التحالف بيـن السادات... والإخوان في الهجوم علي عبد الناصر
السادات... والبدء في تصفية التجربة الناصرية (2)
د. محمد فؤاد المغازي
|
السادات... والبدء في تصفية التجربة الناصرية (2) د. محمد فؤاد المغازي التحـالـف بيـن السـادات...وجمـاعـة الإخـــوان في الهجــوم على عبـد الناصـــر السادات والشرعية الجديدة بعد السادس من أكتوبر 1973 لم يعد السادات بحاجة أن يستند في حكمه على شرعية الانتماء لنظام ثورة يوليو 1952. ولم يعد في حاجة إلي أن يكيل المديح لعبد الناصر، أو أن يدقق في حساباته مع الاتحاد السوفيتي. لقد أصبح السادات مطلق اليد في كل شيء. وأصبح في مقدوره البدء في اتخاذ الخطوات التنفيذية لمرحلة هي متناقضة بل ومعادية للمشروع الناصري، تمهد لتغيير نوعي شامل للمجتمع المصري. وهكذا، كانت حرب أكتوبر 1973 تمثل فاصلا بين مرحلتين، مرحلة الثورة الوطنية، ومرحلة الثورة المضادة، وتمهد لظهور قائد الثورة المضادة بشكل علني مستندا للشرعية الجديدة التي خلفتها حرب أكتوبر، بالرغم من أن دور السادات في تحقيق هذا النصر كان ضئيلا وينحصر فقط في تحديد تاريخ قرار الحرب. غطت ضوضاء مهرجان الانتصار العسكري، فأسقطت ظلالا كثيفة فحجبت رؤية الحقائق، وفى غمرة الحديث عن المستقبل الذي يحمل للجميع الرخاء والسلام، نسى الكثيرون:" أن الأعجوبة التي تحققت في أكتوبر 1973، كانت بفضل المقاتلين العرب، وبفضل جمال عبد الناصر، وبفضل الاتحاد السوفيتي." () لقد كان الحديث إلى غرائز الناس قد أنساهم أن:"...الانتصار في حرب أكتوبر 1973 يرجع إلى الاستعدادات العسكرية التي بدأت في عهد عبد الناصر...لقد استطاع السادات أن يحقق جلاء إسرائيل عن سيناء ...لأنه كان مستعدا لأن يدفع ثمنا أغلى، مما كان عبد الناصر ليقبل أن يدفعه." () "فإذا كان السادات قبل بشروط بهذه الصرامة، فلأنه أعتقد بهطول وشيك لسيل غزير من الدولارات." () لم يقتصر استبعاد الأبطال الحقيقيين وأولهم الشعب المصري والرئيس عبد الناصر وإنما أمتد طمس وتجاهل أجهزة الدعاية لنظام السادات أدوار من ساهموا في النصر العسكري سواء كانوا أفرادا أو قيادات عسكرية كان لها الدور الرئيسي في نصر أكتوبر العسكري تأتي أسمائهم قبل أسماء الجنرالات التي ظهروا في الاستعراضات العسكرية أو السياسية. فسقطت أسماء الفريق أول محمد فوزي والفريق عبد المنعم رياض والفريق سعد الدين الشاذلي وغيرهم، كما لم يشار إلي الاتحاد السوفيتي بكلمة شكر عرفانا على ما قدمه من دعم حقيقي ساهم بشكل جوهري في النصر الذي نسبت نتائجه بالكامل إلي السادات!! هذه الحقائق لم تجد لها منفذا للظهور، ولم تكن الغالبية من الناحية النفسية على استعداد أن تتذكر في وسط أحلام ما بعد أكتوبر. أليس من حق هذا الشعب أن يحلم؟ ألم يكن هذا الشعب هو الذي قاتل؟ وهو الذي دفع تكاليف القتال؟ إذن، فليس إنسانيا أن تثار قضايا تفسد على الشعب المصري فرحته بالنصر، من غير أن يجهد عقله وروحه بالهموم، أو بمراجعة تدقق في الأسماء، والأدوار. البدء في الهجوم على التجربة الناصرية / وعبد الناصر انضمام نخبة من الكتاب والمفكرين في الهجوم على الناصرية وعبد الناصر: بدأت مرحلة الهجوم على التجربة الناصرية بعد أن اطمئن السادات أن الناصريين ككوادر وأفراد قد تم لفظهم من نظامه الجديد، وبعد التغيير الشامل لمؤسسات ذات الصلة بأمن وحماية نظامه ( الجيش والبوليس والإعلام..