Tuesday, 30 May 2023

{الفكر القومي العربي} سياسةُ تسكين الجبهات وتسخين القدس والضفة

سياسةُ تسكين الجبهات وتسخين القدس والضفة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

كثرت في الأيام القليلة الماضية التهديدات الإسرائيلية بقصف إيران واستهداف لبنان وتأديب قطاع غزة، واستعرضت قيادة الأركان الإسرائيلية قوة جيشها وجاهزيته على حدود قطاع غزة تارةً وعلى الحدود الشمالية لفلسطين تارةً أخرى، وأعلنت عن حالة استنفارٍ شاملةٍ، شملت مختلف قطاعاتها العسكرية، وعمدت إلى عقد اجتماعات أمنية وعسكرية موسعة، أعلنت عن بعضها وكشفت عنها، وحافظت على سرية كثيرٍ منها، وأوحت اجتماعاتها المتعددة المستويات إلى احتمال قيامها بتنفيذ عمليةٍ عسكريةٍ ما، قد تكون مختلفة عن عملياتها المستمرة في سوريا، التي تواظب عليها على شكل غاراتٍ سريعةٍ ومباغتةٍ، إلا أنها لا ترقى لأن تكون حرباً أو معركةً مستمرةً.

 

بالغ المسؤولون الإسرائيليون في تصريحاتهم وأكثروا من تهديداتهم، وبدت الساحة السياسية الإسرائيلية وكأنها على أعتاب جبهة قتالٍ حقيقية، هيأت لها جبهتها الداخلية وأشعرت بها دول الجوار والإقليم، بالإضافة إلى الإدارة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، وزاد من مستوى التهديدات وعزز جديتها، المناورة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، التي تحاكي القتال على عدة جبهات، وتستهدف في وقتٍ واحدٍ أكثر من عدو، ويستخدم فيها جيش الاحتلال مختلف أنواع الأسلحة الاستراتيجية والتكتيكية، معتمداً على أسطول الطيران الحربي الحديث الذي يملكه، والترسانة العسكرية التي يتميز بها عن دول المنطقة.

 

لكن عين العدو الإسرائيلي الخبيث الماكر ليست موجهة إلى الخارج وإن بدت كذلك، فهو أضعف من أن يشن حرباً على المقاومة الإسلامية في لبنان، وأجبن بكثير من أن يقصف إيران أو أن يعتدي عليها، ولعله أعقل من أن يكرر تجاربه الفاشلة مع قطاع غزة، التي لا تضعف مقاومتها، ولا يتراجع رجالها، ولا يفت في عزيمة أهلها كثرة ضحاياها، وإنما أراد بتصريحاته وتهديداته المعلنة أن يعمي على أهدافه الحقيقية، وأن يبعد الأضواء عن سياساته الفعلية، فلسانه في مكانٍ وعيونه على مكانٍ آخر، وقد ظن أنه سينجح في مكائده، وستمكن من بالخديعة والمكر من تحقيق أهدافه.

 

ربما كانت نوايا العدو الإسرائيلي على العكس تماماً مما أظهرها، فهو يريد لهذه الجبهات القوية أن تهدأ وتسكن، وأن تبرد ولا تتوتر، وألا تتهيأ مقاومتها أو تتحرك قواها، إذ لا ينوي إثارتها ومهاجمتها، أو الاعتداء عليها واستفزازها، خشية ردود فعلها التي قد تكون شديدة وعنيفة، ومفاجئة وصادمة، لكن هدفه الحقيقي كان ولا يزال هو القدس والضفة الغربية، فهو يريد أن يستفرد بهما ويشغل الجبهات الأخرى عنهما، ويتطلع إلى ابتلاعهما وتهويدهما، وطرد أهلهما وتغيير معالمهما، والسيطرة عليهما والتحكم فيهما، فهما حسب ادعائهم حلم الدولة اليهودية، وقلب ممالكهم القديمة، وموطن أنبيائهم وأجدادهم التاريخية.

 

تلك هي الحقيقة التي يجب أن نعيها وننتبه لها، وأن نجتهد في التصدي لها ومواجهتها، فالإسرائيليون يركزون على منطقة القدس والضفة الغربية، وينشغلون فيها ويركزون العمل في كل أنحائها، ولا يترددون في قضمها وتعجيل تهويدها، ولا يخفون مخططاتهم الجديدة فيها ولا أحلامهم القديمة في ممالكها، فأطماعهم فيها لا تنتهي، وخوفهم منها أيضاً لا يتراجع، ولهذا نراهم يقتلون المقاومين، ويغتالون القادة، ويعتقلون المئات من أبنائها، وينسفون بيوتها، ويطردون أهلها، ويصادرون ممتلكاتهم، ويبنون المزيد من المستوطنات على أراضي القرى والبلدات الفلسطينية، ولعله لا يكاد يمر يومٌ واحدٌ في القدس والضفة الغربية دون عمليات اقتحامٍ للمسجد الأقصى وانتهاكٍ للمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية.

 

ربما تظن الحكومة الإسرائيلية أنها تستطيع ذر الرماد في العيون الفلسطينية والعربية، وإشغال المقاومة في جبهاتٍ بعيدةٍ ومعارك غير متوقعة، واستنزاف قدراتها وشل قواها وصرف أنظارها، لكن المقاومة الفلسطينية تدرك حقيقة النوايا الإسرائيلية، وتفهم مخططاته وتتابع تحركاته، وترفع الصوت عالياً تحذر به الأمة العربية والإسلامية من مخاطر الصمت عن الممارسات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية، وتطالبها بسرعة التحرك الجاد لحماية القدس والمسجد الأقصى، واستنقاذ ما بقي من الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وعدم السماح للعدو بأن يستفرد بالقدس والضفة الغربية ويعزلهما عن بقية الوطن فلسطين.

 

تعلم المقاومة الفلسطينية أن السبيل الوحيد للتصدي للعدو الصهيوني ولجمه، ومنعه من مواصلة سياسة الاستفراد بالقدس والضفة الغربية، وإجباره على التوقف عن عمليات الاستنزاف المستمرة التي تستهدف المواطنين الفلسطينيين، ودفعه لتبريد جبهاتها والكف عن العدوان عليها، والإقلاع عن سياسة الغش والخداع، والكذب والتمويه، ليس إلا القوة المسلحة والمقاومة القادرة، وتنسيق الجهود ووحدة الساحات وتسخين مختلف الجبهات، وتعدد أشكال القتال، ليشعر بجدية المواجهة، وجاهزية المقاومة، وارتفاع كلفة العدوان، فهذا عدوٌ لا يردعه إلا الدم، ولا يوقفه عند حده سوى خسارة الأرواح وتلف الأبدان، إذ ما عادت لديه عقيدة تدفعه، ولا قيم مشتركة تجمعه، ولا أحلام توراتية تحرضه، ولا قادة تاريخيين يقودونه ويكونون لمستوطنيه قدوةً ومثالاً.

 

بيروت في 31/5/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojh7R2hO%2BsiYTKo67h-D-iauxH0%3D-qZeWZqDckxY_NHY3w%40mail.gmail.com.

