Friday, 25 July 2014

{الفكر القومي العربي} article

يا أمة ضحكت من... !
صباح علي الشاهر
 
عندما تواطأ بعض حكام العرب، وساهم البعض الآخر في نحر العراق من الوريد إلى  الوريد، وعدهم الغرب وأمريكا  بأنهم سيكافئونهم على موقفهم هذا بحل القضية الفلسطينية عبر مؤتمر دولي دعوا إليه حكام العرب، من الممانعين إلى الخانعين.
واضح أن أي صراع حتى ولو كان بسيطاً فإن حله يتم عبر الوصول إلى مخرج، يتم فيه إقرار حق الذي غبن حقه، هكذا جرت الأمور، وهذا ماحدث في أحداث مشابهه عبر التأريخ، وكان من الواضح أن لا حل للقضية الفلسطينية إلا بإقرارالحد الأدني من الحقوق، وهو إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، على الأراضي التي أحتلت عام 1967، وعاصمتها القدس، وإعادة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها ظلماً وعدواناً، وإعتراف الجميع بدولتين طبيعيتين ، ورغم أن في هذا المخرج غبناً للفلسطينين، إلا أنه كان حلاً يمكن تسويقه، إذ سينهي الصراع في الإقليم، ويدفع الجميع للتوجه للتنمية قصد اللحاق بالأمم الأخرى التي تجاوزت العرب أشواطاً طويله، تزداد إتساعاً في كل عام، لا بل في كل يوم.
ليس ثمة قضية أو ضح من القضية الفلسطينية، وليس ثمة طريق لحلها أكثر يسراً وسهوله، لأنه الحل الأكثر عدلاً وإنصافاً، وهو الحل الذي اشرنا إليه سابقاً، والذي أوحت أمريكا به للعرب، ولكن بعد تدمير العراق، الذي فُرض عليه أن يكون قرباناً لهذه التسوية التي بدت متيسرة، لأنها في النهاية لا تعد هزيمة لإسرائيل بل تكريساً لوجودها، ولكن ليس الوجود العدواني الذي إعتادته، بل وجود آخر يتفاعل مع المحيط، ويندمج فيه في نهاية المطاف.
أتذكر أن البعض في حينها نظّر وهو في قمة تفاؤله بنهاية الصراع العربي الإسرائيلي، هذا الصراع الذي كان مبرراً لوجود جميع الديكتاتوريات في عالمنا العربي، والذي أرتزق عليه تجار القضية.
كان من المفترض حل المعضلة الفلسطينية، مثلما تم حلّ القضايا المشابهه، وخصوصاً، وأن العالم لم يجتمع من أجل حلّ قضية كما إجتمع في مدريد في تشرين الثاني عام 1991، الرئيس الأمريكي بوش إلى جانب الرئيس السوفيتي غورباتشوف، وقادة الدول الكبرى، وكل الرؤساء والقادة العرب تقريباً، وإسرائيل، إلا أن هذا الجبل الكبير تمخض فولد فأراً، أسموه العملية السلمية .. وبدل أن يقدموا حلاً جعلوا القضية في مختبر، وسلقوها على نار هادئة حياناً، وذات سعير حيناً آخر.
قدموا للعرب وقضيتهم خطابات، ووعود بحلول غائمة، جعلوها بروسيس ( عملية متواصلة طويلة الأمد) ، تم عبرها، ومن خلالها، إضاعة الحق الفلسطيني، أرضاً وشعباً ، وأطلقت يد إسرائيل في نهب الأراضي، وقتل الفلسطينين، قادة وأفرادا، وتهجير من لم يُهجر بعد، وإستجلاب أعداد غفيرة من يهود الشتات لإسكانهم في الأراضي التي تمت السيطرة عليها في ظل العملية السلمية، بحيث باتت الأرض الموعودة للفلسطينين كالجبنة الهولندية، أما غزة الحرة فحوصرت من الأخوة العرب قبل العدو الصهيوني، وعوقبت بدمار شامل متتال، لا توقف له، وبعد أن أعترفت بعض الدول العربية بإسرائيل وأقامت علاقات دبلوماسية معها ، تبخر ذلك الجدار الصلد الذي بناه نضال الفلسطينين، وقيادة ناصر الفذة، جدار العزلة والمقاطعة التي أضرت بإسرائيل، ربما بما يوازي ضرر الجهاد الفلسطيني، واصبحت إسرائيل تسرح وتمرح في آسيا وأفريقيا، ودول أمريكا اللاتينية، وتقيم أوثق العلاقات الإقتصادية مع الدول التي ما كانت تعترف بها، ومع العديد من الدول الباذخة الغنى في العالم العربي، وبعد أن كانت إسرائيل محاصرة ومقاطعة إضحت فلسطين هي المحاصرة والمعزولة، والفلسطينيون مطاردون