Monday 16 March 2015

{الفكر القومي العربي} الإرهاب والتطرف الديني رؤية إصلاحية

الإرهاب والتطرف الديني: رؤية إصلاحية·

(الظاهرة، المفهوم، الخطورة، الأسباب، العلاج)

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ متفرغ / قسم التنمية الريفية كلية الزراعة جامعة الإسكندرية

15/3/2015

mngamie@yahoo.com

الظـــاهرة

"أنا أحد جندِ اللهِ. نقوم بواجبنا في القتال من أجل دين الله. ومن واجبنا أيضا أن نُصدِرَ نداءً لجميع الناس في العالم لكي يتمتعوا بهذا النور العظيم، وأن يعتنقوا الإسلام، ويجربوا السعادة في الإسلام. غايتنا الأولى هي لا شيءَ سوى إعلاء هذا الدين." هذا ليس كلامي شخصيا وإنما هو كلام أسامة بن لادن (مايو 1998)، كلام ما أجمله في الظاهر ولكن الباطن أمر يعلمه الله.

ويقول السيسي، الرجل الأول في مصر اليوم، "الإشكالية مش موجودة أبدا في عقيدة، الإشكالية يمكن تكون موجودة في فكر، الفكر ده يقدس، يقدس بيننا هو ده اللي بنتكلم عليه الخطاب الديني اللي بنقصده اللي هو بيتناغم مع عصره، أنا بتكلم هنا على أهل الدين والمسئولين عنه، لازم نتوقف كثيرا، نتوقف كثيرا عن الحالة الموجودة وأنا اتكلمت في الموضوع ده ... مش معقول يكون الفكر اللي احنا بنقدسه ده ندفع بالأمة دي بالكامل إن هي تبقى مصدر للقلق وللخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها، مش ممكن يكون الفكر ده ، أنا مش بقول الدين، أنا بقول الفكر اللي تم تقديسه على مئات السنين وأصبح الخروج عليه صعب قوي، لدرجة أنه بتعادي الدنيا كلها، بتعادي الدنيا كلها، يعني الـ 1.6 مليار حيقتلوا الدنيا كلها اللي فيها 7 مليار عشان يعيشوا هما، مش ممكن الكلام ده أنا بقول هنا في الأزهر هنا أمام رجال وعلماء الدين، والله لأحاجكم يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى على اللي أنا بتكلم فيه أنا دلوقتي، إنت مش ممكن تكون وانت جواك حاسس بيه، لازم تخرج منه وتتفرج عليه وتقرأه بفكر مستنير حقيقي، انتوا محتاجين تتوقفوا بشدة، وأنا بتكلم وبقول تاني احنا محتاجين ثورة دينية، (تصفيق)، فضيلة الإمام: انتوا مسئولين أمام الله، الدنيا كلها منتظرة منكم، الدنيا كلها منتظرة كلمتكم، لأن الأمة دي بتمزق، الأمة دي بتدمر، الأمة دي بتضيع، وضياعها بإدينا احنا، احنا اللي بنضيعها."  (السيسي في خطابه بالأزهر 28 ديسمبر 2014)

وردا على حادثة شارلي هبدو أقر الرئيس الفرنسي أولان ومستشارة ألمانيا ميركل، وجون كيري والمتحدث باسم أوباما أن إرهاب المجاهدين ليس له علاقة بالإسلام، هذا بالإضافة إلى إشارة السيسي للخطاب الديني وتفريقه بين الفكر والدين. أليس علينا أن نواجه من يدعون أن الدين الإسلامي يحث فعلا على العنف والإرهاب؟ والعجيب أن هذا الادعاء يروجه الكثير من المسلمين بالإضافة إلى الكثير من غير المسلمين وخاصة الصهيونيون.