الخ )، بعدها بدأت الخطوات العملية والمعلنة في مهاجمة التجربة الناصرية، بغرض إحلال البديل المعادي لها. وانطلقت الحملة الموجهة ضد الناصرية مستخدمة في حملتها التركيز على قضيتين رئيسيتين: القضية الأولي: الناصرية / وعلاقتها بالديمقراطية. القضية الثانية: الناصرية / تجربة منغلقة اقتصادية. استبان للجميع أن الطريق إلي المناصب القيادية في الدولة والبقاء فيها، هو التقرب إلي رأس الدولة السادات، يعززه موقفا معاديا لعبد الناصر والتجربة الناصرية. وعلى أساس قاعدة المصالح، انضم إلى الهجوم على الناصرية وعبد الناصر مجموعة من الكتاب والصحفيين وأساتذة الجامعات، اشتهرت الغالبية العظمى منهم بتأييدهم لعبد الناصر عندما كان يملك بيده مفاتيح السلطة، بل إن غالبيتهم حققوا مجدهم الأدبي والصحفي في ظل نظام عبد الناصر، وقد مارسوا النقد السياسي والاجتماعي للتجربة الناصرية من خلال أعمالهم الأدبية أيام كان عبد الناصر في أدبياتهم أعظم شخصية تاريخية أنجبتها مصر. كان من بين هؤلاء الكتاب والمفكرين نجيب محفوظ، د. مصطفي محمود، د. فؤاد زكريا. لكن كان نجم تلك النخبة هو الأستاذ توفيق الحكيم الكاتب المسرحي الشهير. لذا، فقد أفردنا مساحة لمناقشة دور الحكيم في الحملة الموجهة إلي الناصرية، وذلك لثقل مكانته الأدبية، ولأنها المرة الأولي التي يدخل فيها الحكيم في خصومة مباشرة مع السلطة ورموزها ويكسر واحدة من القواعد الصارمة التي التزم بها طوال حياته وهي أن لا يقترب من السلطة أو يتصادم معها. فقد ظل توفيق الحكيم منذ قيام ثورة يوليو 1952 على علاقة ممتازة ومتميزة بعبد الناصر حتى وفاته. وقبل وفاة توفيق الحكيم ذكر أنه كانت تربطه بجمال عبد الناصر علاقة متميزة، جعلته يضع توفيق الحكيم في موقع التقدير والتميز، باعتباره يمثل الأب الروحي لثورة 23 يوليو، خاصة بعد ظهور روايته (عودة الروح )، والتي تنبأ فيها توفيق الحكيم بظهور المخلص المعبود والبطل المنتظر الذي سيحيي الأمة من رقادها. وعندما صدر قرارا بإعفاء توفيق الحكيم من وظيفته في دار الكتب، تضامن عبد الناصر مع توفيق الحكيم في مواجهة أحد وزرائه، وبرر موقفه بقوله: هذا الكاتب أثره الكبير على تفكيري. كما أصبح توفيق الحكيم بعد ذلك عضوا بارزا في البرلمان المصري. () وفي عام 1958 منح توفيق الحكيم ( قلادة الجمهورية ) من عبد الناصر. ولا تسجل الفترة الزمنية من حكم عبد الناصر أن منع لتوفيق الحكيم أي عمل من أعماله الأدبية أو النقدية. على العكس تماما، فقد مارس الحكيم نقده للنظام الناصري في رواياته بنك القلق، والسلطان الحائر وكلها أعمال منشوره في كبري الصحف، وترجمت إلي أعمال فنية. هذه المكانة التي تفرد بها توفيق الحكيم جعلته يتباهى ويفتخر بالعلاقة الروحية والفكرية التي تربطه بعبد الناصر، ففي مقال له في جريدة الأهرام في 15/3/1965 _ أي بعد 13 عاما من حكم عبد الناصر _ كتب الحكيم:" اخترته بالفعل منذ ثلاثين عاما يوم تصورت الزعيم الذي ننتظره ليعيد إلينا الروح ويجعل من شعبنا الزراعي شعبا صناعيا، ويصنع معجزة أخرى كالأهرام. اخترته يومئذ لبلادنا وانتظرته، وظهر وعجبت للحلم الذي تجسد حقيقة بهذه السرعة وبهذه الروعة وبهذا الوضوح. ثم بدأ الحلم يواجه الواقع في تفصيلاته وتعقيداته…فكنت أتابع الزعيم على البعد في مواجهة الزوابع وأضع نفسي بالخيال موضعه. وأرسم في مخيلتي خططا للنجاة أو للفوز فإذا بي أفاجأ في أكثر الأحيان (بالزعيم) وقد خرج من الموقف أبرع وأحكم مما تصورت ورسمت. وفى أحيان أخرى أوفق إلى رأى يعجبني في أمر من الأمور، فإذا بي، أجده قد سبقني إليه. وكان تفكيري وتفكيره على صله، مع أنني لم أقابله في حياتي أكثر من خمس دقائق. ثم أجده أحيانا قد صدم الناس بقرار جرئ. فأخلو إلى نفسي أحلل في هدوء ظروفه ومراميه، فإذا بي أجد أنى لو كنت في موقفه لما فعلت غير ما أفعل. هذه الصلة الخفية بيننا على البعد ما سرها، سرها بسيط: وحدة الينبوع. الينبوع الصافي الذي هو قلب الوطن...من هذا القلب الصافي خرج هذا الزعيم كما خرج كل فرد من أفراد أمته. لهذا كان اندماج الناس فيه...وكان حبهم له...