Saturday, 27 May 2023

{الفكر القومي العربي} الحربُ الدولية على النكبة سياسةٌ مقصودةٌ وأهدافٌ معلومةٌ

الحربُ الدولية على النكبة سياسةٌ مقصودةٌ وأهدافٌ معلومةٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

كأنه لا تكفيهم النكبة التي أصابت الشعب الفلسطيني، وما لحق به من شتاتٍ وضياعٍ ولجوءٍ وفقدٍ وحرمانٍ، وما نزل به من المحن والابتلاءات والحروب والكوارث، ولا يعنيهم الظلم الفادح البَيِّن المبين الذي وقع عليه والعدوان الذي يمارسه العدو الصهيوني ضده كل يومٍ، وعمليات القتل والإعدام والاعتقال والمصادرة والتضييق والحصار والعقاب الجماعي، وغيرها من الممارسات العدوانية العنصرية البغيضة التي يمارسها ومستوطنوه ضد الفلسطينيين في عموم وطنهم المحتل، وضد مقدساتهم وحرماتهم وقبورهم وتاريخهم وتراثهم وحضارتهم، وكأن الفلسطينيين ليسوا شعباً ولا ينتمون إلى أمةٍ، وليسوا بشراً ولا يستحقون العيش الكريم شأنهم شأن غيرهم من الأمم والشعوب التي تنعم بالحرية وترفل بالعافية وتتمتع بالاستقلال.

 

تلك هي مجموعة من الدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة الأمريكية، الذين يوالون الكيان الصهيوني ويقفون معه، ويؤيدون سياسته ويدعمون دولته، ويشجعون حكوماته ويصمتون عن جرائمه، ويساندونه في بغيه وعدوانه، ويمدونه بالمال والقوة والسلاح وتقنيات القتل والإبادة، قد تكاتفوا وتعاونوا، وتعاضدوا واتفقوا، ووقفوا معارضين للفلسطينيين ومن تضامن معهم، وتصدوا لهم وفضوا جمعهم، وأصدروا قراراتٍ تمنعهم وأخرى تعاقبهم، ورفضوا أن يحيوا في بلدانهم ذكرى النكبة الأليمة التي لحقت بالأمتين العربية والإسلامية، وأن يستعرضوا معاناة الشعب الفلسطيني، ويذكروا المجتمع الدولي بمسؤولياته القانونية والإنسانية تجاه شعبٍ شُرِّدَ ووطن أُحتُلَ ومقدسات دُنِست وحرمات انتُهكت.

 

عارضت مجموعة الدول الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا وألمانيا والبرتغال، أي نشاطٍ يتضامن مع فلسطين وأهلها، أو يذكر بها وبشعبها، ويحرض على تحريرها واستعادتها، وتطهير مقدساتها وعودة أبنائها، ووقفت ضد أي فعاليةٍ تنظم، وحذرت القائمين عليها والمنظمين والراعين لها وتوعدتهم، واعتبرت أي نشاطٍ يقومون به شكلاً من أشكال الفوضى وخرق القانون، وحذرت بمحاسبة المخالفين ومعاقبتهم، فيما يبدو أنه عملية ترهيب سافرة ضد أصحاب الحق المضطهدين المظلومين، حيث رفعت حكومات بعض الدول الأوروبية سيف قوانينها الجائرة ضد الفلسطينيين، وهددت باتخاذ قراراتٍ أكثر شدةً وحزماً ضدهم.

 

غريبٌ موقف هذه الدول الأوروبية التي تدعي الديمقراطية والحداثة، وتتظاهر بالحضارة والتمدن، وتدعو إلى احترام حقوق الإنسان والحفاظ على كرامة الشعوب، كيف تقف ضد شعبٍ يُظلم أمام عيونها كل يومٍ، ويُقتل أبناؤه ويُعتدَى عليه على مرأى ومسمعٍ من سفاراتهم وقنصلياتهم ووسائل إعلامهم، وكيف تصنف الكيان الصهيوني القاتل الباغي والمعتدي الظالم، الذي لا يحترم حقوقاً ولا يلتزم نظاماً، ولا يعترف بالقوانين ولا يؤمن بالشرائع، بأنه كيانٌ ديمقراطي ينبغي أن يُعترف به ويُحترم، وأن يُقدر ويكرم، وأن تصان حدوده وتحفظ حياة سكانه، وأن يعيش بأمنٍ وسلامٍ على أرض شعبٍ طرده واستولى على دياره وممتلكاته.

 

إنهم بسياستهم المستنكرة ومعاييرهم المزدوجة يساندون الظلم ضد العدل، والهمجية ضد الإنسانية، والكراهية ضد السماحة، والعدوان ضد السلام، والجريمة ضد القانون، ولا يترددون في إظهار صورتهم الحقيقية التي ساهمت في خلق الكيان الصهيوني القاتل، رغم أنهم يتحملون مع المجتمع الدولي جزءً كبيراً من المسؤولية عن النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، وعليهم يقع عبء التكفير عن هذه الجريمة التي اقترفها آباؤهم وتمسك بها خلفهم، فإن كان صمتهم عن العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني جريمةً، فإن منعهم الفلسطينيين من الشكوى والاعتراض، ومن التظاهر والتضامن، هو شراكة في العدوان، ومسؤولية كاملة عن الانتهاكات.

 

ألا ترون أن الدول الأوروبية التي تمنع إحياء ذكرى النكبة تتساوق وتتماهى مع الكيان الصهيوني الذي شرع قوانين تمنع إحياء ذكرى النكبة، وأصدر قراراتٍ اعتبر بموجبها أن أي فعالية تضامنية مع الفلسطينيين في يوم النكبة جريمة يحاسب عليها القانون، فهو يعتبر أن يوم النكبة هو يوم فرحةٍ عنده، فهو يمثل يوم الاستقلال وإعلان تأسيس الدولة، والدول الأوروبية التي تحرم الفلسطينيين من الجأر والشكوى والصراخ، والتظاهر والرفض والاعتراض، تهنئ الكيان الصهيوني في هذا اليوم بمناسبة "الاستقلال"، وترسل لحكومته رسائل تهنئة ومباركة، وتشارك سفارته في عواصمها في احتفالاته بهذه المناسبة.

 

إنهم والكيان الصهيوني يريدون أن يشطبوا التاريخ ويتجاوزوا الماضي، وأن يتحللوا من الجريمة ويتخلصوا من الخطيئة، وأن يطمسوا العقول ويغيروا المفاهيم، ويتعمدون محاربة الفلسطينيين في ذكرى نكبتهم لتنسى أجيالهم بلادها، وتتخلى عن أحلامها بالعودة إلى وطنها واستعادة حقوقها، ويأملون أنهم بأفعالهم الشنيعة هذه يستطيعون شطب الحقوق الفلسطينية، وتشريع الاغتصاب الصهيوني، وخلق وقائع جديدة تنسي الفلسطينيين ماضيهم، وتفصلهم عن تاريخهم، وتجعلهم يقبلون بالواقع الحالي، ويسكتون عن المطالبة بتغييره والعودة إلى الأصول الأولى التي كانوا عليها في وطنهم الحر وعلى أرضهم المباركة، إلا أن ذاكرة الفلسطينيين لا تشطب، وأجيالهم لا تنسى، وأبناؤهم لا يفرطون، وعن حقوقهم مهما طال الزمن لا يتخلون ولا يتنازلون.

 

 

بيروت في 27/5/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjgH2XtP4sFMiLYEZ5HBXrHHwXH9X-fig8T3RVViZ5WNUQ%40mail.gmail.com.

Wednesday, 24 May 2023

{الفكر القومي العربي} في عيد المقاومة ويوم التحرير لفلسطين عهدٌ ووعدٌ


في عيد المقاومة ويوم التحرير لفلسطين عهدٌ ووعدٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

إنه يومٌ من أيام الله عز وجل المجيدة، وهي ساعاتٌ من عمر الأمة خالدةٌ، ومشاهدٌ من العزة والكرامة عظيمةٌ، وصورٌ من القوة والقدرة واعدةٌ، ومظاهرٌ كثيرة تشي بالعظمة والرفعة، ولوحاتٌ ملحميةٌ تمتاز بالجرأة والشجاعة، ومهاراتٌ فنيةٌ وعسكريةٌ مبتكرةٌ، وعروضٌ فرديةٌ وجماعيةٌ تحمل الأمل وتطرق أبواب النصر، وحركاتٌ تحاكي الحلم وتنهض بالآمال، وجبالٌ شاهقاتٌ تطل على الأرض المباركة، تمدُ إليها يدها مصافحةً، وترنو بعيونها إليها صادقةً، وهي تقف أمامها شامخةً، وتهمس في آذان أهلها واثقةً أن النصر قادمٌ، وأن فجر الحرية عما قريبٍ آتٍ، وما هي إلا سويعاتٌ وينبلج الصبح وتشرق الشمس على فلسطين من جديدٍ بلا عدوٍ يحتلها، ولا وافدين غرباء يستوطنون أرضها ويضطهدون شعبها، ويعيثون فساداً في أكنافها.