مفهوم الظاهرة: "يا نحكمكو يا نقتلكو"

v               عنف مدمر للأنفس والأموال والثمرات والمنشآت الخاصة والعامة ومروع للمشاعر والأحاسيس يقوم به فرد أو جماعة مارقة (قد تكون دولة) ضد الآخرين الرافضين لفرض هذه الجماعة لأيديولوجيتها أو ثقافتها المنحرفة على مجتمعها الأكبر.

v               ظاهرة تاريخية متكررة تتمثل في عدم قبول أو تحمل العقائد أو الثقافات المختلفة بعضِها لبعض.

v               غالبا ما تكون مصحوبة بصراعات دموية سواءً داخل الديانة الواحدة أو بين الأديان المختلفة؟

v                غالبا ما تكون ردود أفعال ناتجة عن أسباب اجتماعة واقتصادية وسياسية ودينية.

v               هي دائما تتسم بالعنف وهذا ما يجعلها تختلف عن الأصولية.

v               استخدمت 60% من حوادث الإرهاب المفرقعات، 30% استخدمت الأسلحة النارية، واستخدمت الـ 10% الباقية أساليب أخرى مثل الأدوات الحارقة والمشاجرات وتخريب المعدات. وفي حوادث المفرقعات لم تتعدى نسبة الانفجارات الانتحارية 5% فقط من جميع الهجمات الإرهابية منذ عام 2000 حتى 2014.

v                درس تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 160 دولة وقعت الدول العربية كلها في أعلى 30 دولة، احتلت العراق المرتبة الأولى ثم سوريا (رقم 5) ثم الصومال (رقم 7) ثم اليمن (رقم 8) ثم مصر (رقم 13)، ولم يخرج من قائمة الأعلى ثلاثين دولة إلا البحرين (رقم 34) وتونس (رقم 46) والسعودية (رقم 55) والمغرب (رقم 67) والأردن (رقم 70) وتشاد (رقم 118) والكويت (رقم 119) أما عمان وقطر فقد كانتا من الدول التي لم يحدث بها إرهاب قط والتي بلغ عددها 39 دولة شاركت جميعها المركز الأخير.

خطورة الظاهرة

ليست خطورة الإرهاب في القتل والضحايا البشرية فحسب، فبالرغم من أن الإرهاب كان مسئولا عن إرداء 107 ألف قتيل في العالم منذ عام 2000 حتى عام 2014 إلا أن جريمة القتل كانت مسئولة عن 437 ألف قتيل في العالم في نفس الفترة أي 40 ضعف ضحايا الإرهاب. وقد وجد تقرير مؤشر الإرهاب 2014 أن 50% من حوادث الإرهاب لا ينجم عنها قتلى. وكذلك يمكن تتبع الخسائر المادية للإرهاب ومقارنتُها بالخسائر المادية الأفدحِ والناتجةِ عن الزلازلِ وغيرها من الكوارث الطبيعية كالفيضانات والبراكين والعواصف ... إلخ.

وليست الخطورة الحقيقية للإرهاب أيضا في الجانب الاقتصادي من حيث الخسائر والتكاليف غير المباشرة له والتي تصل إلى 10 حتى 20 ضعف تكاليفه المباشرة. ذلك لأن الإرهاب يهدد معدل نمو الناتج الوطني وخاصة في مجالات النقل والسياحة والأسواق المالية والاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدولة، كما يؤدي الإرهاب إلى إيجاد حالة من عدم اليقين تؤدي إلى تشويه عملية توجيه الموارد من خلال التحول في مدخرات الأفراد وسلوكهم الاستثماري والاستهلاكي. كما يؤدي الإرهاب إلى غلق المنشآت الاقتصادية أو هجرتها ومن ثم إلى رفع نسبة البطالة، ناهيك عن التكاليف الرهيبة لمقاومة الإرهاب نفسه. هذا وتؤدي إجراءات مقاومة الإرهاب إلى زيادة تكلفة المعاملات، وإلى تحول الموارد بعيدا عن المزيد من الاستغلال الإنتاجي.

والعجيب أن الإرهاب لا يكلف الإرهابيين كثيرا بينما يكلف المجتمع الكثير الكثير، فمن الأمثلة الفردية المعبرة عن ذلك أن حادثة الهجوم الإرهابي على أنفاق المترو بمدينة لندن عام 2005 والتي راح ضحيتها 52 قتيلا قد كلفت الإرهابيين 15 ألف دولار إلا أن تكلفة خسائره في مجال السياحة فقط قد قدرت بـ  750 مليون دولار.

