استحالة الحماية الأجنبية لأي بلد عربي..
التضامن العربي ووحدة الموقف الإسلامي هما الحل
إعداد: مجلة الموقف- المؤتمر الشعبي اللبناني
بداية لا بد من التذكير أن المملكة العربية السعودية وبعد صراع طويل مع النظام الناصري في مصر، تمت المصالحة بينهما في أعقاب نكسة 1967، فكانت قمة بين الملك فيصل بين عبد العزيز والرئيس جمال عبد الناصر رحمهما الله، طوت صفحة الماضي وأسست لتضامن عربي كان له الأثر الفعال في الانتصار الجزئي للعرب في حرب تشرين التحريرية عام 1973.
كان عبد الناصر قد طرح بيان 30 مارس عام 1968، وتضمن مشروعاً للتضامن العربي يقوم على أساس ـن لا صوت يعلو على صوت المعركة مع العدو الاسرائيلي، بمعنى وقف كل الصراعات العربية وتوحيد الجهود لاستعادة الارض المحتلة. وكان للسعودية موقف مشترك مع بقية البلدان العربية بمقاطعة مصر السادات بعد إبرام معاهدة كامب دايفيد مع اسرائيل عام 1979.
ونذكر موقفاً هاماً للملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله حينما ساند انتفاضة يونيو 2013 في مصر التي أطاحت بحكم الاخوان المسلمين، حيث دعمها مادياً وسياسياً.
وحينما انقلبت أوضاع اليمن منذ نحو اربع سنوات وازدادت الفوضى التقسيمية لمشروع الاوسط الكبير في المنطقة، انعقدت قمة عربية في (2014) شرم الشيخ وقررت وحدة اقتصادية عربية واحياء معاهدة الدفاع المشترك للجامعة وانشاء قوة عربية مشتركة لحماية الأمن القومي العربي. وحينما أعلن عن يوم لاطلاق القوة توقف كل شيء، ليتبين بعدها أن المملكة عطلت إنشاءها ودعت لتحالف الدول الاسلامية عسكرياً والاعتماد الاساسي على تركيا التي أعلنت عداءها الكامل للنظام المصري بعد العام 2013 .. الاّ ان المراقبين لاحظوا ان هذا التحالف "الاسلامي" بقي نظرياً بدون أي فاعلية.
وحينما باشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهامه، أعلن بكل صراحة انه يريد مال المملكة لان امريكا تحميها (لا توجد قاعدة اميركية في السعودية لانها انتقلت الى قطر). وكانت امريكا في عهد الرئيس اوباما قد اصدرت عبر الكونغرس قانون "جنتا" الذي يسمح باقامة دعاوى قانونية ضد السعودية على خلفية أحداث 11 سبتمبر الارهابية، والمطالبة بتعويضات لاهالي الضحايا بالمليارات، وتصاعدت الحملة ضد السعودية في بداية عهد ترامب بأنها النبع الفكري للارهاب.
وكانت مؤسسة راند للابحاث (ممثلين عن الكونغرس والبيت الابيض والبنتاغون)، قد اصدرت تقريراً بعد أحداث سبتمبر ينص على ضرورة تقسيم السعودية، وبأن الفكر الديني السعودي هو اساس الارهاب. ومنذ صدور هذا التقرير اضطربت العلاقات السعودية الامريكية، وازداد هذا الإضطراب بعد ان اتهمت السعودية امريكا بانها تساير ايران على حسابها وبخاصة بعد الاتفاق النووي. وهنا بدلاً من ان تلجأ السعودية الى احياء التضامن العربي واقامة حلف استراتيجي مع مصر لحماية الامن القومي بما فيه الامن السعودي، اعتمدت على سياسة استرضاء ادارة ترامب بالاستجابة الى مطالبه، فأغدقت المليارات على امريكا هبات واستثمارات وهدايا شخصية لعائلته، على اساس ان ادارة ترامب سوف تعطّل قانون جنتا الذي يسمح باقامة دعاوى ضد المملكة، فلم يحصل ذلك بل ان الكونغرس رفض بيع اسلحة متقدمة للسعودية على اساس انها لا زالت تعتبر اسرائيل عدواً ولا تعترف بها.
ولما نشبت الازمة بين السعودية ومصر والامارات مع قطر، فان السعودية اطمأنت بان امريكا ستقف معها على اساس ان قطر تدعم الارهاب الاخواني، فاذا بادارة ترامب تثني على مواقف قطر ضد الارهاب وتعزز قاعدتها العسكرية في قطر وتدعم انشاء قاعدة لتركيا فيها.
ان الادارة السعودية سعيدة بحملات امريكا ضد ايران، وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وقد تم ذلك ليس بناء على مسايرة امريكا للسعودية، بل لان ترامب اثناء حملته الانتخابية طالب بالغاء هذا الاتفاق. وفي اليمن تستنكر امركا اطلاق صواريخ حوثية على الاراضي السعودية لكنها لم تفعل شيئاً لردع هذه الصواريخ، فاين هي الحماية الامريكية للامن الوطني السعودي؟
اننا لا نعطي دروساً لاحد حينما نقول ان امريكا لم تحم الاستقلال الوليد لدولة الكويت من اطماع الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم في الستينيات، بل تمت حماية الكويت من مصر عبد الناصر ومعه الجامعة العربية.
