Wednesday, 23 July 2014

{الفكر القومي العربي} article

 
مشكلتنا ليست المالكي، مشكلتنا أنتم جميعاً
صباح علي الشاهر
 
 
مشكلتنا ليست في الإحتلال  وما خلّفه، ولا في التقاسم الطائفي المقيت، لا في الفساد والنهب، ولا في الإرهاب، التكفيري والقاعدي والداعشي، ولا في التخلف والعودة بالعراق إلى القرون الوسطى، لا في الإستئثار، استئثار سياسيو الشيعة، وساسيو السنة،  وسياسيو الكرد بالمغانم ، وكل الذين جاءوا مع المحتل أو إلتحقوا به، مشكلتنا ليست في تهميش الشعب كله، بإستثاء فئة صغيرة تتمتع بكل الإمتيازات والمغانم بدءاً من البرلمان والمحافظين، ورؤساء مجالس المحافظات،  والوزراء والمدراء العامين، وكل من وضع في منصب ما، بحكم الخضوع إلى ما سُمي بحكومات المشاركة والتقاسم والمحاصصة، وما سُمي زوراً وبهتاناً بحكومة الوحدة الوطنية، وهي بدعة إبتدعها ساسة الطوائف، فأستأثروا بالوطن كله، وهمشوا الشعب كله ، إلا من تحزب، ووالى، وأنخرط في هذه المليشيا أم تلك.
مشكلتنا ليست في  تقزيم الوطن وإغتيال الوطنية لصالح المناطقيّة والفئوية والطائفة والعشيرة والحزب والعنصر. مشكلتنا ليست في تنحيّة الهوية الموّحدة، والإرتهان إلى الهويات الثانوية والجزئية . 
مشكلتنا ليست في الإنتقاص من هيبة الدولة وإضعافها، وإللجوء إلى تكوينات ما قبل الدولة، وإلى تشكيلات مستحدثة، الولاء لها يتغلب على الولاء للدولة.
مشكلتنا ليست في إنعدام الثوابت التي ينبغي أن لا يختلف إثنان فيها وعليها وحولها. مشكلتنا ليست في كوننا لا نعرف من نحن، وما هي هويتنا الموّحدة، التي  نحتكم إليها، حتى قبل الإحتكام للدستور والقانون، فما شرّع الدستور، ولا سنت القوانين إلا لخدمة هذه الهوية الموحدّة . 
مشكلتنا ياسادة ليست في هذا كله، وغيره كثير، وإنما مشكلتنا كلها- أعزكم الله - تركزّت وتكثفت في شخص واحد أوحد، هو المالكي، فهو أس بلوانا، ولا أحد غيره، هو من أضعفنا ، وقسّمنا، وشتتنا، وقطع رؤس أبنائنا، وسبى حرائرنا، وفجّر أطفالنا، وهدّم مساجدنا وحسيناتنا وكنائسنا، وجميع دور عباداتنا، وأدخل القاعدة وداعش وماعش إلى مدننا، وهجّر الأقليات ذات التأريخ الموغل في القدم، وأضعف جيشنا برفضه تسليحه، وجوّعنا عبر التآمر على عدم سن القوانين التي فيها مصلحتنا، ومنها قانون الميزانية، وقانون البنى التحتية، وهو الذي عين أبناءه وأبناء عمومته، وزراء وقادة حزبيين، عسكريين، وأمنيين، وسفراء، ومحافظين، فابنه المسؤول الأول عن أمن البلد، وابن أخيه نائباً لرئيس الوزراء، ولو كان رئيساً لعينه رئيساً للوزراء، وخاله وزيراً للخارجية .
المالكي ورث الزعامة والقيادة من أبيه، وسيورثها بعد عمر مديد لإبنه، وصورته إلى جانب صورة أبيه في دوائر الدولة كلها، وفي الأماكن الحساسة في طول البلاد وعرضها، والمالكي لم يُنتخب، وإنما فرض نفسه على جماعته، وعلى الشعب، لأن عنصر التفوق على بقية الناس يجري في دمه، وهو مُتميز لا لشيء إلا لأنه ينتمي لأسرة متميزة، والمالكي لا يمثل الشعب، فمن إنتخبه نصف سكان بغداد فقط لاغير، وكتلته حصلت على أكثر بمرتين من منافسيه مجتمعين ليس إلا، لذا فهو مرفوض من قادة الكتل، التي لم يمتحن بعضها بإنتخاب، لأنهم فوق الإنتخابات، وربما فوق الناس أجمعين، ومن قبل أولئك الذين فشلوا في الحصول على مقعد نيابي.
