Friday, 6 December 2013

{الفكر القومي العربي} ادعاءات الجماعة بالانقلاب العسكري تدحضها الوقائع في مصر - عدنان برجي


 ادعاءات "الجماعة" بالانقلاب العسكري تدحضها الوقائع في مصر
عدنان برجي
مدير المركز الوطني للدراسات
دأبت جماعة الاخوان المسلمين على وصف ما جرى بعد 30 يونيه / حزيران بأنه انقلاب قامت به المؤسسة العسكرية في مصر ضد الشرعية المتمثلة بالدكتور محمد مرسي رئيسا منتخبا لمصر، وجاراها في هذا الاتهام الادارة الاميركية، وبعض الدول الغربية وتركيا وقطر. فهل ان ما جرى بين 30 يونيو/ حزيران و 3 يونيه / تموز 2013 هو فعلا انقلاب على الشرعية قامت به المؤسسة العسكرية ام انه استجابة لمطلب الجماهير التي نزلت الى الشوارع والميادين بما لم يسبق له مثيل في التاريخ (22 مليون توقيع يطالب مرسي بالرحيل، 30 مليون انسان في 30 يونيو، قرابة 40 مليون في 26 يوليو)، تماما كما استجابت بعد ثورة 25 يناير 2011 التي قام بها الشعب المصري ضد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك؟. وهل ان ممارسة مرسي في رئاسة جمهورية مصر على امتداد عام كانت ممارسة للشرعية بما يحفظ اهداف ثورة يناير ويحقق الديمقراطية، ام انها شهدت انقلابا على اهداف وغايات هذه الثورة؟.
ان استعادة شريط الاحداث واستعراض ابرز التطورات التي جرت منذ 25 يناير2011  الى 30 يونيو 2013 من شأنها إعطاء الإجابة الصحيحة عن التساؤل المطروح.
ان احدا، من الاخوان المسلمين اوغيرهم، لايمكن ان ينكر ان الجيش المصري استجاب للارادة الشعبية التي ثارت في 25 يناير 2011 في وجه الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، ثم قاد مرحلة انتقالية، بتفويض من الشعب عبر الاستفتاء على الاعلان الدستوري الذي استفتى عليه الشعب المصري، بما فيهم الاخوان المسلمون، بنسبة تأييد بلغت 76% والذي حدد، اي الاعلان، استمرار المرحلة الانتقالية بقيادة الجيش الى حين انتخاب رئيس للجمهورية، ومجلس نيابي ومجلس شورى، وانجاز دستور جديد، وانتظام الحياة الدستورية. فقد جاء في المادة الاولى من الاعلان: "يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد بصفة مؤقتة لمدة ستة أشهر لحين انتهاء انتخابات مجلسي الشعب والشورى ورئيس الجمهورية".
وما بين خلع الرئيس مبارك وتسلم الرئيس محمد مرسي ضمنت المؤسسة العسكرية الحياة الديمقراطية في البلاد فحافظت بشهادة الجميع على حرية الرأي والتعبير وحقوق الانسان، ونفذت التزامها المواعيد المحددة لانتقال السلطة، مقرنة القول بالفعل انها لاتريد السلطة بأي شكل من الأشكال. فهي اشرفت على انتخابات نيابية، وانتخاب مجلس شورى، ابطلتهما المحكمة الدستوري لعلة قانونية، ثم اشرفت على انتخاب رئيس للجمهورية على دورتين. وعلى الرغم من ان الفارق بين المرشح اللواء احمد شفيق والمرشح محمد مرسي بلغ فقط 2%، لم تتردد القيادة العسكرية في تسليم الدكتور مرسي مقاليد الرئاسة.
لكن ما ان تسلم الدكتور محمد مرسي مقاليد الرئاسة حتى اطاح بقيادة المؤسسة العسكرية، وحاصرت جماعته المحكمة الدستورية لتعطيلها ومنعها من ممارسة عملها الدستوري والقانوني، وأقال النائب العام على غير ماتنص القوانين، وتنكر لتعهده بتشكيل لجنة جامعة لكتابة الدستور فشكل لجنة غالبيتها من جماعة الاخوان المسلمين، ثم كانت ثالثة الاثافي الاعلان الدستوري الذي الغى بموجبه الاعلان الذي استفتى عليه الشعب بنسبة 76%، وجمع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بيده دون العودة الى الشعب ودون الاستماع الى القضاء، كما حاصر الاعلام وضيّق على حرية التعبير، مما عنى للشعب خسارة مؤكدة لثورة 25 يناير.لقد نصت المادة الرابعة من الاعلان الدستوري الذي اصدره الدكتور مرسي على ان: "الإعلانات الدستورية، بما فيها هذا الإعلان، لا تقبل الطعن عليها أمام أية جهة قضائية؛ وتنقضي الدعاوي المرفوعة بهذا الشأن أمام جميع المحاكم". اي انه منح نفسه سلطات شاملة لم تمنح لرئيس في الكون، كما نصت المادة الاولى من الاعلان على  الغاء "الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 21 نوفمبر 2012".
هذا في الجانب السياسي، اما في الجانب الاجتماعي فقد برزت ازمات اجتماعية لم تكن موجودة حتى ايام الرئيس المخلوع، مثل فقدان الطاقة والغاز واقفال المصانع، وزيادة نسبة البطالة، والعجز حتى عن تأمين النظافة، ناهيك بشل يد الشرطة مما افسح المجال امام تنامي الجريمة وانعدام الامن الشخصي والمؤسساتي. وفي السياسة الخارجية، وبدل رسم سياسة تعيد مصر الى دورها العربي والافريقي والاسلامي، اكتفى بصداقته للادارة الاميركية ولحكومتي تركيا وقطر وخطب ود العدو الاسرائيلي عبر الرسالة الشهيرة الى صديقه العزيز "بيريز".