وكان انتصاره. أما بالنسبة لي أنا...فأكثر من الحب. هناك الحلم...الحلم الذي تصورته والتصق بوجودي وتفكيري...نعم الحلم والأمل. ولم يتخلى إنسان عن حلمه أبدا." () بدأ توفيق الحكيم مشاركته في الحملة الموجه ضد عبد الناصر بنشر كراسة صغيرة بعنوان ( عودة الوعي ) والتي ترتب على ظهورها ضجة إعلامية صاخبة. ففي هذا الكتيب لخص الحكيم موقفه من التجربة الناصرية والتي حدد بدايتها بيوم الأربعاء 23 يوليو 1952 حتى يوم الأحد 23 يوليو 1973، فيصفها بأنها كانت مرحلة عاش فيها الشعب المصري فاقدا الوعي، مرحلة لم تسمح بظهور رأى في العلن مخالف لرأى الزعيم المعبود. نلاحظ أن تحديد عمر التجربة الناصرية من قبل توفيق الحكيم قد جرى بدقة لا تعرف الصدفة، فحدد بدايته بيوم الأربعاء 23 يوليو 1952 حتى يوم الأحد 23 يوليو 1973، وكان هذا بقصد أن يستبعد انتصار أكتوبر العسكري ونتائجه خارج عمر التجربة الناصرية ومفصولا عنها، ليحصر ثمارها لتكون من نصيب السادات وحده، في إشارة تحمل الولاء، وإن كان مختلطا بالنفاق المكشوف. كما أشار الحكيم أن كتابه ( عودة الوعي بأنها ) ليست تاريخا، وإنما مشاهد ومشاعر استرجعت من الذاكرة، ومجملها أنه قد سار خلف الثورة بدون وعى فيقول:" العجيب أن شخصا مثلي محسوب على البلد هو من أهل الفكر قد أدركته الثورة وهو في كهولته يمكن أن ينساق أيضا خلف الحماس العاطفي، ولا يخطر لي أن أفكر في حقيقة هذه الصورة التي كانت تصنع لنا، كانت الثقة فيما يبدو قد شلت التفكير." "...سحرونا ببريق آمال كنا نتطلع إليها من زمن بعيد، وأسكرونا بخمرة مكاسب وأمجاد، فسكرنا حتى غاب عنا الوعي. اعتدنا هذا النوع من الحياة الذي جعلتنا فيه الثورة مجرد أجهزة استقبال، ويضيف كيف استطاع شخص مثلي أن يري ذلك ويسمعه وأن لا يتأثر كثيرا بما رأي وسمع ويظل علي شعوره الطيب نحو عبد الناصر. أهو فقدان الوعي. أهي حالة غريبة من التخدير." () أسكر توفيق الحكيم الشعب المصري بأكمله، وحوله إلي شعب مخمور، لا يحاسب على أفعاله، لأنه فاقد للأهلية. وليفرغ كل ما صدر عن هذا الشعب من تأييد لثورته ولقائدها من أي معني لأنها ببساطة مواقف صادرة عن شعب من السكارى، شعب كانت ردود أفعاله ومواقفه تتشكل بفعل إدمانه الخمر وعلى مدي الفترة الزمنية التي حددها الحكيم بيوم الأربعاء 23 يوليو 1952 حتى يوم الأحد 23 يوليو 1973، وبالتالي لا يحاسب على سلوكه ومواقفه وقراراته التي أقدم عليها أمام الأجيال والتاريخ. لم يرتقي توفيق الحكيم السياسي إلي مكانة توفيق الحكيم الأديب والروائي وصاحب مدرسة في المسرح، فأساء وأضر السياسي بالفنان والأديب. وأن ما كان يفوح من كراسته ( عودة الوعي ) ليست رائحة الخمر الذي تحدث عنها بقصد أن تكون وسيلته التبريرية في كل ما صدر عنه، وإنما كانت تفوح منها رائحة النفاق التي تجمع بين رائحة الخمر الكريهة، وبين رائحة الذات، والحكيم كان عاشقا ومحبا لذاته. كانت اتهامات توفيق الحكيم بغير سند رغم أنه في الأصل رجل قانون. كان عليه أن يدقق وأن يراجع مجرد قوائم وإحصائيات ويقارنها بمرحلة سابقة عاصرها، وكتب عنها. كان عليه أن يراجع ما جري لقطاع الزراعة الذي ألهمه كتابة ( نائب في الأرياف ). كان عليه أن يراجع هل حققت الثورة بدايات على طريق تصنيع البلاد بمثل ما توقع؟ هل راجع أعداد المتلقين للتعليم والمعرفة؟ وهل كان التعليم قبل يوم الأربعاء 23 يوليو 1952 لغير القادرين على دفع تكاليفه؟ أم أنه أصبح بعد يوم الأربعاء 23 يوليو 1952 مشاعا للجميع؟. وعلى الرغم من انقلاب الحكيم على ذاته وعلى الآخرين وهو يتشابه في مواقفه مع السادات والنخبة التي تقلبت وانقلبت، لا يمكن أن تسقط من ذاكرة المصريين ذلك المشهد الدرامي الذي انتاب توفيق الحكيم وهو يقف ليؤبن جمال عبد الناصر حيث أغمي عليه بسبب انفعالاته، وبعد أن أفاق تحدث توفيق الحكيم فقال :" أعذرني يا جمال. القلم يرتعش في يدي. ليس من عادتي الكتابة والألم يلجم العقل ويذهل الفكر. لن أستطيع الإطالة، لقد دخل الحزن كل بيت تفجعا عليك. لأن كل بيت فيه قطعة منك. لأن كل فرد قد وضع من قلبه لبنة في صرح بنائك. فأنت لم تكن بالزعيم المصنوع سلفا في مصنع السياسة تربصا للفرص..بل كنت بضعة من جوهر شعبك النفيس صاغها بيده في دأب وحدب بعد طول معاناة وانتظار على مدى أحقاب. فإن يفقدك اليوم يفقد فيك نفسه وثمرة أمله. لذلك كان هذا الرشد الذي طاش من الرؤوس ساعة سماع نعيك. إنه ليس مجرد حب لشخصك. إنما هو الحرص على معنى يعيش به بلدك. لقد جسد الشعب فيك صورة حريته، لقد جعل منك حيا تمثال الحرية لنا. فأسمح لنا وقد فارقتنا أن نقيم لك تمثالا عاليا في ميدان التحرير. ليشرف على الأجيال ويكون دائما رمزا للآمال، وما ينبغي أن تقيم هذا التمثال سلطة أو دولة. لكنه الشعب نفسه من ماله القليل يقيمه...وما أرخص المال إلى جانب فضلك يا جمال وخاصة _في أعياد العلم_ على الأدباء والعلماء والمفكرين والفنانين وستبقى دائما في ذاكرتنا." () بعدها كان توفيق الحكيم أول من دفع مبلغ خمسون جنيها _ والمعروف عن الحكيم أنه كان شديد البخل_ مساهمة في تكاليف إقامة تمثال لعبد الناصر عرفانا بالجميل..ورمزا يشرف على الأجيال القادمة. وهكذا كَذِّبْ توفيق الحكيم كل ما قال به توفيق الحكيم. تناسي توفيق الحكيم ما قاله: في عام 1965 أنه كان يخلوا إلي نفسه ويحلل في هدوء كل ما يقدم عليه عبد الناصر سواء من ناحية الموضوع أو ما يتعلق بالمنهج، فيجد صواب قرار عبد الناصر وصحة منهجه، وأنه لو كان في موقع عبد الناصر لما فعل غير ما فعله عبد الناصر. ومتى كان المخمور يتمتع بكل هذا الهدوء والصفاء الذي يمكنه من اختيار الفرضية محل البحث، والمنهج المناسب لدراستها؟ لم يعد عبد الناصر ذلك البطل الذي تنبأ به الحكيم ليعيد الروح للأمة وينتشلها من رقادها ويصنع المعجزات التي تضاهي معجزة بناء الأهرامات، فأصبح صورته الجديدة في كراسة عودة الوعي "شخصية انفعالية غير سياسية، محركها الوحيد الانفعال، ورد الفعل، والتهويش، وأوقع البلاد في كوارث ومصائب، بدأت بتأميم القناة وحرب السويس وانتهت بهزيمة 1967…الخ. انهالت الردود والتعليقات من داخل مصر والعالم العربي وكانت في أغلبها تهاجم توفيق الحكيم. لكن أهم الردود على كراسة توفيق الحكيم جاءت في كتاب لمحمد عودة بعنوان: الوعي المفقود، يحلل فيه شخصية توفيق الحكيم وموقفه من القضايا الاجتماعية والسياسية واتخاذه دائما موقف لا يطاوله فيه أحد، وأنه لو أراد أن ينتقد أو يوجه لأمكنه ذلك، فجميع الأبواب كانت مفتوحة أمامه، لكنه لم يفعل وآثر السلامة الذاتية وهذا يتفق مع طبيعته الشخصية والأدبية وهى مركبات تبعده عن فهم معني الثورة. "...فالبطل الثوري غريب تماما في كل أدبه، وأبطاله جميعا تعادليون أو تلفيقيين يوازنون ويلاءمون أو هم مجرد متفرجين أو هاربين يلوذون بمخبأ أو يرون كل شيء خفية..لا أحد في أبطاله يواجه القضايا حتى النهاية، ولا أحد منهم يفكر أو يثق في قدرته علي صنع أو تغيير الحياة. والدراما المجيدة التي عايشها خلال عشرين عاما وبطلها التاريخي، يقعان تماما خارج قدرته علي الفهم والإدراك." () يلخص د.غالي شكري موقف عدد من الرموز المشتغلين بالعمل الفكري والسياسي في مصر من التجربة الناصرية، التي كانت أغلبيتهم جزءا من التجربة. فكتب يشير إلي انتهازية توفيق الحكيم السياسية:" من مفارقات كتيب "عودة الوعي" لتوفيق الحكيم أنه كان يحق لصاحبه أن يفخر بأنه على العكس. كان واعيا إلي أقصي الحدود فهو الذي كتب السلطان الحائر بين السيف والقانون عام 1959، وهو أيضا الذي كتب بنك القلق عام 1966 وفي كلا العملين وقف الحكيم إلي جانب الديمقراطية وضد القهر..