والمالكي مرفوض من السعودية، ودول الخليج، وخصوصاً قطر، وكذلك من تركيا، وهو مغضوب عليه أمريكيا لأنه خالف إرادة الأمريكان في الموقف من سوريا، واصبح عملياً في عداد المحور الخبيث، محور الممانعة، المتحالف مع محور ممتد من الصين مروراً بروسيا وإيران وجنوب أفريقيا وإنتهاءاً بالبرازيل، والمالكي لا يقر لمسعود بالسيطرة على كركوك و ما يُسمى بالمناطق المتنازع عليها ، ولا يقر له بإستثمار ونقل وبيع النفط ، ولا يعطيه رواتب البيشمركة إلا إذا كانت ضمن المنظومة العسكرية الإتحادية، لهذه الأسباب ولغيرها فقد بات شعار عدم منح المالكي ولاية ثالثة الشفرة السرية لكل الذين يخشون على مصالحهم من إستمرار المالكي في موقعه الحالي، إبتداءاً من المؤتمرين بمؤتمر عمان، مروراً بالنقشبندية ومسعود، وصولاً إلى الأخوة الأعداء، فالرجل لوّح بشعار ( حكومة الأغلبية السياسية ) ، وهو شعار لعمري خطير، وهو يمثل الحد بين الجد واللعب، وتداخل المعارضة مع السلطة، حيث سيتضح ميدان عمل المعارضة وميدان عمل الحكومة، ويصبح بإمكاننا الحكم بيقين على فاعلية المعارضة، وفاعلية الحكومة، وسوف لن يتذرع هذا بذاك، ولا يتخفى هذا خلف ذاك. إنهم يخدعوننا، إذ يبسطون المسألة، ويخدعوننا أكثر عندما يزعمون أنه إذا رحل المالكي  ظل العراق محافظاً على وحدته، وإنه ببقائه  فإن البلد سيتقسم لا محال،  حتى لكأن الأخوة الأكراد عندما نظروا للإنفصال قبل نصف قرن أو اكثر كان على كرسي رئاسة الوزراء حينها شخص إسمه المالكي، وأن داعش ستلغي قضية إعلان الخلافة يوم يرحل المالكي، وأن دعاة الأقاليم في الغربية أو الجنوب، سيتوقفون عن سعيهم لإعلان الأقاليم لمجرد مجيء رئيس وزراء جديد.
إن قضية الدعوة للأقاليم، وكذا دعوات الإنفصال، دعوات أسبق من وجود السلطة الحالية ، وستبقى هذه الدعوات، تظهر بين الفينة والأخرى، سواءاً كشعار لإستغفال البعض ، أو للمناكفة ، أو للإبتزاز، بقي رئيس الوزراء الحالي أم رحل.  
إن الذين يزعمون أنه  بإبدال المالكي بغيره، يرجع الحق إلى نصابه، ويحل السلم في البلد، ويصبح قطع الرؤوس ذكرى من ذكريات الأيام الخوالي، ويعود الإنتحاريون إلى بلدانهم، فهؤلاء لم يأتوا لتفجير أنفسهم بالناس إلا من أجل هدف وحيد، ألا وهو إزالة المالكي من كرسي رئاسة الوزراء، وإبداله بغيره، وبتغير رئيس الوزراء ينتهي الفساد والإفساد، ويعمَّ الرخاء الوطن كله بشماله ، وغربه، وجنوبه، وإقليمه،  ويقضى على الطائفية، والعنصرية، وتتمتع المرأة بكامل حقوقها، ويتوفر السكن، والكهرباء، والماء، والمدارس، والمستشفيات، وننعم بأحدث وسائل النقل، والترفيه،  ويأمن الأبن على إبنه، والأم على إبنها، ويعيش الذئب جنباً إلى جنب مع الشاة.
بإبدال المالكي بغيره ، سيعيد مسعود كركوك، وحقول النفط، ومدن وقصبات نينوى، وبعقوبة، وسيعترف بأنه جزء لا يتجزء من العراق، وستزال المربعات الأمنية، وتحل المليشيات بشتى أصنافها وألوانه، وسيسود القانون الواحد الأوحد العراق كله.
إن من يقول مثل هذا القول لا يعدو أن يكون واحداً من إثنين، إما مخادع وكذاب أشر، يمتهن مهنة الخداع بصلف، أو جاهل لا يفقه شيئاً في السياسة، ولا يقرأ المعطيات حوله، وفي كلتا الحالتين فقائل مثل هذا القول ينبغي أن لا يؤخذ قوله على محمل الجد. 

No comments:

Post a Comment