من أجمل اللقاءات
قراءة ممتعة
http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=%5CSupplement2%5C2012%5C05%5CSupplement2_issue1681_day25_id415883.htm
| |
* ترجمة: وليد السويركي على إثر وفاة الكاتب المكسيكي الكبير الأسبوع الماضي، أعادت مجلة لير الفرنسية نشر حوار كانت قد أجرته مع سنة 2009، في ما يلي ترجمة للجزء الأكبر منه. * احتفت الحكومة المكسيكية في تشرين الثاني 2008 بعيد ميلادك الثمانين، فحظيت بتكريم وطنيّ، حيث صدرت طبعات تذكارية لمؤلفاتك. وسبق لك أن حصلت على العديد من الجوائز ومنها وسام جوقة الشرف الفرنسي الذي منحك إياه فرانسوا ميتران عام1992... ما الذي ينقص اليوم لتتويج تجربتك؟ جائزة نوبل للأدب؟ - بصراحة، أنا لا أفكر ولو لثانية واحدة بجائزة نوبل! ولا بأي احتفاء. ما أفكر به هو العمل، كتابي القادم؛ هذا هو ما يعنيني وليس الجوائز أو النجاح. على المرء أن يتجرد من كل ذلك. حين أصدر كتابًا لا أقرأ ما يكتب حوله من نقد، بل أعود للكتابة وأبدأ مشروعا جديداً، وفي هذا تكمن سعادتي. وإن لم أفعل، فإنّني أشعر بالتيه والقلق والضيق، مما يكدر زوجتي؛ لذا أفضل مواصلة العمل، ولا شيء غير ذلك. * أنت لا تبالي إذن بكلّ مظاهر التكريم؟ - لا، ليس الأمر كذلك. حين اقترحوا علي الاحتفال بعيد ميلادي قبلت مبدأ الاحتفاء الذي تمّ في مكسيكو، في قصر شابولتبك. كما قبلت تقديم محاضرة عامة في قاعة المؤتمرات الوطنية؛ لكنّني عارضت أن يتم الحديث عني في أي نشاط آخر؛ فكان بإمكان الستين كاتباً المدعوين في تلك المناسبة أن يتحدثوا حول فن الرواية، في الفلسفة، والسينما، والسياسة... ولكن ليس عني. لقد منعت ذلك كليّا. كانت الفكرة أن يكون النجم هو ما صنع قوة المكسيك: ثقافتها؛ الأمر الذي ينسى أحيانا لكثرة المشاكل التي يعاني منها هذا البلد. لذا أشكر كلّ الأصدقاء الذين جاؤوا على شرفي، ليس لتكريمي؛ بل للتذكير بحقيقة الثقافة المكسيكية. * ثمة ذكرى أخرى: مرور خمسين عاما على نشر روايتك الأولى «المنطقة الأكثر صفاء»، التي تناولت مدينة مكسيكو بطريقة غير مسبوقة. ما الذي جعل هذا الكتاب يشكّل قطيعة؛ بل «نهاية الأدب المكسيكي» على حدّ قول مواطنك باكو انياكو تايبو 11؟ - كان لدينا، حتى ذلك الوقت، أدب متأثر بالتراث الريفي الكبير وبالثورة المكسيكية، وكانت موضوعاته تتناول الأقاليم والمدن الصغيرة والريف وأحداث 1910. وقد بلغ هذا الاتجاه مداه مع رواية «غداً، العاصفة» لأوغستين يانيث عام 1947، ورواية «بدرو بارامو» لخوان رولفو عام 1955. بعد هاتين الروايتين العظيمتين، اللتين تعدان من الروائع حقا، لم تعد أيّة إضافة ممكنة، فقد قالتا كل شيء. من كان بوسعه أن يتحدث عن «الزعيم» أفضل من رولفو؟ من بوسعه أن يتحدث عن الكنيسة والقرى كما فعل يانيث؟ لكنّ أحداً لم يكن قد كتب عن مكسيكو، المدينة التي كانت تعدّ خمسة ملايين نسمة سنة 1950. قلت لنفسي إنّ أمامي موضوع عظيم، فالمدينة تحوي الكثير من التناقضات الهائلة بين الطبقات الاجتماعية، وهي تمثّل تاريخ المكسيك المتراكم، هي قمة البلد، رأس جالوت. هكذا قرّرت في سن الخامسة والعشرين أن أكتب تلك الرواية المدينية حول فترة ما بعد الثورة وانعكاسها على المجتمع. * ما الذي جعلك مهيئاً لكتابة تلك الرواية؟ - ربما لأنني كنت أمتلك إطلالة من الخارج: كان والدي دبلوماسيّاً وقد كبرت خارج البلاد، وكنت أرى المكسيك دائما من منظور خاص، كفضاء متخيّل. كنت أعود إليها لقضاء الإجازات في بيت جديّ وأنا مدين لهما بالكثير فقد كانا أفضل راويتين للحكايات في العالم. كل صيف، كانا يرويان لي قصص الماضي: هي كانت تروي لي أصولها الألمانية وذكريات زوجها الراحل الذي كان مصرفيا في فيراكروث، أما هو فكان يتذكّر قدومه من جزر الكناري ويحكي عن جدّ جدّ أبيه الذي كان هنديّا من شعب الياكي في مقاطعة سونورا. كلّ تلك الحكايات حول أصولنا وأسلافنا كانا هما مصدرها، كما أنهما مكنّاني من الحفاظ على صلتي باللغة الإسبانية. ذلك الإرث، مع البعد عن المكان، سمحا لي بأن أرى مكسيكو على نحو جديد وغير مسبوق في تلك الحقبة. إنها تجربة أدبية كأيّ تجربة أخرى. * من هم الكتاب المكسيكيون القادرون على تجديد هذا النوع من التجربة؟ هل يوجد اليوم جيل بمستوى خوان رولفو، أوكتافيو باث، وكارلوس فوينتس؟ - الأدب لا يصنعه فرد ولا مجموعة أفراد أو حتّى جيل. إنه تعاقب ومشاركة حيث نقبل التراث ونأتي بالإبداع. وهذا التوتّر بين التراث والإبداع هو تحديداً ما يصنع الأدب. لا يوجد أبداً كاتب بلا سلف وخلَف. وخلَفُنا هم خورخي فولبي، انياكو باديّا، بيدرو أنخيل بالو وكريستينا ريبيرا غارثيا مؤلفة «لا أحد سيراني باكية» وهي رواية ساحرة حول مصح للمجانين وبيت هوى. هؤلاء الكتّاب هم في قطيعة مع سابقيهم وفي الآن ذاته، يكملون ما بدأوه أي أنهم في منطقة التوتر بين التراث والإبداع والتي هي الأدب. * كيف تصالح بين «كونك عالميّاً على نحو معطاء» و»وطنيّاً بشكل نافع» وفقاً لكلمات مواطنك الفونسو ريّيس التي اتّخذتها شعاراً لك؟ - الأمر في غاية البساطة: بفضل الخيال الذي هو موهبة الكاتب. بلزاك هو باريس، وفولكنر هو المسيسيبي كما أنّ غوغول هو سان بطرسبورغ. وهناك ما هو أكثر؛ فانطلاقا من سياق محليّ يسهل تمييزه، ترك هؤلاء خيالهم يتحدّث وجعلوا ذلك التفاعل بين الواقع والخيال شيئاً ملموسا. إن ما يتم نقله، في النهاية، ليس بلداً أو مدينة؛ بل الخيال والكلمات. تُكتب الرواية بالخيال والكلمات، بغض النظر عن الموضوع الذي تعالجه، وعن المدينة التي ينتمي إليها الكاتب. لا أحد يقول أن بلزاك كاتب باريسي فقط، إنه أكثر من ذلك. لماذا؟ لأنه يمتلك القدرة على أن يقود خياله إلى ما هو أبعد من ذلك المكان. * قلت ذات يوم إنّ «الرواية والتخييل يغزوان الواقع ليدافعا عنه على نحو أفضل». ماالذي يعنيه ذلك بالضبط؟ - هذا يعني أنه لو لم يكن هناك ديكنز لما وجدت لندن، هذا إذا اخترنا مثالا متطرفا. فالكاتب يبني، عبر المخيلة، واقع الأمكنة والأفراد. وهؤلاء يبقون. لم يوجد دون كيخوته قط× لكنه حقيقي أكثر من الشرطي في زاوية الشارع. لا توجد شخصية أقوى منه في الأدب الإسباني كله. المجد هو تلك القدرة على تخيل شخصيات تبقى وتقرا عبر العصور، مثل دون كيخوته أو لوي لامبير، الشخصية التي ابتدعها بلزاك أو السيد بكويك عند ديكنز. هذا هو الرهان العظيم للأدب: تحويل ماهو عابر إلى أبدي، لأننا نشتبك طوال الوقت مع العابر؛ فاللغة عابرة، وما يوصف عابر. لندن التي وصفها ديكنز ليست هي لندن اليوم، لكن لندن اليوم ما كانت لتوجد لولا لندن ديكنز. * الأمر ذاته ينطبق على مكسيكو كارلوس فوينتس! ألهذا السبب لا تستطيع الكتابة عن أية مدينة أخرى؟ - مكسيكو هي فعلا المدينة الوحيدة التي تحفّز مخيّلتي، ومع أنني عشت في أرجاء العالم المختلفة إلا أنني أفشل في الكتابة عن غيرها. حاولت كتابة رواية عن بوينس آيرس، ولكن ما الفائدة، إن كان بورخيس وآخرون غيره يجيدون ذلك أحسن مني؟ هنالك أيضا دوس باسوس ونيويورك. لديّ أرض تخصني هي مكسيكو، أرض مفرطة الاتساع، حيث الكثير مما يحفز الرغبة والخيال والذاكرة والزمن، تلك التيمات التي تناولتها منذ بداياتي والتي ليس بمقدوري أن أكتب بدونها. يلزمنا أرض لكي نبدع وهذه الأرض بالنسبة إلي هي مكسيكو، سواء اهتزت أو غدت غبارا أو ماء. هذه المدينة تحول دائم وتحدٍّ دائم أيضا. * بالعودة الى دون كيخوته، هل حقاً تعيد قراءتها كل عام؟ - كل عام. وإن لم أفعل، لا أستطيع الكتابة بالإسبانية ويصيبني الخرس. * «لا شيء يقتل الإنسان أكثر من أن يتوجب عليه تمثيل بلاده»، حين تستشهد بعبارة الكاتب السوريالي الفرنسي جاك فاشيه هذه، هل هو فوينتس الدبلوماسي من يتكلم أم الكاتب؟ - أحب كثيراً هذه العبارة. كنت سفيرا للمكسيك في فرنسا مدة عامين، من 1975 إلى،1977، وقد أدركت أنني كنت أمارس نشاطا مكثفا لأمثّل بلادي وبالنتيجة لم أكن أكتب. * ألست تمثل بلدك عبر ما تكتب؟ - لا، لا أريد البتة أن أمثل بلدي أيا كانت الطريقة، إنني أمتنع عن ذلك.هذا البلد شديد التنوع والثراء، وشديد التناقض. لا يمكن لرجل واحد أن يمثله. هنالك 110 ملايين مكسيكي يمثلونه، كلّ على طريقته. إنه بلد بالغ التنوع، حيث الكثير من التفاوت الاجتماعي، وحيث ماضي ما قبل الإسبان وماض الفترة الاستعمارية ما زالا شديدي الحضور، وحيث تشهد الفترة الراهنة الكثير من العنف. من ذا الذي يجازف بأن يمثله؟ برواياتنا نقترب منه. إنها محاولات تقريبية للإحاطة بالواقع المكسيكي، دون نية لتمثيله أو استنفاذه. ونحن نعود دوماً إلى ما هو كونيّ. * من أين يأتي شعورك بأن «الهوية أمر غامض»، حسب كلماتك أنت؟ - نعم، إنها غامضة جدا. تظلّ الهويّة أكثر الأمور يقيناُ إلى أن تأتي اللحظة التي نفقدها فيها، فلا نعود نعثر عليها. إنّها أشبه بالحرّية، نبحث عنها بلا توقّف ولا نحصل عليها أبدا. لا أحد يستطيع أن يقول: لقد عثرت على الحريّة، وكذا لا يستطيع أحد القول: أنا أعرف ما هي هويّتي. لماذا نكتب الرّوايات؟ لأنّها بحث عن الهويّة يعثر فيه القرّاء، مع شيء من الحظّ، على بحثهم الخاص عن هويّتهم؛ وذلك عبر شّخصيّات وكائنات نختارها ونمنحها أحيانا بعدا أكثر حقيقية من حياتنا الخاصّة. إنّه بحث وليس أبدا بالأمر المكتسب مسبقا. وهذا ينطبق على كلّ الفنون من وجهة نظري، وجميع الكتّاب ذوي الشّأن يعيشون هذا البحث الدّائم عن هويّات متعدّدة. فنحن لا نكتفي بهويّة واحدة تُمنح لنا. كنت أقرأ مؤخّرا كتاباً عن أندريه جيد: لو أنّ جيد كان قد اكتفى بكونه ابنا بروتستانتيّا للطّبقة الوسطى، كما كانت ترغب أمّه، لما أصبح أندريه جيد. كان عليه أن يتمرّد على كلّ ذلك، وأن يبتعد باحثا عن هويّة جديدة ليبني عالمه الخاصّ أيضا. * كيف تنظر إلى العلاقة بين الأدب والسياسة؟ هل من الواجب أن يتداخلا؟ - بالطّبع! يختلط الأدب بالسّياسة على الدّوام. على نحو جيّد حينا ورديء حيناً آخر. أعتقد أنّ الادب يستند إلى حقيقة أساسية تتمثّل باللغة والمخيّلة. وهنا تكمن مسؤوليّة الكاتب: ماذا نفعل باللغة، بالكلمات وبالمخيّلة؟ إذا ما حصّلنا أساس الإبداع الأدبي يمكن للكاتب بعدها أن يقول: أنا مواطن أيضاً وسوف أنتخب هذا المرشّح أو ذاك، وأعتنق هذه الإيديولوجيا أو تلك. كان التشيلي بابلو نيرودا شاعراً عظيماً، امّا أنّه كان ستالينيّا أو شيوعيّا فهذا أمر ثانوي، وهو خياره كمواطن. في الطّرف الآخر، كان لوي-فيردناند سيلين معاديا للسّاميّة، شخصاً فظيعاً ولكن ما أعظم الكتب التي ألّفها! إنّ الأسوأ يكمن في إخضاع الأدب حرفيّا للإيديولوجيا. كثير من الكتّاب السوفييت فعلوا ذلك فأنتجوا كتباً رديئة. * في كتابك «هناء العائلات»، تكتب: «الإيديولوجيا تجعل من الحمقى والأذكياء رفاقا» أو «الفنّان كائن مختلف، ليس مطالباً بتقديم حسابٍ إلاّ لفنّه»... - لا تنسَ أنّ هذا كلام شخصيّاتي! * ولكن لا بدّ أنّ هنالك شيئا من كارلوس فوينتس فيما يضعه على لسان شخصيّاته. أليس كذلك؟ - لا مفرّ من ذلك. أتذكّر بالطبع قول فلوبير: «مدام بوفاري هي أنا». يخلق الكاتب الشخصيّة لكنّه يبقي على مسافة بينه وبينها. والأمر كلّه يعتمد على هذه المسافة بين الكاتب ذاته وما يبدعه. كتبت مؤخّرا رواية بعنوان»الإرادة والحظ» وقد صدرت مؤخّرا في المكسيك. استخدمت فيها ضمير الفرد المتكلّم وهو أمر نادرا ما أفعله وقد شعرت بحريّة كبيرة في أن أكون نفسي ومختلفا عنّي في الآن ذاته. ومع ذلك لا يتعلّق الأمر بسيرة ذاتيّة. المرّة الوحيدة التي جازفت فيها بالاقتراب من ميدان السّيرة الذّاتية كانت في كتابي»ديانا أو الصيّادة المتوحّدة». * هل كان صعباً عليك كتابة قصّة حبّك تلك مع جان سيبيرغ؟ - نعم. كان ذلك صعبا جدّا. لكنّه مكّنني من تفريغ المشكلة عبر إذلال نفسي. أردت كتابته هكذا، بعيداً عن اللغة الخشبية، وخرجت من الأمر خاسرا. لكن لم يكن لدي خيار آخر سوى أن أروي فشل حبٍّ من خلال تفاصيل الحياة التافهة التي تقود إلى امتلاك الآخر ثمّ خسارته. كانت جان سيبيرغ سوداويّة وبالغة الهشاشة حتى وإن أرادت الظهور بمظهر القويّة. تخيّل شابّة في السادسة عشرة من عمرها تنتقل من قريتها الصّغيرة أيوا إلى المسارح الباريسيّة لتؤدّي دور جان دارك؟ لم تكن مهيّأة لذلك... * تختتم «هناء العائلات» مكرّرّا» العنف، العنف». وهذه تيمة مشتركة بين قصص الكتاب كلّها. سواء كان هذا العنف سيكولوجيّا، سياسيّا أم جسديّا، كما أنّ العنف حاضر في مجمل أعمالك. هل يمثّل العنف هاجسا لديْك؟ - لا، ولكنّ بكلّ ببساطة: العنف يسود المكسيك. الجملة الختاميّة «العنف، العنف» هي بمثابة تحيّة إلى جوزيف كونراد. بالنسبة إليّ فإنّ كلّ كتاب هو فعل تطهر لذا فأنا أسعى إلى التطهر من هذا العنف وهذا التّطهر يتحوّل أحيانا إلى نبوءة. ما هو رائع في الأدب هو أنّه لا يكتفي بأن يعكس التّاريخ بل يستبقه ويستدعيه أحيانا. ليس ثمّة حاضر مطلق، بل حاضر أدبي يمثّل الماضي والمستقبل فيه واقعا. أتمنّى أن يُقرأ كتابي هذا لا كحكايات متعاقبة بل كتجذير للزّمن الحاضر الذي يعثر فيه الماضي والمستقبل على مكانهما. * تقول إحدى الشخصيّات في «هناء العائلات» لقد تسرّب الوطن من بين أصابعنا». أيّة مسؤوليّة يتحمّل المثقفون في ذلك؟ - إنّ من اليسير دوما إلقاء اللوم على المثقّفين. أو أن يُنسب إليهم إنقاذ البلد. أنا أرى في هذا خطأ فادحا؛ ففي نهاية المطاف تقع مهّمة إنقاذ البلد على المواطنين والمواطنة تُمارس على كافّة المستويات الاقتصاديّة والسياسية والاجتماعيّة والعائليّة. كلّ فرد مسؤول عن مساعدة البلد على أن يتجدّد، كما أحسن الأمريكان فعل ذلك. بالطّبع ليس لديهم ماض يمكن مقارنته بماضي المكسيك، لقد قتلوا كلّ الهنود الحمر، واستعبدوا الزّنوج لكنّهم اليوم انتخبوا رجلا أسود رئيسا لهم. * تغوص الحكايات التي يتكون منها كتاب «هناء العائلات» في قلب المجتمع المكسيكي، هل تخدمك تلك الحكايات في رسم جغرافيا شخصية للشرط الإنساني؟ - حتى في أكثر العائلات سعادة ثمّة نقطة سوداء، هنالك دائما فرد أحواله ليست على مايرام وهذا ما أشدّد عليه في قصصي، مع وجود ملمح خاص يتمثّل في انّه بعد كلّ حكاية عائليّة يرتفع صوت جوقة؛ صوت أولئك الّذين لا صوت لهم. لقد أردت أن أمنح ذلك الصّوت الجماعي لمن يقولون:»نحن أيضا موجودون» وأردت أن امنح صدى قويّا لصوت البؤس والعنف والحرمان والشكوى الدّائمة الذي هو صوت غالبية المكسيكييّن. * كيف تبقى على تماسّ مع هذا الواقع؟ من أين تأتي هذه الكلمات الصريحة والحادة ولغة الجوقة شديدة الرّاهنيّة؟ - قبل كلّ شيء من الخيال. فأنا أجمع معلوماتي من المحيط، من أحاديث الناس. لكنّ هذا يبدو لي أمرا ثانويا. لماذا أستخدم تلك الكلمات وأيّ مكانة تحتلّ في عملي؟ ما الوظيفة التي تؤدّيها؟ ليس الأمر مجانيّا، لا شيء مجّاني في الرّواية. أجمع المعلومات، ثمّ أغربلها مدركاَ ما الذي سأستخدمه وما الذي سأتركه. وعادة يكون لديّ من المعلومات أكثر مما استخدم في الكتابة. أستمع إلى سائق التاكسي فأدرك إلى أيّ حدّ تغيّرت المفردات منذ كتابة روايتي»المنطقة الأكثر صفاء». لم يبق من الكلمات التي كانت مستخدمة في شبابي سوى القليل. ويحتاج المرء اليوم إلى فهرس مصطلحات لكي يقرأ أول رواية مكسيكيّة نُشرت عام 1816 وتعود للمؤلف خوسيه خواكين فيرنانديث. أمّا أنا، فأحرص على تجنّيب القارىء الحاجة للقاموس لقراءة كتبي. * هل مازلت تؤمن بأنّ الموضوع يفرض الأسلوب؟ - نعم. وأنا أسعى دائما إلى أسلوب يلائم ما أقول. فأنا «لم أقترن» بأسلوب واحد. منذ روايتي الأولى، تناولت طبقات اجتماعيّة مختلفة ، طرائق تعبير مختلفة ومرجعيّات عديدة ومتنوعّة جدّا. وهذا ما يبدو لي مثيراً للاهتمام في المكسيك. في فرنسا، كان لديكم ذلك «اللتّون» مع رابليه لكنّ اللغة باتت فيما بعد إلى نمطيّة ومتجانسة وأعتقد أنّ هذا خطأ. في المكسيك هنالك دائما تنوع كبير في أساليب التعبير... * ما كان رد فعلك على الفضيحة التي أثارها عام 2001 وزير مكسيكي غضب لأنّ مُدرّسة جعلت تلاميذها يقرأون روايتك «آورا»؟ - هذا أمر بات من الماضي، فقد توفّي المسكين كارلوس أباسكال مؤخّراً. فلترقد روحه بسلام! عندما وقعت تلك الحادثة شكرته لأنّه تسبّب في زيادة مبيعات تلك الرّواية. كان وزيرا كاثوليكيّا متشدّدا ورأى انّ تلك الرّواية لا تتماشى كثيرا مع الدين لأنني أصف فيها زوجين يمارسان الحبّ على صليب. والواقع أنّه في المكسيك ثمّة صلبان في كلّ مكان. وكلّ المكسيكيّين يمارسون الحبّ أسفل صورة المسيح المصلوب التي لا تخلو منها أيّ غرفة. * هل كان لموت ولدك كارلوس فوينتس ليموس قبل عشر سنوات ثمّ وفاة ابنتك ناتاشا تأثير على كتابتك؟ - إلى أبعد حد. إنّني أكتب من أجل ولديّ الرّاحليْن. حين أشرع بالكتابة أشعر بأنني أكتب من اجلهما وهذا ما يمنحني العزيمة. ربّما كنت سأكفّ عن الكتابة لولا ذلك. حين أكتب/ أحيا حياتهما؛ مما يهبني قوّة هائلة. إنّهما يشاركان على نحو ما في تأليف كتبي. ألم الغياب حاضر دوماً لكنّه يغذّي الإبداع، باسم الغائبين. والكتابة طريقتي في التّمرّد على القدر وعلى النّسيان. التاريخ : 25-05-2012 |
No comments:
Post a Comment