وغير مرغوب بهم في العالم العربي، وبالأخص بالنسبة للمحتشدات الكبيرة في لبنان، وسوريا، وكل مناطق الجوار التي اضحت مناطق جوار إسرائيلي وليس فلسطيني، أضحى المطلوب إخراج الفلسطينين من هذه المحتشدات الكبرى، وإبعادهم خارج المنطقة، إلى أوربا وأمريكا وكندا، وأي أماكن نائية، تجعلهم بعيدين عن أرض فلسطين التأريخية، وبهذا يمكن الإنتهاء من معضلة اللاجئيين. لقد أسهمت بعض القوى الفلسطينية عن قصد أم من دونه، وعن دراية أو جهل، وإنعدام بصيرة في هذا المخطط الجهنمي، الذي لا حظنا أبرز تجلياته في لبنان، ثم في  سوريا، وهو مخطط لم تنتهي فصوله بعد.
توهم بعض العرب، وبعض المغفلين ممن لا يرون أبعد من إنوفهم، أنه بعد تضعضع الإتحاد السوفيتي، وبالأخص بعد إنهياره لم يعد الدور الوظيفي لإسرائيل هو نفسه كما كان، وتساءل بعضهم بعبط، ( ما حاجة أمريكا إلى إسرائيل وقد أصبح العراق من حصتها، وقد يكون قاعدتها؟!!) . كتبت في وقت كان العراق فيه أمريكيا بإمتياز مقالة تحت عنوان ( العراق بلد ممانع)، نشرت في الأخبار اللبنانية، بينت فيها أن العراق دولة ممانعة، وهذا قدره، معتمداً بإستنتاجي هذا على معرفتي بطبيعة الشعب العراقي، ومواقفه من فلسطين تحديداً، وهي مواقف عابرة للطوائف والأثنيات، والحزبية، وكان العراق في ظل الإحتلال الأمريكي، البلد العربي الوحيد الذي يحتفل فيه المواطنون بالملايين بيوم الأرض. قصدي من هذه الإشارة أنه لا يجوز إعتماد الطاريء وغير الدائم معطى ثابتاً في التحليل، خصوصاً إذا كان التحليل يستهدف رؤية إستراتيجية ، وتأسيساً على هذا أقول أنه محال ، وعلى حد قول العراقيين ، من رابع المستحيلات، إخراج العراق من الصراع العربي الإسرائيلي، لقد كان العراق وما زال وسيظل في قلب هذا الصراع، ولعل أمريكا وإسرائيل أعرف من بعض ممن يدعون المعرفة بهذه الحقيقة، لذا تجدهم يتصرفون على هديها، لذا اصبح إضعاف العراق وتهميشه ، وحتى تجزئته هدفاً مضمراً حيناً ومعلناً حيناً آخر .
وبالعودة لمرحلة مؤتمر مدريد يثار تساؤل لا بد من الإجابة عليه : هل كان في وارد أمريكا، وكذلك الغرب، إستقرار المنطقة، وتنميتها؟ وهل إنتهى في تلك المرحله، أي قبل أكثر من عقدين من الزمن، الدور الوظيفي للكيان الصهيوني، أو تبدل على الأقل؟
على مثل هذا السؤال ستجيبنا مُعطيات الزمن الممتد من مؤتمر مدريد إلى معركة الجرف الصامد،  وهي معطيات دامغة تثبت أن جوهر إسرائيل ووظيفتها هي هي لم يتغير ولا قيد أنملة، ولعلنا نضيف لمن لا يُحسن قراءة الوقائع والأحداث إستنتاجنا الخاص، وهو أنه يوم تنتهي وظيفة إسرائيل التي وجدت من أجلها ينتهي وجودها أصلاً، لأن مبرر هذا الوجود يكون قد تلاشى .
لم تفقد إسرائيل وظيفتها، ولم تتغير هذه الوضيفة بعد إلا في مخيلة القاصرين عن الفهم السليم ، أو الذين يعبرون عن إسرائيل وأسيادها، وإن بلسان عربي فصيح، لكن الأمة فقدت العراق، جمجمة العرب كما يقولون، وأضاعت ليبيا، ومزقت سوريا، وقسمت السودان، وهي في طريقها لتقسيم اليمن، وجعلت من فلسطين، الضفة الغربية المتقلصة بإستمرار، والمسلوبة بلا نهاية، وغزة المدماة، التي تدك كلما شاءت إسرائيل أن تعربد، والذي أصبح مجرد العيش فيها شيء يتجاوز تحمل البشر.
لم ينته الدور الوظيفي لإسرائيل بعد، لذا لم ينته ولن ينته النضال ضدها، وبعد أكثر من عقدين من الزمن على أكذوبة العملية السلمية، على العرب، ولا أقصد الحكام الميؤوس منهم، ولكن العرب الذين يطمحون بإن يكون لهم وجودهم الطبيعي تحت الشمس، أن يعرفوا أن لا سبيل أمامهم سوى تشديد النضال، فقد قيل عن حق "السعادة في النضال والتعاسة في الخنوع".
 
 
 

No comments:

Post a Comment