 

إنها المناورة العسكرية الحية التي نفذتها المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان بالقرب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعت إليها نخبةً من الإعلاميين العرب والأجانب، وثلةً من الشخصيات اللبنانية والفلسطينية، الذين لبوا الدعوة مبتهجين، وعجلوا بحجز أماكنهم شاكرين للجنة الإعلامية في حزب الله دعوتهم، وقد مَنَّوا أنفسهم بسبقٍ إعلاميٍ كبيرٍ، واستعدوا لتغطيةٍ إعلاميةٍ مختلفةٍ، وهي المناورة التي كانت قيادة حزب الله قد أعلنت عنها وتهيأت لها، وحددت مكانها وزمانها، وقد بدا منذ الإعلان عنها أنها ستكون استعراضاً عسكرياً مختلفاً، وستكون لها رسائلها المباشرة المتعددة العناوين والاتجاهات، والمختلفة المضامين والمعاني، وستتجاوز الأسلحة والقدرات إلى النوايا والتوجهات والمقاصد والغايات.

 

بكل فخرٍ واعتزازٍ لبيتُ الدعوة وشهدتُ المناورة، وقد سعدتُ أنني واحدٌ من الذين شاهدوا بأم العين فعاليات مناورة النصر، وتابعوا عن قربٍ مشاهد المعركة وسيناريوهات الهجوم والتحرير، فشعرتُ بزهوٍ كبيرٍ وطمأنينةٍ عاليةٍ إلى قدرات المقاومة وإمكانياتها، واطمأنت نفسي إلى جاهزيتها واستعدادها، وإلى إقدامها وصدقها وعزمها وجدها.

 

فقد كانت المناورة هجوميةً ولم تكن دفاعية، وكانت أحداثها تجري داخل مستوطنات العدو، بعد أن هاجمتها المقاومة بمختلف الأسلحة المناسبة، في إشارةٍ واضحةٍ لا تحتمل التأويل، ولا يختلف في تفسيرها الأعداء والمحبون، فقد قالت المقاومة الإسلامية في مناورتها للعدو وغيره، بلغةٍ واضحةٍ صريحةٍ مباشرةٍ، أننا اليوم نغزو ولا نُغزى، ونهاجم ولا يعتدى علينا، وأننا بتنا على أعتاب النصر ومشارف التحرير، وأن المعركة القادمة بيننا وبينه هي المعركة الفصل وهي الحرب الخاتم، التي ينتهي فيها كيانهم ويزول ملكهم، في الوقت الذي تشرق فيه شمس فلسطين وقد تحررت من الاحتلال، وعاد إليها أهلها واللاجئون.

 

أكاد أجزم أن غالبية من شهدوا المناورة لم يكونوا على علمٍ بتفاصيلها، ولا يعرفون شيئاً عن فقراتها، وكثيرٌ منهم قد شهد حروباً سابقة، أو شارك في تغطية يوميات معارك وحروب طاحنة، لكنهم وقد أخذوا مواقعهم أمام المنصة، وتهيأوا لمشاهدة فقرات المناورة، ما كانوا يعلمون أنهم سيشهدون معركةً حقيقيةً متعددة الجبهات، وملحمةً بطوليةً مختلفة المشاهد، وسيرون أسراب المسيرات، وعربات ودراجات الهجوم والاقتحام، وأفراد فرقة الرضوان وفرق النخبة الأخرى وهم ينفذون مهام قتالية وعملياتٍ هجومية مختلفة، ويجرون محاكاةً دقيقة لاستهداف آلياتٍ عسكريةٍ وتدميرها، ويسوقون طواقمها أسرى ويسحبون جثت القتلى، وأخرى للهجوم على مستوطنةٍ والسيطرة عليها، وإنزال الأعلام الإسرائيلية ورفع أعلام المقاومة مكانها.

 

إلا أنني أجزم أن العدو الإسرائيلي قبل غيره قد أدرك أنه المقصود وحده بهذه المناورة، وأنه المستهدف بها دون غيره، وأن نارها ستحرقه، وأن المقاومة تحذره، وأن الصواريخ التي أطلقت تستهدفه، وترسل له رسائل واضحة ومباشرةً، بأنها ومحور المقاومة تتربص به وتتهيأ له، وتستعد لقتاله وتتجهز لمواجهته، وأنها لن تسكت عنه ولن تخاف منه، وأنها سترد عليه وستردعه، وأن الزمان الذي كان يظن فيه أنه يملك الجيش الأقوى والأكثر فتكاً قد ولى وانتهى، فقد بات في مواجهة مقاومةٍ مدربة ومؤهلة، وقادرة وجاهزة، وموحدة القيادة ومنسقة الجهود، وتملك القدرة والشجاعة على مواجهته، ولديها الثقة واليقين أنها ستغلبه وستنتصر عليه.

 

أما الفلسطينيون وأنا أحدهم، وقد خرجنا للتو من معركة "ثأر الأحرار"، فقد شعرنا بأن هذه المناورة العسكرية التي أقلقت العدو وأزعجته، وزادت من عمق أزمته وشرخ جبهته، قد أفرحتنا وأسعدتنا، وأشعرتنا بأننا لسنا وحدنا في المعركة، وأن هناك من ينتصر لنا ويعمل معنا، ويعد العدة ويتجهز لخوض المعركة إلى جانبنا والانتصار لنا، وكأن هذه المناورة هدية لنا على صبرنا، ومكافأةً لنا على صمودنا، ورسالةً لنا من على أرض المعركة وميادين القتال أن لكم جنداً ينصرونكم، ومدداً يردفكم، ومقاومةً تقاتل معكم.

 

بحول الله عز وجل وقدرته، وبعد التوكل عليه والاستعانة به، فإننا لن نغلب اليوم من قلةٍ، ولن ينتصر علينا العدو لضعفٍ أو عجزٍ، ولن يرهبنا ويخضعنا لقوةٍ فيه أو تفوقٍ لديه، ولن يستفرد بنا أو يستقوي علينا لفرقةٍ بيننا أو خلافٍ يعصفُ بنا، ولن ينال من فريقٍ منا ويستفرد بآخر فينا، فقد بتنا اليوم بفضلٍ من الله ونعمةٍ، نمتلك قوةً رادعةً، وقدرةً فائقةً، وأسلحةً متفوقةً، ومن قبل لدينا الصدق واليقين والعزم والإيمان، والجاهزية والاستعداد، والإرادة الحرة والقرار المستقل، ونجحنا بحمد الله وفضله من فرض قواعد للحرب جديدة، ورسمنا معادلاتٍ للصراع كاسرةً وألزمنا العدو بها وأخضعناه لها، ولعله اليوم أكثر من يعيها ويفهمها، ويخاف منها ويخشاها، تماماً كما قرأ المناورة ووصلته رسائلها، وساء وجهه بسببها، وتكدرت حاله لتداعياتها. 

بيروت في 25/5/2023

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjgsKCydANNQUjq%3Dfa8kMfrocA_HLCM7ve1bhBKVTT5pyw%40mail.gmail.com.

