كي يبقى لليبرالية واليسارية بعض المصداقية
سمير مصطفى الطرابلسي
ان يعلو صراخ مؤيدو جماعة الاخوان المسلمون في مصر والعالم العربي، بأن مصر تشهد مجازر تقوم بها سلطة عسكرية ضد الشعب او "تواضعاً" ضد شطر منه أمر يمكن فهمه، لأن تداعيات سقوط هذه الجماعة في بلد المنشأ وعن طريق ثورة شعبية كبيرة لن تقتصر على مصر وحدها.
فمستقبل كل ما مثلته هذه الجماعة، من فكر وممارسات، بات يراها كثيرون قاتماً، وبالتالي فان صراخهم يمكن اعتباره نواح على ملك لم يُحافظ عليه.
لكن المستغرب هو موقف بعض حملة لواء الليبرالية وموقف بعض "اليسارجية"، على حد تعبير الشاعر عبد الرحمن الابنودي، الذين يتباكون على المجازر وعلى الديمقراطية الموؤدة في مصر على يد "حكم العسكر".
فكلا الطرفين، الذين صدعوا رؤوسنا في السابق بالحديث عن الديمقراطية، اختفت اصواتهم حينما ابطل محمد مرسي ومن وراءه، الاعلان الدستوري الذي استفتي عليه الشعب المصري بنسبة 76%، والذي وصل بموجبه الى سدة الرئاسة، ليستبدله باعلان دستوري يجمع فيه سلطات التشريع والتنفيذ بيده، ويحصن قراراته السابقة واللاحقة ضد اي طعن، ولم نسمع منهم آنذاك نواحاً على الديمقراطية!.
وكلا الطرفين، اللذين طالما تغنوا بالانظمة التي تحتكم الى الشعب، اصيبوا ربما بمرض فقدان الذاكرة، فنسوا تواقيع 22 مليون مصري على وثيقة حركة تمرد الداعية لعزل مرسي، ومشهد 33 مليون من المصريين الذين نزلوا الى ميادين مصر وشوارعها منذ 30 يونيو حزيران وحتى 3 يوليو - تموز، وفي 26 يوليو، مطالبين بسقوط حكم المرشد، ومتحدين تهديدات البلتاجي وصفوت حجازي وعاصم عبد الماجد وحازم صلاح ابو اسماعيل، بسحق من يعترض على حكم مرسي وجماعته ورشهم بالدم .
لقد غاب عن وعي كلا الطرفين، ان اسقاط النظام الطائفي الاخواني وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا ادارة مرحلة انتقالية كان مطلب الملايين من الشعب الذي انحازت اليه القوات المسلحة المصرية فاذا بهم يرون ان ما شهدته مصر هو انقلاب عسكري ينبغي ادانته والاعتراض عليه، مما يدفع الى التساؤل هل ان ديمقراطية هؤلاء تعني انه كان على القوات المسلحة والشرطة المصرية ان تنفذ تعليمات الرئيس "الشرعي" مرسي بالتصدي لهذه الملايين وقمعها بالقوة؟.
وكلا الطرفين اللذين قالوا انهم علمانيون حتى النخاع وبأنهم مع فصل الدين عن الدولة وانهم حريصون على حقوق كل المواطنين بدون اي تمييز ديني او طائفي او مذهبي او عرقي، خفتت اصواتهم اعتراضاً على دستور طائفي مذهبي سربته "الجماعة" بليل، وعلى ممارساتهم الاضطهادية ضد كل من يخالفهم الرأي، تارة بحجة انه مسيحي وطوراً بحجة انه كافر.
ولكن ما يثير الاستغراب اكثر أنه في الوقت الذي يقوم به افراد جماعة مرسي والمرشد بحرق الكنائس وبيوت ومتاجر المسيحيين، ويقتلون المواطنين فان قيام الشرطة المصرية والقوات المسلحة المصرية بردعهم هو الذي يثير حفيظة "الليبرالجية واليسارجية" وليست اعمال الجماعة ولا اجرامهم.
كما أن "علمانيتهم" لم تمكنهم من فهم الموقف الحضاري لشعب مصر العظيم، الذي قام به الآلاف من المسلمين والمسيحيين بحماية كنائس مصر بصدورهم في وجه "همجية جماعة المرشد"، كما لم يفهموا مغزى كلمة قداسة البابا تواضروس "كل الكنائس فداء لمصر"، وخطابه الى المسلمين الذين نزلوا لحمايتها بقوله "الكنائس يمكن ان تعوض ولكن سلامتكم عزيزة علينا وارواحكم لا تعوض".
كثيرة هي التناقضات بين ركام الاقوال والكتابات التي طالما انهمرت علينا من هاتين الفئتين، وبين مواقفهم من ثورة 30 يونيو، وحيث اننا لا نحكم على النوايا وانما نحاكم المواقف والتصرفات، فلا بد من لفت انتباه هاتين الفئتين الى ان تطابق مواقفهم مع مواقف اميركا والاطلسيين الذين شكلت ثورة 30 يونيو صدمة كبيرة لمخططاتهم، وضربة قاسية لمشروع الشرق الاوسط الجديد، يسيء لهم ويطرح الكثير من التساؤلات. واذا كنا نظن ان الذكرى تنفع العلمانيين العقلانيين كما تنفع المؤمنين، فإنه من باب التذكير ببعض الحقائق نقول ان بعض من رفعوا رايات الليبرالية واليسارية وبعض الذين تجلببوا بجلباب الاسلام، كانوا غطاءً للاحتلال الاميركي في العراق بحجة مقاومة نظام قمعي.
وان بعض من رفعوا رايات الليبرالية واليسارية كانوا جسراً عبرت عليه الفئات التكفيرية لتدمر الكيان السوري بذريعة المطالبة بالديمقراطية التي تحولت من خلال ممارساتهم الى خطف للمطارنة وقتل على الهوية للمواطنين.
نقول ان هؤلاء اساؤوا بما فيه الكفاية الى مبدأ حماية الحرية الفردية التي يرفع لواءها الليبراليون، والى مبدأ العدالة الاجتماعية التي يتغنى بها اليساريون، لانها في الممارسة تحولت الى ستارة تخفي وراءها ارتباطات باعداء الامة، فلا تكرروا هذه التجارب حتى يبقى للتوجه الليبرالي واليساري بعض احترام لدى المواطن العربي.
No comments:
Post a Comment