Saturday, 30 October 2021

{الفكر القومي العربي} ردي على المعترضين على الحيادِ الفلسطيني

ردي على المعترضين على الحيادِ الفلسطيني

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

استغربت من حجم الردود المختلفة التي وردتني على خلفية مقالي السابق، المعنون بـــ "التدخل الفلسطيني المحمود والتدخل الفلسطيني المرفوض"، فقد انهالت علي ردودٌ متباينة، وتعليقاتٌ متناقضة، وانتقاداتٌ مختلفة، ٌأتجاوز كلياً عن تلك التي طالتني واتهمتني، وشككت في قلمي وفكري، وولائي وانتمائي، رغم استنكاري لها واعتراضي على أصحابها، الذين يتجاوزون النص إلى القلم، والمضمون إلى الشكل، والمحتوى إلى العنوان، ويصبون جام غضبهم على الكاتب ويتجاهلون رأيه.

 

وقد كان بإمكانهم المحاججة والحوار، والنقاش والسؤال، ولكنهم يستسهلون الشتائم والسباب، ويتقنون التشويه والإساءة، ويجدون أنها أيسر الطرق نحو الهدم والتخريب، والتدمير والتعريض، فهي لا تحتاج إلى ثقافة أو معرفة، ولا إلى علمٍ ودرايةٍ، وإنما إلى رصيدٍ كبيرٍ من البذاءة وسوء الأخلاق، وغنىً في مفردات السوق ومصطلحات الدهماء، وهم فيها يتميزون ويبرعون، ولها يحفظون ويتقنون، ولهذا سأتجاوز ردودهم التي لا تدل إلا على شخصياتٍ جاهلةٍ وأفكارٍ ضحلةٍ ونفوسٍ مريضةٍ.

 

أما الردود الموضوعية العلمية الرصينة التي أحترمها وأقدرها، فقد جاءتني من جهتين مختلفتين، هما في الأصل متناقضتين وغير متفقتين، وبينهما خلافاتٌ كثيرة على أغلب القضايا العربية الراهنة والأحداث الجارية فيها، سواء في سوريا والعراق، أو في اليمن والسودان، أو في تونس ومصر، والتي تمتد إلى الدولتين المسلمتين الجارتين الكبيرتين، تركيا وإيران، فضلاً عن السعودية ودول الخليج العربي التي انساقت نحو التطبيع، واعترفت بالكيان، وتبادلت معه الزيارات، وأنشأت وإياه مختلف العلاقات.

 

طالبني البعض بأن أكون موضوعياً ومنطقياً، وأن أكون عربياً فلسطينياً، فلا أتناقض مع هويتي وقوميتي، وألا أنأى بنفسي وبفلسطين وأهلها عن قضايا العرب المحقة، التي تعبر عنها شعوبها، أو يدافع عنها قادتها، ويرون أن قضاياهم عادلة وصريحة، ومعلومٌ فيها المصالح الوطنية والقومية العربية، ومكشوفٌ فيها التآمر والارتباط، والعمالة والارتهان، ولذا كان ينبغي علي شخصياً، وعلى الفلسطينيين عموماً، أن نكون مع الدول العربية، التي وقفت إلى جانب الفلسطينيين وأيدتهم، وساعدتهم وساندتهم، وأمدتهم على مدى عشرات السنوات بالأموال والمشاريع، التي جعلت قضيتهم حاضرة، وحياتهم كريمة، وشعبهم عزيزاً، وهو الذي يعيش أبناؤه بكرامةٍ في البلاد العربية، ويعملون فيها بشرفٍ وأمانةٍ، ويتكسبون منها بطمأنينةٍ واستقرارٍ.

 

استغرب هذا الفريق الذي أجلُ وأقدرُ، وأناقشه وأحاوره، ألا يعلن الفلسطينيون وقوفهم الصريح والواضح، وتأييدهم العلني والعملي، للملكة العربية السعودية وتحالفها في عملياتها العسكرية ضد "المليشيات الحوثية" في اليمن، واعتبار ما يقومون به في اليمن مهمة قومية عربية رائدة بامتياز، تستحق التضامن العربي، والدعم الشعبي والرسمي، وتوجب على الفلسطينيين دعمها وإسنادها، اعترافاً بالفضل ورداً للجميل، والتزاماً بالتضامن العربي والإخاء الشعبي.

 

كما وصلتني ردودٌ تستنكر الصمت الفلسطيني إزاء ما تتعرض كل البلاد العربية من عمليات انتهاكٍ سافرةٍ لسيادتها، واعتداءاتٍ على أرضها وسرقة لخيراتها وثرواتها، واعتبروا أن الصمت إزاء عمليات التدخل الأجنبية في بلادنا العربية، وعدم إدانتنا لها أو اعتراضنا عليها، إنما هو تواطؤ وخيانة، وتفريطٌ وتنازلٌ، وأن تحالفاتنا بهذا الشأن مشبوهةٌ وغير مقبولة، وهي تسيء إلينا ولا تخدم قضيتنا، وهي تقود إلى مزيدٍ من التمزق العربي، الذي لا يستفيد منه إلا المعادون للعرب والمتآمرون على بلادهم.

 

علا صوت هذا الفريق متهماً إياناً بالتحالف مع أعدائهم، والتعاون مع خصومهم، والولاء للفرس تارةً وللترك تارةً أخرى، وأننا لا ندين تدخلهم، ونسكت عن جرائمهم، ونوافق على اقتطاعهم للأرض العربية، واشتراكهم في الحروب الدموية التي تجري فيها، ولا نقوى على انتقادهم أو الاعتراض عليهم.

 

 

بينما رأى آخرون أننا ناكرون للجميل، ولا نحفظ الفضل ولا نشكر أصحاب السبق، وأننا لسناء أوفياء ولا مخلصين، وأننا لم نقدر تضحيات الشعوب العربية التي قدمت إلى جانب الدعم المادي، تضحياتٍ كبيرة في الأرواح، وأخرى أثرت على حياة المواطنين ورخائهم، في الوقت الذي نطلق فيه أبواقنا الإعلامية تنتقد السياسات العربية، وتسيء إلى الأنظمة والشعوب، وتستخدم ضدها أبشع الصفات وأشنع النعوت، بحجة اعترافها بــ"إسرائيل"، وتطبيع العلاقات معها، بينما يقوم الفلسطينيون أنفسهم، سلطةً وقوىً وأحزابَ، بالتعامل مع الإسرائيليين والتنسيق معهم.