وليست الخطورة الحقيقية للإرهاب أيضا في تأثير الإرهاب على الرضا الإنساني المجتمعي الهائل حيث أثبتت دراسة برونو فريي Bruno Frey بجامعة زيورخ عام 2007 أن عدد ضحايا الإرهاب يرتبط ارتباطا سلبيا سببيا قويا بمعدل الرضا عن الحياة  حيث يؤدي إلى السخط والقنوط وكره الحياة والمجتمع الأكبر. والحقيقة هي أن الخطورة الحقيقية الأعظم للإرهاب تتمثل في تهديد كيان الدولة ووحدتها لأن الإرهابيين الحاليين المتسربلين بعباءة الدين، حتى وإن بلغوا الآلاف من حملة السلاح والعنف التفجيري وغير ذلك فإن هناك الملايين من المصريين الصامتين والمتعاطفين مع هؤلاء الإرهابيين ينتظرون لحظة الدعم والانقضاض على ما يعتقدون أنه المجتمع الكافر أو على الأقل المجتمع الضال الذي لا علاج له إلا تدميره دون امتلاكهم نظرة موضوعية لإعادة بنائه سوى كونهم كالحمير تحمل أسفارا.

الأسباب

أرجع مؤتمر البيت الأبيض الأخير حول التطرف أن الفقر هو أساسا السبب الجذري للتطرف. ويرى برجين وآخرون أن الإرهاب يصدر من جميع المستويات، وفي كثير من الحالات يصدر من كلا الطبقتين الوسطى والعليا ومن المتعلمين تعليما عاليا. هذا ويرون أيضا أن عقيدة داعش والجماعات المشابهة إنما تنغرس في التأويلات السلفية المتطرفة للإسلام. فأسامة بن لادن من أغنى أغنياء السعودية ومن أسرها العريقة، ومحمد عطا قائد عملية سبتمبر 2011 بن محامي كبير وكان يدرس الدكتوراه في جامعة ألمانية، وأيمن الظواهري الجراح المصري ينتمي لأسرة عريقة، والرائد نضال حسن الضابط بالجيش الأمريكي وطبيب الأمراض العصبية والمنتمي لأسرة عريقة في فرجينيا هو الذي أطلق النار  في حادث 5 نوفمبر 2009 والذي أدى إلى مقتل 13 شخصا في قاعدة فورت هود العسكرية الأمريكية الواقعة في ولاية تكساس، وهلم جرا.

هذا وقد قام برنامج International Security Program   بدراسة الإرهابيين الأمريكيين من عام 2001 حتى عام 2015 ووجد أنهم 448 شخصا، منهم 266 جهاديا من بينهم 18 امرأة + 182 غير جهادي منهم 21 امرأة. وكان عدد الضحايا 26 شخصا قتلوا بجهاديين و 39 شخصا قتلوا بغير جهاديين. وكان متوسط عمر الجهاديين 29 سنة وغير الجهاديين 36 سنة. وفي دراسة للــ CIA لعدد 172 إرهابيا منتمين للقاعدة والجماعات المشابهة وجد أن حولي 49% منهم كانوا مهنيين Professionals وليسوا حرفيين، وكان حوالي 66% منهم إما طبقة متوسطة أو طبقة عليا تعلموا في الجامعات وكثير منهم حاصلون على الدكتوراه.

الفقراء الأميون مشغولون بلقمة عيشهم لا تهمهم المشروعات الثورية لإعادة بناء المجتمعات. التاريخ يذكرنا أن الإرهاب ظاهرة برجوازية، كما كان الأناركاويين (الفوضويون) الروس في نهاية القرن التاسع عشر، وكذلك الماركسيون الألمان وجماعة  بادر ماينهوف في السبعينات وجماعة الإرهابيين اليابانيين أيوام شينريكيو في التسعينات. كما أظهرت دراسة البروفيسور جيليه كيبل الفرنسي في منتصف الثمانينات لعدد 300 إرهابي إسلامي مصري والذين حوكموا بعد اغتيال السادات عام 81 أن خمسهم كانوا مهنيين من مهندسين وأطباء وغيرهم، وكان ربعهم موظفين حكوميين، وأقل من نصفهم حرفيون وتجار، وكان عشرهم ضباط شرطة أو بوليس، هذا في الوقت الذي كان عشرهم فقط من الفلاحيين أو العاطلين. ولا زالت هناك دراسات أخرى كثيرة تخلص جميعها إلى أن غالب الإرهابيين ينتمون إلى الطبقات المتوسطة أو العالية والقليل منهم يأتون من الطبقات المنخفضة.

وقد تبين أن 80% من الهجمات الإرهابية في العالم تتم في دول معظم سكانها مسلمون  هي أفغانستان والعراق ونيجيريا وباكستان وسوريا حيث تتم هذه الهجمات بجماعات تعتنق الأفكار الإسلامية المتطرفة.

