Wednesday, 30 January 2013

{الفكر القومي العربي} مؤتمر باريس لأصدقاء سوريا

مؤتمر باريس لأصدقاء سوريا مجرد غطاء لغزو مالي
كم كنت أتمنى لو أن الائتلاف الوطني السوري اعتذر عن حضور مؤتمر باريس الأخير لمن يسمون بأصدقاء سوريا ، لكنني كنت أعلم أيضا أن هذا لن يحدث ،
ولذلك لم أكتب هذا الرأي قبل المؤتمر ، وترددت كثيرا بالكتابة عنه بعد انقضائه لولا أن نتائجه جاءت مخيبة للآمال بأكثر مما كان متوقعا حتى بالنسبة لأكثر التقديرات
تشاؤما ، وذلك ما عزز لدي القناعة الاستشرافية المسبقة بأن هذا المؤتمر الذي دعت اليه باريس على عجل لم يكن يهدف الا للتغطية على الغزو الفرنسي لمالي
مقابل بيع المزيد من الكلمات للشعب السوري وفتات من المساعدات التي لايصل أغلبها الى من يعنيهم الأمر
وبصراحة أقول أنني منذ بداية الاحتجاجات السلمية التي انطلقت في سوريا منذ الخامس عشر من آذار مارس 2011 آليت على نفسي أنا الاعلامي الذي قضى معظم
عمره المنتج في هذه المهنة أن أبتعد عن الاعلام قدر المستطاع حتى لا أتحدث عن خلافات كبيرة في وجهات النظر تجاه هذه الجهة أو تلك في المعارضة السورية في
وقت تحتاج فيه سوريا الى وحدة الموقف لتحقيق نتائج ايجابية تمكن من استثمار التضحيات الشعبية النبيلة في تحقيق اصلاح سياسي حقيقي
وحتى على جبهة النظام آثرت قبل الاحتجاجات ومع بدايتها أن أحذره بكل الوسائل الممكنة من اللجوء الى الحل الأمني والعنفي لأنه لن يؤدي به وبسوريا العزيزة كلها
الا بالانحدار الى جهنم من النار والآلام والعذابات . وكنت أدلي بهذا الرأي شفاهة وكتابة في كل المحافل وداخل سوريا وخارجها وأنا أعلم علم اليقين أن النظام الأمني
الاستبدادي الذي نخره الفساد عبر عقود طويلة غير مؤهل مع الأسف الا للحل الأمني العنيف ما سيؤدي الى المزيد من انسلاخه عن الشعب السوري الذي تباعد عنه
بالفساد والقمع مسافات طويلة ..لكن الرهان كان قائما على أي احتمال غير محسوب يمكن أن يوفر على سوريا الآلام ويفتح لها أبواب التغيير الايجابي
وكان من المنطقي عند كل ذي بصر وبصيرة أن يؤدي العنف الوحشي للنظام ضد الاحتجاجات السلمية ، وانسداد الأفق السياسي ، في مقابل اصرار الغالبية العظمى من
الشعب العربي السوري على كسر حواجز الخوف والرعب والتحرر من آلية التلاؤم السلبي مع الفساد والقهر .. كان من الطبيعي أن تتجه الأمور نحو الأسوأ ، وأن يدافع
الناس عن حقهم في الحياة والحرية والمشاركة باحثين عن السلاح من مختلف المصادر رغم ادراكهم بأن كل ما يمكن أن يحصلوا عليه لن يقارن أبدا بالترسانة العسكرية
للقوات الحكومية ..وكان من الطبيعي أيضا أن تبدأ الانشقاقات بالجيش الذي لم يستطع القيام بدور حاسم في انقاذ البلاد من الخراب ودعم حق الشعب بالتغيير والحرية
ومقاومة الفساد لأسباب عديدة يمكن مناقشتها فيما بعد
هذه المتغيرات ساهمت بتحول الاحتجاجات الى ثورة عارمة ومواجهات مسلحة لايمكن تغطيتها بالأسليب البالية لاعلام النظام وحديثه المكرر عن " العصابات الارهابية "
ضمن خطاب اعلامي موجه الى الغرب " بما فيه روسيا الاتحادية " وليس الى شعبه العربي السوري ، وكذلك ليس الى أمته العربية التي تغنى فيها طويلا قبل أن يتحول
خطابه الى خطاب عدائي ضد الأمة أسوة بالخطاب الاقليمي التافه الذي ينسب الشرور الى " العرب " وكأن العرب ليسوا حصيلة وجمع هذه الأقطار الممزقة المتشاحنة