وكان أسلوبه الرمزي مباشرا في مخاطبة السلطان وأجهزته. كذلك كان توفيق الحكيم هو الذي كتب بخط يده في فبراير 1972 بيان المثقفين المؤيدين لحركة الطلاب. ومنذ صدور ( عودة الوعي )، وبداية تأييده للنظام الجديد بدءا بدعم مبادرة زيارة القدس المحتلة وانتهاء بالدعوة إلي حياد مصر. وهي خاتمة مثيرة لشيخ رائد تجاوز الثمانين ولكنها ليست خاتمة الثقافة المصرية. ثم يشير غالي شكري إلي مواقف عدد من الرموز الأدبية:" فإذا كان أكبر العقول الليبرالية كلويس عوض لم يعترض بعد على أخطر إجراء اتخذه النظام ضد حرية التعبير. وإذا كان أكبر الأدباء كنجيب محفوظ قد مارس حريته في تأييد الصلح مع إسرائيل ولم يمارسها بعد في الدفاع عن زملائه..وهو الرجل الذي استمتع أكثر من غيره بالديمقراطية الناصرية فكتب أكثر الأعمال الروائية نقدا لأجهزة القهر..فان هذا كله لا ينفي أن الثقافة الحرة داخل مصر لم تفقد صوت الضمير والشرف والكبرياء." () أما موقف د. فؤاد زكريا أستاذ الفلسفة ورئيس مجلة الفكر المعاصر في تقييمه للتجربة الناصرية بأنها تجربة فاشلة لأنها:"…لم تقضى على الألقاب الموروثة لمرحلة ما قبل 1952" الباشا، البيك، صاحب المعالي..الخ...وأعتبر استقبال الشعب المصري لريتشارد نيكسون في القاهرة 1974، بأنه استفتاء شعبيا على رفض الشعب المصري للاشتراكية والثورة الناصرية عامة." () إلا أن أقسى التهم تلفيقا بغرض تلويث شرف وسمعة جمال عبد الناصر، فقد وردت في كتاب ( من وراء الأسوار ) للصحفي الوفدي _سابقا_ جلال الدين الحمامصي الذي ادعي أن ناصر اختلس لنفسه من أموال الدولة مبلغ 15 مليون دولار حولها لحسابه في بنوك في الخارج. لقد أثارت هذه التهمة الموجهة إلى الذمة المالية لعبد الناصر سخطا شعبيا داخل مصر، وسخطا أكثر في العالم العربي. "ردا على هذه التهمة فان نظام السادات تحت ضغط شعبي رهيب لجماهير تريد أن تعرف الحقيقة، شكل لجنة تحقيق، وأظهر تقرير اللجنة، بأن الملك سعود قد تبرع للمجهود الحربي عقب الهزيمة العسكرية 1967 بمبلغ 5 مليون دولار، ثم رصدها في حساب التبرعات التي يشرف عليها رئيس الجمهورية، وانتقل هذا المبلغ إلى أشراف السادات. أما القرض الذي قدمته السعودية وقيمته 10 مليون دولار فتم تحصيله بمعرفة وزارتي الاقتصاد والتجارة الخارجية والخزانة والبنك المركزي المصري." () حول الحملة الشرسة وما وظف لها من وسائل ودعم للتشهير بجمال عبد الناصر، وتحطيم الرمز في وجدان وعقل أمة. فقد تصدي لها من الكتاب من ذوي الشهرة والسمعة الطيبة فكان أحمد بهاء الدين واحدا من هؤلاء فكتب:" أن الحملة الشرسة ضد ثورة يوليو وضد جمال عبد الناصر كانت قد وصلت في مصر إلي أقصاها. وكان هذا يلقي اشمئزازا شديدا من الرأي العام والصحافة في البلاد العربية بوجه عام. وكان الاعتقاد الشائع _وهو في تقديري صحيح تماما_ أن السادات هو مخطط وموجه هذه الحملة. وأنه يسخر صفحات الإعلام المصري لحزب الانتقام من الثورة ومن جمال عبد الناصر. وكان كلما اشتدت الحملة وبدأت تحدث رد فعل مضاد، انتهز مناسبة في إحدى خطبه ليعلن أنه أمين على أسم جمال عبد الناصر وسمعته وعائلته ولكن بطريقة لا يخفي على أحد أنها تمثيلية …أمر السادات بتشكيل لجنة لبحث الموضوع تحت ضغط الرأي العام، وحين تم التقرير الذي أكد براءة عبد الناصر من هذا الاتهام السخيف الرخيص، كان السادات يلقي خطابا في البرلمان، فأعلن أن التقرير يبرئ جمال عبد الناصر وأنه يودع التقرير أمانة مجلس الشعب ولم ينشر التقرير على الناس. فتلك كانت طريقته في بقاء الشبهة تحوم في الفضاء! وفي زيارة السادات للكويت…انتهز نواب البرلمان الكويتي من