Sunday, 17 November 2013

{الفكر القومي العربي} FW: المقاربة الهيكلية-الوظيفية للسلطة القضائية في مشروع الدستور الجديد

المقاربة الهيكلية-الوظيفية للسلطة القضائية في مشروع الدستور الجديد

عندما يتحدث مجتمع عن ضرورة تحقيق الفصل الكامل بين السلطات لمنع تغول إحداها والعودة إلى الحكم المطلق، يكون على هذا المجتمع أن يعيد هيكلة الدولة وترتيب علاقات مكوناتها والنظم ودورات العمل والقوانين المعمول بها، وإنتاج بناء structures وتطوير عمليات processes لتحقيق وظائف functions، فإذا لم يكن البناء مناسبا لتحقيق هذه الوظائف، أو لم تكن العمليات محبوكة والمجتمع منضبطا، أو إذا اختلت معايير الاختيار والإسناد، أو تعددت "الأجندات" وتداخلت وتاهت الأهداف، أو اختلت قدرة الإدارة على تقدير الموقف واتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب، تكون المفارقة والمعضلة ويفشل المجتمع في تحقيق أهدافه. وللأسف، فقد أظهر الأداء الوطني بخلاف الأمن - أداء الحكومة ولجنة "تعديل" الدستور - منذ ثورة 30 يونيو وحتى الآن في كل هذه الجوانب ما ينذر بكارثة إذا لم يتم تدارك الموقف على وجه السرعة.

وبالطبع فإن هذا العمل يجب أن يبدأ بدستور جديد يلتزم بتعهدات مصر في المعاهدات والاتفاقات الدولية، ويقيد سلطة الرئيس ويتيح محاسبته ومحاكمته و محاسبة ومحاكمة أعضاء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويضمن الشفافية والمساءلة، ويكفل حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية لكل المصريين، ويمنع التمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو العقيدة، ويحقق الفصل الكامل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في مصر - يصرف النظر عن من يحكم - ليشكل ضمانة لمنع تغول السلطة على المواطن ولشيوع العدل وحماية الحقوق، ولخلق نظام للضوابط والتوازنات checks and balances يتفادى العيوب الهيكلية والتنظيمية في الأنظمة السابقة، ويمنع تدخل السلطة التنفيذية بأي شكل في أي من شئون السلطة القضائية.

إلا أن الحاكم في مصر قد حرص دائما على السيطرة على السلطة التشريعية واختراق السلطة القضائية، وكان وزير العدل - وهو جزء من السلطة التنفيذية - أداة الحاكم للتدخل في السلطة القضائية والسيطرة عليها والتأثير على سير العدالة وأحكام القضاء. ولذلك، فإن استقلال القضاء ومنعته ووقف تغول السلطة التنفيذية والتشريعية على السلطة القضائية لا يتحقق إلا بنقل اختصاصات وزير العدل العدلية والقضائية وشئون المحاكم وجميع أجهزة "الخبرة والرقابة" بأنواعها إلى مجلس القضاء الأعلى لتحقيق انضباط الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية، وليصبح وزير دولة للشئون القانونية والأحوال المدنية يختص بهيئة قضايا الدولة باعتبارها محامي السلطة التنفيذية، وبجميع السجلات المدنية المسندة حاليا لوزارات العدل والداخلية والصحة.

ولأن المجتمع قد أصدر حكمه في شأن أداء الحكومة، ولأن ما بقي من ولايتها يقل عما فات، فقد أصبح الحديث عن سوء أدائها من قبيل تحصيل الحاصل، بينما ما زال للحديث عن أداء "لجنة الخمسين لتعديل الدستور" ضرورة وجدوى لتأثيرها الجوهري على الانتهاء من "خريطة المستقبل" الحيوية. وللأسف فقد ظهر فعلا أن لجنة الخمسين تعاني قصورا في الأداء لميلها للمواءمات والتنازلات فيما لا يجوز، والسكوت على تجرؤ المصالح الخاصة على المصلحة الوطنية العليا، ولنقص خبراتها ودرايتها بعلوم الإدارة والتنظيم اللازمة لحسن أدائها وقدرتها على إنتاج دستور متكامل قادر على تحقيق وظيفته بفعالية.

وقد كشف صراع هيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الإدارية على السلطة القضائية في لجنة الخمسين عن نواقص خطيرة وسلوكيات نقابية غير وطنية مثيرة للاشمئزاز لأعضاء الهيئتين المذكورتين تنم عن أنانية وانتهازية ورغبة في قنص المكاسب الخاصة على حساب المصلحة الوطنية دون التفات إلى خطورة المرحلة التي تمثل تهديدا غير مسبوق لوحدة الوطن وسلامته، أو لاعتبارات علوم الإدارة والتنظيم، وهو ما كان يجب أن تلقى الهيئتين عنه توبيخا من رئاسة اللجنة التي يبدو أنها - شأنها شأن الحكومة صاحبة البالين التي أنتجتها  هي الأخرى الثورة - لا تفهم الدور المسند لها وتفضل المواءمة وعدم المواجهة، بحيث تجرأت الانتهازية الفئوية لتحاول الآن الخطف و"الهبش" قبل أن ينفض المولد أو يظهر له صاحب. 

وبالطبع فإن مجرد مناقشة مطالب الهيئتين لا يتعدى ان يكون مسألة عبثية مضيعة لوقت اللجنة والبلد. فالمغالطة المنطقية في مطالب الهيئتين لا يمكن أن تكون أكثر وضوحا ولا تحتاج إلى شرح، وكان على رئيس اللجنة رفض مناقشتها أصلا. فلأن هيئة قضايا الدولة هي محامي ْالسلطة التنفيذية التي يجب أن تقتصر مسؤوليتها على تمثيل الدولة في القضايا المرفوعة منها أو عليها، وتقديم الاستشارات القانونية لأجهزتها، وإعداد العقود التي تبرمها مع الغير، ولذلك يجب تكون تبعيتها للسلطة التنفيذية حصريا، وهي لذلك لا يمكن أن تكون جزءا من السلطة القضائية أصلا، وإنما هي تمثل أمامها شأنها شأن أي محام. أما هيئة النيابة الإدارية، فهي كنظير النيابة العامة التابع لمجلس القضاء الأعلى تمثل جزءا لا يتجزأ منه، ولذلك يجب أن تنتقل تبعيتها لمجلس الدولة، لتمارس فيه نفس دور النيابة العامة في القضاء العادي.

دكتور مدحت بكري

مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا

 

No comments:

Post a Comment