 

بالمقابل وصلتني عشرات الرسائل الأخرى، التي تنتقد مقالي وتعتبره تخاذلاً وجبناً، وتطالبني بأن أكون شجاعاً وصريحاً، وأن أكون صادقاً ومنصفاً، وإنسانياً مؤمناً، فأصف الحرب على اليمن بأنها حربٌ ظالمة، وأنها عدوانٌ سافرٌ، تستهدف الأطفال والنساء وشعب اليمن.

وأن يكون لي موقف مما يتعرض له الشعب البحريني، الذي يعاني من محنةٍ كبيرةٍ وحربٍ قذرةٍ يشنها نظامه على فئاتٍ من شعبه.

وأن الانقلاب العسكري في السودان نفذته قوىً متحالفة مع إسرائيل ومتعاونة معها.

وأن سوريا تتعرض لمؤامرة دولية كبرى، تشترك فيها الأنظمة العربية، التي غذت أطرافها بالمال، وأمدتهم بالسلاح، وساهمت في خلق داعش، وأشرفت على جرائمها خدمةً لأهدافها، وأملاً في الوصول إلى غاياتها المشبوهة.

وأن ما حدث في تونس انقلابٌ على الدستورٌ، وإقصاءٌ للشرعية وتعطيل للعملية السلمية.

 

وعلا صوت بعضهم منتقداً صمتي في مقالي عن الاعتقالات والمحاكمات السعودية لمقيمين فلسطينيين، وعن الهرولة العربية نحو الكيان الصهيوني، وعمليات التطبيع معه، وعن مساعي الحصار العربية لقطاع غزة، ومحاولات تجويع أهلها وتركيعهم، وعن الجهود التي تبذل لشيطنة المقاومة والمقاومين، وتصنيفها إرهاباً وعملاً غير مشروعٍ، والمساهمة في حصارها وتجفيف منابعها واعتقال أبنائها والحرب عليها.

 

كنت قد كتبت مقالي مقتنعاً به وموافقاً عليه، ومتأكداً منه ومصراً عليه، فقد أخذت الدروس وتعلمت مما مضى، أن على الفلسطينيين أن يقفوا على الحياد، وألا ينحازوا مع فريقٍ ضد الآخر، ولكنني وبعد الرسائل التي وصلتني، والردود التي قرعت آذاني، والتي آذى بعضها نفسي، وجدت أنني كنت مصيباً في رأيي، وحكيماً في قولي، وأن على شعبنا الفلسطيني أن يبقى محافظاً على حياده، وملتزماً بسياسة النأي بالنفس عن الصراعات العربية، ذلك أن أحداً في حال أعلنا انحيازنا، لن يغفر لنا موقفنا، أو يقبل عذرنا، ويقتنع برأينا، فكل فريقٍ يريدنا معه ولجانبه، وإلا فإنه سيكون علينا وضدنا إن خالفناه وأيدنا غيره.

 

بيروت في 30/10/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Oji2G96t5-%3D2vSRHXiJ__Xj19Nad737X39aLY41fn3Uhqg%40mail.gmail.com.

Friday, 29 October 2021

{الفكر القومي العربي} مناورة العلم الأزرق في إسرائيل

بقلم الصحفية اللبنانية: سنا كجك

 

رأي حر:

דעה חופשית

 

مناورة "العلم الازرق" في "اسرائيل"..ما هي اهدافها؟؟

 

 

انتهت اليوم مناورة "العلم الازرق" الجوية-الدولية- في الكيان العبري والتي بدأت في 17 من الشهر الجاري الى 28 منه في صحراء النقب فلسطين المحتلة.

 

شاركت فيها دول عدة اهمها:

 

فرنسا-المانيا- الولايات المتحدة-بريطانيا-الهند-اضافة لمشاركة اماراتية.

 

وصفتها الصحافة العبرية بأنها:

"تمرين جوي دولي الاكبر في منطقة الشرق الاوسط".

 

وللمرة الاولى شارك سرب مقاتلات بريطانية واول سرب للطائرات المقاتلة الهندية من نوع "ميراج" كما نشر اول سرب لمقاتلات "رافال" الفرنسية.

 

هذه المناورة "النوعية" تفاخرت بها "تل أبيب" وقادتها  لاسبوع

 

اذ صرح قائد سلاح الجو الاسرائيلي عميكام نوركين:

 

*"نعيش في بيئة شديدة التعقيد تتزايد فيها التهديدات لدولة اسرائيل من جهة غزة ولبنان وسوريا وايران."*

 

مما لا شك فيه ان الهدف الاساسي من مناورة "blue "

flag 2021

 

 استعراض القوة التي تباهت بها "اسرائيل" لمجرد ان دول كبرى شاركت وحلقت اسرابها في سماء فلسطين اضف الى  الرسالة الضمنية   لايران وحلفائها باعتبار انها تشكل التهديد الاستراتيجي لامن الكيان الغاصب رغم نفي رئيس العمليات امير لازار في سلاح الجو الاسرائيلي الذي أكد ان:

 

*"المناورات الجوية التي تجري لا تركز على ايران علما" انها تمثل التهديد الاول لاسرائيل فان مناورة العلم الازرق تستهدف مواجهة مفترضة لانواع مختلفة من الطائرات تستخدمها الدول المشاركة لمواجهة الطائرات المسيرة*".

 

وبالتأكيد حديثه عن الطائرات المسيرة التي تستخدمها المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية في غزة "كتائب القسام".

 

وخلال ايام المناورة تطرق قادة العدو الى التهديد النووي الايراني وامكانية استهداف ايران بضرب المنشآت النووية او اهداف لها في سوريا .

 

وتجهد "تل أبيب" بالضغط على واشنطن للحد من "شهوة" ايران النووية.