هذا ولا يجب أن ننكر الأصول الدينية المحرفة للإرهاب، فبالرغم من أن المنبع الواحد للأديان السماوية هو الله سبحانه وتعالى إلا أن الإرهاب مورس في كافة الديانات للأسباب التالية:

في اليهودية، يرجع الإرهاب إلى عقيدة شعب الله المختار أي الخصوصية Exclusiveness، والعنصرية اللتين أدتا إلى العنف والإرهاب من جانب اليهود ونحو اليهود في نفس الوقت. وفي المسيحية أدت الكنيسة المتعنتة غير المتسامحة، ومحاكم التفتيش، والصراع الكاثوليكي البروتستانتي، والأنشطة التبشيرية إلي العنف والتطرف والإرهاب. وفي الهندوسية أدي التمييز الاجتماعي الحاد ونظام الكاست المغلق إلى ظهور القومية الهندوسية العدوانية. أما الإسلام فإنه يحمل رسالة التسامح الأصيلة في تعاليمه مع جميع الديانات الأخرى إلا أن التأويلات المنحرفة هي التي أدت إلى الإرهاب "الإسلامي" المعاصر وخاصة التأويلات الوهابية المتطرفة كما يعتقد معظم الباحثين.

ومما يؤكد ذلك أن تقرير "مؤشر الإرهاب العالمي" قد أشار إلى أن عدد القتلى من الإرهاب عام 2013 كان 18000 بزيادة قدرها 60% عن العام السابق. وكان 66% من هؤلاء القتلى تمت إبادتهم بواسطة الجماعات الإرهابية "الدينية" داعش في العراق وسوريا وبوكو حرام في نيجيريا وطالبان في أفغانستان والقاعدة. هذا وقد تضاعف عدد قتلى الإرهاب خمسة أضعاف وذلك منذ سبتمبر 2011، بغالبية عظمى راجعة للإرهاب الديني.

ولكن هل تتوقف أسباب الإرهاب إلى جذوره الدينية؟ بالطبع لا.

فمن الأسباب الجذرية الأخرى للإرهاب ما يلي:

1.    النشأة في أسر متصدعة، حيث تبين في مؤتمر حول التطرف الإرهابي في دبلن عام  2011 والذي نشر في جريدة الإيكونوماست، والذي حضره ستون من المتطرفين الإرهابيين السابقين بمن فيهم من جهاديين سابقين ونازيين جدد وأعضاءِ جماعات الجريمة المنظمة تبين أن هناك خاصيةً مشتركةً بينهم جميعا بصرف النظر عن أيديولوجيتهم المتطرفة، ألا وهي معاناتُهم كأطفال أثناء النشأة في أسر مفقودة الأب، أو أسرٍ عانت من الإدمان، أو قضوا سنين مراهقتهم أحاديين دون رفقة، أو تعرضوا لمعاناة البحث عن الهوية الثقافية، أو صراعهم مع جماعات عرقية أخرى مهاجرة نتيجة العولمة والهجرة المتزايدة.

2.    انتشار الغضب، وخاصة بين الشباب، نتيجة الشعور بالظلم والتمييز والتهميش والفساد وتعرضهم للعنف الجسدي كالضرب أو التعذيب بواسطة الشرطة أو قوات الأمن المدني أو حتى قتل أحد أعضاء أسرهم.

3.    الاستعمار الغربي واحتلال الأراضي للدول الإسلامية.

4.    الدعم الأمريكي والغربي الفائق غير المشروط لإسرائيل، والمعايير المزدوجة للغرب، واستعصاء حل النزاعات السياسية مع الدول الإسلامية.

5.    الصهيونية وإنشاء دولة إسرائيل والظلم الهائل للشعب الفلسطيني وتأجيج إسرائيل للإرهاب الديني "الإسلامي" لإلهاء العالم عن إرهابها الحقيقي.

6.    الدعم الغربي للأنظمة الدكتاتورية في العالم الإسلامي وما يترتب عليه من قهر للمشاعر الشعبية.

7.    اعتناق الصفوة والأغنياء لبعض القيم الغربية والثقافة الغربية عموما مما أدى إلى تعميق الحزازيات الطبقية.

8.    حركات الصحوة الدينية والنزعات المتشددة.

9.    البحث العنيف عن الهوية الإسلامية المزعومة.

10.          الجهاد في أفغانستان ضد الاحتلال السوفيتي ورعاية وتعزيز الثقافة الجهادية من قبل الغرب.

