Saturday, 14 February 2015

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: مترو الانقلاب

http://www.ahram.org.eg/News/51457/4/360166/قضايا-واراء/مِترو-الانقلاب-.aspx
مِترو الانقلاب !
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
(الأهرام 14/2/2015)

حديثى اليوم بِلُغة الإدارة لا السياسة .. محاولةٌ لتفسير كيف انتهى الأمرُ بجماعةٍ بَدَت متماسكةً ثمانية عقود إلى هذه النهاية العَبَثية السريعة .. أعتقد أن العيب فى طبيعة التنظيم لا فى أعضائه .. صادقتُ عدداً من قيادات الصف الأول لجماعة الإخوان فى السنوات الأخيرة لنظام مبارك ولا زلتُ أحتفظُ بوّدٍ إنسانىٍ تجاههم .. كانت السِمةُ الغالبةُ فيهم هى رجاحة العقل ودماثة الخُلُق وتأكيد السِلمية .. واستطاعت هذه المجموعة أن تمحوَ إلى حدٍ كبيرٍ الصورة النَمَطية للجيل السابق عليهم وما ارتبط به من ممارساتٍ دمويةٍ للتنظيم الخاص .. لدرجة أن تقارُباً تاريخياً حدث بينهم وبين كثيرٍ من خصومهم من القوى المدنية (لا سيما الناصريون).
لا أتفق مع الرأى القائل بأن ذلك كُلّه كان وقتها نوعاً من التمثيل .. وإنما اعتقادى أن الجماعة كأى تجمّعٍ بشرىٍ، فيها الصالح والطالح .. والماهر والفاشل .. والملائكة والشياطين .. لكن طبيعة مثل تلك التنظيمات السرية أنها تصبغ الجميع بلون القيادة .. وكان من سوء حظ الجماعة (ولعله مِن حُسن حظ مصر) أن قيادتها فى عام السُلطة دانَتْ لمجموعةٍ جَمَعت بين الفشل والتذاكى والإقصاء .. ليس إقصاء الحلفاء من خارج الجماعة فقط، وإنما لمن هم من خارج الشلّة داخل جماعة الإخوان (سمعتُ ذلك من كثيرٍ من قيادات الجماعة المستبعدين من المناصب أثناء حُكم الدكتور/ محمد مرسى).
كان الفشل نتيجةً حتميةً لانعدام الكفاءة والخبرة (مُضافاً إليهما العناد والإقصاء) .. كثيرون لا يعلمون أن د. عصام العريان استمات فى الأيام السابقة على 30 يونيو محاولاً إقناع د. مرسى ومجموعته بقبول مطالب جبهة الإنقاذ التى لم تزد عن وعود فيرمونت التى سبق أن حَنَث بها مرسى وعلى رأسها إقالة هشام قنديل .. لم يستمع إليه أحد (المؤسف أن الالتزام الحزبى دَفَع عصام العريان بعد عزل مرسى للدفاع من منصة رابعة عن ما سَبقَ أن انتقده).
كُنتُ ممن توقعوا (كأبسط مبادئ إدارة الأزمة) أن يُعلن الدكتور مرسى فى خطابه مساء 26 يونيو الدعوة لانتخاباتٍ رئاسيةٍ مبكرة (هو الذى سيديرها) فيكسب احترام الشعب ويستقوى بنتيجتها إن كَسَبَها، ويحفظ دماء المصريين إن خسرها .. ما حدث غير ذلك ولا أدرى مَنْ الذى أشار عليه بهذا الخطابِ الماراثونى عن فودة وعاشور وسكينة الكهرباء إلى آخر هذا الهَطَل.
لم يكن الأبناء فى حركة تمرد هم مَن أنزلوا الشعب المصرى فى 30 يونيو .. هم كانوا عاملاً مساعداً فقط .. من أنزَل المصريين هو الخطاب التكفيرى الاستعلائى لعُتاة الإرهابيين والقتلة الذين تحدثوا من منصات الجماعة وبِلسانها وبِرضاها .. الجماعةُ التى اشتهرت بخُطبائها واكتسبت شعبيتها فى العِقدين الأخيرين قبل الثورة بخطاب السماحة والدماثة، أسلَمَت إعلامَها بعد ما وصلت للسلطة لأمثال عاصم عبد الماجد ومحمد عبد المقصود وصفوة حجازى (وتلك خطيئةٌ إداريةٌ أخرى).
من مبادئ الإدارة أن القيادة التى قادت إلى الفشل لا يُمكن أن يُوكَل إليها مهمة الخروج منه .. وهو ما لم يحدث مع جماعة الإخوان، لصعوبة النقد الذاتى فى تنظيمات السمع والطاعة .. فكان استمرار نفس القيادة بعد 30 يونيو سبباً فى مُضاعفة الأخطاء بطريقةٍ كارثية.
فى الأيام الأولى لاعتصام رابعة كان إعلام الجماعة يُدغدغ مشاعر البُسطاء بترديد الشعارات الدينية والحديث عن ما أسماه (المشروع الإسلامى) .. ثم نصحهم مذيع الجزيرة (على الهواء) بتغيير الخطاب مائةً وثمانين درجةً ليلائم الخارج .. كان المعنى المباشر لذلك (بِلا لَبْس) أن الجماعة صارت تُراهن على الخارج لتمكينها من الداخل .. وهى سقطةٌ تَصِمُ الجماعةَ بالخيانة وتقضى على أى أملٍ فى تعاطف المصريين معها .. توقعتُ أن يخرج من الجماعة من ينفى سريعاً هذه الشُبهة .. لكن الذى حدث هو تأكيدها .. ليس فقط بتكبيرات الفرح على منصة رابعة ابتهاجاً باقتراب بوارج الأسطول السادس الأمريكى من السواحل المصرية، ولكن بالتطبيق الفورى والعَلَنى لنصائح المذيع الإخوانى .. فأُزيلت الكتابات العربية عن المشروع الإسلامى (الذى لم يعد أحدٌ يذكره الآن) واستثبدلت بشعارات بالإنجليزية مستوحاةٍ من أعتى ديمقراطيات الغرب .. وانمحى شعار الجماعة الشهير وأناشيدها المتوارثة وحَلّ محلها أحدث الأغانى والرقصات الغربية (!) .. وتوّقف الهجوم على الكَفَرة والملاحدة والعلمانيين، وصار مُركّزاً على ما أسموه الانقلاب .. كان المفهوم فى البداية أن المقصود هم قادة الجيش وعلى رأسهم السيسى .. لكنهم ارتاحوا إلى هذه الفكرة وتماهوْا معها وعاشواْ فى الدور وظهر من يُجاهر بالإفتاء بإباحة الهجوم على جيش الانقلاب (جيش مصر) .. ثم (قضاء الانقلاب) و(إعلام الانقلاب) إلى أن وصلنا إلى أبراج كهرباء الانقلاب وقطارات الانقلاب وأتوبيسات الانقلاب ومترو الانقلاب ومكاتب بريد الانقلاب وجامعات الانقلاب وسياحة الانقلاب ومصانع الانقلاب ومطار الانقلاب .. أو بمعنى آخر (شعب الانقلاب) .. وهو أمرٌ لم يحدث إلا على يد الاحتلال الأجنبى.
أى غباءٍ ذلك الذى يصوّر لصاحبه أن الدولة المصرية يمكن أن تسقط بقنبلةٍ هنا أو حريقٍ هناك؟ .. الدولة فى مصر لا تسقط .. يمكن أن تُخدش فقط لكنها لا تسقط .. يسقط فقط من يُفكر فى إسقاطها.




No comments:

Post a Comment