العلاقات العربية – الايرانية.. فرصة جديدة
عدنان برجي
مدير المركز الوطني للدراسات
شكّل انتخاب الشيخ الديبلوماسي، المعتدل والاصلاحي حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإيرانية حدثاً مهماً في العديد من معانيه، وفي الكثير من وعوده أو احتمالاته أو حتى تحدياته. مما دفع بالكثيرين للاعتقاد أنّ إيران قد عبرت، من خلال «مفاجأة» الانتخاب وأرقامه الكاسحة من مرحلة إلى مرحلة جديدة. وان ذلك قد يكون مدخلا إلى حصول تغيير كبير في السياسات الإيرانية، والخارجية منها خصوصاً.
خارجيا نجح النظام الإيراني، في تقديم نفسه انه ملتزم الديمقراطية الانتخابية كما يمارسها الغرب، ونجح داخليا في احداث التغيير من ضمن آليات النظام «الإسلامي» نفسه!. وهو بذلك فوّت الفرصة على خصوم ايران وأعدائها بامكانية اللعب على التناقضات الداخلية. فمن المعلوم أنّ الولايات المتحدة الاميركية، اعتقدت انها انهكت ايران، او تكاد، بالعقوبات والحصار والمقاطعة والتحريض السياسي والإعلامي، وبتعزيز مناخات الاستقطاب والانقسام المذهبيين في طول البلاد العربية والإسلامية وعرضها، ومن شأن تأجيج التناقضات الداخلية في إيران خلق مصاعب لا يستطيع النظام احتواءها، ولا يستطيع التفلت من نتائجها مما يساهم في إرباكه وإضعافه وتقليص دوره الإقليمي، وضرب برنامجه النووي، وادخاله بالتالي في اطار "الفوضى الخلاقة" القائمة في عموم المنطقة العربية...
وبهذا النجاح، وجهت ايران رسالة مفادها انه اذا كانت الحجة في تشديد الحصار عليها هو "التشدد" الذي مارسه الرئيس احمدي نجاد، فها هي اليوم تقدم رئيسا "معتدلا" دعا الى "اعتماد سياسة اكثر مرونة تجاه الغرب"، وبالتالي فهي تنزع ذريعة كبرى من درب استمرار العقوبات عليها، وهذا ما دعا اليه وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف. ويعزز احتمال تخفيض العقوبات.
ان الانتخابات الايرانية قوبلت بارتياح غربي واسع. فالادارة الامريكية، اعلنت احترامها تصويت الشعب الايراني وهنأته على مشاركته في العملية السياسية. اما الاتحاد الاوروبي فقد عبرت عنه السيدة كاترين آشتون بالقول "أنا ما زلت عازمة بقوة على العمل مع القادة الإيرانيين الجدد من أجل التوصل سريعاً إلى حل دبلوماسي للمسألة النووية".. كما اعربت الخارجية الالمانية عن املها في ان يفضي تشكيل الحكومة الايرانية الجديدة الى حل للقضايا الاقليمية. كذلك هنأت الحكومة التركية حسن روحاني لانتخابه رئيسا جديدا للجمهورية الاسلامية الايرانية، ووعدت انها ستواصل روابطها الودية مع ايران بناء على المصالح المشتركة.
وحده الرد الفعل الاسرائيلي جاء مغايرا، فقد طالب رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بمواصلة الضغوط الدولية ضد ايران، معتبرا: "ان تغيير رئيس الجمهورية لن يغير السياسات النووية لطهران."
اما بشأن علاقات ايران مع العرب فقد قال الرئيس روحاني "إن الاولوية في السياسة الخارجية للحكومة القادمة ستكون إقامة علاقات مبنية على الصداقة والتقارب والمصالح المشتركة مع الجميع خاصة الدول المجاورة لايران".
وحول العلاقات مع المملكة العربية السعودية قال: لدينا علاقات قوية وجيدة معها وهناك الكثير من الأرضيات للتعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين. وأوضح: "انا مسرور جدا بأن اول اتفاقية أمنية قد وقعتها انا شخصيا مع السعودية في عام 1998 واتمنى بأن تكون لنا علاقات وثيقة جدا مع السعودية في المرحلة القادمة".
في المقابل هنأ الملك عبد الله بن عبد العزيز الرئيس الإيراني الجديد واشاد بتصريحاته بشأن تحسين العلاقات بين البلدين. وعبّرت البرقية التي وجهها جلالته، عن تمنيات المملكة والشعب السعودي بموفور الصحة والسعادة للرئيس الجديد، والتقدم والازدهار للشعب الإيراني "الشقيق". كذلك فقد هنأت الإمارات والبحرين والكويت وقطر وسلطنة عُمان بالانتخابات، عقب اتهامات سابقة وجهتها هذه الدول لطهران بالتدخل في شؤونها الداخلية.
اعلاميا وبما يعكس نوع من الرغبة الشعبية العربية فقد نشرت بعض صحف الخليج مقالات تعتبر: "فوز السيد حسن روحاني برئاسة الجمهورية في ايران دليل أكيد على حسن نوايا الشعب الايراني واعتداله، ودحض وتكذيب واضح وجلي لإشاعات وخرافات العداء الصفوي للعرب او لأهل السنة، وهو المفضل في وصف هذه الايام".
كل ما تقدم يعني ان هناك فرصة جديدة لإعادة العلاقات الطبيعية والودية بين العرب وايران. فكلاهما يتضرر من مشروع التفتيت المذهبي الذي تغذيه الصهيونية اولا والاستعمار ثانيا. وكلاهما متضرر من نهب الاستعمار لثروات المنطقة اما باشعال الحروب بين اهلها، واما بفرض عقوبات بحجة "عدم الاذعان" كحال ايران، واما بحجة "الحماية" كحال دول الخليج العربي. يعزز هذه الفرصة التغييرات التي طالت النظام العالمي بعد تراجع اميركا قسرا عن قيادة العالم بشكل منفرد.
ان تجاور ايران والدول العربية جغرافيا، وفي ظل التهديد الاستعماري الصهيوني تحتم عليهم التفاهم فيما بينهم. وهذا التفاهم كي يتم يتطلب عدم التدخل السلبي في شؤون بعضهم البعض. وعدم استثارة مخاوف تاريخية، او اطلاق تصريحات تخدم ربما السياسة الداخلية لهذا النظام او ذاك، لكنها لا تخدم القضايا المشتركة بين العرب وايران وهي كثيرة ومصيرية.
ان اعطاء ضمانات متبادلة، لا سيما من الجمهورية الاسلامية الايرانية، قد يكون هو المدخل السليم لبدء حوار عربي – ايراني يتناول كل القضايا العالقة، من امن الخليج الى الوضع في سوريا، الى مختلف القضايا المشتركة. فيما استمرار الجفاء يشكل الفرصة الفضلى للاستعمار والصهيونية ويفوّت على شعوب المنطقة الانماء المطلوب، وينعكس سلبا على المسلمين في كل اصقاع المعمورة، ذلك ان مشروع التفتيت المذهبي لا يطال بسلبياته مذهبا دون آخر ولا دولة دون اخرى. وعلى الجميع ان يتذكر ان مشاريع التقسيم الطائفية والمذهبية هي مشاريع صهيونية تتناقض مع قيم الاديان السماوية التي ارسلت هداية للعالمين.
بيروت في 29/6/2013
No comments:
Post a Comment