Tuesday, 27 August 2013

{الفكر القومي العربي} article

الأمن قضية القضايا في العراق
صباح علي الشاهر
 
 
 
أن يضرب الإرهاب في أية منطقة من مناطق العراق ليس هذا بالأمر الغريب ولا يثير العجب، فقد عوّدنا الإرهاب أنه قادر على الضرب في إي مكان على إتساع المعمورة، ولن تسلم منه أقوى الدول وأكثرها إقتداراً، ولسنا في مجال إيراد الأدلة، فهي من الكثرة بحيث يبدو إيراد بعضها للتديل مضيعة للوقت، ولكن لابأس من ذكر تفجيرات البولشوي تياتر  في موسكو، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهذه لوحدها قضية تثير علامة إستفهام لا يمكن تجاهلها، أو القفز عليها.
هل من الممكن مثلاً أن نقتنع بإن أجهزة الإستخبارات والتجسس العالمية، التي تعرف كل صغيره وكبيرة، غير قادرة على معرفة تحرك بضعة متعصبين، مهووسين، يعيشون خارج العصر بمفاهيمهم وأساليب حياتهم، وثقافتهم ومعارفهم؟
الا يثير الإنتباه أن نشاط هؤلاء يزداد ويتصاعد في تلك المناطق التي يتم فيها وعبرها الصراع العالمي، وينعدم ويتلاشى في تلك المناطق التي لا تشكل، على الأقل حالياً ميداناً للصراع، أو التدافع؟
ألم نلاحظ جميعاً، ومنذ بدء ما يُسمى العمل الجهادي في إفغانستان، أن هذا العمل يزداد ويشتد مع إزدياد حدة الصراعات العالمية، وبالأخص صراعات القوى التي تتحكم أو تريد التحكم بالعالم، وتنتقل من هذه المنطقة إلى تلك، ومن هذا البلد إلى ذاك، بإختلاق الأعذار أم بدونها، وأنها تخفت وتتلاشى عندما تتم الهدنة، أو يتم الإتفاق بين هذه القوى؟ فلنتذكر حوض بحر قزوين، والشيشان، ودول القفقاس، وغيرها؟  
ألا يدعو للتساؤل أن دولة مثل أمريكا مثلاً، تحارب تنظيمات تكفيرية معينة، وتدعم أخرى ، ربما لا تقل شراسة وعنفاً وهمجية عن تلك التي تحاربها بزعم كونها تنظيمات إرهابية، وإن دولاً إقليمية أخرى، عربية وغير عربية، داعمة للإرهاب، تقوم هي الأخرى بدعم جماعات إرهابية معينة، وتحارب أخرى، وعلى المكشوف؟
أتكون دولاً كالعراق، واليمن، وسوريا، ولبنان، ومصر، والباكستان، وإفغانستان دولاً كافره ومارقة، تستحق شعوبها القتل والإبادة، نصرة للإسلام والمسلمين، ومرضاة لله، ودولاً أخرى نحجم عن تسميتها، ولكن بإمكان القاريء معرفتها بسهولة، دولا مؤمنه، وشعوبها مسلمة يحرّم إهدار دمها، على إعتبار إن دم المسلم على المسلم حرام.
من ذا الذي يحدد حرمة هذا الدم، وإستباحة ذاك، ومن ذا الذي يعطي نفسه حق إصدار صكوك الغفران وولوج الجنة؟
أيكون الله سبحانه وتعالى، قد خلق هذا المُغيب، والمُعاق عقلياً، لا لشيء إلا لتمزيق اشلاء الأبرياء من خلقه، وتدمير الأرض التي إستُخلف الإنسان لتعميرها،   ثم العودة إلى جنان الخلد والنوم في أحضان الحور العين ؟!
ما هذه القدرة الخارقة التي تجعل من مجاميع مطاردة، معزولة، قادرة على الضرب أنّى تشاء، وكيفما تشاء؟ 
من أين لهذه الشراذم كل هذه الإمكانية اللوجستية بحيث تقوم بعشرين عمل إرهابي في وقت واحد، وفي أماكن متعددة ومتباعدة، رغم كل هذه الإحتياطات، والسيطرات، والجيوش الجرارة، في بلد كالعراق يفترض أنه يحضى بالحماية والرعاية الإمريكية؟
أن يحدث تفجير أو إثنان في أيام متقاربة، أو في يوم واحد، قد يبدو هذا أمراً مفهوماً قياساً إلى قدرات الإرهابين، وإمكانات القوى الأمنية العراقية المتواضعة، من ناحية الخبرة والكفاءة، وحتى المُعدات، ولكن أن تُستباح العاصمة  بكل مناطقها وأحيائها، والعديد من المحافظات وفي يوم واحد، وبأوقات متقاربة، ثم يصل الأمر إلى إجتياح أكبر سجنين يُحتجز فيهما عُتاة الإرهابين الخطرين، ويتم تهريب مئات السجناء، فإن هذا أكثر مما يمكن تبريره، وهو يستوجب إعادة النظر ليس بالخطط فقط، وإنما بالأفراد والمراتب، والمنهج المُتبع، والعقيدة العسكرية القتالية.