Friday, 19 May 2023

{الفكر القومي العربي} نحنُ إلى القدس أقربُ وهم عنها أبعدُ

نحنُ إلى القدس أقربُ وهم عنها أبعدُ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

قديماً... ربما كان الإسرائيليون أقرب إلى تحقيق الحلم اليهودي بتهويد مدينة القدس، وشطب هويتها العربية والإسلامية، وتحويلها إلى مدينة يهودية خالصة، وتبديل أسماء شوارعها وميادينها وساحاتها إلى أسماء يهودية قومية ودينية، وإطلاق أسماء توراتية وتلمودية عليها كأسماء ملوكهم وأنبيائهم وقادة جيوشهم وزعماء أحزابهم، وربما كانت خطواتهم حينها متسارعة وناجحة، ومنظمة ومنسقة، ومبرمجة ومتدرجة، وقد استطاعوا خلال سنواتٍ قليلةٍ، وبسهولةٍ كبيرةٍ، تحقيق الكثير من الإنجازات التي كانوا يحلمون بها، مدفوعين بحلم استعادة ممالكهم القديمة، التي يعتقدون أن "أورشليم" كانت عاصمتها، و"يهودا والسامرة" كانت أقاليمها، وأنهم بعودتهم إليها وسيطرتهم عليها يستعجلون زمان إعادة بناء هيكل سليمان الثالث.

 

فقد أعلن الإسرائيليون القدس عاصمةً أبديةً موحدةً لكيانهم، ونقلوا إليها مقرات كيانهم السيادية، وحاربوا كل سيادةٍ وهويةٍ وأصولٍ عربيةٍ فيها، وأقنعوا عدداً من الدول بالاعتراف بها عاصمةً، وطلبوا منها نقل سفارتها إليها، وضيقوا على الفلسطينيين فيها، وهدموا بيوتهم ومساكنهم وطردوهم منها، وصادروا ممتلكات الغائبين والموجودين، وحرموا المواطنين من مشاريع التوسعة والترميم، والصيانة وتقديم الخدمات، وسهلوا إجراءات اقتحام المسجد الأقصى تحت ستار الزيارة، وسمحوا لليهود بأداء الطقوس الدينية فيها، وجعلوا من وجودهم في باحاته والتجوال في ساحاته أمراً طبيعياً عادياً، تألفه العيون وتقبل به النفوس ولا يعترض عليهم أحد.

 

ساعدهم في العقود السابقة على تحقيق أحلاهم وتنفيذ مخططاتهم، الواقعُ العربي البئيس المشرذم الضعيف، وعجز الأنظمة العربية عن الدفاع عن المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وانشغالها بنفسها عن القضية الفلسطينية، وإهمالها للواجب المكلفة به تجاهها دينياً وقومياً وإنسانياً، والتزامها بالسياسة الأمريكية وخضوعها لها، حيث فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عليها الاعتدال في مواقفها، وعدم الإنجرار إلى مواقف متطرفة وسياساتٍ متشددة في مواجهة المخططات الإسرائيلية، والعمل على تهدئة الشعوب الإسلامية من خلال مؤسساتٍ رسمية تعنى نظرياً بشؤون القدس والمقدسيين، بينما تقف عاجزة عملياً عن الدفاع عن المدينة وسكانها ومقدساتها التي كانت تتهاوى أمام معاول الهدم والتخريب الإسرائيلية.

 

وقد نجحت السياسة الأمريكية التي تعمل لخدمة الكيان الصهيوني وتسعى لتأمين احتياجاته المختلفة، في تهدئة ردود الفعل العربية الرسمية، وضبطها ضمن سياسات الإدانة والاستنكار والمعارضة الشكلية، والاكتفاء بإصدار بيانات تدين وتستنكر خروج الكيان الصهيوني بإجراءاته الاستفزازية ضد القدس والمسجد الأقصى عن الوضع التاريخي للمدينة، ومخالفته للاتفاقيات والتفاهمات الدولية، القاضية بالحفاظ على الوضع التاريخي للمدينة ومقدساتها، والإبقاء عليها تحت رعاية المملكة الأردنية الهاشمية.

 

وبموجب هذه السياسة المضبوطة امتص العرب والفلسطينيون حرق المسجد الأقصى المبارك عام 1969، وسكتوا عن الاعتداء على قبة الصخرة المشرفة عام 1982، وغضوا النظر عن الحفريات الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى، وعن عمليات البحث والتنقيب والتخريب، وبناء الجسور وصيانة الأدراج وغلق البوابات وفتح بعضها أمام الزوار اليهود، وغير ذلك من الإجراءات التي اعتاد العرب على تجرعها والقبول بها، والاستهانة بها وعدم الرد عليها، بينما كانت تصب جميعها في خدمة المشروع الصهيوني.

 

شعرت حكومات الكيان الصهيوني أنها حققت ما تريد، ونالت ما تمنت، وظنت أن مدينة القدس قد أصبحت لهم وحدهم، بعد أن زرعوا فيها عشرات المستوطنات، وجلبوا للعيش فيها عشرات آلاف المستوطنين، وقاموا بتوسيع حدودها على حساب أراضي رام الله والخليل وبيت لحم، وبدأوا في تنفيذ أحزمة القدس الكبرى، وبناء الحدائق والمنتزهات العامة، وشق الطرق وتوسيع الشوارع، وذلك بالاعتداء على حقوق المواطنين الفلسطينيين في مختلف قرى وبلدات مدينة القدس، التي أصبحت أرضها مستباحة للحكومات الإسرائيلية ولغلاة المتطرفين اليهود، الذين اعتادوا على الاعتداء على حقوق وممتلكات الفلسطينيين في المدينة، وهم يخططون وقد زاد عدد المستوطنين اليهود في المدينة عن 300 ألف مستوطنٍ، إلى الخلاص بكل الطرق من الإنسان الفلسطيني واقتلاعه منها، وسحب هويته وإنهاء إقامته ومنعه من الحياة فيها.

 

لكن طمأنينة الكيان الصهيوني لم تدم طويلاً، وإحساسه بالأمن والاستقرار لم يطل كثيراً، إذ انطلقت مقاومة فلسطينية قوية فتية صلبة عنيدة، واثقة مطمئنة وتعتقد أنها على الحق، ولديها اليقين أنها ستنتصر على عدوها، وستتمكن من هزيمته وتفكيك كيانه، وستطرده من فلسطين كلها، وستطهر مقدساتها منهم، فطفقت تقوم بعمليات تجهيز وإعداد وتدريب وتأهيل، حتى أصبحت تمتلك القوة التي تقلق بها العدو وتزعجه، وتهدد أمنه وتعرض مشاريعه للخطر، وامتلكت القدرة والجاهزية لقصف مدنه، واستهداف قلبه قبل أطرافه، فهددت مشاريعه، وأفسدت خططه، وأخافت المستوطنين ودفعت عشرات الآلاف منهم للهجرة أو الهروب من مناطق الحدود إلى الوسط الذي بات لا يحميهم إذ وصلته صواريخها ودكته.

 

أمام تنامي قدرات المقاومة، وبعد الحروب والمعارك الفاشلة التي شنها العدو على المقاومة الفلسطينية، وفشله في تحقيق أهدافه، ووقوفه مذهولاً أمام الشعب الفلسطيني وأجياله الجديدة الواثقة بالنصر والمصرة على التحرير، والمتمسكة بالحقوق والثوابت، وأمام سيل عمليات المقاومة وتنوعها، وإقدام الشباب وتنافسهم، واندفاعهم نحو الشهادة بثباتٍ ويقين، بات الإسرائيليون يدركون أنهم يبتعدون عن مشروعهم، ويخسرون إنجازاتهم، وتتبدد أحلامهم، وتغور أمانيهم، ويتفكك مجتمعهم، وتتصدع جبهتهم، ويهرب مستوطنوهم، بينما يقترب الفلسطينيون من تحقيق حلمهم واستعادة أرضهم وتحرير وطنهم، ويصبحون يوماً بعد آخر أقرب إلى النهوض واستعادة الحقوق، وتفكيك المشروع الصهيوني وإجبار من بقي منهم على المغادرة والرحيل، وسيكون هذا اليوم قريباً بإذن شاء الله، نعد فنحن على أعتابه نتجهز له ونستعد، ويترقبه العدو ويتوقعه.