كل الاتجاهات الفرصة، ليرد كل منهم في تعليقه على أن نجاح الكويت في المفاوضات وفي امتلاك بترولها كله، أنه لابد في هذه المناسبة من ذكر جمال عبد الناصر الذي كان أول من قال "بترول العرب للعرب" في وقت كان يبدو فيه هذا الكلام حديث خرافة…وكان جزء من هذه الخطابات مقصود به أن يسمع عنه السادات. وفي الليل أقيمت للسادات مأدبة عشاء رسمية…وحدث حادث غريب مفاجئ. إذ تقدم إلي السادات أحد كبار القوم من الكويتيين وقال له على مسمع من الموجودين المحيطين يا سيادة الرئيس، نحن لا نقبل أن يقال في مصر أن جمال عبد الناصر قد اختلس عشرة ملايين جنيه وأنا شخصيا، ويشهد كل الأخوان الواقفين، كنت ضد جمال عبد الناصر، وكنت ضد حرب اليمن بالذات. ولكن أن يقال أن جمال عبد الناصر الذي كانت خزائن مصر كلها في يديه، وخزائن العرب إذا شاء، قد اختلس عشرة ملايين دولار فهذا عار على الأمة العربية كلها. التي كان جمال عبد الناصر _شئنا أم أبينا_ رمزا لها في العالم كله. وأنني اطلب أن تقول لنا أي مبلغ ترون أنه في ذمة جمال عبد الناصر للخزانة المصرية، وسوف ندعو الشعب الكويتي للتبرع به وتسديده عنه. وسيجمع الشعب الكويتي أي مبلغ في أقل من 24 ساعة. حول اللجنة التي تشكلت للتحقيق في الاتهامات الملفقة:"…كان رئيس اللجنة الذي اختير لفحص موضوع _ الاختلاس _ وتقديم التقرير هو الاقتصادي الشهير د. علي الجريتلي…وقد قابلته وسألته عن التقرير قال لي: د. الجريتلي أنني لم أسمح لأحد في اللجنة أن يشاركني في العمل وقد قمت بنفسي بمتابعة كل الموضوع…وقد كنت واثقا من النتيجة فقد كان عبد الناصر أكثر كبرياء من أن يقبل بأي إفساد له...بعد موت عبد الناصر بسنة تقريبا كنت في مقابلة مع رئيس البنوك السويسرية وإذا به يقول لي أن المخابرات الأمريكية والمخابرات الإسرائيلية قد ( هلكتنا ) شهورا طويلة. وسألته لماذا؟ فقال لي الرجل السويسري: لقد حاولوا بأي طريقة العثور على أي حساب باسم جمال عبد الناصر فلم يجدوا." () وبتحليل شهادة أحمد بهاء الدين تتكشف وحدة الخواطر والهدف بين السادات الذي حاول أن ينجح فيما فشلت فيه المخابرات الأمريكية والإسرائيلية في تلويث سمعة جمال عبد الناصر. ويستعرض هيكل ثروة عبد الناصر المالية حتى يوم وفاته:" أن حجم ثروة عبد الناصر في 28/9/1970 لم يتعدى مبلغ 1500 جنيها قيمة بوليصة تأمين على حياته، عقدها قبل ذهابه إلى حرب فلسطين 1948، وأن رصيده في البنك كان مبلغ 2400 جنيه، في الوقت الذي كان عبد الناصر مدينا بمبلغ 26 ألف جنيه أقترضها باستبدال معاشه لبناء بيتين لابنتيه عند زواجهما." () الحلقة الثالثة من البحث هي حول التحـالـف بيـن السـادات... وجمـاعـة الإخـــوان في الهجــوم على عبـد الناصـــر |
From: yahiaalshaer@hotmail.de
To: sharkupper@hotmail.com; egyptiansagainsttorture@googlegroups.com; saveegypt@yahoogroups.com; arab_nationalist@yahoogroups.com; resistant_alliance@yahoogroups.com; egyptiansagainsttorture@yahoogroups.com; editor@middle-east-online.com; no-for-selling-egypt@googlegroups.com; egyptmen@yahoogroups.com; alhewar@alhewar.com; nassirioun@googlegroups.com; qpnews@qudspress.com; march9@yahoogroups.com; al-awda-egypt@yahoogroups.com; info@al-awda.org; p.c.c.r.northsinai@gmail.com; almofakeroon@yahoogroups.com; globalarableague@yahoogroups.com; almajd@almajd.net; hoby162003@yahoo.com; samy19292003@gmail.com; samy1929@hotmail.com; diabmedia@hotmail.com; hamed.metwalli@yahoo.co.nz; yahiaelkazzaz@yahoo.com; alfikralarabi@googlegroups.com; dr.khalaf@al-tawil.com; assem_eldessouki@yahoo.com; amrnasr78@hotmail.com; amrsabeh1212@hotmail.com; soad.hamouda@yahoo.com
