From: news@kawas.se
Subject: إيران والإخوان المسلمين : أصول الطلاق!
Date: Fri, 28 Dec 2012 21:26:27 +0100
To:
مقال في جريدة العرب
http://www.alarab.co.uk/pdf/2012/12/28-12/p08.pdf
إيران والإخوان المسلمين : أصول الطلاق!
محمد قواص (*)
تفاءلت طهران بربيع العرب فأعلنته إسلامياً يأتي إمتداداً للثورة الإسلامية في إيران (خامنئي). الإستنتاج الإيراني سبق أي اصطفافات أيديولوجية للثوار في تونس وبعد ذلك في مصر. هناك كانت الشوارع تغلي ضد يكتاتوريات وديكتاتوريين دون كثير اهتمام بالهوية الفكرية أو الدينية أو الطائفية للمنتفضين. أراد التونسيون اسقاط نظام وإقامة بديل ديمقراطي متعدد. الأمر نفسه أراده المصريون في بلدهم فإرتفعت اليافطات وصدحت الحناجر وسارت التظاهرات. كان ذلك قبل أن تقرر طهران بإسلامية المنتفضين وقبل أن يقرر إسلاميو تونس ومصر الإلتحاق بقطار وصلوه متأخرين.
ولإيران أسبابها في "إكتشاف" إسلامية الربيع العربي. فذلك التعريف يقي الجمهورية الإسلامية "شرور" ربيع الآخرين. ذلك أن حراك الشارع الإيراني عقب الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، إعتُبر "محرَّكاً من الخارج وتقف وراءه قوى الإستكبار وأعداء الإسلام"، وبالتالي فإن نقيض ذلك هو ما يجري عند العرب، وهو بالإستنتاج الرسمي الإيراني نعمة أوحت بها الثورة الإسلامية منذ أكثر من ثلاثة عقود : فعساكم يا أهل إيران تتعظون من منافع صناعة إيرانية تُصدّر إلى الجوار، بدل الإستكانة إلى منتجات الخارج وأفكاره المشبوهة حول الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان!
لكن لطهران مسوّغاتها كي تطمح إلى تمدد نفوذها إلى مناطق كانت عصيّة على أحلامها. فعقود من العلاقة المتقدمة مع الإسلام السياسي العربي عامة، ومع جماعات الإخوان المسلمين خاصة، أوحت لنظام ولاية الفقية أن إرتقاء المعارضة الإخوانية إلى تسلّم الحكم في تونس وبعد ذلك في مصر، يشرّع الأبواب أمام الفتح الإيراني العتيد، والذي حال دونه نظامٌ سياسي عربي معادٍ لتوجهات الجمهورية الإسلامية، وعطّل من مفاعيله (أيام الجهد التصديري للثورة الإسلامية) الجانب المذهبي الذي اصطدم آلياً بسنيّة الجمهور العربي في هذه الدولة أو تلك، وتعارض القاعدة العقائدية لثورة الخميني مع تاريخ من الثقافة الدينية – السياسية التي تأسس عليها الإسلام السياسي عند العرب.
بيد أن الأمور لم تكن لتسبب يأساً لدى الحاكم في إيران. فقد توطدت علاقة الإخوان المسلمين مع الثورة الإسلامية منذ عام 1979، وحتى قبل ذلك (مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي كان ترجم قبل الثورة كتابين لسيّد قطب). ويروي يوسف ندا مفوّض العلاقات الدولية في تنظيم الإخوان المسلمين بأنهم (أي الإخوان) شكلوا وفداً زار الخميني في باريس قبل انتقاله الى طهران، ذلك انه كان بينهم وبين مجموعة الخميني علاقة قبل الثورة الايرانية، وأن لقاءات جمعت بينهم في الولايات المتحدة واوروبا. ويروي ندا أن الوفد الإخواني كان في ثالث طائرة تهبط في مطار طهران بعد طائرة الخميني وطائرة اخرى.
