سنوات، قبل أن يدّس أردوغان أنفه في الشأن العربي، ويرتدي قلنسوة الخلافة، ويهز مهمازه بوجه المختلفين معه، كانت العلاقة- ظاهرياً على الأقل- بين الحركات الإسلامية، وتحديداً الإخوان المسلمين، والقوميين العرب، واليساريين والليبرالين، على أحسن ما يرام ..
كان إخوان مصر تحديداً، وحماس، وممثلو حزب الله، والأحزاب والمنظمات الإسلامية، شيعيّة وسنيّة، تلك التي جهرت بعدائها للإمريكان والصهاينة، يُستقبلون بالأحضان من قبل القوى القومية واليسارية والليبرالية، ويوضعون في صدارة أي مشهد..
ثمة رغبة لدى بعض النخب، من كل الإتجاهات، ونتيجة إستلهام التجارب والعبر من زمن الإحتراب والخسائر التي طالت جميع التيارات بلا إستثناء، رغبة أخذت تتبلور بعد أن أطلقها بعض قادة التيار القومي العربي، وتحديداً رموز المؤتمر القومي العربي وفي المقدمة منهم الشخصية القومية البارزة الدكتور خير الدين حسيب، الذي تبنى وصحبه من القوميين الناصريين تحديداً هذه الفكرة، ثم إلتحق بهم فيما بعد بعض اليساريين والليبرالين، وشخصيات إسلامية متنورة، وبعد تأصيل هذه الفكرة نظرياً، كان لزاماً أن تفعّل عملياً على أرض الواقع، وكان من تجليات هذا التفعيل على أرض الواقع، السعي لإنبثاق تنظيمات موّحدة وموّحِدة، كالمؤتمر القومي الإسلامي، والعديد من التنظيمات الأقل شأناً التي فشل أغلبها، وتلاشى، أما بسبب الفوقانية، أو العجالة، أو سوء الإختيار.
لم يكن المسعى لتوحيد التيارات الثلاث، أو الأربع في نظر البعض، في كتلة تأريخية، وهي تأريخية حقاً، مجرد رغبة ذاتية لهذه الشخصية، أو ذاك التنظيم، وإنما هي ضرورة موضوعية، تفرضها حال أمتنا، وما آلت إليه أوضاعها، لا بد من العمل بهديها، إذا كنا نستلهم التأريخ والتجربة، ونأخذ العبر.
هل سنكون أمة بتأريخ وتجربة، أم نكون كالسمكة التي تُصطاد في كل مرّة ، بنفس السنارة والطعم؟
بقدر نجاحنا جميعاً في خلق مثل هكذا كتلة، بقدر ما نكون قد قضينا على التناحر والإحتراب ، وحولنا تناحراتنا الفكرية التي هي مهما كان نوعها، ومهما كانت درجتها، تندرج فيما يعرف بالتناحرات الثانوية، ومن الخطأ، الذي يصل إلى حد الخيانة، إن تتحول إلى تناحرات أساسية، لأننا في هذه الحالة سنفتقد البوصلة، وبالنتيجة يصبح العدو الأساسي ثانوي، وربما حليف ، ويصبح المختلف، الذي هو بالبداهة، وبحكم الواقع حليف، إلى عدو، وربما عدو أرأس ينبغي تصفيته، والقضاء عليه، وهو ما حدث في منعطفات تأريخنا القريب، حيث صفيّنا بعضنا البعض، وبالنتيجة فرّطنا بقضايانا الأساسية، وضيعنا مصالح أمتنا وأوطاننا، وقدمنا خدمة لا تقدر بثمن لأعدائنا.
إن أمه لا تستطيع تحديد العدو، لا تستطيع بداهة تحديد الحليف، وسوف لن تنتصر إلا على نفسها.
إن فشل فكرة ( الكتلة التأريخية ) يعني نجاح بديلها، وبديلها هو ما عشناه وعايشناه طيلة العقود المنصرمة، هو الموت المجاني، العبثي، والدمار الذاتي، وإنعدام أي أفق لا للتطور فقط ، وإنما للعيش كبقية البشر على هذه المعمورة . .
