هل يستطيع السيسي وصباحي تحقيق العدالة الاجتماعية؟
بقلم
دكتور محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
3 فبراير 2014
بلا منازع، حمدين صباحي معروف بتحيزه الشديد للعدالة الاجتماعية، ومن أجل ذلك فهو يقول عن نفسه أنه "مرشح الثورة". السيسي أثبت بالقول والفعل أنه حبيب الشعب، من يحنو عليه، وقدم روحه فداءً لشعبه ووطنه الذي كان في بوتقه التخريب والتدمير والتفتيت والحرب الأهلية، بوتقة المؤامرة الصهيوأمريكية على يد المشروع الإخواني الأرعن. السيسي ومن ورائه الشعب ثم الشعب ثم الشعب ثم الجيش تمكن من إنقاذ مصر فعلا من عواقب مشروع "الإسلام السياسي" الانتهازي الذي لا يمت للإسلام بصلة. هذه نقطة.
النقطة الثانية: هل تعلم أيها القارئ الحبيب معنى كلمة Serendipity؟ سيريلانكا، كانت تسمى سيرنديب، وتبعا لإحدى القصص الخيالية الفارسية "أمراء سيرنديب الثلاثة" كان هؤلاء الأمراء كلما يبحثون عن شيء معين، كالحديد مثلا، تجدهم يكتشفون "ذهبا". وكان هذا ديدنهم كلما كانوا يبحثون عن شيء يكتشفون ما هو أقيم منه بكثير. وقد وصف خبراء وضع القواميس كلمة Serendipity بأنها من أصعب عشر كلمات في العالم عند ترجمتها. وقد أنشأ أو صك هوريس ولبول هذه الكلمة سنة 1754 وأشاع استعمالها، وظهرت اكتشافات عظمى بمحض الصدفة مثل اكتشاف البنسلين على يد ألكساندر فليمنج سنة 1928، واكتشاف فرن الميكروويف على يد بيرسي سبنسر 1945، وشاعت الكلمة حتى أصبحت طريقة بحثية اجتماعية كتب عنها عالم الاجتماع العظيم روبرت ميرتون بالاشتراك مع إلينور باربر كتابا بعنوان The Travels and Adventures of Serendipity أي "أسفار ومغامرات محاسن الصدف". لا أجد لفظا عربيا يعبر عن هذه الكلمة أفضل من "محاسن الصدف".
الغرض من هذه القصة هو إيضاح أن ثورة 25 يناير قامت للبحث عن "الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية"، ولكن لمحاسن الصدف حققت ما هو أقيم من ذلك بكثير وهو اكتشاف سرطان الإخوان "المسلمين" وتيار الإسلام السياسي الذي كان يسعى لتقويض مصر ومحوها من خريطة السبعة آلاف سنة، وبدأت الثورة في علاج هذا المرض العضال. مَن هو أجدر الناس لإتمام علاج هذا السرطان تماما؟ بكل تأكيد وبدون حسابات بعد إذن الله سبحانه وتعالى وتوفيقه هو شعب مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي.
ولكن هل تستطيع مصر الصبر تماما حتى القضاء نهائيا على سرطان الإخوان والإسلام السياسي دون تحقيق العدالة الاجتماعية بالذات؟ أشك في هذا أيها المشير الكريم السيسي. ولذلك وحتى لا ينقلب الشعب والحرافيش عليك كسابقيك، عليك أن تحمل بيد راية القضاء على السرطان الإخواني وتحقيق الأمن والسلام الاجتماعي من ناحية، وفي اليد الأخرى تحمل راية تحقيق العدالة الاجتماعية.
والآن أريد أن أوضح نقطتين أخيرتين: كيفية تحقيق العدالة الاجتماعية، ثم أركان تلك العدالة الاجتماعية. أولا بالنسبة لتحقيق العدالة الاجتماعية ... من الآخر ... منهج المشروعات لا يحققها. فهو لا يتعدى هبات ومِنَحا ومسكنات محدودة المجال. فمثلا مشروعات تنمية المرأة في مصر، على قدر الأموال الهائلة والمدة الزمنية الطويلة لتطبيقها حتى الآن لم تصل إلا إلى أقل من 1% من النساء الفقيرات المستهدفات (أي حوالي 170 ألف امرأة فقط) حسب بيانات مشروع بحثي أجريناه عام 2000م. طريقة تحقيق العدالة الاجتماعية هي التغييرات والمحفزات القانونية والتنظيمية مع الإرادة السياسية في ظل ثورة بمعنى الكلمة، وهي ما نحن فيه الآن. ولو لم تتحقق تلك التغيرات الآن فلن تتحقق بعد الاستقرار ما بعد الثورة. في ماذا تتحقق تلك التغيرات المؤسسية؟ في النقطة الثانية وهي أركان العدالة الاجتماعية التالي ذكرها.