CC: hakimnasser55@yahoo.com; alfikralarabi@hotmail.com; dr.mohamadelmoghazy@yahoo.com; gasseralshaer@hotmail.com; marwaelshaer@hotmail.com
Subject: أحدث كتاب أمريكى يكشف الاتصالات الأخيرة بين أوباما ومبارك وهيلارى وسليمان قبل يوم التنحى
Date: Sat, 23 Mar 2013 16:42:46 +0100
أحدث كتاب أمريكى يكشف الاتصالات الأخيرة بين أوباما ومبارك وهيلارى وسليمان قبل يوم التنحى
أحدث كتاب أمريكى يكشف الاتصالات الأخيرة بين أوباما ومبارك وهيلارى وسليمان قبل يوم التنحى
مستشارو أوباما من الشباب طالبوه بعدم الوقوف أمام مجرى التاريخ.. و«هيلارى» و«جيتس» كانا يحسبان مخاطر عدم وضوح الرؤية فيما سيحدث
كتب : يسرا زهرانمنذ 39 دقيقةمبارك
على قائمة أكثر الكتب الأمريكية مبيعاً، احتل كتاب صدر فى الأسبوع الماضى مكاناً متقدماً، كان الكتاب يحمل عنوان: «الوزيرة: رحلة مع هيلارى كلينتون من بيروت إلى قلب السلطة الأمريكية»، للكاتبة «كيم غطاس».
«كيم غطاس» هى مراسلة للإذاعة البريطانية «بى بى سى»، يصفها البعض بأنها واحدة من أقرب الناس لهيلارى كلينتون، وأحد الذين رافقوها هى ومعاونيها فى كل الرحلات التى قامت بها لدول العالم، واستمعوا للطريقة التى تدار بها القرارات فى مكتب وزيرة الخارجية الأمريكية. وهو ما جعل كتاب «الوزيرة» يحمل للقارئ قيمة مزدوجة؛ من صحفية قريبة من دوائر صنع القرار الأمريكى، ولا تتحدث إلا بمعلومات ووقائع موثقة. وكذلك من كاتبة وثيقة الصلة شخصياً بهيلارى كلينتون، تسجل شهادتها وسيرتها بشكل غير مباشر عن فترة عملها التى شهدت أهم حدث فى السنوات الأخيرة، وهو ثورات الربيع العربى.
إن قراءة ما ورد فى كتاب «الوزيرة» عما جرى فى أروقة الإدارة الأمريكية خلال فترة الثورة المصرية، والأيام الأخيرة التى سبقت رحيل مبارك، تلقى مزيداً من الضوء حول تلك الفترة التى قلبت تاريخ مصر. تقول: «كانت هناك نقاشات لا تنتهى فى أروقة الإدارة الأمريكية حول الموقف فى مصر بعد اندلاع المظاهرات فى الشوارع. لكن النقاش لم يكن حول بقاء مبارك من عدمه، وإنما عن كيفية وتوقيت رحيله. كان بعض المسئولين فى الإدارة الأمريكية يدركون خطر أن تتحول المواجهة بين الشعب المصرى ومن يحكمونه إلى انهيار تام وكامل لمؤسسات الدولة، بشكل يلقى مصر فى جوف هاوية سوداء عميقة يتسبب فيها الرحيل السريع لمبارك، خاصة أن مبارك لم يكف عن التلويح بأن البديل له هو وصول الإسلاميين، وتحديداً جماعة الإخوان للحكم، وهى جماعة ظلت الولايات المتحدة تتعامل معها بحذر حتى عندما صارت تعمل تحت ستار حزب سياسى سلمى».
«كانت إسرائيل أيضاً تشعر برعب من أن يتم استبدال نظام مبارك بحكومة إسلامية، فمهما كان السلام مع مبارك بارداً، فقد ظلت حكوماته على الأقل تحافظ على معاهدة السلام معها. لكن، لم يفهم أحد أن إسرائيل كانت على سلام مع رجل واحد، هو مبارك، وعلى عداوة مع 80 مليون مصرى».
وتواصل كيم غطاس فى كتابها شرح الانقسامات فى الإدارة الأمريكية حول الموقف من مصر: «مستشارو أوباما من الشباب، وعلى رأسهم سامنثا باور، كبيرة المستشارين فى السياسة الخارجية، كانوا هم أصحاب التصورات الأكثر «مثالية» لما يحدث فى مصر. كانوا يلحون على الرئيس الأمريكى قائلين: لا يمكننا أن نوقف مجرى سير التاريخ. لا يمكننا أن نقف فى وجه ما يحدث لأن هذا من الممكن أن يرتد علينا وتتعرض مصداقيتنا للتدمير تماماً. وكانت النتيجة، أن تعامل أوباما مع الثورة المصرية بالطريقتين: استمعت إدارته لمطالب الشعب وتركته يوجه مجرى الأحداث كما يريد، وكما كان يريد المستشارون الشباب، فى الوقت الذى كانت تحاول فيه أمريكا «تقويم» القيادة المصرية فى الاتجاه الصحيح».