 

وفي تقرير  مصور عرضته القناة الثانية العبرية مع احد ضباط سلاح الجو الاسرائيلي تحدث:

 

*"ايران باتت تعتبر محط اهتمام وتركيز سلاح الجو والجيش عموما"..وسلاح الجو لاحظ بأن ايران قامت ببناء منظومة دفاع جوي حديثة ومتقدمة...الهدف من المناورة ايضا" تحسين القدرات التي تتطلب ذلك كقدرات شحن الوقود خلال التحليق لمسافات طويلة وقدرات التعامل مع الصواريخ الارض-جو المضادة للطيران*".

 

والجدير بالذكر انه تم في الآونة الاخيرة تخصيص ميزانية كبرى في تصرف الجيش الاسرائيلي ليستعد وينفذ هجمات ضد ايران.

 

ان الحرب الخفية بين ايران والكيان العبري مستمرة وتتمثل بحرب "السايبر" كما ان جيش الاحتلال لديه قسم خاص يسمى : حماية السايبر".

 

المناورة التي اختتمت عززت موقف "اسرائيل" من حيث اهميتها في منطقة الشرق الاوسط والخبرة التي اكتسبها طياري سلاح الجو الاسرائيلي جراء المشاركة الدولية فكانت الرسالة واضحة للحليف و"العدو".

 

 

فهل سنشهد مناورة مشابهة من قبل طهران في القريب العاجل؟؟

 

وماذا ان نفذت  "اسرائيل" تهديداتها باستهداف ايران وبرنامجها النووي؟؟

 

 

*#قلمي_بندقيتي*_🎀

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjiHCeuW8YkkVdhfip426v9sbY4BfF%2BtmxeoW2dzLff3Yw%40mail.gmail.com.

Thursday, 28 October 2021

{الفكر القومي العربي} التدخلُ الفلسطيني المحمودُ والتدخلُ المرفوضُ

التدخلُ الفلسطيني المحمودُ والتدخلُ المرفوضُ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لا تنفك المنطقة العربية على مدى الأيام كلها، من طنجة في المغرب العربي إلى بوابة العرب الشرقية في العراق، تغلي بالأحداث الجسيمة والتطورات الكبيرة، وتنتابها تغيرات كثيرة، تميد بها أرضها، ويضطرب بسببها أهلها، وينقسم شعبها، وتتغير أحوالها، وتتبدل أشكالها، وتنعكس نتائجها على مساراتها، وتنقلب على إثرها حياتها، وتنقلها من مسارٍ إلى آخر، ومن سياسةٍ إلى أخرى، وقد تسلمها من نظامٍ إلى غيره، لا يتفق مع سابقه ولا يتوافق معه، بل ينقلب عليه ويحاربه، ويجتثه ويعزله، ويعتقل رموزه ويعاقب قيادته، ويعادي كل من حالفه وأيده، أو كان معه وناصره، مواطنين محليين كانوا أو عرباً مؤيدين، فيقسو عليهم الجديدُ ولا يرحمهم، ويحاسبهم ولا يسامحهم، ولا يغفر لهم ماضيهم ولا يتفهم مواقفهم، رغم حسن نيةِ بعضهم وسلامة قصدهم.

 

قد يكون من الطبيعي جداً أن تعلق الحكومات على ما يقع في بعض البلاد، وأن يكون لها موقفٌ منها، تأييداً أو رفضاً، واستنكاراً أو إدانة، أو صمتاً وحياداً، كالانقلابات الحادثة، أو الانتخابات الجارية، أو الاعتقالات الأمنية والتعسفية، وعمليات الاغتيال والتصفية، والافتئات على حقوق الإنسان والاعتداء عليها، أو الصراعات الداخلية والحروب البينية، والحملات العسكرية ضد المجاميع الوطنية والفئات السكانية، وغير ذلك من الحوادث التي تتعرض لها الدول وتمر فيها، مما يستلزم ردود فعلٍ دوليةٍ، أو تدخلاً من مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية.

 

قد يبرر البعض للدول والحكومات تدخلها في بعض الأحداث، والتعليق عليها أو التعقيب على نتائجها،  والتحذير منها وتسليط الضوء عليها، كونها دولاً كبرى، ولديها مصالح ومنافع في المنطقة محل التدخل، تخشى فيها على مكتسباتها أو نفوذها، وتقلق من اضطراب الأوضاع فيها، مما يدفعها للتدخل المباشر أو غير المباشر، وبوسائل عديدة ومختلفة، ولكن تدخلها قد لا ينعكس سلباً عليها، ولا يؤثر على مصالحها، أو يضر مواطنيها، أو يتسبب بأذى أمني أو مادي لها، بسبب قوة الدولة المتدخلة، أو ضعف الدولة محل التدخل، وبالتالي لا تكون هناك أي مخاوف أو مغامرات نتيجة تدخلها السافر أو اللطيف.

 

الدول مخيرة دائماً في سياستها الخارجية، وهي غير مضطرة أن تمضي على نسقٍ واحدٍ، فهي تعتمد على ميزان مصالحها الحساس، الذي تستطيع به أن توجه بوصلتها، ولكنها غالباً ما تكون حكيمةً في مواقفها، دقيقةً في قراراتها، مضبوطةً في أحكامها، وفق مصالحها المرجوة، ومنافعها المتوقعة، وأطماعها المأمولة.

 

هذه السياسة لا تنطبق على الفلسطينيين أبداً، الذين يلقون الدعم الكبير من جميع الشعوب العربية بلا استثناء، ويتمتعون بمكانةٍ مرموقةٍ لديهم، ويتلقون منهم الدعم المادي والإسناد المعنوي، ويشعرون أن هذه الشعوب تمثل عمقهم ورصيدهم، وسندهم وظهيرهم، إذ عاشوا معهم طويلاً، ونشأوا بينهم أجيالاً، فلا يجوز الانقلاب عليهم وخذلانهم، أو الالتفاف عليهم والإضرار بمصالحهم، أو الاصطفاف مع فريقٍ منهم ضد آخر، أو المساهمة في معاركهم الداخلية كطرفٍ، والمشاركة معهم ضمن فريقٍ، كما أنه ليس من الحكمة والمنطق، ولا من العقل والحصافة، أن يصدر الفلسطينيون، سلطةً وفصائل، ومؤسساتٍ ومنظماتٍ، مواقف سياسية تؤيد فريقاً وتحابيه، وتعارض آخر وتجافيه.

