Saturday 7 June 2014

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: دولة عدلى منصور ودولة صفوة حجازى

image
جريدة التحرير | دولة عدلى منصور ودولة صفوة حجازى -
الموضوع الذى فرض نفسه علىّ وملأ وجدانى ووجدان المصريين هو تلك «الحالة» الرائعة المُبشّرة التى عنوانها عدلى منصور.
Preview by Yahoo
  
دولة عدلى منصور ودولة صفوة حجازى
(التحرير 8/6/2014)

كنتُ قد أعددتُ العُدّة ليكون أول مقالاتى فى جريدة التحرير عتاباً لرئيس تحريرها الصديق العزيز إبراهيم عيسى .. لكن من حُسن حظ (أبى يحيى) أن موضوعاً آخر قد فرض نفسه علىّ ليبقى العتابُ مؤجلاً ..
الموضوع الذى فرض نفسه علىّ وملأ وجدانى ووجدان المصريين هو تلك (الحالة) الرائعة المُبشّرة التى عنوانها عدلى منصور ..
عندما قدّمَتْ يدُ الله الحانية للمصريين هذا الرجل العظيم منذ حوالى عام، كنتُ موظفاً بالدولة المصرية .. وكانت أخلاقيات الوظيفة العامة التى تربيتُ عليها تمنعنى من امتداح رئيسى المباشر وغير المباشر طالما كان (أو كنتُ) فى الخدمة، اتقاءً لشبهة المصلحة الشخصية .. لذلك فقد تكتمتُ مشاعر المحبة والاحترام للرجل مُرغماً .. الآن تحررتُ من القيد الذى ألزمتُ به نفسى، إذ لم أعُد موظفاً عاماً .. وعندما يُنشر هذا المقال يكون عدلى منصور قد أصبح رئيساً سابقاً.
هذا الرجل لم نختره ولكن اختاره الله لنا .. هو وحده سبحانه الذى رتّب أن يكون هذا القاضى الجليل رئيساً للمحكمة الدستورية العليا يوم 3 يوليو 2013، بوقاره وعلمه وإنسانيته وثقافته وعدله ولغته السليمة وبسطة العلم والجسم التى حباه الله بها، فكأنما أراد الله أن يُعوّض المصريين به عمن سبقه .. الله يحنو على مصر وهذا سر تفاؤلى.
كان مجرد قبول عدلى منصور مهمة الرئاسة عملاً بطولياً عظيماً اكتملت به ثلاثية البطولة .. بطولة الشعب الذى ثار، وبطولة الجيش الذى انحاز مع قائده للشعب .. أضفى عدلى منصور بقبوله هذه المهمة الاستشهادية شرعيةً كاملةً على ثورة 30 يونيو، فمن ذا الذى يستطيع أن يصف تسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا بأنه انقلابٌ؟ .. إلا أن أداء الرجل فيما بعد رسّخ هذه الشرعية ودعّمها وأضفى على المنصب هيبةً كانت قد أُهينت فى عهد سابقه وتصرفاته ..
فى الأسابيع الأولى من اضطلاع عدلى منصور بمهمته الثقيلة، وبينما كان الرجل يكتسب مساحاتٍ متزايدةً وسريعةً من الاحترام، كان صفوة حجازى يؤدى نمرةً يوميةً على المسرح المنصوب بميدان رابعة يتطاول فيها على الرجل المحترم .. وكلما ترفّع المحترمُ عن الرد على الصغائر زاد شموخه فى القلوب .. وكان هذا المشهد وحده كافياً للتعبير عن حتمية السقوط .. فجماعة الإخوان التى اعتمدت طوال عقودٍ مضت على خطابٍ أخلاقىٍ متعقلٍ ومؤدبٍ، تسرّبت من خلاله إلى قلوب الكثيرين، استبدلته قيادتها فى لحظة صعودها إلى حكم مصر بخطاب محمد عبد المقصود وعاصم عبد الماجد وطارق الزمر، وأقصت عقلاءها وأسلمت قيادها للنمط الذى يمثله بوضوحٍ صفوة حجازى .. استبدلت الذى هو أدنى بالذى هو خير .. كان هذا من سوء حظ الجماعة (ولعله من حُسن حظ مصر) .. وشيئاً فشيئاً صار البوْن شاسعاً بين دولة المحترم ولا دولة المهرج.
لا وجه للمقارنة طبعاً بين دولة عدلى منصور ودولة من سبقه وما سبقه.. فالمقارنة لا تجوز بين دولةٍ وسيرك .. لكن المقارنة تفرض نفسها وإن لم نُرِدها .. وتمنحنا الثقة بأن يدَ الله هى التى ترعى هذا البلد الطيب.
ثلاثة مشاهد فى أسبوعٍ واحد تكفى لشكر النعمة التى منّ الله بها علينا ..  فى دولة عدلى منصور اكتسى المصريون بالفرحة يوم إعلان نتيجة الانتخابات، فأين هذا من يوم الرعب العظيم فى انتظار النتيجة قبل عامين، وأنصارُ أحد المرشحين يهددون بإحراق مصر إذا جاءت النتيجة لغير صالحهم؟ .. وفى دولة عدلى منصور جاء الخطاب الرئاسى الأخير (ككل الخطابات) تُحفةً راقيةً من حيث اللغة والمضمون والتأثير الإنسانى، فأين هذا من الخطابات الكوميدية التى كان المصريون يبيتون ليلتهم بعدها بين ضحكٍ هستيرىٍ لما بها من مساخر، وبكاءٍ حزينٍ لانحدار هيبة الكرسى الذى جلس عليه أحمس وعمرو بن العاص ومحمد على وجمال عبد الناصر؟ .. وفى دولة عدلى منصور تتم اليوم بإذن الله إجراءات ومراسم التنصيب المحترم (والطبيعى) فى حضور مدعوين دوليين على المستوى الرئاسى والملكى كأى تنصيبٍ فى دولةٍ محترمةٍ، أما فى دولة صفوة حجازى فقد أراد الرئيس يومها أن يتملص من أداء اليمين أمام المحكمة الدستورية (!) ولما وجد أن هذا مستحيلٌ وافق مضطراً طالباً أن لا يُذاع اليمين على الهواء (!) مثيراً الشكوك من اللحظة الأولى حول نواياه تجاه مؤسسات الدولة التى سيرأسها .. ثم كان خطابه فى جامعة القاهرة نموذجاً للفوضى العارمة التى جعلت الكثيرين يترحمون على الدولة المصرية وانضباط مؤسسة رئاستها الصارم .. النقطة المضيئة الوحيدة فى ذلك اليوم الكئيب كانت مراسم تسليم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالهاكستب والتى فوجئ خلالها رئيس الدولة بمعنى (الدولة)، لا سيما والقائد العام يؤدى له التحية العسكرية دون حرجٍ أو ترددٍ (غَدَر به مرسى بعد شهرٍ ونصف).
سيادة المصرى الرئيس القاضى الجليل عدلى منصور .. الآن أشكرك .. وأشكر الله الذى أهداك لمصر .. وأدعوه سبحانه أن يوفقك ويحفظك ويرعاك ويجعل ما فعلته فى ميزان حسناتك.

No comments:

Post a Comment