************************
انسداد الأفق السياسي وتصاعد عنف المحنة والمواجهات في الساحة السورية ، كشف عن هشاشة وضعف العقل السياسي للنظام وعجزه عن التعامل مع الثورة الا بتدمير
الذات والدولة والبلاد كلها ، وفتح بوابات التبعية عبر الدعم الخارجي للمتقاتلين جميعا..
أما على صعيد المعارضة فكان النظام قد نجح بعنفه المتواصل خلال عقود في تدمير قواها السياسية وتحويلها الى فتات أحزاب وقوى وشخصيات " تاريخية"تبحث عن دور
مميز في أكناف النظام أو تحت الأرض أو خارج الوطن .. خاصة وأن المعارضة السورية التي عوملت بالسحق والقهر في الداخل عوملت أيضا بالحصار والخنق من القوى
الاقليمية والدولية أملا بتصفية وقهر دور سوريا الحيوي في المنطقة ومكانتها باعتبارها " قلب العروبة النابض " والنقيض الاستراتيجي للكيان الصهيوني.
لذلك عندما اندلعت الاحتجاجات وتحولت الى ثورة لم تجد القيادات السياسية المؤهلة لمواكبتها ..وبينما عملت جماهير المقاومة في الداخل على فرز تدريجي صعب لقيادات أكثر تعبيرا عنها ،
فان القوى الدولية سارعت الى اجهاض عملية التبلور الطبيعي لمعارضة جديدة في الخارج متناسبة مع عظمة الثورة ، كما عملت على التأثير في بنية هذه المعارضة لتكون أكثر تعبيرا
وميلا لمصالح الدول الداعمة منها لمصالح شعبها العظيم في سوريا
وبين الشد والجذب بدت المعارضة حائرة ومفتتة كما يريدها الغرب الذي ينتقدها ، كما بدت أكثر تأثرا موضوعيا - بغض النظر عن النواايا - بالقوى الخارجية منها الى الارتبط الكامل
بقوى الحراك والثورة والتغيير ..وزادت التكاليف الكبيرة للحركة السياسية وأعباء المعيشة ، فضلا عن تطلع كل المعارضين لدعم اخوتهم وأهلهم في الداخل بعد أن أصبحوا بحاجة
ماسة للقمة الخبز والمأوى والدفء والدواء فضلا عن أدوات الصراع المكلفة ..وتحت تأثير مؤثرات الصراع المتعاظم وتكاليفه بدا كل من النظام والمعارضة أكثر ارتهانا للمعادلات
الاقليمية والدولية .
ومن تجربة العامين الماضيين المكلفة تأكد أن القوى الدولية غير معنية بمصير السوريين جميعا ، بل وربما تتفق القوى الكبرى موضوعيا ( وليس بالضرورة بالمؤامرة المشتركة )
على ترك الشعب السوري ينزف حتى الموت بينما تقوم هذه القوى باعادة ترتيب مواقعها في النظام الدولي وفيمما يسمى بالشرق الأوسط مع ضمان أمن اسرائيل الذي تتفق عليه جميعا .
من هذا المنظور العريض أنظر الى معظم مؤتمرات الداخل والخارج التي تمت حتى الآن سواء بهندسة أوروبية أو أمريكية أوروسية ..وسواء خدمت النظام أو المعارضة ، بما في
ذلك مؤتمر باريس الأخير الذي يخدم فرنسا ومصالحها أكثر بكثير مما يستهدف تخفيف آلام السوريين أو يخدم قوى المعارضة
هذه المعادلة الجهنمية لن تنكسر الا بزيادة الاعتماد والارتباط بالشعب العربي السوري المقاوم في الداخل ومساعدته بصدق على فرز قياداته الجديدة المتناسبة مع تضحياته وأهدافه
المشروعة ..والا بالعمل المخلص الفعال لخدمة شبه الاجماع الذي حققه حتى الآن عبر نضالاته المريرة نحو التغيير وحقه ببناء دولة العزة والكرامة والحرية والكبرياء التي يستحقها
والتي تمثل قاعدة حقيقية للمقاومة الجادة والمنزهة عن المصالح الفئوية والشخصية ، دولة القانون والمؤسسات والعدالة والديموقراطية البعيدة عن الفساد والتي تتسع لكل شعبها
وأحلامه الكبيرة .
مع تحيات الكاتب الصحافي : فؤاد زيدان ..في 29-1-2013
 

No comments:

Post a Comment