المتابع للإعمال الإرهابية يلاحظ أنها تجري بنفس الإسلوب والطريقة، عبوات ناسفة، وآليات مُفخخه، وحزام ناسف، وهي تستهدف أماكن الإحتشاد من دونما تحديد، ولا تمييز، وحيث يتحقق هدف إيقاع أكبر عدد من الخسائر البشرية أولاً، والمادية ثانيا، وأكثر الأماكن إستهدافاً هي السيطرات، وأماكن اللهو والتسوق، وأماكن العبادة، والأعراس والفواتح، وأضيف أخيراً المدارس والمستشفيات، ويمكن القول أن لا مكان يمكن أن يكون بعيداً عن الإستهداف، مع ملاحظة أن الأماكن غير المحمية، هي الأماكن المفضلة للإرهابيين، مع ضربات نوعية تستهدف أحياناً مراكز هامة وسيادية كالوزارات.
لا تطور نوعي في عمل الإرهابيين، ولعلهم ليسوا بحاجة لتطوير عملهم، طالما أن أكثر الإعمال بدائية ستكون ناجحة، وتؤدي الغرض، والخبراء الأمنيين العراقيين يجدون أنفسهم في كل مرّة أمام نفس العملية، وبنفس الوسائل، وبعين الطريقة، وهذا مما يضاعف مسؤلية الأجهزة الأمنية، ويؤكد عجزها وعدم كفاءتها، إن لم نقل تواطؤها.
لو كانت العلميات الإرهابية مختلفة في كل مرّة، ومُعقدة، ومبتكرة، لعذرنا أجهزتنا الأمنية ، أما وأن هذه العمليات نسخة مُكرره في كل مرّة، فهذا يجعلنا نصاب بالخيبة، تلك الخيبة التي تجعلنا واثقين من عدم قدره أجهزتنا الأمنية على حماية أرواحنا، وحماية وطننا.
دماؤنا تسيل ليس بسبب قوّة وكفاءة الإرهابيّن، وإنما بسبب ضعف ولا مهنية وتقاعس قواتنا الأمنية.
الإرهابيّون مؤمنون بما يقومون به، وبعض قواتنا - ولا أقول قواتنا- غير مؤمنة بما تقوم به، ولعلها غير مؤمنة بمكافحة الإرهاب.
لو ترك للإحياء السكنية حماية أحيائها ذاتياً، لأمكن الحصول على نتائج أفضل من هذه التي حققتها لها السيطرات، والهمرات، والعسكر المثقلين بالمعدات الثقيلة.
لا ينفع في الحرب ضد الإرهاب تجنيد من يدفع( دفتراً) ليدخل في سلك الشرطة أو الجيش، وفي الحرب ضد الإرهاب لا ينفع الضابط الذي يستلم ( الدفتر) لتعيين الشرطي أو الجندي، فهو سيدخل المفخخه لو دفعت له عشرة (دفاتر) .
بعد أكثر من عشر سنوات من الإحتلال، علينا أن نراجع أوراق إعتماد ضباط جيشنا وشرطتنا، فأكثر هؤلاء لم تُعينه السلطة المُنتخبة، ولم يأتِ لا بقرار إدراي من قبل سلطة وطنية ولا بقرار برلماني، وإنما عين من قبل بريمر، أو الجنرال الأمريكي المُحتل، ليحمي الإحتلال وسلطة الإحتلال، ولهذا من حقنا أن نشكك في عقيدته العسكرية حتى لو كان مُطيعاً،  ومن الحصافة أن يُعاد النظر في أمر هؤلاء الضباط من الجيش أو الشرطة، أو الأمن، أو الإستخبارات، أما بتثبيتهم أن تبين إخلاصهم ونزاهتهم وكفاءتهم، أو إحالتهم على التقاعد، وإحلال آخرين محلهم، يتم تعينهم من قبل سلطة وطنية، ويؤدون قسم خدمة الوطن أمامها، مثل هذه الخطوه لازمة وضرورية لإصلاح خطأ فادح تسبب به الإحتلال، ولتأكيد العقيدة الوطنية في العسكرية العراقية، وهي شرط لازم لأي نجاح في مواجهة تحدي كبير بحجم تحدي الإرهاب الذي بات عالمياً، إذ من دون هكذا عقيدة، لانستطيع مواجهة الإرهاب، ولا نتمكن من الدفاع عن الوطن، ولا حماية المواطنين.
من أجل أن لا يصبح الأمن ميؤساً منه في العراق فإن إجراءات حازمة، وغير تقليدية، لازمة وضرورية.
 ينبغي عدم الركون إلى التبريرات الساذجة، والتي تعاد في كل مرّة، وينبغي الإقرار وبحسم ووضوح، إن الأعمال الإرهابية في العراق، وفي أغلبها الأعم تُدار بالريموت كنترول.
    
 

No comments:

Post a Comment