أولا: المساواة في الحقوق وعدم التمييز في الحريات والحقوق المدنية والسياسية بصرف النظر عن الجنس واللون واللغة والعقيدة والانتماء السياسي والملكية والانتماء العرقي والأسري.
ثانيا: المساواة في الفرص المتاحة للمشاركة في الاقتصاد والنشاط المجتمعي بما يتلاءم مع قدرات وملكات الأفراد دون الاعتداء على حرية الآخرين، بما ينطوي عليه ذلك من مفاهيم اللبرالية واعتماد معايير الجدارة والكفاءة، وغالبا ما تتحقق تلك المساواة من خلالة سياسات التعليم والصحة والإسكان.
ثالثا: عدالة الظروف المعيشية لجميع الأسر والأفراد، بمعنى تذويب الفوارق الطبقية إلى حد مقبول ومعقول بالنسبة للدخل والثروة وما إلى ذلك. وهنا نتحول من "المساواة" إلى "العدالة" وذلك لأن المساواة المطلقة لا يمكن تحقيقها لأن الناس مختلفون. من قبل ماركس كان معيار العدالة السائد "من كل على قدر قدرته ولكل على قدره عمله"، ثم جاء ماركس وعدله إلى "من كل على قدر طاقته ولكل على قدر حاجته"، ثم جاء الرأسماليون وقالوا "لكل على قدر عمله" فقط ودون اعتبار لغير القادرين، أما القيم السماوية فقد علت كل ذلك وقالت "لكل على قدر عمله ولكل على قدر حاجته." وهنا تأتي عظمة الإسلام الذي لا يفهمه الإخوان أو الاسلاميون السياسيون. علي قدرعملك امتلك كما تشاء، ولو ملكت ثروة قارون طالما كان عملك قانونيا شرعيا مقبولا، ولكن على المجتمع والدولة توفير الحياة الكريمة كحق للعاجزين بجميع أنواعهم لأنهم أعضاء في الجماعة الإنسانية التي كرمها المولى سبحانه وتعالى.
وأخيرا ألخص هذه الأركان الثلاثة السابقة في ستة جوانب محددة للعدالة الاجتماعية: هي عدالة توزيع الدخول، عدالة توزيع الأصول والملكيات، عدالة توزيع فرص العمل والتشغيل، عدالة اكتساب المعرفة وخاصة من خلال التعليم والتدريب والإعلام، عدالة توزيع الخدمات الصحية والتأمين الاجتماعي والبيئة الآمنة، وأخيرا عدالة تحقيق المشاركة المدنية والسياسية.
أمنية نهائية: أتمنى أن أرى عرسا ديمقراطيا نزيها شفافا في الانتخابات الرئاسية القادمة يتقدم فيه من يتقدم، ولكن أرجو أن يكون من بين المرشحين اثنان على وشك التيقن بتقدمها وهما السيسي وصباحي. وأعتقد أننا سنجد منافسة جميلة شريفة بين تيارين حميدين الآن في المجتمع المصري لن أحاول الإفصاح عنهما. ولكن في النهاية تكون الأمنية الحقيقية هي أن يكون السيسي رئيسا للجمهورية وصباحي رئيسا للوزراء وليشكلان بعد ذلك فريق الحكومة من أخلص وأكفأ رجالات مصر ونسائها وهنا أرى أن مصر قد هداها الله أخيرا إلى طريق الحداثة والقوة والعزة والمنعة والرفاهية والعرب من ورائها.
Prof. Mohamed Nabil Gamie
Department of Rural Development, College of Agriculture,
Alexandria University, Al-Shatby, Alexandria, Egypt
mngamie@yahoo.com
01227435754
No comments:
Post a Comment