لا مقاطعة الانتخابات نافعه، ولا الإسهام بها نافع
صباح علي الشاهر
وضعنا في إطار معادلة نتيجتها واضحة للجميع ، سواء ذهب الشعب برمته للإدلاء بصوته، أو إمتنع أغلبه عن هذا . الرافضون لمقاطعة الانتخابات يرون أن من لا يدلي بصوته فإنما يعطي صوته شاء أم أبى للفاسد الذي سيجعله اللاعب في الوحيد في الساحة ، وهم يرون أن مقاطعة الانتخابات إنعزالية سلبية تصب في المحصلة النهائية في مصلحة السلطة ، ويتساءلون : ما البديل عن الانتخابات الثورة أم الإنقلاب ؟، ثم يثيرون أسئلة منطقية من قبيل ، من بمقدوره الآن القيام بثورة أو إنقلاب ، بأستثناء القوات المسلحة التي لا تخرج عن هيمنة الأمريكان، والمسلحين الذين لا يخرجون عن تأثير القوى الإقليمية المختلفة ؟ ثم يضيفون أن من يعرف أن الشعب ليس معه ، وأن لا تأثير له عليه ، لا يريد أن تنكشف عورته بالإحتكام إلى صوت الجماهير ، لذا يريد أن يكون له نصيب من الكعكه رغم إرادة الناس ، وأن ثمة تغيرات كبيرة حدثت على الساحة السياسية ، إثر الحرب على الإرهاب ، الذين قاوموا داعش هم الذين يحضون بثقة الناس ، أما الذين لم يقاوموها ، أو إستقوا بها ، فقد أضحوا مُفلسين تماماً ، لذا بات همهم تأجيل الانتخابات ، والركون إلى مبدأ التقاسم ، بحجج عديدة ، وهم يزعمون أن التغيير عبر صناديق الانتخابات حاصل حاصل ، إن لم يكن في هذه الدورة ففي الدورات اللاحقة ، وحيث أنه لا طريق آخر، غير الديمقراطية والإنتخابات فإن عرقلة الإنتخابات بأية ذريعة ما هي في الجوهر سوى دفع المواطنين للعيش في ظل شريعة الغاب .
الرأي الآخر يرى أن كل هذه الأسئلة مبررة ، لكنها تحتوي على كم من المغالطات ، وتتهرب من إثارة الأسئلة الأساسية ، وإن من يزعمون الدفاع عن الديمقراطية وأبرز تجلياتها الانتخابات ، إنما هم يغتالون الجوهر الحقيقي للديمقراطية ، ويزيفون الانتخابات حتى قبل أن تبدأ ، وأن ما يجري في الساحة العراقية لا يخرج عن وضع الناس أمام خيار " تريد أرنب خذ أرنب ، نريد غزال خذ أرنب " ، فجميع المتبارين هم ممن يوالون أو يدعمون ما يُسمى بالعملية السياسية ، والدستور ، والتقاسم الطائفي والعرقي ، وكل ما خططه وهندسه المحتل، وجعل الآخرين يتحركون في إطاره ، وهم محكومون بمنطقه وإن إعترفوا ببعض نواقص العملية السياسية والدستور ، وإن رفعوا الصوت عالياً ضد الفساد والمحسوبية ، والطائفية ، والنهب الذي فاق كل الحدود، والفشل الذي يولد فشلاً ، وإنعدام أي أفق لأي حل ، هم ليسوا ، وأن حسن منطقهم، أكثر من مستفيدين من الوضع الحالي ، نشاطهم لايعدوا منافسة غيرهم على حجم المنافع والمكاسب ، وإن إستثمروا لغة الشارع ، ولغة طلاب العدالة ومناصري الحق ..
وأن دخول العملية السياسية بإشتراطاتها ليس سوى مصيدة ، فكم من حركة وطنية كانت مقاومة للمحتل، تحولت إلى فصيل لا يختلف في شيء عن فصائل النهب والكسب غير المشروع ، والأمثلة على هذا كثيرة ، وأكثر من أن تعد، وبالمقابل فلم تتنج العملية السياسية إلا ما هو فاسد ، أو متهم بالفساد، ولم تنتج حركة إلا كانت معنية بالنهب ، وتنظيم هذا النهب عبر مكاتب النهب الاقتصادية التابعة لهذه الكتل والأحزاب ، ولذا فليس من التجني القول بالفم المليان أن ما أعتبره المحتل "عملية سياسية " ما هو في الحقيقية سوى تخريب متعمد لأي عمل سياسي ، وتشويه وإفساد للسياسين ، عبر وسائل التوريط التي تفنن المحتل في نسج شباكها.
الأمر محبوك تماماً ، وإلا من بمقدوره أن يقدم حزباً من هذه الأحزاب التي تجاوزت المائتين ، أو كتلة إنتخابية أو تحالفاً من هذه التحالفات المتسعة بإستمرار ، قال شيئاً بخصوص الدستور ، أو العملية السياسية ، أو الاحتلال الأمريكي، أو نفوذ القوى الإقليمية المتحكمة بكل صغيرة وكبيرة ، من منهم وضع برنامجا حقيقياً لتوطيد السيادة الفعلية ، وتخليص البلاد والعباد من الجيوش التي تدنس الآن تربة الوطن، أو لتكريس الوحدة الوطنية الحقيقية ؟ من وضع برنامج حقيقياً لتغيير الدستور ، أو حتى تعديله، ومن وضع برنامج لإعادة حقوق الوطن والمواطنين، وإسترداد ما نهبه المحتل وأذنابه ؟
كلهم ، كل الأحزاب ، والكتل والتحالفات من لون واحد، ممن يعتبرون ما حدث في عام 2003 تحريرا ، وليس إحتلالاً ، ومن يعتبر بوش محرراً ، وبريمر مهندساً للديمقراطية في العراق، ومن يهتدي بهدي دستور الاحتلال، ومن يحسب العدل كل العدل في كون العراق بلد المكونات ، لا بلد المواطنة، وكلهم عندما سيكونون أمام صناديق الإقتراع سينتخبون ، وبلا تردد الطائفة ، وولي التعمنة ، والإنتماء القومي ، ولذا فليس من العجيب أو المستغرب أنك لا تجد من بين كل هؤلاء الذين إندفعوا لخوض الإنتخابات من يجاهر بموقف سلبي مما يسمونه العملية السياسية .
أعداء الاحتلال ، ومناهضو الطائفية والعنصرية الحقيقون ، بعيدون أو مبعدون قسراً عن الانتخابات القادمة ، ليس بمشيئة " المفوضية المستقلة للإنتخابات " وإنما بمشيئة من هو أكبر منها ، ومن لا فلاح وتقدم للعراق إلا بالخروج من تأثيره كلياً .
No comments:
Post a Comment