 

في ظل الحوادث الداخلية التي تمر بها الدول العربية، كالقلاقل والاضطرابات، والانقلابات والاشتباكات، والشكاوى ودعاوى حقوق الإنسان، لا يبرر للفلسطينيين في ظل قضيتهم التي تراها الشعوب العربية مقدسة، ويريدون منها أن تبقى بمنأى عن أي خلافٍ، وبعيدةً عن أي صراعٍ، أن يدنسوها بمواقف سياسية مؤيدة أو معارضة، أو يلوثوها بالتدخل السافر والاشتراك المباشر، فالقضية الفلسطينية يجب أن تبقى محل إجماع العرب واتفاقهم، وموضع ثقتهم وتقديرهم، فلا يجوز إقحامها في أحلافٍ أو محاور، أو إرغامها على أن تكون طرفاً في الحوادث وشريكاً مع المتقاتلين.

فقد عانى الفلسطينيون كثيراً في سني نضالهم الطويلة، ومسار قضيتهم المعقد، من بعض التدخلات في الشؤون العربية، التي لم يكن لنا بها ضرورة أو حاجة، فدفع شعبنا من قضيته أثماناً كبيرة بسببها في الأردن ولبنان، نتيجةً لتورطهم في المعادلات الداخلية للبلاد، ثم دفعوا الثمن أكبر في العراق والكويت، نتيجةً لاصطفاف قيادتهم مع فريقٍ ضد آخر، دون مراعاةٍ لحساسية القضية الفلسطينية، ومكانة فلسطين وأهلها، وتواجد أبنائها وشتاتهم، فكانت النتيجة تشريداً جديداً وضياعاً آخر، لكنه كان تشريداً مؤلماً ومزمناً، وقاسياً وصعباً، عانى الشعب من آثاره وتداعياته سنين طويلة. 

 

اليوم لا يكاد يخلو بلدٌ عربي من الأزمات والمشاكل، والتحديات والصعاب، سواء كانت اضطراباتٍ داخلية، وحراكاتٍ شعبية، أو انقلاباتٍ عسكرية، أو نزاعاتٍ سياسيةٍ، أو حصر للسلطات وتعطيل للدستور والبرلمانات، أو عملياتٍ عسكرية ومعارك حربية، أو نزاعاتٍ بينية وخلافاتٍ على الحدود والنفوذ، أو تحالفاتٍ ومحاور، وعلاقاتٍ خارجية وولاءاتٍ أجنبية، تظهر كلها بحدةٍ وغلظةٍ في الخطاب السياسي والإعلامي، وفي التعبئة الجماهيرية والتحريض الشعبي، الأمر الذي جعل الساحات العربية كلها ساحات حربٍ وجبهات قتالٍ، اختلط فيها الخصوم واحتدمت بينهم المعارك، وساد شعار من ليس معنا فهو ضدنا، ومن لا يؤيدنا فهو عدونا، ومن لا يقاتل معنا ويكون في صفنا فهو ليس منا.

 

أمام هذه الخارطة المتشعبة الخيوط، الدامية الأحداث، المذيلة بالدماء، والموقعة بالخراب، التي لن ينجو من ويلاتها أحدٌ ما لم يتفقوا، ولن يسلم منها بلدٌ ما لم يعقلوا، ينبغي على القيادة الفلسطينية عموماً، سلطةً وفصائل وتنظيمات، كما النخب السياسية والإعلامية والشخصيات البارزة والفعاليات، أن تقف على الحياد التام من كل ما يجري، وألا تساهم في أي أزمةٍ أو صراعٍ بالكلمة أو السلاح، وبالموقف أو الاصطفاف، وأن يلتزموا سياسة النأي بالنفس عن أي مستنقعٍ قد يضر بهم وبقضيتهم، اللهم إلا أن يكونوا وسطاء خيرٍ بين الفرقاء، ورسل سلامٍ بين الأطراف.

 

بيروت في 28/10/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjirHUtay_4XzLc79c33mjuTauhWg-FkEdXgLXb3%3DAe2oA%40mail.gmail.com.

Monday, 25 October 2021

{الفكر القومي العربي} إلهان عمر صوتٌ صادحٌ ينتصرُ للفلسطينيين ويغيظُ الإسرائيليين

إلهان عمر صوتٌ صادحٌ ينتصرُ للفلسطينيين ويغيظُ الإسرائيليين

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

يزعجهم صوتها، وتقلقهم مواقفها، وتربكهم تصريحاتها، ويغيظهم دينها، ويثير حفيظتهم حجابها، وقد أغضبهم انتخابُها، وأقض مضاجَعهم اختيارُها، وضاقوا ذرعاً بجرأتها، وحارهم كثيراً اندفاعها، وأخرجهم عن طورهم متابعتها، وأثار حنقهم انتهازها كل منبرٍ لمهاجمتهم والنيل منهم، فهي لا تتردد في التصدي لهم، والوقوف في وجههم، وانتقاد سياستهم، وتعرية مواقفهم، وفضح ممارساتهم، وانتقاد السياسات الأمريكية المؤيدة لهم والداعمة لعدوانهم.

 

وهي لا تكف عن مطالبة إدارتها بمراجعة سياساتها تجاه إسرائيل، والتوقف عن تصدير الأسلحة لها، وممارسة الضغط عليها لكف يدها عن العدوان، ووقف ظلمها للشعب الفلسطيني المحتلة أرضه، والمصادرة حقوقه، والمهانة كرامته، والامتناع عن تصديق الرواية الإسرائيلية والدفاع عنها، حتى غدت لكثرة وقفاتها، وحدة تصريحاتها، وعلو مقامها كنائبٍ عن الحزب الديقراطي، محامي فلسطين بامتياز، والمدافعة عنها بكل شجاعةٍ أمام مختلف المحافل الأمريكية.