 

بيروت في 20/5/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjiU6r-f37YCGtCp6sqQDsQrQLgsva3VUbAQXkjSBF80SQ%40mail.gmail.com.

Monday, 15 May 2023

{الفكر القومي العربي} يومُ النكبة إعدادٌ واستنهاضٌ وتحريضٌ واستنفارٌ

يومُ النكبة إعدادٌ واستنهاضٌ وتحريضٌ واستنفارٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

كفانا بكاءً وعويلاً ووقوفاً على الأطلال ونحيباً، وحزناً على ما مضى وأسفاً على ما كانَ، ونشيجاً على ما ملكنا وشدواً على ما جمعنا، فلا البكاء يعيد المجد ولا الأسى يبنى الأوطانَ، ولا الذكريات تشفي القلوب ولا الأماني تعالج الجراح، ولا الآهة تحيي الموتى ولا الصراخ يبعث جديداً، ولا المفاتيح الصدئة تفتح أبواباً، ولا الأوراق البالية تعيد حقوقاً، فهذه الدنيا تؤخذ غلاباً، القوي فيها باقٍ والخائر فيها ضائعٌ، ولا مكان فيها لباكٍ أو متسولٍ، ولا تقدير فيها لضعيفٍ أو ساكنٍ، ولا بقاء فيها لمن هانت نفسه وخضعت روحه وخارت قوته، ولا عودة لمن استعظم عدوه وخاف قوته، وخشي بأسه وهرب من مواجهته.

 

تكفي خمسٌ وسبعون سنةً من التيه والضياع، ومن التشرد واللجوء، ومن النزوح والحرمان، ومن التشتت والحيرة، والغربة والهجرة، والطرد والإبعاد، فلم يعد هناك متسعٌ لسنين أخرى نضيفها، ولا لهوانٍ آخر نتجرعه، ولا لشتاتٍ آخر نجربه، أو نزوحٍ جديدٍ نكابده، فما ذاقه الفلسطينيون على مدى خمسة وسبعين عاماً من عمر النكبة يكفيهم، وما عانوه طوال محنتهم يفوق قدرتهم ويتجاوز استطاعتهم، فما من بقعةٍ في الأرض إلا وفيها بعض منهم، وما من دولةٍ إلا وتستضيف على أرضها بعضاً منها، حتى غدوا في أقاصي الأرض وجهاتها الأربع، يسكنونها رغماً عنهم، ويعيشون فيها محرومين من وطنهم وبعيداً عن ديارهم.

 

تكفي خمسٌ وسبعون سنة من الموت والشهادة، ومن السجن والاعتقال، ومن الفقد والثكل، ومن المعاناة والألم، فقد استشهد عشرات آلاف الفلسطينيين في سني المواجهة وأثناء سنوات القتال والمقاومة، وتعرضوا لمذابح دموية ومجازر حقيقية، واستهدفهم العدو بالطرد والاستئصال والنفي والإبعاد، وتوفي بحسرةٍ وأسى بعيداً عن الوطن عشرات آلافٍ آخرين، وقد كانوا يتوقون إلى العودة ويتطلعون إلى استعادة حقوقهم وتحرير وطنهم، ولكنهم دفنوا كما عاشوا غرباء في منفاهم، بعيداً عن وطنهم، وغير مسموحٍ لهم أن يعودوا أمواتاً إليه، ولا أن تحتضن الأرض أجسادهم، أو يبقى لهم فيها ذكرٌ أو أثر، وعلامةٌ أو قبرٌ.

 

لا ينسى الفلسطينيون على مدى سنوات النكبة الأليمة التي نطوي اليوم ذكراها الخامسة والسبعين، ما يزيد عن المليون معتقلٍ وأسير، الذين عانوا في السجون والمعتقلات الإسرائيلية صنوف العذاب الشتى وأشكال الاضطهاد العديدة، وحرموا لعشرات السنوات من أسرهم وعائلاتهم، ومن زوجاتهم وأولادهم، وقد استشهد في الأسر وخلف القضبان الكثير منهم، وعانى من خرج منهم من أمراض مستعصية ومشاكل صحية وأخرى نفسية جراء التعذيب والحرمان وسوء المعاملة.

 

تكفي كل تلك السنوات المريرة وهذه المعاناة الطويلة، فلن نسمح لسنواتٍ أخرى أن تمر ونحن على هذا الحال، ولن نقبل من المجتمع الدولي أن يغض الطرف عن معاناتنا، أو أن يسكت على محنتنا ويرضى بنكبتنا، ولا أن يكيل العدالة بمكيالين ويكافئ الغاصبين ويقف معهم، ويؤيدهم ضدنا وينصرهم، فما تعرضنا له يفوق ما تعرض له أي شعبٍ آخر عبر التاريخ، وقد آن الأوان لتغيير الحال وتصحيح المسار، واستعادة الحقوق وتحرير الأرض، وعودة اللاجئين وتعويض المتضررين، ولن نقبل بإحياء ذكرى النكبة مرةً أخرى، بل سنعود إلى ديارنا ونحرر وطننا، ونطرد المحتلين من بيوتنا، ونستعيد حقوقنا التي كانت، ونطهر مقدساتنا التي ما زالت.

 

لكن هذه الأماني الجميلة والطموحات الكبيرة لا تتحقق دون تغيير حقيقي في الرؤية والمنهج، وفي الهوية والنظرية، وفي الغاية والهدف، وفي العمل والممارسة، وفي النضال والمقاومة، وفي الإعداد والتجهيز، وفي التعبئة والتحريض، وفي القيادة والمرجعية، وفي المحيط والحاضنة، وفي مواجهة العدو والتعامل مع المجتمع الدولي، وإلا فإن سنين أخرى ستمضي، وأجيالاً أخرى ستذهب، وسيذوي شعبنا وتذوب آماله وتتلاشى أحلامه، وسيتمكن اليهود في أرضنا أكثر، وسيجلبون المزيد من المستوطنين إلى بلادنا، وسيطردون من بقي فيها من أهلنا صامداً في أرضه وثابتاً على حقه.

 

لن تنتهي سنوات النكبة وتداعياتها الأليمة، ولن تصبح أيامها من ذكريات الأمة المريرة وصفحاتها السوداء المشينة، ولن نتخلص من نتائجها المرة وظلالها المقيتة، ما لم نطوِ صفحات الفرقة والانقسام، ونقضِ على مظاهر الخصومة والخلاف، ويتحد شعبنا وتتفق قواه، وتتلاقى قيادته وتجتمع كلمته، وتكون يدنا واحدة وصفوفنا متحدة، ورؤيتنا واضحة وطريقنا معروف، ونهجنا مقاوم وسلاحنا حاضر، وعمقنا معنا وحاضنتنا تؤيدنا، وشعبنا يحبنا وأمتنا تساندنا، ولا يكون فينا ولا معنا متخاذلٌ أو متعاون، ولا منسقٌ أو متخابرٌ، فهذه قضيةٌ مباركةٌ ومقاومةٌ شريفة، لا يشارك فيها إلا الطهور، ولا ينتمي إليها ويعمل فيها إلا المخلص الصدوق.