11.          فشل الأمم المتحدة في معالجة مظالم المسلمين ومعاناتهم في فلسطين والبوسنة والشيشان وكوسوفو وكشمير.

12.          التصورات العدائية للإسلام في الغرب فيما بعد الحرب الباردة (الإسلاموفوبيا، والإسلام كالعدو الجديد بعد الشيوعية.)

13.          بحث أجيال جديدة من المسلمين في أوروبا وأمريكا عن هوية ثقافية ودينية.

14.          تركيز الحرب على الإرهاب في  الحرب على الإسلام والمسلمين مما أدى إلى ردود أفعال متوحشة من جانب الإرهابيين "الإسلاميين".

15.          فشل الحكومات الإسلامية في تجسيد الحكم الرشيد والتقدم الاقتصادي وإعلاء كلمة القانون، واحترام حقوق الإنسان.

وقد لخص مؤشر الإرهاب العالمي 2014 أسباب الإرهاب فيما يلي:

1.    يقول التقرير أن من بين آلاف المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية ومتغيرات الحوكمة والاتجاهات الشخصية تبين وجود علاقة معنوية لثلاث مجموعات من المتغيرات مع الإرهاب العالمي: الاستقرار السياسي، والسلام والتماسك الاجتماعي، وشرعية الدولة.

2.    لم تكشف الدراسة عن وجود علاقة ثابتة بين الإرهاب العالمي من ناحية ومؤشرات الفقر من ناحية أخرى. كما لم تكن لمتغيرات مؤشر التنمية البشرية الأخرى علاقة مع الإرهاب العالمي وهي متغيرات التعليم والحالة الصحية (العمر المتوقع للحياة). وكذلك لم تكن هناك علاقة أيضا بين الإرهاب العالمي مع مؤشر نمو الناتج المحلي الكلي. التجارة فقط كنسبة من الناتج المحلي الكلي كانت هي المؤشر الاقتصادي الوحيد الذي أظهر علاقة متوسطة مع الإرهاب تمثلت في قيمة معامل ارتباط (( r سالبة قدرها – 0.40 .

وبناءً على هذه الأسباب يتوقع تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2014 Global Terrorism Index 14 أن الدول المتوقع ازدياد الإرهاب فيها في السنوات القادمة هي: أنجولا، بنجلاديش، بوروندي، جمهورية افريقيا الوسطى، ساحل العاج، إثيوبيا، إيران، اسرائيل، مالي، المكسيك، ميانمار، سريلانكا، وأوغنده.

وفي هذا التشخيص الذي ذكره تقرير مؤشر الإرهاب العالمي لم يشر القائمون على هذه الدراسة (The Institute of Economics and Peace) إلى العلاقة الأعظم بين التدخل الغربي بقيادة أمريكا في دول العالم من ناحية والقتلي من الإرهاب المرافق لهذا التدخل من ناحية أخرى. الدولة الأعظم التي نالت أعلى نصيبٍ من قتلى الإرهاب كانت العراق بنسبة 35.4% من جميع حالات قتلى الإرهاب عام 2013 ثم يليها الدول التالية بالترتيب:

أفغانستان بنسبة 17.3%،   ثم باكستان بنسبة 13.1%       ثم نيجيريا 10.2%

ثم سوريا 6%                ثم الصومال 2.3%              ثم الهند  2.2%

ثم الفليبين 1.6%            ثم اليمن  1.6%                  ثم تايلاند 1.1%

وبقية دول العالم 10%

هذا ويجب أن ندرك أن الخطورة الحقيقية لهذه النسب السابقة لن تبدو إلا لو نسبنا هذه النسب إلى عدد سكان كل دولة، وهنا يصبح الوضع كما يلي:

الدولة

النسبة

عدد السكان

النسبة منسوبة إلى عدد السكان

العراق

35.4%

34,768,761

101.8

أفغانستان

17.3%

31,280,518

55.3

باكستان

13.1%

185,132,926

7.08

نيجيريا

10.2%

178,516,904

5.7

سوريا

6%

21,986,615

27.3

الصومال

2.3%

10,805,651

21.3

الهند

2.2%

1,267,401,849

0.17

الفيلبين

1.6%

100,096,496

1.6

اليمن

1.6%

24,968,508

6.4

تايلاند

1.1%

67,222,972

1.6

ومن ثم يتضح أن الخطورة الحقيقية للإرهاب وضحاياه تتواجد في العراق بدرجة خطيرة جدا ثم افعانستان ثم سوريا ثم الصومال. وهذا بطبيعة الحال هو من جراء التدخل الغربي بقيادة أمريكا التي يهيمن عليها اللوبي الصهيوني الإسرائيلي المسيحي اليميني المتطرف، وهذا هو آفة الإرهاب الحقيقية في العالم، أما الإرهاب الأعظم فقد حدث في الحركة الصهيونية وإنشاء دولة إسرائيل التي لا زال العالم في معظمه يعتبر إنشاءها غير أخلاقي بالرغم من إضفاء الصبغة القانونية عليه بقرار الأمم المتحدة بإنشائها عام 1948م، هذا الإنشاء الذي أدى إلى طرد شعب من وطنه وتعريضه للتطهير العرقي ومسح دولة شرعية قانونية من على خريطة العالم. وعموما فلإسرائيل وإرهابها الأعظم حديث آخر.

العلاج (الرؤية الإصلاحية)

في إحدى فيديوهاته على اليوتيوب نشاهد أبو يحي الليبي، أحد كبار قادة منظمة القاعدة، وهو يقدم ساخرا روشتة للدول الغربية لشن حرب أيديولوجية على التطرف الديني. نصائحه تمثلت فيما يلي:

1.    قوموا بالتعرف على وجهات نظر المجاهدين الذين تراجعوا عن العنف.

2.    انشروا مشاهد الأعمال الوحشية التي قام بها الجهاديون ضد المسلمين.

3.    جندوا الزعماء الدينيين المسلمين لينددوا بالجهاديين ويعتبرونهم زنادقة.

4.    ادعموا الحركات الإسلامية التي تمارس السياسة بدلا من الجهاد.

5.    قوموا بتحييد بل وتشويه سمعة المنظرين الجهاديين.

6.    قوموا بتأجيج النزاعات الشخصية والأيديولوجية بين الجهاديين.

هذه قد تكون رؤية قد يقبلها العقلاء من السياسيين وغير السياسيين، ويبدو أن الغرب قد قبلها ونفذها بالفعل. ولكني أرى هنا من ظنه البعض عبقري العباقرة ماكيافيللي وهو يتحدث ناصحا أمراءه وقادته السياسيين.

إذا اقتصرت مواجهة الإرهاب على تلك النقاط السابقة، فإنما نكون قد ابتعدنا كثيرا عن مواجهة الأسباب الجذرية للتطرف الديني. ولذلك نقترح الرؤية التالية ابتداءً بالتنشئة الاجتماعية، واستمرارا في التعلم والتثقف، وانتهاءً بإصلاح النظم والمؤسسات وتنمية الدولة وإنفاذ القانون، وهي رؤية تعتمد في أصلها وجذورها العميقة على السماحة وقبول الآخر وتَحَمل الاختلافات التي سنها الله في خلقه بالإضافة إلى حرية الاختيار وسيادة العقل والحكمة. تعتمد هذه الرؤية على محاور أربعة بعد استبعاد المحور الأمني والعسكري الذي ينفذ بالفعل بتفان وفعالية:

1.    التنشئة الاجتماعية والتعليم: لو لم نبدأ بالمشروع الجيلي (الذي يستغرق إثماره جيلا كاملا) فسنظل كما نحن في عداد المتخلفين، ويستمر من كانوا أكثر منا تخلفا في التسابق اليوم على احتلال مصاف الدول العظمى في التقدم والتنمية. هذا المشروع هو التنشئة الاجتماعية والتعليم. يبدأ المشروع باختيار فريق عمل من العلماء والباحثين الخبراء ليسوا من مجرد مشاهير موظفي الأزهر أو الكنيسة. يقوم هذا الفريق بتحديد القيم السماوية والأخلاقيات الإنسانية العليا المستمدة من الأديان السماوية والخبرة الإنسانية. وللمحاضر وفريق معه من أمثال هؤلاء الباحثين خبرة سابقة بالقيام بهذا العمل في صورة مشروع لم يكلف أكاديمية البحث العلمي إلا ثمانية آلاف جنيها فقط، وهو بعنوان "القيم الشخصية والمجتمعية التنموية الريفية". بعد ذلك تترجم هذه القيم في صورة وحدات أو مؤلفات تناسب المراحل التعليمية المختلفة حتى نهاية المرحلة الثانوية. وللمحاضر أيضا مع فريق من الخبراء والعلماء خبرة في ذلك أيضا بتأليف مثل هذه المؤلفات في مشروع آخر لأكاديمية البحث العلمي تكلف هذه المرة 100 ألف جنيه لمدة عام كامل وهو بعنوان "مدرسة الأجيال المتعددة لتنمية المرأة الريفية".