 

إنها النائب عن الحزب الديمقراطي الأمريكي إلهان عمر، التي تكاد تكون الوحيدة إلى جانب زميلتها الفلسطينية الأصل رشيدة طليب، اللتان تدافعان عن القضية الفلسطينية، وتتصديان للسياسات الإسرائيلية، وتتعرضان للتنمر والهجوم من اللوبي الصهيوني وأنصاره في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن صوتها هادرٌ، ورأيها حرٌ، وتصريحها يجلجل، وموقفها يحرج، ولا تعوزها الجرأة في الظهور، ولا القوة في الحضور، ولا يشعرها بالضعف أصلها العربي الصومالي، وأنها مهاجرة مسلمةٌ مجنسة، أو أنها امرأة في مواجهة الكيان الصهيوني المدجج بالمناصرين والمدافعين، أو محاججة المؤسسات الأمريكية والتأثير عليها.

 

غضبت الحكومة الإسرائيلية منها، واغتاظت من مواقفها الجريئة وتصريحاتها المثيرة، فأعلنت أنها شخصية غير مرغوب فيها، وأنه من غير المسموح لها الدخول إلى كيانهم، ولو أنها نائبٌ في مجلس النواب الأمريكي، وصبوا جام غضبهم عليها، فاتهموها في ولائها للولايات المتحدة الأمريكية، وشككوا في قسمها، وأشاعوا أنها حنثت فيه ولم تلتزم به، وأنها تعادي السامية وتؤيد الإرهاب، وتدعو إلى الفوضى وتحارب السلام، وحرضوا عليها زملاءها النواب، وحاولوا الوقيعة بينها وبين البيت الأبيض، وشوهوا صورتها وحرفوا تصريحاتها، ومنعوا وسائل إعلامهم من التواصل معها، وتغطية نشاطاتها، أو تسليط الضوء على تصريحاتها، وألزموا مناصريهم بعدم الاهتمام بصفحاتها الخاصة، والامتناع عن إعادة نشر تغريداتها بغض النظر عن محتواها وموضوعها.

 

لكن إلهان عمر، المؤمنة برسالتها، والواثقة من نظرتها، والصادقة مع نفسها، والمخلصة لضميرها، والمتصالحة مع ذاتها، والملتزمة بدينها، والمؤدية فرضها، والمحافظة وسط الرياح الهوج على حجابها، والعالمة أن نصرة الحق واجبة، ومساندة المظلوم فرض، ومجابهة المعتدي التزامٌ، لم تخضع للابتزازات الصهيونية، ولا للضغوط السياسية، ولم تضعف أمام محاولات تشويهها وسحب الثقة منها، أو عزلها وحصارها، بل مضت على مواقفها، وأصرت على مبادئها، ولم تهن في مواجهة الكيان الصهيوني وتحدي قرارته.

 

فقد أعلنت في آخر مواقفها المناهضة للسياسة العنصرية الإسرائيلية، إدانتها الشديدة لقرار وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، اعتبار ستة من مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية، والهيئات الخيرية، كياناتٍ إرهابية، ونددت بقرار إغلاقها، وطالبت الحكومة الإسرائيلية بالتراجع عن قرارها، والتوقف عن ممارساتها الاستفزازية بحق المواطنين الفلسطينيين، التي اعتبرتها ممارساتٍ عنصرية عدوانية، تستهدف هوية الشعب الفلسطيني ووجوده، ودينه ولغته، وانتماءه وحضارته، فضلاً عن أرضهم وحقوقهم وممتلكاتهم، وطالبت الإدارة الأمريكية بموقفٍ مسؤولٍ إزاء السياسات الإسرائيلية التي تستهدف شعباً بكامله، وتعرض حياة أبنائه وأجياله للشتات والضياع.

 

لا تتورع إلهان عمر عن وصف الكيان الصهيوني، بأنها دولة فصل عنصري بغيظ، وأنها تتلقى الدعم بالسلاح والمال من دول العالم رغم معرفتهم بسياستها العنصرية، وقصفها الوحشي للشعب الفلسطيني الأعزل البريء، وأن سياستها تضر بالأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، وهي تفسد علاقاتها مع كثيرٍ من دول العالم، التي تؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، ووجوب استعادة الفلسطينيين لحقوقهم المشروعة.

 

عرف عن أوهان عمر تصديها للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ونقدها لتصريحاته وإدانتها لسياستها، واعتبرته شخصية مثيرة للجدل، وأنه يتسبب في خلق العنف والفوضى في أكثر من مكانٍ في العالم، وعارضت مشروعه الذي عرف في حينه بصفقة القرن، واعتبرتها انحيازاً أمريكياً سافراً وباطلاً للكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني.

 

لا تتردد أوهان عمر في دعم المنظمات المقاطعة الدولية للكيان الصهيوني، وتؤيد منظمة BDS وترفض أي إدانة لها أو اتهام لعملها، وتدعو الإدارة الأمريكية إلى تأييدها وعدم الاعتراض عليها، والعمل على معاقبة الحكومة الإسرائيلية على سياساتها الاستيطانية المخالفة للسياسة الخارجية الأمريكية المتبعة منذ سنواتٍ طويلةٍ، والوقف الفوري لكافة أشكال الدعم المالي والمادي لها.

 

تشيد أوهان عمر بالديمقراطية الأمريكية، وبالعدالة التي تتميز بها، ومتابعتها لقضايا حقوق الإنسان في أكثر من مكانٍ في العالم، وتستغل تصريحاتها بهذا الشأن، لدفع الإدارة الأمريكية لتحريك منظمات حقوق الإنسان، والمحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم ذات الاختصاص، إلى التحقيق في الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وتقديم المدانين من قيادتهم إلى منصة القضاء العالمي.

 

يحاول بعض النواب الأمريكيين اليهود من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، توجيه انتقاداتٍ شديدةٍ لأداء وتصريحات أوهان، واتهامها بمعاداة الديانة اليهودية والتطاول عليها، وقد دفعوها أكثر من مرةٍ لتعديل مواقفها، وتلطيف تصريحاتها، لكنها سرعان ما تعود إلى مواقفها الأصلية ومعتقداتها السياسية الأولى، تجاه الممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، فتؤكد رفضها وإدانتها، ولكنها تؤكد احترامها لليهودية كدين وتعترف بها.