 

لكن ذلك كله لا يكون ولا يتحقق، رغم الشعب الجسور والمقاومة القوية، والأمة الواعية والإرادة الحاضرة، ما لم تكن لنا قيادةٌ رشيدة قويمة، حكيمةٌ رشيدة، مخلصةٌ صادقة، مضحيةٌ متفانية، سباقةٌ معطاءةٌ، تكون لشعبها نموذجاً ولأهلها مثالاً، وتتصف بالرحمة عليهم وبالشدة على عدوهم، وتعيد إلى العمل ميثاق منظمتها وثوابت نضالها، وتتفق على حقوق شعبها وحرمة الاعتراف بعدوها، وإلا فإن النكبة ستعود علينا أعواماً مجيدة وسنين مديدة، وسينعم العدو في بلادنا سنواتٍ أخرى كثيرة.

 

بيروت في 16/5/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjjJDQp6-Y6O90yQSyCwEcUONFrzC7pxHyTHKHYhyE11fA%40mail.gmail.com.

Sunday, 14 May 2023

{الفكر القومي العربي} التهدئة بين ضمانة الوسيط وقوة المقاومة

التهدئة بين ضمانة الوسيط وقوة المقاومة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

وضعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أوزارها، وتوقفت الغارات الجوية، وعادت الطائرات الحربية إلى مطاراتها، وتعهدت حكومة الكيان للوسيط المصري بعد خمسة أيامٍ من العدوان بالتوقف عن عمليات استهداف الأفراد وهدم البيوت والمساكن، وفتح المعابر التجارية والفردية مع قطاع غزة، والسماح بإدخال الشاحنات التجارية والمؤن والمساعدات الإنسانية، وشاحنات الوقود اللازمة لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، واستعادة أجواء الهدوء والحياة الطبيعية على جانبي الحدود مع قطاع غزة.

 

وفي المقابل التزمت حركة الجهاد الإسلامي وغرفة العمليات العسكرية المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية بالتوقف عن إطلاق الصواريخ على المدن والبلدات الإسرائيلية، والحفاظ على حالة الهدوء المتبادل ما التزم العدو ببنود الهدنة، ولم يقم بخرقها، وامتنع عن استئناف العمليات الحربية التي تستهدف الأشخاص والبيوت، علماً أن المقاومة الفلسطينية احتفظت بحقها الدائم في الرد، وكانت قد أطلقت قبل أقل من ساعة من دخول اتفاق التهدئة حيز التنفيذ قرابة مائة صاروخ نحو بلدات الغلاف ومحيط قطاع غزة.

 

ربما لا يرضى الفلسطينيون عن هذه التهدئة كثيراً ولا يعجبهم توقيتها، التي تأتي قبيل أيامٍ قليلة من مسيرة الأعلام اليهودية، التي يخطط لتنظيمها متطرفون إسرائيليون، ويراهن على نجاحها أقطاب حكومة اليمين وفي مقدمتهم إيتمار بن غفير وبتسليئيل سموتريتش، اللذان يعتبران نجاح المسيرة تحدياً للفلسطينيين وإرغاماً لمقاومتهم وهزيمةً لها، وهي المسيرة التي حالت المقاومة دون نجاحها أكثر من مرةٍ، مما جعل تنظيمها هاجساً يقلق المتطرفين ورهاناً يصرون عليه.

 

لكن الهدنة تم التوصل إليها، وأعلن الطرفان التزامهما بها، وباركتها إلى جانب مصر دولٌ وحكومات كقطر والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وبذلك أصبحت أمراً واقعاً، وكان قد جرى التوصل إليها بجهودٍ مصريةٍ بعد خمسة أيامٍ من العدوان الغادر الذي خلف 33 شهيداً وأكثر مائة جريحاً، ودمر عشرات البيوت والشقق السكنية، وألحق دماراً وخراباً واسعاً في أنحاء متفرقة من قطاع غزة، شمل الأراضي الزراعية والمنشئات الصناعية ومعسكرات التدريب ومنصات الصواريخ ومخازن السلاح.

 

ليست المشكلة في الموافقة على الهدنة وإعلان القبول بها، خاصةً أن هذه ليست الهدنة الأولى بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، فقد سبقتها عشرات التفاهمات والتهدئات والهدن المختلفة الأسماء والمتعددة البنود والمتنوعة الشروط، ولو أنه تم الالتزام بأولها وحافظ أطرافها على بنودها، ما كانت هناك حاجة لغيرها، ولكن التفاهمات السابقة قد سقطت كلها وانتهت، ولم يتم الحفاظ عليها والالتزام ببنودها، وتم خرقها من طرف العدو أكثر من مرةٍ، حتى أصبحت بحكم المعدومة وغير الموجودة.

 

نتيجة الخبرة ومعرفة الفلسطينيين بالعدو الإسرائيلي فإنهم لا يتوقعون منه التزاماً بالهدنة، ولا يستبعدون قيامه بخرقها في أقرب الآجال، وعودته إلى عمليات القصف والتدمير والاغتيال، فقد اعتادوا على السياسة الإسرائيلية، التي تمثل امتداداً للجبلة اليهودية القديمة، فهم أقوامٌ لا عهد لهم ولا ميثاق، ولا أمانة عندهم ولا شرف، ولا يرقبون في الفلسطينيين إلاً ولا ذمةً، ولا يحفظون معهم عهودهم أو يلتزمون باتفاقياتهم، والشواهد على تخوف الفلسطينيين منهم كثيرة، والحوادث على خرق العدو للاتفاقيات والتفاهمات معهم عديدة.

 

يأمل الفلسطينيون دائماً من الأشقاء في مصر أن يضمنوا الاتفاقيات، وأن يسهروا على تنفيذ التفاهمات، وأن يرغموا العدو على احترامها والوفاء ببنودها وعدم القيام بخرقها، فمصر هي الراعية والوسيط، وهي الضامنة والكفيلة، وهي دولةٌ لها مكانتها ومنزلتها، وتحترم كلمتها وتحافظ على سيادتها، ولا تقبل المساس بها أو الالتفاف عليها، ولهذا فإنهم يرجون منها بالقدر الذي تمارس فيها ضغوطها عليهم، أن تمارس الضغط نفسه على العدو الإسرائيلي، وأن تلزمه وتجبره، وأن تخضعه وتهدده، وألا تقبل منه خرقاً أو انتهاكاً، ولا تجاوزاً أو اعتداءً، وإلا ترفض الوساطة بينه وبين المقاومة، خاصةً أنه إليها يلجأ دوماً، طالباً وساطتها ومستجدياً جهودها، إذ لا غيرها يستطيع الحلول مكانها، وبدونها يصعب عليه التوصل إلى أي هدنةٍ يطلبها أو هدوءٍ يتطلع إليه.

 

لكن التجارب السابقة تشير إلى أن العدو الإسرائيلي لا يحترم أحداً ولا يلتزم عهداً، ولا يقدر الجهود ولا يحفظ الوعود، إذ يقوم بخرق الاتفاقيات ونقضها، ويسيء إلى الوسطاء ويهين الضامنين، ويعاود العدوان وارتكاب المجازر وتنفيذ الغارات، ويرتكب جرائم اغتيالٍ جديدة ويقوم بعمليات إعدامٍ ميدانية، وغير ذلك مما عودنا عليه طيلة سنوات الاحتلال.