الكتلة التأريخية فكرة للتعايش من دونما إحتراب، وصراع فكري من دونما عنف، وتداول سلمي للسلطة، لمن يستحقها، ولمن يحوز عليها برضى الشعب، وهي تعني ( أختلف معك، لكنني شريكك في هذا الوطن، لي ما لك، ولك ما لي ).
وحيث أن ( الكتلة التأريخية) خلاصة المعاناة، فهي تستوجب المراجعة، والمراجعة الشاملة، لأنك لن تتجاوز الماضي وآثاره ونكساته، من دونما تقييم ومراجعة نقدية.
هل أخطأ اليسار، وأين ؟
هل أخطأ القوميون، وأين ؟
هل أخطأ الإسلاميون، وأين؟
هل أخطأ الليبراليون، وأين؟
مثل هكذا تقييم ومراجعه، لم يحدث بالنسبة للبعض، وتحديداً بالنسبة للإسلاميين، وللإخوان المسلمين على وجه الخصوص.
لقد جرت مراجعات لبعض اليسار، وخصوصاً من إنخرط في تيار ( الكتلة التأريخية)، وكذلك بالنسبة للقوميين، وعلى وجه الخصوص الناصريين، ولكن الحركات الإسلامية لم تجر إية مراجعة.
الذين راجعوا وقيموا تجربتهم كانوا أكثر حرصاً على إنجاح الكتلة التأريخية، ولكن الذين لم يجروا هذه المراجعه وهذا التقييم لتجربتهم التأريخية، لم يأخذوا فكرة ( الكتلة التأريخية ) على محمل الجد، وإعتبروها وسيلة لرد الإعتبار لهم من أعداء ناصبوهم العداء فيما مضى.
كنت أقرأ تقييمات إيجابية للحركات الإسلامية، لحماس، وحزب الله، والأخوان المسلمين في مصر، من قبل يساريين، وناصريين، لكنني لم أقرأ، لأي كاتب محسوب على القوى الإسلامية إي كلام إيجابي بحق اليسار وحركته، أو القوميين والناصريين، فهل لا يوجد شيء يستحق الذكر، في أرث اليسار، و القوميين والناصريين؟
كنا نشن حملات إعلامية صحفية، وعبر شاشات التلفزيون عندما يتعرض الإخوان للإعتقال زمن مبارك، حملة إطلاق سراح العريان مثلاً والتي تسببت في منع دخول كاتب السطور إلى مصر، لأنه أدان تعسف أجهزة مبارك، وطالب من على شاشات التلفزيون بإطلاق سراح العريان، ولكن هل ثمة من يدلني لا على حملة لإطلاق سراح يساري أو قومي، وإنما على مجرد تصريح ، فقط تصريح رافض أو مستنكر .
ينبغي أن يضع كل تيار يده على أخطائه، فهذه هي الخطوة الأولى في سلم النجاح والرقي ، والذي لا يعرف خطأه، لا يمكن أن يتجنب تكراره، وينبغي أن يكتشف ويتلمس إيجابيات سواه، ففي هذا إغناء لفكره، الذي سينعكس إبداعاً في عمله، أما الذي لا يتلمس أخطاءه، ولا يبحث عن إيجابيات سواه، فهو ذاك الذي يزعم إحتكار الحقيقة، والإخوان لم يحتكروا الحقيقة فقط ، بل إحتكروا الإسلام، واحتكروا رب العالمين، فأين لهم أن يخطأوا إذا كان نهجهم ربانياً ؟!
هل سيستمر هذا النهج الإخواني، الذي لا يرى أحداً، هذا النهج الذي بعد أن إحتكر الله والآخره، يريد أن يحتكر السلطة والدنيا، والذي يرى أن قتلى سواه في النار، وقتلاه في الجنة، وهو بهذا يقسم الشعب، إلى كفار مأواهم جهنم وبئس المصير، ومؤمنين مثواهم جنة النعيم، أم أن شباب الأخوان سيظهرون في الصورة، ويبعدون أولئك الذين أساؤا للإسلام ، قبل أن يسيئوا للإخوان المسلمين.
No comments:
Post a Comment