 

قد يكون في العالم الكثير من أمثال أوهان عمر، ممن ينبرون للدفاع عن القضية الفلسطينية، ويتصدرون لمواجهة السياسات الإسرائيلية، ولكن علينا نحن العرب والفلسطينيين، أن نحسن عرض قضيتنا، وأن نرسم صورةً مقبولةً لها، وأن نتفق فيما بيننا، وألا نخذل بخلافاتنا وانقساماتنا الأصوات الحرة والضمائر الصادقة، لتتحول مواقفهم إلى ظاهرة دولية، تقلق العدو وتخيفه، وتطمئن الشعب الفلسطيني وتريحه.

 

بيروت في 26/10/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjjAJY4CkQfpb4%3DZSoUiWYa4JGNfEQ4A-pQNJuv64u3zSw%40mail.gmail.com.

Saturday, 23 October 2021

{الفكر القومي العربي} القوةُ الوطنيةُ عمادُ البلادِ وفخرُ العبادِ

القوةُ الوطنيةُ عمادُ البلادِ وفخرُ العبادِ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

أعزُ ما تملكه الأممُ وتحوزُ عليه الدولُ، وكذا الشعوبُ والقبائلُ، كرامتُها وعزتُها، وسؤددُها وشرفُها، وأنفتُها وكبرياؤها، وكفافُها واستغناؤها، وقوتُها وسلاحُها، وإرادتُها واستقلالهُا، وحريتُها وسيادتها، فإن ملكت ذلك بإرادتها وعزم أبنائها، وبصيرة أهلها وحكمة حكامها، وإخلاص قيادتها وولاء رعيتها، تعيش كريمةً عزيزةً، مصانةً مهابةَ الجانب، مُقدرةً لا يعتدى عليها، ومُحترمةً لا يساء إليها، وواثقةً لا ترتعدُ فرائصها، ومطمئنةً لا تخاف المساسَ بها، ولا يُهَددُ أمنها، ولا تُنتهكُ سيادتها، ولا تُخترق حدودها، ولا يُهان أبناؤها، ولا يُستعبدُ سكانها، ولا تتفكك أواصرهم أو تضعف روابطهم، ولا ترهن مقدراتها، أو تسرق خيراتها، ولا تمنع من استخراج كنوزها أو الاستفادة من أرزاقها.

 

لكن عماد ذلك كله وأساسه، والذي بدونه لا شيء يتحقق، وعكسه قد يكون وأسوأ، هو القوة والمنعة، والإعداد والتجهيز، والقدرة والترهيب، والإرادة الحرة والقرار المستقل، والتخطيط المحكم والعمل الجاد، والسهر والتعب، والعمل والكد، والإنتاج والإبداع، والتصنيع والتطوير، واليقظة والانتباه، والنباهة والذكاء، فبغير القوة الخاصة لا نصل إلى الغاية، ولا ترجى الكرامة، ولا تتحقق الآمال، ولا يكون السؤدد، ولا يبنى المجدُ، ولا تحفظ البلاد، ولا تصان الأوطان، بل تصبح الأوطان نهباً مستباحاً، ومطمعاً دائماً، وأرضاً سهلةً لكل معتدٍ وغازٍ، وغنيمةً لمن غلب، أو سوقاً لمن سبق، أو مكافأةً لمن غدر شعبه وخان أهله ووطنه.

 

القوة المنشودة والمنعة المقصودة، هي القوة الحرة المستقلة، الشعبية الوطنية، التي تدافع عن الوطن وتحميه، وتحفظ المواطن وتصونه، وتضمن حياته وتؤمن حقوقه، وتدافع عنه وتمنع الاعتداء عليه، ولا تقبل أن تكون عصا في يد غيرها، ولا أجيرةً عند سيدها، ولا مأمورةً لدى ممولها، أو خاضعةً لمن فرضها، فقيمتها في استقلالها وحريتها، وفي غيرتها وصدقها، وفي إخلاصها وولائها، وفي طهرها ونقائها.

 

هي القوة التي يبنيها الشعب بجهوده، ويرفدها بأبنائه، ويفديها بدمائه، ويصونها بأرواحه، ويتباهى بالانتساب إليها والعمل فيها، وينافس غيره في الانخراط فيها والانضمام إليها، ويكون فيها أنانياً فيؤثر نفسه جندياً فيها على غيره، فهي التي تمنحه العزة وتحميه، وتحفظ مكانته وتصونه، وتحول دون الاعتداء عليه أو المساس به، وقد علم قديماً، أن الحق تحميه القوة وتفرضه السلطة، وبدونها يكون الحق ضعيفاً فلا يصمد، ومخذولاً فلا ينصر، ومتهماً فلا يبرأ، ومداناً فلا ينجو.

 

نحن بحاجةٍ إلى قوةٍ حقيقيةٍ، ترهب العدو وتخيفه، وتمنعه وتصده، وتوقف عدوانه وتتحدى أطماعه، وتعد العدة لقتاله ومواجهته، وطرده من أرضنا واستعادة حقوقنا منه، وتتجهز بكل الأسلحة الحديثة والمتطورة، والفتاكة والمدمرة، وتعتمد على نفسها وقدرات أبنائها في تطوير قوتها وبنائها، فالإعداد وحده نصرٌ، والتجهيز له مقاومة، والعدو يربكه الاستعداد والجاهزية، والتدريب والتطوير، وهو يعلم أنه لن يستطيع مواجهة أصحاب الحق إذا أعدوا العدة، واستعدوا للقتال، ولهذا فهو يعمل على حصارهم وتجويعهم، وحرمانهم وعقابهم، وتجريدهم من كل أسباب القوة، ومنعهم من الوصول إليها بكل الأشكال الممكنة، ليقينه أن في قوة خصومه نهايته، وأن في إعلان الحرب عليه خاتمته.

 

ينبغي أن تكون قوتنا ذاتية البناء مستقلة القرار، إذ لا قيمة للقوة المرهونة، التي تفقد عمقها الوطني، وحسها القومي، ومسؤوليتها الأخلاقية، وقيمها الدينية، ولا قيمة للإعداد المشوش الهدف، الغريب الدور، الموظف للمهام القذرة، والموجه ضد الشعب والوطن، والمسخر لخدمة العدو وتحقيق أهدافه، أو القيام مقامه وتأدية المهام نيابةً عنه أو بتكليفٍ منه، فكم من عدوٍ يسلح جيوشاً لتنال من شعوبها، وتقتل أهلها، وتفتك بأبنائها، وترهن أوطانها، وتفسد الحياة فيه.