والأمر يفخر به الاخوان في ما ذكره عمر التلمساني (المرشد الثالث للإخوان) من أن جماعته "أيدت ثورة الخميني ووقفت بجانبه"، لأنها، كما يفسر القيادي الإخواني عصام العريان، "قامت ضد نظام حكم الشاه رضا بهلوي الذي كان منحازاً للعدو الصهيوني". وذهب راشد الغنوشي (زعيم "إخوان" تونس) إلى إعتبار "انه بنجاح الثورة في إيران يبدأ الإسلام دورة حضارية جديدة". وراح فتحي يكن ("إخوان" لبنان) في الافتاء بأن مدارس الصحوة الاسلامية "تنحصر في ثلاث : مدرسة حسن البنا، ومدرسة سيد قطب ومدرسة الامام الخميني".
تناقضت جماعة الإخوان المسلمين مع الحكم في تونس ومصر والأردن وسوريا وبلدان أخرى. وحدها "الجماعة" في سوريا خرجت عن خط التضامن التقليدي ما بين "جماعات" الإخوان المسلمين وحكم الثورة في إيران. كان صعباً على "إخوان" سوريا أن يهضموا التواجد في خندق واحد مع إيران المتحالفة والداعمة لنظام الاسد (الأب والإبن) في سوريا. تحدثت "الجماعة" عن التشيع في سوريا وعن خطر الإختراق الإيراني لسوريا بلداً ونظاما. ومع ذلك، ذهبت، تحت ضغط "الجماعات" الأخرى، الى الإعلان عن تجميد "المواجهة" مع نظام دمشق عقب الحرب ضد غزة عام 2008، والتي كانت بالمحصلة تستهدف إخوان فلسطين (حماس) في القطاع.
منحت جماعة الإخوان المسلمين إيران دعماً مطلقاً في برنامجها النووي. مهدي عاكف، مرشد الإخوان السابق، إعتبر أن لإيران الحق حتى في امتلاك قنبلة نووية (علماً أن الخطاب الرسمي الإيراني ما فتىء ينفي هذا الخيار). وإعتبر في مناسبة أخرى أن لا مانع من مدّ شيعي (في معرض اثارة موضوع التشيع في مصر)، ذلك، على حد قوله، انه "عندنا 56 دولة في منظمة المؤتمر الاسلامي سنيّة، فلماذا التخوف من إيران وهي الدولة الوحيدة في العالم الشيعية؟".
أما الشيخ يوسف القرضاوي الذي كان يُعبّر عن تضامن وتأييد لإيران معتبراً ثورة الخميني "انبعاث أمل في الصحوة الاسلامية ونصرها"، فقد انهمرت عليه، حين حذّر من المدّ الشيعي الايراني، ردودٌ من شخصيات إخوانية هونت من ذلك أو نفته تماماً (سليم العوا، آمنة نصير، أحمد كمال ابو المجد... إلخ). وكان ذلك مؤشراً إلى مدى الإختراق الذي حققه الإيرانيون داخل المنظومة الفكرية للجماعة، ومدى النفوذ الذي أضحت طهران تمتلكه داخل تلك الجماعة، خصوصا في مصر وتونس والاردن وفلسطين.
في فلسطين تحولت الفصائل الإسلامية (حماس والجهاد) إلى جهات تحظى برعاية لوجيستية ومالية وتسليحية وحتى عقائدية (بالنسبة للجهاد) إيرانية. تطور الأمر إلى درجة تقديم الدعم السياسي والإعلامي للـ "إنقلاب" الذي قامت به حماس ضد السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، وسحب الورقة الفلسطينية من قواعدها العربية (المصرية أساساً)، والالتفاف على جهود الرياض لرأب الصدع داخل الصفّ الفلسطيني. عُدّ ذلك تتويجاً لعهود من العلاقة بين "الإخوان" وحكام طهران، من حيث أن الدعم الإيراني لحماس، لعبٌ في الفضاء المصري وترجيحٌ لكفة "الإخوان" في صراعها ضد نظام مبارك. حتى أن مرشد الاخوان السابق مهدي عاكف، وفي معرض تعليقه على كشف السلطات الأمنية المصرية لما عرف بـ "خلية حزب الله"، قال : "من حق مصر أن تشكر حزب الله لا أن تحقق معه" معتبراً أن "من حق إيران أن تفعل أي شيء" في معرض رده على مسألة إختراق "سيادة" مصر.
