Monday, 20 January 2014

{الفكر القومي العربي} كيري حبيبنا والمفاوض خائبنا

كيري حبيبنا والمفاوض خائبنا

بروفيسور عبد الستار قاسم

20/كانون ثاني/2014

لا يكاد كيري وزير خارجية أمريكا يغادرنا حتى يعود إلينا. إنه يشتاق لنا بسرعة، وكأنه يعشقنا. وما يغادرنا إلا ونشتاق إليه أيضا فهناك وطن لم نستكمل بيعه، ولم نقبض السمسرة عليه كاملة حتى الآن. فمن الأشد عشقا؟ بالتأكيد صاحب الحاجة وصاحب اليد السفلى.

يأتي كيري ويذهب ولا ندري بالضبط لماذا أتى ولماذا ذهب، وماذا قال.ولا ندري عنه وعن نشاطاته إلا من خلال تقارير إعلامية منها ما قد يكون صادقا ودقيقا، ومنها ما هو مجرد تحليلات وتكهنات. فأين الحقيقة، وماذ يجري، وما هي الصفقة الجديدة التي يجاول كيري صياغتها؟

المفاوض الفلسطيني ليس صادقا مع الشعب الفلسطيني، وهو يجتمع ويناقش ويصرح، ولا يقدم للشعب حقيقة ما يجري في الاجتماعات، ولا يقدم لنا محاضر جلسات ولا وثائق حول المجريات. لم نعرف بعض ما يجري إلا عندما قدمت الجزيرة برنامجها حول كشف المستور، فجن جنون المفاوض. لو كان المفاوض أمينا لقدم المعلومات كاملة للشعب الفلسطيني ذلك لأن الوطن وطن الشعب وليس ملكا لآل عريقات أو آل عباس أو أي آل آخر. للشعب كل الحق في الوقوف على الحقيقة وأن يتبين التفاصيل حتى لا بُغدر أو يطعنه أحد في الظهر. ومنذ عام 1988 والقيادات الفلسطينية تتكتم على نشاطاتها وكولساتها ولم يدر الشعب ما يدور حوله إلا بعد أن خرجت الخوازيق الغليظة من رأسه.

لو كان المفاوض أمينا لكان صريحا، وغياب الصراحة والوضوح هو الوجه الآخر للكذب والتضليل والخيانة. لو كان المفاوض الفلسطيني لا يخجل من أقواله وأفعاله لما ترك الأمور مخبأة تحت الطاولة، ولرفع رأسه بكبرياء ليقول للناس ما يتعلق بمصيرهم ومصير وطنهم.

يتذرع المفاوض الخائب بأن فن المفاوضات يتطلب السرية، وأن المفاوضات لا يمكن أن تنجح إن لم تكن سرية. هذا كلام صحيح إلى حد كبير بالنسبة للأقوياء الذين يهمهم تهديد الضعفاء بالسر وليس أمام وسائل الإعلام. المدرسة التفاوضية الغربية تؤمن بسرية المفاوضات لأن أصحابها هم الأقوياء وبإمكانهم أن يطغوا على الضعفاء بقوة المال والسلاح والإعلام التي يمتلكونها. وبإمكانهم أيضا أن يجندوا المفاوضين عملاء لهم من خلال وسائل الترغيب والترهيب بخاصة من خلال المال والنساء، وكم من القادة العرب سقطوا وجروا أمتهم إلى الهاوية من خلال سيقان النساء,.

فن المفاوضات من قبل الضعيف يقتضي العلنية حتى تبقى هناك كوابح على أطماع القوي، هذا علما أن المفاوضات الجارية بشأن القضية الفلسطينية تفتقد لأسس التفاوض السليم، والمفاوض الفلسطيني يفاوض على مدى سنوات دون أوراق تسنده. أي هو على الطاولة لكي يستسلم وليس لكي يأخذ حقوقا.

من الممكن تفهم جولة مفاوضات خائبة أو جولتين او ثلاثة، لكن ليس من الممكن تفه جولات خائبة على مدى عشرين عاما والمفاوض الفلسطيني ما زال عنجهيا فهلويا يكابر بخيبته وسوء صنيعه. لو لم يكن هناك ما هو مخفي، وهو عظيم، لما استمر في الخيبات. لا يستمر أحد جني الخيبات إلا إذا كانت له مصلحة في ذلك، فما هي مصلحة المفاوض؟ المرء يجرب أمرا ما مرة واثنتين وثلاث، لكنه يتوقف عندما يرى أن الفشل يتكرر، فيعدل مساره أو يلغيه أو يبحث عن خيارات أخرى. أما المفاوض الفلسطيني فتصعب على فهمه هذه المعادلة البسيطة. لماذا؟ الجواب عندي أنه لو كان فلسطينيا حقا لما استمرأ ما هو فيه وعليه.