 

تخطيء أمتنا كثيراً عندما تنشغل عن الإعداد باللهو، وعن التعبئة بالتزجية، وعن العمل الجاد بالسخف والمسخرة، وتجرم في حق شعوبها وأوطانها عندما تهمل التجهيز وتتخلى عن التدريب، ولا تولي جيشها اهتماماً، ولا تمنح شبابها تقديراً، فالأمم لا تحترم الدول الضعيفة، ولا تقدر الشعوب المهانة، ولا يمنعها عن العدوان سوى الرهبة، ولا يضع حداً لأطماعها سوى القوة الوطنية، التي لا تهادن ولا تساوم، ولا تفرط ولا تستسلم، وإنما تواجه بعقيدة، وتتصدى بإيمان، وتندفع نحو أهدافها بمسؤوليةٍ وأمانةٍ، ولا يعنيها أن يستشهد قادتها في سبيل النصر، أو يضحوا من أجل العزة والكرامة.

 

وحدها هي المقاومة الفلسطينية واللبنانية، التي انتبهت ووعت، وقررت ومضت، وأدركت أنه لا مناص عن امتلاك القوة، ولا بديل عن البناء والإعداد والتجهيز، فانشغلت ببناء قوتها الخاصة، وتطوير أسلحتها الذاتية، وتحصين صفوفها وتعمير مخازنها، لتكون دوماً جاهزة لأي مواجهة، ومستعدة لأي جولةٍ، وقد أثبتت الحروب والأحداث وعيها وبصيرتها، إذ أعيت العدو وأحبطته، وأفشلت محاولاته ووضعت حداً لمغامراته، وألزمته حدوده فبات يخاف على نفسه منها، ويطالب المجتمع الدولي بالضغط عليها وكف يدها، ومنعها من قصفه واستهدافه، ولولا القوة الصادقة، الحرة المستقلة، والقيادة الوطنية الرشيدة المخلصة، ما كان لخيار القوة أن ينتج عزةً وكرامةً، وأن يفرض الهوية والإرادة، وأن يحقق الردع ويصنع معادلات القوة والتفوق.

 

الإعداد والتجهيز ليست مسؤولية المقاومة وحدها، إنها هي فرضٌ عيني كالصلاة والصيام وغيرها، لا يعفى المواطن منها، ولا يجوز له التقصير فيها، فهي استجابةً لنداء الله الخالد "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ "، إذ أن القوة ليست رباطاً على الثغور، أو ثباتاً في الميدان، أو صموداً على الجبهات، وهي ليست سلاحاً فتاكاً ولا صواريخ رادعة، إنما هي ثقةٌ وإيمانٌ، وعملٌ واجتهاد، وإعدادٌ وتربيةٌ، وتوجيهٌ وإرشادٌ، ودعمٌ وإسنادٌ، ومساهمةُ ومشاركة، فليس أقوى من الإيمان سلاحاً، وليس أكثر حسماً في المعركة من اليقين بالنصر، والثبات على العهد، والصبر على الوعد.

 

بيروت في 24/10/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Oji-2bc9K-T9bYrwX3hgXHDm2-e2L3u0ODPJ-j8ny9OSKA%40mail.gmail.com.

Friday, 22 October 2021

{الفكر القومي العربي} التضامنُ مع الإسرائيليين فضيلةٌ ونصرةُ الفلسطينيين رذيلةٌ

التضامنُ مع الإسرائيليين فضيلةٌ ونصرةُ الفلسطينيين رذيلةٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

إنها المعادلة الصهيونية، القديمة الجديدة، التي يريدون فرضها، ويسعون إلى تعميمها، ويصرون عليها، ويجازون من يلتزم بها، ويعاقبون من يخالفها ويشذ عنها، ويؤذون من يردها ولا يلتزم بها، أو ينحو عكسها، وينتهج ضدها، ويكيلون التهم لكل من يعارضها أو يرفض الاعتراف بها والعمل بموجبها، ويفرضون على المجتمع الدولي الالتزام بمعاييرهم، والقبول بمقاييسهم، والحكم بقانونهم، وإلا فإنهم ضد اليهودية وأعداء للسامية، وشركاء في الجريمة التاريخية.

 

واستكمالاً لقانونهم الجائر وعرفهم الظالم، فإنهم يجرمون كل من يتهمهم ويصف حقيقتهم، أو يرفض روايتهم وينكر شهادتهم، أو يشك في معاناتهم ولا يؤمن بمظلوميتهم، ويصبون جام غضبهم على من يصدق رواية غيرهم، ويقبل بشهادة سواهم، وينشر مواقفهم، ويعرض قصصهم، أو يفند الرواية الإسرائيلية وينكرها، أو يكذبها ويهاجمها، أو يقوم بإعادة نشر صورٍ أو مشاهد تدينهم، وتؤكد على أفعالهم الجرمية وطبيعتهم العدوانية، فهذه خطوطٌ حمراء لا تسمح الصهيونية العالمية بتجاوزها، وهي حرمةٌ مقدسةٌ لديهم لا يجوز خرقها أو انتهاكها، مهما كانت الأسباب الموجبة، أو الشواهد القاطعة والأدلة الدامغة.

 

فمن ينكر المحارق النازية "الهولوكوست، أو يظن أنها مهولةٌ ومبالغٌ فيها، وأن لها أبعاداً سياسية وغاياتٍ قومية، وأنها نتاج سلوكهم الشائن وفعلهم القبيح، فإنه مجرمٌ في نظرهم، ومدانٌ في قوانينهم، يجب محاسبته ومعاقبته، ومحاصرته وتجريده من الصفات والألقاب، وسحب الجوائز منه، وانتزاع المكتسبات التي حققها والامتيازات التي تمتع بها، وينبغي العمل على تشويه سمته وتلطيخ سيرته، وفرض المقاطعة عليه، ليعيش كئيباً مطروداً، معزولاً منبوذاً، أو يعتذر عما بدر منه ويعود عن أفكاره، ويتراجع عن مواقفه، ويؤمن بروايتهم وحدها ويسلم بها.

