Friday 6 June 2014

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: مبارك الذى لم يُخيب ظننا به

 

 

مبارك الذى لم يُخيّب ظنَنّا به

 بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى


(الأهرام 7/6/2014)

 

فى أول جلسةٍ يحضرها الرئيس الأسبق مبارك مرتدياً بدلة السجن الزرقاء بعد أن أدانته المحكمة بالإضرار العمدى بالمال العام واستغلال الأموال العامة المخصصة للقصور الرئاسية لتنفيذ وإجراء كافة أعمال الإنشاءات والديكورات فى المقرات والعقارات المملوكة له ولنجليه مِلكيةً خاصة، بما قيمته حوالى 125 مليون جنيه (كان قد سدد منها 104 مليون جنيه بعد تحويله للمحاكمة استباقاً للحكم واعترافاً ضمنياً بأن الوقائع حقيقية) .. فى هذه الجلسة أزاح الرئيس الأسبق نظارته ومَسَح عينه فانقلبت الدنيا .. وكُتِبت المقالات عن دمعة مبارك (التى حوّلها حواريوه إلى دموع) .. أما الفضائيات المخصصة لتلميعه فقد خصصت الليلة لتقريظ الشعب الجاحد الذى لم يُقدّر أفضال الرجل عليه فألبسه البدلة الزرقاء بسبب هذه التهمة التافهة.

وقد تأثرتُ وكثيرون بهذه (الدموع) وقلنا لأنفسنا ها هو الرجل يُخيّب ظنّنا القديم به (ولم يكن إيجابياً)، لعل قلبه تحرّك فتذكّر وتأمّل وتدبّر فنَدَم فبكى.

لعله تذكّر ما فعله بقائده الأعظم فى حرب أكتوبر الفريق سعد الشاذلى .. وكيف أنه لم يوقّر شيبة الرجل ولا قيمته ولا قامته فأدخله السجن الحربى (سعد الشاذلى فى السجن الحربى .. يا هول الفعل .. ويا خسة الفاعل !) .. وكيف أنه حرمه من مخصصات أوسمة الحرب التى قاد انتصارها .. وكيف نزع صورته من بانوراما حرب أكتوبر .. لعله تذكّر كل ذلك وغيره .. وقارَن بين ما فعله بالشاذلى حبيب المصريين وقرة عينهم، وما يفعله المصريون به الآن إذ يسمحون له بالإقامة الكريمة فى مستشفى المعادى للقوات المسلحة يستقبل ضيوفه الذين يهينون الشعب ويشتمونه (أحدهم قال عن وصفه بالرئيس المخلوع إنه "قلة أدب" .. لا أدرى ما قوله وقد صار "الرئيس اللص" بحكمٍ قضائى ؟!) .. لعله تذكّر ذلك وتدبّر ونَدَم فبكى ..

أو لعله تذكّر كيف إن المصريين كانوا أكرم منه فلم يعاملوه مثلما عومِل العالِم الوطنى الجليل الدكتور عبد الوهاب المسيرى الذى اختُطف من ميدان السيدة زينب وهو فى السبعين مريضاً بالسرطان وأُلقى فى الصحراء مع زوجته فى برد يناير فأُصيب بالتهابٍ رئوىٍ شديدٍ ومات بعد ذلك بستة شهور .. لعله تذكّر ذلك وتدبّر ونَدَم فبكى ..

أو لعله تذكّر كيف كان المصريون أكرم منه فلم يعاملوه مثلما عومِل العالِم الوطنى الجليل الدكتور محمد حلمى مراد وزير التربية والتعليم ورئيس جامعة عين شمس الأسبق الذى اختُطف من منزله وهو على مشارف الثمانين إلى أن وجده تلاميذه بعد ثلاثة أيامٍ مُكوّماً بالبيجاما وفردة شبشب فى ركن غرفة حجز قسم مصر الجديدة على البلاط دون أدويةٍ ودون بطانيةٍ ينام عليها أو يتغطى بها فى عز البرد، وقيل لتلميذه المحامى الكبير إنها (قرصة وِدن) لانتقاده ترشح مبارك لفترةٍ ثالثةٍ بعد أن كان قد وعد بالاكتفاء بفترتين رئاسيتين .. لعله تذكّر ذلك وتدبّر ونَدَم فبكى ..