أما قضية التعليم فهي قضية أعظم تتطلب توافقا ورؤية إبداعية تستفيد من خبرات أعظم دول العالم في تكنولوجيا وفلسفة التعليم وهي فنلندا وكوريا الجنوبية واليابان والصين واستراليا وكندا. مرة أخرى لن يقوم ببناء هذه الرؤية موظفون حكوميون وإنما أيضا فريق من الخبراء والباحثين الشباب والأكبر عمرا على السواء. والأمر في منتهى اليسر، ولكن القرار لا يجد من يؤمن به من أعلى قيادات الدولة. فمن اتخذ قرار إنشاء السد العالي أو إنهاء الاحتلال أو الإصلاح الزراعي كان مؤمنا به، ومن اتخذ قرار الحرب عام 73 كان مؤمنا به، ومن اتخذ قرار توشكي كان مؤمنا به رغم فشله، فلا ينقصنا سوى من هو مؤمن فعلا بهذا المشروع الجيلي للتنشئة الاجتماعية والتعليم. النهوض بالأخلاق والتعليم والثقافة ليس مجرد مشروع جيلي لمحاربة الإرهاب فقط وإنما الأعظم من ذلك أن الشخص الراقي أخلاقيا وتعليميا وثقافيا يمتلك أعلى درجات رأس المال البشري الذي تمتد آثاره إلى أبعد من شخصيته الفردية حيث تمتد إلى المؤانسة وحسن التعامل الاجتماعي، والإنتاجية العالية، والكفاءة أو الجدارة الاقتصادية، والعمل الجاد والاعتدال، والأمن الاجتماعي والقومي، والصحة البيئية. وكم هو بائسٌ حالُ العلم والتعليم والثقافة في مصر اليوم علما بأن هذه المنابع هي صنابير المعرفة، المعرفة التي أصبحت اليوم المتطلب الحتمي للإنجاز الإنساني المعاصر. فقر المعرفة هو سبب جميع أنواع الفقر. الاستثمار في العلم والتعليم والثقافة هو أربح أنواع الاستثمار لبناء مستقبل الدولة الزاهر.

2.    تطبيق اللامركزية: إطلاق الطاقة المجتمعية والشعبية البناءة لشعب يقال أن مدة العمل اليومية لمواطنه لا تتعدى سبعا وعشرين دقيقة في المتوسط كان وبات أمرا واجب التنفيذ. لا يتم ذلك بالسوط أو العصا أو نظام الجزاء الصارم. السبيل لتحقيق ذلك هو أمر لا يدركه للأسف بل ولا يقتنع به الكثيرون، ألا وهو اللامركزية. نحن في حاجة ماسة لثورةِ لامركزية حقيقية بأبعادها المالية والسياسية والاقتصادية والفنية. اللامركزية سوف تخلصنا من عقم وانتفاخ الجهاز الحكومي العاجز وبيروقراطيته الكئيبة وعدم كفاءته المريرة، كما سوف تنشر السكان في محافظات ومدن جديدة تُعمًر وتُستثمر مواردها بالعاطلين والعاطلات وغيرهم من الطموحين والطموحات، كما سوف تسمح بالابداع والمنافسة بين المحافظات المدارة ديمقراطيا بانتخاب محافظيها ورؤساء مجالسها الشعبية من أبنائها المحليين انتخابا حرا مباشرا، كما سوف تسمح اللامركزية بتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إنهاء هيمنة القاهرة على التحكم في ثروة الدولة واحتكارها لنسبة 95% من الاستثمارات الوطنية وتوجيه 5-6% فقط للمحليات أي المحافظات والمراكز والقرى. اللامركزية سوف تشجع القطاع الخاص والمجتمع المدني والمشاركة الشعبية وتزكي قواعد الحوكمة الرشيدة. اللامركزية سوف تنتج نماذج نجاح وإبداع ما كان لها أن تنتج، ومن ثم يمكن تعميمها ونشرها في المحافظات الأخرى بالتعاون والاستفادة المتبادلة.