ولم تحم امريكا الرئيس الموالي لها حسني مبارك، بل نصحته بالرحيل اكراماً للاخوان المسلمين. ولم تحم امريكا تابعها في تونس زين العابدين بن علي من انتفاضة شعبية، ولم تحم كل النظم العسكرية التي اقامتها في امريكا اللاتينية، ولم تحم شاه ايران ورفضت ان تعالجه في مستشفيات امريكا بعد ان خرج اضطراراً تحت ضغط الثورة الشعبية الايرانية وهو الذي كان شرطي الخليج وصاحب اسرائيل.
امريكا تجهض اي محاولة لاطلاق حوار ايراني خليجي، وهي تؤجج هذا الصراع لتبيع اسلحة بالمليارات لبلدان الخليج، كما تستفيد الى اقصى الحدود من صراع قطر مع السعودية والامارات. ومن المؤسف ان ايران لم تقم باجراءات ملموسة لطمأنة السعودية وبلدان الخليج من قوتها التسليحية والصاروخية، ولم تقدّم ايران مواقف عملية للتأكيد على تحريم التدخل السلبي المتبادل بين بلدان الخليج وايران، واعلان ايران الرسمي والعملي عن وقف تصدير الثورة.
ان ايران الثورة أطاحت بالعلاقات الاسرائيلية الايرانية زمن الشاه، وساندت وتساند قضية فلسطين، وتناصر المقاومة العربية ضد الصهونية، وهي مواقف تلقى تقدير أحرار العرب.. لكن ما عدا ذلك يحتاج الى اعادة نظر لبناء الثقة بين البلدان العربية وجمهورية ايران الاسلامية.
ان مخطط الاوسط الكبير الصهيوني الاميركي لا يكتفي بتقسيم البلدان العربية طائفياً ومذهبياً وعرقياً، بل يشمل ايران وتركيا وباكستان، أي القوى الاساسية للعالم الاسلامي، فكل أفعال تقسيمية في ايران او لدى البلدان العربية تتوسع لتشمل الجميع، ومصلحة العرب والايرانيين دفاعاً عن الامن القومي هو في صيانة الوحدات الوطنية المجتمعية لكل هذه البلدان. اما تغيير الاوضاع السياسية او تطوير واصلاح النظم فهذا شأن الشعوب، ولا يحصل بالتصدير ولا بالصراعات التي يستفيد منها العدو الصهيوني والولايات المتحدة والاطلسي.
ونقول في الختام:
1 – ان استرضاء امريكا من جانب اي طرف عربي أمر مستحيل، فلها مخططاتها التي تخدم مصلحتها ومصلحة اسرائيل فقط، مهما تراخى او تراجع اي طرف عربي آملا في كسب مودتها.
2 – ان تصعيد الصراع الايراني – السعودي الخليجي سوف ينعكس دماراً شاملاً على الجميع، من هنا اهمية وقف هذا الصراع:
أ – بطمأنة ايران لبلدان الخليج عملياً وفق ما ذكرنا في نص هذه المقالة.
ب – ان تتولى الجامعة العربية فتح حوار مباشر مع ايران يتناول كل التعقيدات والازمات وصولاً الى وضع حلول عملية على قواعد الثقة المتبادلة والاحترام لخصائص كل طرف وتحريم التدخل السلبي المتبادل في الشؤون الداخلية.
ج – من الطبيعي حينما نتسبب كعرب بضعفنا في الفراغ، فان القريب الاقليمي والبعيد الدولي مع العدو الصهيوني يحاولون ملأ هذا الفراغ. فقبل ان نقول أمامنا مشروع ايراني ومشروع تركي ومشروع امريكي الخ، لنسأل جامعة الدول العربية والانظمة العربية: أين هو المشروع العربي؟ اين التجمع العربي؟ اين التضامن العربي الذي حقق لنا انتصاراً في حرب تشرين عام 73 وحقق انتصار السويس عام 1956؟
د – الدعوة فوراً لاحياء معاهدة الدفاع المشترك واطلاق القوة العربية المشتركة لحماية الامن القومي العربي، والمباشرة بتطوير الجامعة العربية على قواعد اتحادية تكاملية.
هـ ـ وقف الاحجام العربي الرسمي في الانتساب الى معاهدة شنغاي ومنظومة البريكس (من الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا وغيرهم) فالغرب يتراجع بصورة شاملة ويكبر التناقض الامريكي الاوروبي، في حين تتقدم روسيا والصين اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً ومعها دول البريكس التي تتوسع.
ان الشمس تشرق من الشرق، والمدنية بكل ابعادها الاقتصادية والعلمية والتكنولوجيا تنتقل من الغرب الى آسيا، ونحن كعرب نجد انفسنا مع قوى التحرر والتقدم، في حين ان الغرب بشكل عام وخاصة امريكا تناصبنا العداء التاريخي والتآمر اليومي بمناصرة عدونا الصهيوني ضدنا، فلا مجال لتحييد امريكا ولا مجال لاسترضائها. تتغير الرئاسات في امريكا وتبقى المخططات مستمرة، فلنصادق من يصادقنا ولنعادي من يعادينا، كما قال جمال عبد الناصر.
-------------------------------
No comments:
Post a Comment