أو لعله تذكّر كيف كان المصريون كرماء فلم يعاملوه مثلما عومِل الصحفى الوطنى الدكتور عبد الحليم قنديل الذى ضُرِب ضرباً مُبّرحاً (لا أعرف كيف تحمّله جسده النحيف) ثم تم تجريده من ملابسه وتُرِك فى منطقةٍ نائيةٍ فى ليلةٍ قاسية البرودة مع تحذيرٍ له بألا يتحدث عن أسياده مرةً أخرى (كان قد انتقد مظاهر التوريث) .. لعله تذكّر ذلك وتدبّر ونَدَم فبكى ..

أو لعله تذكّر كيف أخطأ فى حق هذا البلد الطيب وأهانه واستهان به عندما راودته نفسه أن يمُّد فى رئاسته إلى أن يموت ثم يوّرثه لابنه، غير مُبالٍ بهتاف المخلصين (لا للتمديد .. لا للتوريث) .. وكيف مكّن لابنه فى الأرض بمادةٍ عجيبةً فى الدستور (المادة 76) ثم بتشكيل وزارةٍ من أصدقائه يعيثون بمصر فساداً .. وكيف رضخ لتطبيل منافقيه واقتنع بأن مصر العظيمة قد عقُمت أن تنجب حاكماً فى مثل نبوغه هو وابنه .. مع أن أقصى أمانيه كانت أن يكون سفيراً لهذا البلد العظيم فى لندن .. لعله تذكّر ذلك وتدبّر ونَدَم فبكى ..

أو لعله تذكّر كيف حطّم قلعةً صناعيةً بناها سابقوه وحولّها إلى خردةٍ ومنتجعات .. وكيف كان سبباً فى تشريد مئات الآلاف من العمال، دونما ذنبٍ ارتكبوه إلا أنه وضع مصيرهم فى يد شلّة ابنه من أطفال الرأسمالية المتوحشة .. لعله تصوّر حال عاملٍ منهم مؤرقاً فى همومه حتى الصباح لا يدرى من أين يأتى لابنته بمصروفات الدراسة .. لعله تذكّر ذلك وتدبّر ونَدَم فبكى ..

أو لعله ساءل نفسه خجلاً كيف أحلّ لنفسه أن يُراكم هذه الملايين التى سدد منها 104 مليون جنيه قبل الحكم بينما رُبع رعاياه الذين اؤتمن عليهم لا يعرفون الوجبة الثالثة .. لعله تذكّر ذلك وتدبّر ونَدَم فبكى ..

أو لعله تذكّر كيف ضيّع مجداً أتاحته له الظروف بالاشتراك فى حرب أكتوبر وكانت أمامه فرصٌ كثيرةٌ من سنة 1993 ليترك الرئاسة بعد الفترة الثانية مُكرّماً مُعززاً حراً يذكره شعبه بكل خيرٍ ويحيطه بالمحبة والتقدير وهو يسير بينهم كرئيسٍ سابقٍ، وظلّت الفرصة متاحةً حتى 24 يناير 2011 .. لكنه عمى السلطة الذى يُعمى البصيرة .. لعله تذكّر ذلك وتدبّر ونَدَم فبكى ..

لذلك قلتُ للأصدقاء عندما انتشر خبر دموع مبارك (يبدو أن الرجل قد خيّب ظننا القديم به، وها هو قد تذكّر وتفكّر ونَدَم وبكى .. فالحمد لله).

إلا أنه فى اليوم التالى لدمعة مبارك، قال أحد كائنات ما يُسمى (آسفين) إنه سأل مبارك عن بكائه فى اليوم السابق فنفى تماماً واتضّح أنه لم يكن يبكى وإنما يفرك عينيه من العرق، وأجابه (أنا أبكى؟ أكيد همه صوّروا حد تانى .. لأ مش أنا اللى أبكى) مثلما قالها من قبل الفنان محمد عبد الوهاب .. رَحِم الله فنان الشعب محمد عبد الوهاب.

No comments:

Post a Comment