3.    تحقيق العدالة، ومحاربة الفساد، وإنفاذ القانون: هذا المحور الثالث لمواجهة الإرهاب  يتمثل في ثلاثة ملفات يجب أن تعالج كمجلد واحد. الملفات الثلاثة تمتلك تأثيرا تآزريا مضاعفا هائلا. الدراسات العلمية الموضوعية الكمية تفيض بالبرهان على مدى التأثير الهائل لهذه العناصرالثلاثة في زيادة معدلات التنمية والتقدم والسلام والأمن الاجتماعي.

4.     الابتكار المؤسسي للنهوض بالصناعة عامة والتصنيع الريفي والمشروعات الصغيرة والمتوسطة: المحور الرابع والأخير هو الابتكار المؤسسي الذي يتمثل في خلق أشكال التنظيم ومعايير التقييد والتدخل وسن التشريعات المشجعة للامركزية والصناعة والاستثمار، والإبداع في اكتشاف أساليب وأشكال جديدة للتنمية في مختلف المجالات. مصر تمتلك موارد هائلة بدءًا بمناجم الذهب حتى قمامة المنازل والشوارع، موارد غير مستغلة تتدنى في استغلالها القيمة المضافة ولا يستفيد من هذا الهدر الهائل إلا بارونات الاستيراد ومصاصو دماء التصدير مستغلين الحاجات المزيفة للمواطنين يمدونهم بالسلع الصينية الرخيصة ويقومون بتصدير السلع والمواد الخام دون تحقيق قيمة مضافة بالتصنيع أو حتى بأشكال التغليف الجذابة.

وفي النهاية، أود أن أحمد الله سبحانه وتعالى على نجاح المؤتمر الاقتصادي، والذي فاقت بالفعل آثاره السياسية آثارة الاقتصادية، والذي ينهي أعماله اليوم بمدينة شرم الشيخ. ونهنئ رئيسنا وشعبنا بهذا النجاح، ونتمنى أن يكون الاستثمار الأجنبي المباشر بمصر بقدر ما يفيد المستثمر الأجنبي بتوصيله للموارد الطبيعية المحلية، وتقليل تكلفة إنتاجه، وفتح أسواق له عندنا وحولنا، أتمنى أن نستفيد نحن الدول النامية من خلال زيادة رأسمالنا المستثمر وزيادة عائداتنا من الضرائب الجديدة وإعادة الاستثمار الناتج عن زيادة الدخل، وإقامة صناعات جديدة، وتعلمنا لخبرات تجارية واقتصادية وتكنولوجية مفيدة للمزيد من الاستثمارات. كما أتمنى أن يتوطن الاستثمار الأجنبي وينغرس في أطرنا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بما فيه الفائدة المشتركة للأطراف المتعاونة، كما وأتمنى أيضا ألا ننسى تشجيع الأستثمار الأهم والأعظم وهو الاستثمار المحلي فهو السبيل المستدام لبناء هذا الوطن ورفعته وكرامته وادخلوا مصر إن شاء الله آمنين، والسلام عليكم ورحمته وبركاته.



· يود الكاتب أن يشكر قسم الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية وخاصة رئيسه الأستاذ الدكتور الحسين الصيفي والأستاذ الدكتور أحمد أبو اليزيد منسق برنامج الحوار العلمي بالقسم على دعوتهما لإلقاء هذه الوثيقة المتواضعة معبرا عن سعادته للمشاركة في أنشطة هذا القسم الرائد الذي تشرف بعضويته جهابذة أفذاذ أسسوا بحق علم الاقتصاد الزراعي بمصر الحبيبة على رأسهم العلم الأكبر الأستاذ الدكتور محمد منير الزلاقي، والأساتذة العظام زكي شبانة ومصطفى فكري ومحمود شريف وعثمان الخولي وأحمد الفيل جزاهم الله جميعا عنا وعن مصرخير الجزاء، مع أطيب تحياتي وامتناني لأسرة القسم الحالية بدوام الهمة والعطاء وأخص بالذكر رفيقي في الدراسة والتدريس الأستاذ الدكتور عصام أبو الوفا والأستاذ الدكتور على يوسف خليفة.

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To post to this group, send email to alfikralarabi@googlegroups.com.
Visit this group at http://groups.google.com/group/alfikralarabi.
For more options, visit https://groups.google.com/d/optout.

No comments:

Post a Comment