 

على الجميع بلا استثناء أن يصدق أن المستوطنين الإسرائيليين يعانون، وأن أطفالهم وصغارهم يُرَوَّعون ويرهبون، وأن بيوتهم تقصف، ومزارعهم تحرق، ومحاصيلهم تفسد، وأن مؤسساتهم تغلق، ومدارسهم وجامعاتهم تتعطل، وأنهم يعيشون في قلقٍ وخوفٍ دائمين، وأن مستقبلهم مجهولٌ وحياتهم مهددةٌ، وأن الفلسطينيين يعتدون عليهم وينغصون عيشهم ويربكون حياتهم، وأن مقاومتهم المسلحة تقصفهم بالصواريخ، وتحرق بالبالونات والطائرات الورقية بيوتهم وحقولهم ومحاصيلهم، وتفسد حياتهم بأنشطة الإرباك الليلي، التي تحرمهم من النوم، وتجبرهم على تعطيل حياتهم والعيش في الملاجئ والبيوت المحصنة.

 

تنظم وزارة الخارجية الإسرائيلية، بالتعاون مع الجيش والمؤسسات الأمنية، ورؤساء البلدات المحلية، وقادة وزعماء المنظمات اليهودية والصهيونية، والهيئات الاستيطانية، جولاتٍ ميدانية وزياراتٍ خاصةٍ، إلى مستوطنات الغلاف والبلدات القريبة من الحدود، يشارك فيها سفراء الدول الأجنبية المعتمدين في الكيان الصهيوني، وغيرهم من كبار الشخصيات الدولية وزوار الكيان الصهيوني من وزراء خارجية ودفاع بعض الدول، الذين يخضعون من خلال الجولات والمحاضرات والصور، والبيانات التي توزع والإحصائيات التي تقدم، إلى أوسع عملية غسيل دماغ، وتزييف وتبديل المعلومات، وقلب الحقائق وطمس الوقائع، ليثبتوا كذباً المظلومية الإسرائيلية والعدوانية الفلسطينية.

 

لا تريد إسرائيل من أحدٍ في العالم كله أن يصدق الرواية الفلسطينية، ولا أن يؤمن بمعاناتهم ومظلوميتهم، رغم الأدلة التي يملكون، والشواهد التي يقدمون، والحقائق التي يعرضون، والأحداث المباشرة اليومية التي يعيشون، وتطالب العالم كله أن يكذب ما يرى ويسمع، وألا يصدق ما يشاهد ويلمس، بل أن ينكر الشمس في رابعة النهار، التي تشهد على المظلومية الفلسطينية والعدوانية الإسرائيلية.

 

تريد إسرائيل من العالم كله أن يكذب عيونه التي ترى الدم المسفوح، والأرض المستباحة، والمقدسات المدنسة، والحقوق المنتهكة، وآلاف الأسرى الذين يئنون في السجون والمعتقلات، ومئات البيوت التي تنسف، والمنازل التي يطرد منها أهلها وتحتل، وآلاف الدونمات التي تصادر وتبنى عليها المستوطنات، وغير ذلك من الجرائم الموثقة والمسجلة، والتي تشهد عليها الأمم المتحدة وكافة مؤسسات المجتمع الدولي، وتراقبها وتسجلها سفارات الدول الأجنبية، بما فيها سفارة الولايات المتحدة الأمريكية.

 

يظن الإسرائيليون أنهم مصدقون فيما يروون، وأنهم لا يكذبون فيما يقولون، وعلى العالم كله أن يثق فيهم ويطمئن إليهم، فهو ملزم بالدفاع عنهم ومساندتهم، ومساعدتهم وتأييدهم، والتكفير عن الجرائم التي ارتكبت بحقهم، وتعويضهم عما أصابهم ولحق بهم، وكأنهم بالمحرقة التي يدعون يبتزون العالم كله، ويجبرونه على دفع أثمانٍ بالغةٍ إلى ما لا نهاية، غير تلك التي دفعت على مدى قرنٍ كاملٍ.

 

وللأسف فإن دول العالم تقف أمامهم صاغرةً، ولهم مطيعةً، ولطلباتهم ملبية، ولروايتهم متبنيةً، ولا تتأخر عن نصرتهم، ولا تتردد في مساعدتهم، ويرى الإسرائيليون أنهم يتفضلون على دول العالم بقبول هباتهم، والموافقة على مساعداتهم، فهي تطهرهم من خطيئتهم، وتبرؤهم من ماضيهم، وتصالحهم مع أنفسهم.

 

يعتبر الإسرائيليون الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وتأييده في نضاله، ومساندته في مقاومته، دعماً للعنف والإرهاب، ومساهمةً في الفوضى وعدم الاستقرار، وافتئاتاً على الحق ومناصرةً للباطل، وتتهم من يؤازرهم بالانحياز السلبي والكراهية للشعب اليهودي، وتدعوهم للاعتدال في مواقفهم، والتخلي عن سياستهم، وتشيد بمواقف الدول العربية التي غيرت مواقفها، وعدلت في سياساتها، وانتقلت في فهمها للصراع من العمى والضلال الذي عاشته لسنين طويلة، إلى الهدى والرشاد الذي وجدته وعرفته خلال سني الاعتراف والتطبيع الجديدة.

 

عجيب أمر هذا العالم الظالم في سياسته، والباغي في أحكامه، الذي يحترم الذئب المفترس ويعترف بحقه في اصطياد الضحية وقتلها، ويرى في تأييده عرفاناً وفضيلة، بينما يسكت عن الضحية التي يسيل دم شعبها ويهرق كل يوم، وتستباح حقوقه وتنتهك كرامته، وتصادر ممتلكاته وتدنس مقدساته، ويحرم من حقه في الحياة الآمنة والعيش الكريم، ويرى في الانتصار لهم، وهم المظلومين والمعتدى عليهم، عيباً ونقيصةً، وفاحشةً ورذيلةً، ينبغي التطهر منها والاستعلاء عليها، كسباً للرضا والقبول اليهودي، وتجنباً للسخط والغضب الصهيوني.

 

 

بيروت في 22/10/2021

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojjczw%3Do3M8h6brku3RBecSYVL7m7vT5uPGbk%2B3HRca3uw%40mail.gmail.com.