حمامات النساء ومصيبة الفساد
بروفيسور عبد الستار قاسم
31/تشرين 1/2013
لم يكن غريبا سماع أنباء عن مسؤول ينشر آلات التصوير في حمامات النساء، فنحن نخضع لأناس لا يعرفون الله، ولا يعرفون القيم الإنسانية ولا تردعهم قيم أخلاقية. هكذا خبرناهم على مدى السنوات الطويلة، وهم الذين يتبجحون في كثير من الأحيان بشعارات وطنية، ويعدون الشعب بالخير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين والهناء والسعادة الأبدية. لعن الله الوطنية التي يمكن أن تصف أعمالهم أو تؤشر إلى أخلاقهم. وإذا كان هؤلاء الفاسدون المفسدون سيقيمون دولة لنا فالأفضل أن نبقى بدون دولة، والأفضل أن يبقى الاحتلال. هؤلاء هم الصديق الجاهل، وذوي القربى المنحطين والأسافل الذين لا تأتي من قبلهم سوى الشتائم والسباب.
هل كان من الممكن أن يخطر على بال إبليس أن ينشر آلات تصوير في حمامات النساء؟ تقديري أن إبليس أرقى من ذلك بكثير، وإن أراد النظر إلى النساء، فإنه سينظر إليهن وهن في ملابسهن الجميلة، وهيئاتهن الجيدة. أما هذا العمل الخسيس فلا يقبل عليه إلا بشر سافل ومنحط.
آلات التصوير هذه ليست جديدة على ثقافة السلطة وأركانها، بل هي قائمة وتستعمل ضد الناس. وقد سبق أن حاولوا نصب فخ لي لإيقاعي وإسكات قلمي بعد ذلك. هم لم يكتفوا بإطلاق النار علي وزجي بالمعتقلات وحرق سيارتي عدة مرات، بل أرسلوا لي يوما فتاة تتغنج وتعبر لي عن إعجابها، ودعتني لحضور حفلة عيد ميلاد في البيرة، ووصفتني مكانا علمت فيما بعد أنه مركز أمني تابع للسلطة الفلسطينية. توهم رئيس جهاز أمني في حينه أنني سأتدحرج كما يحصل معه، فبلغ عرفات أن عبد الستار قاسم قد وقع في الفخ. لقد صدقه رئيسه، لكنني في ذلك اليوم ذهبت إلى طولكرم حتى لا يخطر ببالي الذهاب إلى البيرة، وأنا كنت على وعي بأن الفتاة والتي ما زلت أذكر اسمها ل. ص. مضروبة أمنيا. وقد صرح بعد ذلك أحد القائمين على الفخ أن عبد الستار قاسم قد فلت من آلات التصوير التي جهزناها له لأنه لم يحضر. مشكلتهم أنهم قاسوا كل الناس وفق مقاييسهم الأخلاقية.
نحن نسمع يوميا عن أعمال فساد مشينة، وعن أعمال شريرة كثيرة تقترف ضد أبناء شعبنا، وقصص السلطة وأركانها المخزية لا تنتهي ولا يتوقف تنوعها وإبداعاتها. هؤلاء امتهنوا الفساد حتى باتت القضية الفلسطينية ألعوبة للتلهي والإثراء والمجون وخدمة الصهاينة.
من يتحمل المسؤولية؟ نحن شعب فلسطين نتحمل المسؤولية. نحن لم نثر منذ البدء على ممارسات الفساد، بل وشاركناهم فيها رغبة في تحقيق مصالح شخصية ولو على حساب فلسطين وأهل فلسطين. نحن سكتنا بداية، بل وسرنا في طرق الوساطات والمحسوبيات والرشوات والإكراميات من أجل الحصول على وظيفة أو على أشياء لا حق لنا بها. كل واحد منا فكر بحل مشاكله وطموحاته الشخصية بمفرده بمعزل عن الصالح العام. وبقينا على هذه الحال حتى وصلت آلات تصويرهم إلى أعراض بناتنا ونسائنا.
هذه ثقافة ثورية فلسطينية موجودة منذ زمن بعيد وقبل قيام السلطة الفلسطينية. لقد مارسناها في لبنان وفي الكويت وتونس، وكرهتنا شعوب عربية بسبب هذه الأخلاقيات الفاسدة. فهل آن الأوان لنا لنتحرك دفاعا عن شرفنا وكرامتنا، وعن قضيتنا التي يتحكم بمصيرها هؤلاء الثوار؟
لا يظنن أحد أن إجراءات صارمة ستتخذ يوما ضد الفاسدين. ربما يعاقب شخص بشدة على فساده بسبب ضعفه، أو لأنه مسكين سرق 100 شيكل، لكن حيتان الفساد لن يعاقبهم أحد سوى الشعب. السبب أن الناس في القمة فاسدون، وكل واحد منهم متورط، وإذا كان لأحدهم أن يُسأل أو يعاقب فإنه سيفضحهم. ولهذا يعملون دائما على طمطمة الأمور، وإخفاء الأسماء. الفاسد لا يحاسب فاسدا. الفاسد يحاسب الصالح لأنه يكشف عورات الفاسدين من خلال أمانته. ولهذا لا مكان للأمناء في بلادنا، والأمكنة فقط للفاسدين والمرتشين والزعران والجهال، واصحاب الوساطات والمحسوبيات.
هذه البلاد ضحية مثقفيها ومفكريها و أكاديمييها ورجال دينها الذين يرون الباطل ولا يقارعونه. حيثما تذهب، وحيثما تجلس، تسمع هؤلاء يتذمرون لكنهم لا يرفعون أصواتهم في مواجهة الفساد والتطاول على الناس وحقوقهم، والتطاول على القضية الفلسطينية. هؤلاء آثروا الصمت حرصا على مصالحهم وخوفا من عقاب السلطة. لقد وضعوا ضمائرهم في الثلاجات، ويريدون في نفس الوقت من أبناء الفقراء الاستمرار في تقديم التضحيات. هناك مسؤولية يتخلف عنها هؤلاء الناس، وخاب من تخلف عن حمل الأمانة وغرق في النهاية في الذل والهزائم والتمرغ في الأوحال.
هل أصحاب السلطة سيعقلون يوما؟ لا. الذي يعترف بإسرائيل وينسق معها يهون عليه وضع آلات التصوير في حمامات النساء. إذا كان قد تنازل عن وطن، وهانت عليه المقدسات والأرض الطيبة، فهل يمكن أن يتعفف أمام النساء؟ هؤلاء وجدوا في مواقعهم لتخريب المجتمع الفلسطيني. ولو كانت إسرائيل تظن أن هؤلاء سيكونون عناصر بناء لما سمحت لهم بالبقاء.
No comments:
Post a Comment