وبعد ان قامت حركة تمرد الشبابية بحملة التواقيع (22 مليون توقيع) للمطالبة برحيله، استهزأ وجماعة الاخوان بهذا التحرك الشعبي الديمقراطي، فكان نزول الشعب المصري في مختلف المدن المصرية في 30 يونيه / حزيران، بما لم يشهد التاريخ مثيلا له، حيث ووفق قناة السي ان ان الاميركية فاق عدد المشاركين 30 مليون مصري، فما كان من قيادة الجيش الا ان طلبت من الرئيس مرسي الموافقة على اجراء استفتاء شعبي حول استمراره في الرئاسة فكان الرفض من قبله، وكان اعتصام رابعه بما يهدد الحياة اليومية للمواطن المصري حيث تم الاعتداء على المواطنين ومنعهم من الاقتراب او المرور في منطقة الاعتصام لمدة اشهر كما تم احتجاز وتعذيب العشرات من المواطنين عند منصة رابعة.
بالمقابل طلبت القيادة العسكرية تفويضا من الشعب لمواجهة الارهاب فكان نزول الشعب مرة اخرى الى الميادين في 26 يوليو لإعطاء التفويض (40 مليون مشارك)، وبالاتفاق مع مكونات الشعب المصري من الازهر الى الكنيسة القبطية مرورا بالاحزاب والشباب وممثلي المرأة تم رسم خريطة طريق لاعادة الحياة الدستورية الى طبيعتها بمواعيد محددة. وبالفعل فقد تسلم مقاليد الرئاسة رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلي منصور وفق ماينص عليه الدستور، وتشكلت لجنة جامعة لكل اطياف الشعب المصري، بما فيهم اولئك المهمشون سابقا من ابناء النوبة والريف، لكتابة الدستور، وقد انجزت اللجنة مهامها ضمن الفترة الزمنية المحددة لها في المرحلة الانتقالية، فقدمت دستورا وازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ورسخ الوحدة الوطنية المصرية مع الحفاظ على التنوع الذي يشكله نسيج المجتمع المصري، وربط بين حرية المواطن الاجتماعية وحريته السياسية واتاح حرية تشكيل الاحزاب على اساس وطني لا طائفي وعزز دور الازهر، كما اعاد الاعتبار الى دولة الرعاية الاجتماعية بعد ان كانت سياسة الانفتاح التي اعتمدت منذ اواخر ايام الرئيس السادات قد زادت من عدد الفقراء والمهمشين على مدى 40 عاما ونيف.
 لقد جاء في مقدمة اقتراح الدستور: "نكتب دستورًا يفتح أمامنا طريق المستقبل، ويتسق مع الشرعية الدولية لحقوق الإنسان التى شاركنا فى كتابتها وصادقنا عليها، ونرى ثراء مصادر التشريع يفتح أمامنا آفاق التقدم. نكتب دستورًا يصون حرياتنا، ويحمى الوطن من كل ما يهدده أو يهدد وحدتنا الوطنية. نكتب دستورًا يحقق المساواة بيننا فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز".
ونص الدستور على ان: "جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها، نظامها جمهورى ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون. الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمي إلى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوي، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية".
كما ورد في الفصل الأولمن الدستور ان: "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي فى العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".
كما جاء في هذا الفصل ان الدولة تلتزم "بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذى ينظمه القانون. وبتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز". حيث: المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الإجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز".
كما ضمن الدستور "للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي، أو ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية، أو سري، أو ذى طابع عسكري أو شبه عسكري. ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي".
بعد كل ذلك الم يتبين ان الذي قام بالانقلاب على مطالب الشعب وثورة 25 يناير هو جماعة الاخوان المسلمون وليس القيادة العسكرية كما يدعون. فهل يعقل ان يكون الفريق اول عبد الفتاح السيسي هو من قام بالانقلاب وهو الحائز على محبة وثقة الغالبية العظمى من الشعب المصري، اليس الشعب هو القائد وهو المعلم وهو من يجب الاحتكام اليه؟. اليس الشعب مصدر السلطات؟ فاذا كان الشعب بهذا التأييد للقيادة العسكرية، واذا كانت الجماعة قد خسرت خلال عام ثقة غالبية الشعب المصري فمن يكون قد قام بالانقلاب؟.
ان تزوير الحقائق وتغييرها لا يمكن ان يجعل من الباطل حقا، والاجدى بالجميع الاحتكام دائما الى الشعب، سيما اذا كان كالشعب المصري يشهد له تاريخه وحاضره ان صبره على الظلم له حدود وهو حين يثور يقدم دروسا للعالم في طريقة احداث الثورة.
بيروت في 6/12/2013
adnanbourji@gmail.com
 
 

No comments:

Post a Comment