لم ينس الإيرانيون موقف الإخوان في الحرب العراقية – الإيرانية. فقد أصدرت الجماعة (التنظيم الدولي) بياناً هاجم فيه "حزب البعث الملحد الكافر" داعياً العراقيين إلى "قتل جلاديكم.. القوا اسلحتكم وانضموا الى معسكر الثورة، الثورة الاسلامية ثورتكم". ولم ينس الايرانيون موقف الاخوان حين اشار الرئيس السابق حسني مبارك الى "ولاء الشيعة لايران" أو حين تحدث العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني عن "الهلال الشيعي".
على أن العلاقة الحقيقية بين الإخوان وإيران تتأسس على التصاق مصلحي منفعي أكثر منه على قماشة عقائدية متينة. فصراع النظام المصري مع النظام الايراني، كما تناقض الانظمة الملكية العربية (الخليج والاردن والمغرب) مع الجمهورية الايرانية، كما تناقض المعارضات العربية الاسلامية (بما فيها تنظيم القاعدة) مع النظام السياسي العربي، وفّر أسبابا للتواصل، وحوّل الإخوان المسلمين إلى رأس حربة إيراني يصول ويجول داخل الدائرة السنيّة العصيّىة على ما يرومه نظام الولي الفقيه.
العلاقة ما بين "الإخوان" وإيران شديدة الشبه بما كشفته وثائق ويكيليكس من كلام منسوب لرئيس وزراء قطر (البلد الداعم الأساسي للإخوان) حول طبيعة العلاقة مع إيران : "نحن والإيرانيون نكذب على بعضنا البعض"! واذا ما صحّ هذا التشبيه فإن التكاذب متبادل، وسرعان ما سيصطدم بشروط الحكم التي أطلت على "الإخوان" هنا وهناك ويطمحون اليه هنالك.
من خريف إلى ربيع استغنى "الإخوان" عن العراب الإيراني المتراجع النفوذ، وراحوا يقتربون من واشنطن (طار اليها عصام العريان في أوج الأزمة الدستورية الاخيرة في مصر). راح "الإخوان" يستوحون أصول الحكم في العصر الحديث من نصائح أميركية لم تُخف مباركة إدارة أوباما لتسلّم الاخوان لمقاليد الحكم هنا وهناك. أدلى راشد الغنوشي (شيخ "الإخوان" في تونس) بأفكار في واشنطن كانت تعتبر محرّمة في عصر "النهضة" المعارضة. تحدث "إخوان" الأردن عن حوار مع الإدارة الاميركية. وقام خالد مشعل زعيم "الاخوان" في فلسطين بزيارة تاريخية إلى غزة تحت بصر الاسرائيليين وحماية غربية أميركية لا غبار عليها.
في مقابل دستور إيراني يتحدث عن سلطة المذهب الجعفري، كان لمصر الإخوانية دستور يتحدث عن فقه أهل السنة. استغنى الإخوان عن خطاب لا مذهبي في العلاقة مع ايران، وراحوا يتنافسون مع الجماعات السلفية المتحالفين معها في انتهاج خطاب يرفض التشيع، وقد يقترب من الغلاة في التعامل مع غير أهل السنّة.
تراجع الاخوان عن تحالفهم مع إيران لصالح التقدم التركي والتمويل القطري وامتحان المراقبة الاميركية لأدائهم. توقف الخطاب الإخواني العدائي ضد إسرائيل، جرى التأكيد على اتفاقية كامب دايفيد وترتيباتها في سيناء، وتمّ طرق باب البنك الدولي، وقُدمت وعود بتأمين مصالح الغرب. أولم تهاجم ناشطة مصرية (د. سلمى أبو المجد) عصام العريان اثناء زيارته الاخيرة اللافتة الى واشنطن بالقول : "أنت جاي أمريكا تتنازل عن ايه؟
(*) صحافي وكاتب سياسي
No comments:
Post a Comment