 

أمام هذا الواقع الذي لا يمكن إنكاره، وهذا الشر الذي لا يمكن دفعه، والخلق الذي يستحيل تقويمه، والسياسة الخبيثة التي يصعب إصلاحها، فإنه لا سبيل أمام الفلسطينيين لإجبار العدو على القول بالشروط، والخضوع للبنود والالتزام بالاتفاقيات سوى الحفاظ على المقاومة قويةً قادرةً رادعةً جاهزةً، إذ أنها الوحيدة الكفيلة بردعه وزجره وضبط سلوكه، ولعل المقاومة تفهم دورها جيداً وتدرك وظيفتها حقاً، لهذا فهي تؤكد دائماً أنها جاهزة في الميدان لضبط كل وسوسة، ومحاسبة كل معتدٍ، والرد عليه بما يستحقه ويستأهله، ويردعه ويؤدبه، ويعيد إليه عقله ويزجره.

 

بيروت في 14/5/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Oji%2B8bpTesyaQmHPGyotmKug12HrcTZda0woTADLWLg0NQ%40mail.gmail.com.

Thursday, 11 May 2023

{الفكر القومي العربي} معركةُ ثأرِ الأحرارِ تبزُ عدوانَ السهمِ الواقي

معركةُ ثأرِ الأحرارِ تبزُ عدوانَ السهمِ الواقي

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

كعادتها تحرص المقاومة الفلسطينية أن تطلق على معاركها مع العدو الإسرائيلي أسماءً معبرةً، وصفاتٍ قرآنيةً، وصفحاتٍ تاريخيةً، وأماني وطنيةً، تعبر من خلالها عن المعنى الذي تريد، والهدف الذي تقصد، والغاية التي إليها تتطلع، والرسالة التي توجه، فكانت معارك "الفرقان" و"حجارة السجيل"، و"العصف المأكول"، و"سيف القدس"، في مواجهة "الرصاص المصبوب"، و"عامود السحاب"، و"الجرف الصامد"، و"حارس الأسوار"، فَعَلَت الأولى وهي المقاومة على الثانية المعتدية وانتصرت، وتغلبت عليها وتفوقت، وأرغمتها ومرغتها، رغم أن الثانية الإسرائيلية قوية ومدججة بالسلاح، ومدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، إلا أن الأولى وإن كانت أضعف مادياً، وأقل عدداً وأضعف سلاحاً، إلا أنها كانت دوماً هي الأعلى والأقوى، والأثبت والأبقى، والأكثر صموداً والأشد صبراً.  

 

حملت معركة المقاومة الفلسطينية الأخيرة في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة اسم "ثأر الأحرار"، رداً على "السهم الواقي" وهو الاسم الذي أطلقه جيش الاحتلال على عدوانه الأخير على الشعب الفلسطيني، ظاناً أنه بعدوانه الهمجي الذي طال الأطفال والنساء والمدنيين، وقتل الأسر والعائلات، ودمر البيوت والمساكن، أنه سيتمكن من إطفاء جذوة المقاومة، وإسكات فوهات البنادق، وتعطيل منصات الصواريخ، ومنع المقاومة من مواصلة مسيرتها واستكمال استعداداتها، وسيتمكن من تنفيذ مشاريعه الاستيطانية، واستفراده بالمناطق الفلسطينية، ومواصلة سياسة الاغتيالات التي أوغل فيها وأكثر منها.

 

إلا أن المقاومة الفلسطينية التي أخذت على عاتقها "ثأر الأحرار" ستفي بوعدها، وستحقق هدفها، وستواصل معركتها ضد العدو مهما بلغت قوته، وتمادى في وحشيته، واستمر في عدوانه، حتى تنال منه مرادها، وتحقق غايتها، فتثأر أولاً للأسرى الأحرار ثم للشهداء الأبرار، وتنتقم لهم من سجانهم ومن قاتلهم، ومن عدوهم ومعذبهم، فهذا وعدٌ قطعته على نفسها، ونذرت أبناءها للوفاء به، فالشهداء يستحقون، والأسرى يستأهلون، ولهم جميعاً علينا دينٌ وجبَ أداؤه، واستحق الوفاء به، ومنهم القادة الثلاثة الذين استشهدوا غدراً وغيلةً وعدد من أفراد أسرهم في غاراتٍ همجيةٍ إسرائيلية على بيوتهم ومساكنهم ضمن عدوانه المسمى "السهم الواقي".

 

ولعل آخر الأسرى الشهداء وأنبلهم الأسير الشهيد خضر عدنان، الذي ضحى بحياته في سبيل إخوانه الأسرى، ليمنع اعتقالهم، ويوقف التمديد الإداري بحقهم، ويحفظ حقوقهم، ويفرض حريتهم، فوجب على المقاومة إكرامه واستعادة جثمانه، والاحتفاء به وحُسنَ دفنه، والاحتفال به وتقبل التهاني باسمه.

 

الأحرار لا يكذبون ولا ينافقون، ولا يترددون ولا يتراجعون، ولا يخافون أو يجبنون، بل هم دوماً أشرافٌ شجعانٌ نبلاءٌ، صادقون مخلصون مضحون، يقاتلون كالفرسان بشرف من أجل قضايا الحق والعدل والشرف، وقد اعتدنا على المقاومة الفلسطينية أنها حرةٌ شريفةٌ، صادقةٌ مخلصةٌ، قويةٌ صلبةٌ، مقدامةٌ شجاعةٌ، تمتلك قرارها الحر، وتفي بوعدها الصادق، وتتميز بعزيمتها وإصرارها، وقوتها وقدرتها، وتناضل من أجل قضيتها، وتضحي في سبيل وطنها ومن أجل شعبها، فستكون لها الغلبة إن شاء في معركتها ضد العدو، وستثأر من حملةِ القِسي الظالمين، وستكسر سهم المعتدين الإسرائيليين، وستصبر على الضم والظلم، والأذى والعنت حتى تحقق أهدافها وتحرر أرضها وتستعيد حقوقها.

 

لعل المعركة ما زالت في بداياتها، ولم تطوِ بعدُ صفحاتها، وربما تشهد الكثير من الأحداث، فنحن على أعتاب الساعات الأولى من يومها الرابع، ولما تستخدم المقاومة الفلسطينية كل أسلحتها، ولم تكشف بعد عن مفاجئاتها، وما زالت تستخدم صواريخها القديمة المخزنة، التي تريد التخلص منها وتسعى للاستغناء عنها، فقد باتت تمتلك غيرها وتصنع أفضل منها، مما هو أبعد مدىً وأكثر دقةً وأشد تدميراً، وهو ما لا يعرف عنه العدو شيئاً أو يتوقعه، فهو يظن أن ما لدى المقاومة ليس أكثر من صواريخ حديدية عبثية عمياء طرشاء قصيرة المدى قليلة الأثر، وما علم أن ترسانتها قد زادت غنىً وتنوعاً، وفيها صواريخ ومسيرات، ومضادات وهاونات، وكورنيت مقذوفاتٌ كثيرةٌ متنوعة، وما ستشهده المعركة إن طالت أكثر مما يظنه، وأخطر مما يتوقعه.

 

كما انتصرت المقاومة الفلسطينية على العدو في معاركها الأولى، فإنها بإذن الله ستنتصر في معركتها الأخيرة، وستحبط المعتدين وستفشلهم، وستضعف جندهم وتمزق جمعهم، وستشتت صفهم وتفرق وحدتهم، وستكون لها الكلمة الأولى والأخيرة، وسيخشى العدو مواجهتها، وسيحرص على مهادنتها، وسيقبل هدنتها، وسينزل عند شروطها، وسيستجيب إلى مطالبها، وستخرج منتصرةً مرفوعة الرأس موفورة الكرامة، سيدة قوية مهابة، عزيزة كريمة مصانة، وسيحسب العدو حسابها، ولا يعيد المغامرة معها، وسيعض أصابعه ندماً على استفزازها والاعتداء عليها، ولن ينفعه ترميمٌ ولا تدريب، ولن تفيده قوة ولا مناورة، ولن ينهض من سقطته أبداً، ولن يجبر عورته أحد، وحينها سيعلم وحلفاؤه أي منقلبٍ ينقلبون.

