Sunday, 1 September 2013

{الفكر القومي العربي} الثور الأمريكي يتقلص عجلا

الثور الأمريكي يتقلص عجلا

بروفيسور عبد الستار قاسم

1/أيلول/2013


أنوه بداية إلى أنني لا أستعمل هذه الكلمات أعلاه للإساءة، وإنما للإشارة إلى تراث موصوف برعاة البقر، ووصف الثور الأمريكي شبيه بوصفي الدب الروسي والتنين الصيني، وربما بوصف الحصان العربي.


تقلص حجم زمجرة الرئيس الأمريكي على سوريا، فقرر الاختباء وراء مجلسي التشريع الأمريكيين، أو الكونغرس. ظن بداية أن أمريكا التي كانت ما زالت، ويبدو أنه اكتشف أن تلك لم تعد موجودة. كانت تكتفي أمريكا سابقا بالتهديد والوعيد السريعين، ثم تحشد قواتها وتوجه ضرباتها، وواضح أنها وجدت نفسها الآن غير قادرة على القيام بما اعتادت القيام به على مدى سنوات من الناحية العسكرية. قوتها العسكرية تضخمت وكبرت، لكن غيرها اكتسب قوة عسكرية متصاعدة تلقي بثقلها على تصرفات أمريكا العسكرية على الساحة العالمية.


لم يكن الموضوع السوري سهلا منذ بداية الأزمة في سوريا، وكل من ظن عبر الفترة السابقة أنه يستطيع حسم المعركة بسهولة وجد نفسه مخطئا، ووجد في النهاية أن سوريا برمتها هي الضحية. منذ البدء وبعض فصائل المعارضة السورية تطالب جنبا إلى جنب دول عربية وإسرائيل وتركيا بتدخل أجنبي لكي يحسم الأمور ضد النظام القائم، وابتهج هؤلاء وفرحوا بعد مشكلة السلاح الكيماوي على اعتبار أن أمريكا قررت في النهاية وضع حد للنظام. وقد أوضحت الكثير من الأمور في مقالي المعنون: الثور الأمريكي والمغامرات الحربية أن الأمر ليس سهلا، وأن أمريكا ستعاني من هزيمة إن لم تهاجم، ومن هزيمة أكبر إن هاجمت وواجهت ردا، وأنها فقط ستنتصر إذا هاجمت دون مواجهة أي رد.


أيقن الرئيس الأمريكي أن محور المقاومة المتمثل بإيران وسوريا وحزب الله الصامت سيرد بقوة على أي هجوم أمريكي، وتحقق جيدا من صلابة الموقف الروسي، ومعارضة الموقف الصيني، فقرر أن يحذو حذو رئيس وزراء بريطانيا والاختباء وراء المجلس التشريعي. وبذلك انتقل الرئيس من موقف التصميم على ضرب سوريا، إلى موقف المعَلّق بقرار الكونغرس والذي قد يكون مع وقد يكون ضد. وستشهد الأيام القادمة جدلا واسعا في الولايات المتحدة حول الضربة، والاحتمال كبير أن يكون الرأي العام الأمريكي ضد الهجوم، وتبعا لذلك سيكون قرار الكونغرس. المهم أن العضلات التي كشف عنها الرئيس الأمريكي بداية تقلصت لتكون من الدرجة الثانية. لم يعد الثور ثورا هائجا، وبدت عليه علامة العجولة القابلة للذبح.


وبسبب الحيرة التي وقعت فيها الإدارة الأمريكية والارتباك اتخذت قرارا يعطي سوريا عشرة أيام ذهبية وضرورية في الاستعداد العسكري فيما إذا تم الهجوم. تستطيع سوريا خلال هذه الأيام أن تأتي بكميات من الأسلحة الفتاكة، وتستطيع نقل معدات عسكرية إلى أماكن جديدة، وإقامة مجسمات لمواقع عسكرية ومعدات مزيفة وتبث إشارات للأقمار الصناعية وكأنها حقيقية، وتستطيع ان تحفر بالمزيد تحت الأرض، الخ. ويستطيع حزب الله القيام بالمزيد من النشاطات التكتيكية التي تجعله أقرب إلى حيفا. وكذلك الأمر بالنسبة لإيران. أنا لست عسكريا، لكنني أدرك استراتيجيا أن الولايات المتحدة قامت بعمل يتناقض تماما مع أبسط أنواع الذكاء العسكري التكتيكي.


ما قام به الرئيس الأمريكي يشكل نصف هزيمة، والخيار العسكري ما زال قائما. ومن المحتمل أنه ساعد الفرنساويين على المطالبة بدور للجمعية التشريعية الفرنساوية قبل أن تقرر الرئاسة الفرنساوية خوض الحرب. ولا شك أنه صدم حلفاءه العرب والصهيانة والأتراك.


من المهم أن تبقى الأصابع على الزناد لأن احتمال العدوان الأمريكي ما زال قائما، ومن المهم للذين يستنجدون بالدور الأمريكي أن يفكروا في حل مشاكلنا العربية الداخلية دون التدخل الغربي الذي طالما أساء للعرب والمسلمين.


ما يجري الآن يشكل مفصلا تاريخيا في المنطقة العربية الإسلامية من حيث أن محور المقاومة يثبت نفسه، وما زالت الفرصة مفتوحة أمامه ليثبت نفسه بالمزيد. حقق المحور نصف انتصار حتى الآن، ومن المحتمل أن الهجوم الأمريكي سيصب في صالح تحقيق نصر مكتمل. إذا تراجعت أمريكا عن تهديدها، أو إذا هاجمت وفشلت فإن موازين كثيرة في المنطقة العربية الإسلامية ستتغير. هناك دول عربية ستصاب بنكسة قوية يصعب معها الاستمرار في التخريب في المنطقة لصالح أمريكا وإسرائيل، وهناك قوى حزبية في لبنان وفلسطين ستصاب بالذهول والوهن. أي أن النفوذ الأمريكي الإسرائيلي سيتقلص، والمبادرات العربية تجاه إسرائيل والتفاوض معها ستعاني من خيبة واسعة.

No comments:

Post a Comment