كيري وأمن إسرائيل

أكبر مشكلة تواجهها القضية الفلسطينية هي تفتيتها إلى عدة عناوين، وبالتالي تفتيت الوعي الفلسطيني والعربي بها. نجحت إسرائيل وأمريكا في تحويل القضية الفلسطينية إلى قضايا مصادرة أراضي وبناء استيطاني وتبادل أراضي وتهويد القدس، وبدل أن تبقى القضية قضية وطن بأكلمه وقضية شعب مشرد تحولت إلى فتافيت جزئية لا تتطلب جهود التحرير وإنما فقط فن التفاوض الفاشل.

كيري يركز في جولاته على أمن إسرائيل ويجهد في نقاش الترتيبات الأمنية التي تجعل إسرائيل مطمئنة بأن الفلسطينيين والعرب مجرد عملاء وخونة يحافظون على أمنها.

كل التركيز على أمن إسرائيل وحمايتها من الفلسطينيين؟ عجبا! من هو المعتدي، ومن هو الذي يتلقى الاعتداءات كل يوم؟ من هو الشعب المشرد والمضطهد والمغلوب على أمره؟ المشكلة الكبيرة أنه لم يقم أحد من خنازيرنا رافعا صوته مناديا بالأمن الفلسطيني. نحن الذين نريد ا[لأمن ونبحث عنه. إسرائيل تملك كل الأسلحة ونحن لا نملك الرصاص، والترتيبات الأمنية يجب أن تتوجه نحو الأمن الفلسطيني وليس الأمن الإسرائيلي. الأمريكيون والإسرائيليون يتحدثون عن توفير الأمن لإسرائيل وصهاينتنا الفلسطينيون يهزون رؤوسهم موافقين.

لم نسمع في كل جولات كيري عن حق العودة، ولم نسمع سمسارا فلسطينيا يصر على حق العودة. حق العودة ساقط من كل التقارير الإعلامية والتصريحات الرسمية وكأن القضية الفلسطينية هي قضية استثمار للسماسرة والخونة. قضية فلسطين ليست قضية إقامة دولة، إنها قضية اللاجئين الفلسطينيين المشردين، إنها قضية الملايين، ولا حل للقضية إلا بعودة اللاجئين الفلسطينيين. هل لدى عباس الجرأة ليقف ويقول إن كل المشاريع التي لا تنص على حق عودة الشعب الفلسطيني مرفوضة. أنا أتحداه أن يقول هذا ويتمسك به. والمأساة الأكبر أن اللاجئين لا تصدر عنهم ردود فعل، ولا يئنون ولا يرفضون. بل أن العديد من قيادات اللاجئين في المخيمات مؤيدة لاتفاق أوسلو، أي مُسقطة لحق العودة. لكنها لا تترك فرصة أمام وسائل الإعلام إلا وتتبجح بتمسكها بحق العودة. حق العودة ليس مجرد تصريح إعلامي، إنما هو ممارسة.

هناك أفكار كثيرة مطروحة حول جولات كيري، لكنها جميعا تتناقض مع حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني. هناك ثابتان فلسطينيان فقط وهما حق العودة وحق تقرير المصير. كيري يسقط حق العودة ومعه سماسرتنا، وهو أيضا يقضي على حق تقرير المصير من زاوية استخدامنا جنودا لدى إسرائيل، ونزع الأغوار وإبقاء الكتل الاستيطانية، الخ. لا يوجد في أفكار كيري ما يقول بحق تقرير المصير وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1974.

والبقية أن الأمريكيين يتلهون بنا منذ عام 1967، وهم والله كاذبون. هم يتحدثون عن السلام ويزودون إسرائيل بكل أدوات القتل والدمار. وعلينا أن نتوقف عن هذا البله الذي نحن فيه. جميعنا نعرف أن الأمريكيين لا يبحثون عن العدالة وعن الحق، لكننا نعرف ونخدع أنفسنا. نحن نكذب على أنفسنا مع وعي مسبق بهذا الكذب. لكن هذا هو فن إضاعة الأوطان.

No comments:

Post a Comment