 

بيروت في 12/5/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3OjibwQmD4VK7dZnK3x3F-yFbtC7AFL5eNEHNkuAWzHOH4g%40mail.gmail.com.

Tuesday, 9 May 2023

{الفكر القومي العربي} الجريمةُ الصهيونيةُ المؤلمةُ والردودُ الفلسطينيةُ المرتقبةُ

الجريمةُ الصهيونيةُ المؤلمةُ والردودُ الفلسطينيةُ المرتقبةُ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

أحسنت قوى المقاومة الفلسطينية، وفي المقدمة منها سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، إذ ضبطت جأشها، وكظمت غيظها، وأخَّرت ردها، وأحكمت تصريحاتها، وامتنعت عن القيام بردة فعلٍ آنيةٍ ومباشرةٍ، كان من شأنها لو تمت أن تريح العدو وتطمئنه، وتهدئ من روع المستوطنين الهاربين من كابوس رد المقاومة، التي تعلم أنه لا محالة قادمٌ، وأن تنهي استنفار الجيش وكبار ضباطه، وتعيدهم إلى وحداتهم وثكناتهم، وتسرح الجنود والضباط الاحتياط، والطيارين والخبراء، الذين استدعوا على عجل، وطُلب منهم الالتحاق بوحداتهم والاستعداد لكل طارئٍ ومفاجئٍ.

 

لكن قوى المقاومة الفلسطينية التي فَعَّلت غرفة العمليات المشتركة، وسبقت بردها المشترك على جريمة قتل الأسير خضر عدنان، الذي جاء منظماً ومنسقاً، وموحداً وموجهاً، ومؤقتاً بزمانٍ ومحدداً بإطارٍ، ومضبوطاً بحدودٍ وملتزماً بسياسةٍ، آثرت التروي والانتظار، وعدم التنفيس عن غضبها بردٍ فاترٍ أو عمليةٍ قاصرةٍ، وقررت أن تنتهي من مراسم التشييع والدفن، وربما تصبر أكثر لتمر أيام الحزن ويتجاوز الفلسطينيون الألم، ويبرأ الجرحى ويستعيد الناس نشاطهم، قبل أن تحسم قرارها وتعزم أمرها وتحدد هدفها، وتنفذ وعيدها بردٍ مؤلمٍ وعمليةٍ موجعة، تكون رسالة إلى العدو واضحةً وصريحةً، ممهورةً بالدم ومدموغة ببصمة الشعب الثائر والمقاومة الصادقة، أن الفلسطينيين ما عادوا يصمتون على الظلم، أو يسكتون على الضيم، أو يتخلون عن حق الرد.

 

يعلم العدو الصهيوني عِظمَ ما ارتكب، وفداحة الجريمة التي اقترف، وحجم المجزرة التي نفذ، فقد ارتكب جريمةً كبيرةً ومجزرةً مروعة يصعب السكوت عليها أو غض الطرف عنها وعدم الرد عليها، فقد أغارت أكثر من أربعين طائرة حربية على ثلاثة أهدافٍ فلسطينية في جنوب وشمال قطاع غزة، وقتلت ثلاثة عشر فلسطينياً، منهم أربعة أطفال وخمسة نساء، إضافةً إلى ثلاثة من كبار قادة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، ودمرت بيوتهم ومساكنهم، وبيوت جيرانهم وأهل منطقتهم، الذين استشهد بعضهم وأصيب كثيرون آخرون منهم.

 

كما يدرك يقيناً أن المقاومة الفلسطينية لن تدع جريمته تمر دون ردٍ وعقابٍ، فقد اعتادت أن ترد على كل عدوان، وأن تثأر منه بعد كل جريمة، وألا تتردد في قصفه أو مواجهته، لعلمها أنه يطغى ويتمادى، ويمعن ويثخن، إلا أن يرى رداً يردعه وعملاً يوجعه وألماً يزجره، وقد استطاعت المقاومة بوعيها وجديتها، ووحدتها وصدقها، أن تفرض عليه معادلاتٍ جديدة، وأن تلزمه باتفاقياتٍ لا ترضيه، وتفاهماتٍ لا تفيده، ولأنه فقد القوة والتفوق، وخسر الردع والانتصار، فقد بات ملزماً أن يخضع للمقاومة، وأن ينزل عند شروطها ويقبل بمحدداتها، ولعل قبوله الدائم بالتهدئة، وسؤاله الوسطاء للتعجيل بها، لهو أكبر دليلٍ على عجزه عن مواجهة المقاومة.

 

قد لا تختلف هذه الجريمة النكراء التي ارتكبها العدو الإسرائيلي بحق شعبنا الفلسطيني عن أي جريمةٍ أخرى سبقت، فقد سبق له أن اغتال قادةً كباراً، واستهدف نشطاء ومقاومين، وقصف مقاراً ومراكز تدريب ومعامل متفجرات ومصانع ومخازن أسلحة وذخيرة، وغير ذلك من الأهداف التي اعتاد على قصفها، ولكنه استهدف هذه المرة مساكن مدنية وبيوتاً أهليةً آمنةً، وقصفها في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل وأهلها نيامٌ، ودمرها على رؤوس قاطنيها، فقتل الأطفال والنساء إلى جانب القادة والرجال.

 

لهذا فإن رد المقاومة قادمٌ لا محالة، وإن تأخر فإنه سيأتي قوياً مدوياً، ومفاجئاً صادماً، ومختلفاً عما سبق ومغايراً لما اعتاد عليه العدو، وسيفرح به الفلسطينيون وسيسيء وجه الأعداء وسيؤلمهم أكثر، وسيصيب وعيهم قبل أجسادهم، وعقولهم قبل مدنهم، وإحساسهم قبل مساكنهم، ولعل في تأخيره الكثير من الخير، فقد يجعل حياتهم صعبةً، وانتظارهم مؤرقاً، وترقبهم مضنياً، وقد شاهدنا الآلاف منهم يهربون من مدن ومستوطنات الغلاف حتى أربعين كيلو متراً، ويلجأون إلى الوسط والشمال، ظانين أن سينجون بأنفسهم، وأن المقاومة لن تهددهم، وأن صواريخها لن تطالهم، وأنهم سيكونون في مأمنٍ من أي خطر، وسيعودون بعد الرد إلى بيوتهم ومستوطناتهم، وسيستأنفون عملهم ودراستهم وحياتهم العادية.

 

يظن العدو أن رد المقاومة القادم سيكون مشابهاً لما عرفه، وسيطال المناطق التي أخلاها، وسيكون محدوداً ومضبوطاً، ومدروساً ومقيداً، وأنه لن يغير قواعد الاشتباك ومعادلات الصراع، وأنه سيكون قادراً على امتصاصها وتحمل نتائجها، وما علم أن المقاومة التي استعدت وصمتت، وأن الشعب الذي احتمل وصبر، قد قرروا الرد بعنفٍ يوازي عنفهم ويفوقه، وبقوةٍ تقهر قوتهم وتفلها، وأنهم جادين في تهديدهم، وصادقين في وعدهم، وأن ردهم سيباغت العدو في كل مكانٍ، وسينال منهم من حيث لم يحتسبوا، وسيصل إليهم من حيث لا يتوقعون، فاللهم لا تخيب فراستنا في مقاومتنا، واحفظنا وشعبنا، ويسر لنا رداً يرضينا، وثأراً من عدونا يشفينا.

 

بيروت في 10/5/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

--
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To view this discussion on the web visit https://groups.google.com/d/msgid/alfikralarabi/CA%2Bk3Ojh1RHL-o_6mr1xeP8DYZWCDo%2BGwXHg%3Ds-3Czsd69%3Dfn%2BA%40mail.gmail.com.