«هيلارى» كانت تخشى أن يكون التخلى عن «مبارك» يمكن أن يعطى الانطباع أن أمريكا صديق غير حقيقى يهجر حلفاءه«كل من هيلارى كلينتون، وروبرت جيتس وزير الدفاع، كانا يمثلان الاتجاه الأكثر تقليدية فى التعامل مع الأمور داخل الإدارة. كانا يحسبان مخاطر عدم وضوح الرؤية فيما سيحدث لاحقاً فى مصر، وكانا حذرين من الضغط لإخراج مبارك من السلطة بسرعة أكثر من اللازم. أما النقطة الثانية التى كانت هيلارى تتحسب منها فكانت رد فعل حلفاء أمريكا وخاصة السعودية على ما يحدث؛ فالتخلى عن مبارك بهذا الشكل يمكن أن يعطى الانطباع أن أمريكا صديق غير حقيقى يهجر حلفاءه، خاصة أن السعودية غضبت بالفعل من أن أمريكا لا تريد إظهار دعمها لمبارك. واتصل الملك عبدالله، خادم الحرمين الشريفين، بالرئيس المصرى ليعرب عن مساندته له».
ويواصل الكتاب: «إن الحكام العرب يحملون الغرب مسئولية كل ما يحدث فى بلادهم، ووزير الخارجية أحمد أبوالغيط مثلاً، كان مقتنعاً أن الثورة كلها من تدبير واشنطن لمجرد أن عضواً فى حركة 6 أبريل حضر مؤتمراً فى أمريكا. كان القادة فى مصر غارقين فى أوهامهم، بينما استيقظ الشعب مطالباً برحيل مبارك، وكان على أمريكا أن ترسل شخصاً ما إلى مبارك «لإفاقته». واقترحت هيلارى أن من يذهب لمبارك، عليه أن يشرح له سراً ضرورة أن يستعد للرحيل قبل أن ينفلت زمام الأمور».
ويروى الكتاب: «وواصلت هيلارى أن الانتخابات الرئاسية المصرية ستتم فى نهاية العام، والرسالة التى توجهها واشنطن لمبارك هى أنه من الضرورى أن تكون هذه الانتخابات حقيقية، وليست مرتبة مسبقاً، وأن على مبارك ألا يترشح لا هو ولا ابنه للرئاسة. خاصة أن لديه كل ما يحتاج من الوقت للإعداد الجيد للديمقراطية».
أحداث موقعة الجمل "صورة أرشيفية"
«واختارت هيلارى فرانك ويزنر، سفير أمريكا السابق فى مصر لتسليم الرسالة الأمريكية لمبارك: إن عليه إخلاء الطريق من أجل صالح البلاد. لكن مبارك، العجوز العنيد، صم أذنيه، ولم يكن يفكر فى إدارة الأمور بأى طريقة أخرى غير الطريقة الوحيدة التى اعتاد عليها. لم تكن هناك حيل جديدة فى جراب الحاوى العجوز».
على أن هناك نقطة أخرى كانت تثير قلق الإدارة الأمريكية كما يؤكد الكتاب: «فى البيت الأبيض، كان المسئولون يشعرون بالقلق من مسألة أخرى: أن الثوار فى الشوارع لم ينتبهوا أن وراء مبارك مؤسسة هائلة لم تمس، مؤسسة قادرة على إدارة الأمور به أو بدونه. ولمحت هيلارى إلى أنه ليس هناك جدوى من الإطاحة بمبارك ليتم استبداله بديكتاتورية عسكرية. لقد كانت الولايات المتحدة واعية تماماً بمدى حجم وقوة الجيش المصرى، خاصة بعد أن التزم الجيش بعدم إطلاق النار على المتظاهرين فى الشوارع. لكن، لم يكن أحد يعرف ما الذى يمكن أن يفعله الجيش غداً».
«وصار النواب الديمقراطيون والجمهوريون يحاولون الاتصال بمبارك لإقناعه بالتخلى عن منصبه، ويضغطون على الإدارة الأمريكية لكى تطالبه رسمياً بالاستقالة. لكن واشنطن كانت قلقة من التدخل بشكل مباشر فى مسار أحداث الثورة فى مصر، ورأت أنه من الأفضل أن تقدم كل الدعم الممكن للشعب من دون أن يبدو الأمر كعملية يوجه الأمريكان مسارها. كان الرأى السائد فى إدارة أوباما يقول: لا تدفع الناس للمواجهة ثم تتركهم وظهورهم مكشوفة، لأنك ستعجز عن حمايتهم من الأمن الذى يعتقلهم ويقتلهم».
والواقع، أن قلق أمريكا من التدخل مباشرة فى سير الثورة المصرية لم يكن تفكيراً أخلاقياً بقدر ما كان تفكيراً عملياً لا يريد تكرار أخطاء الماضى، تذكرت أمريكا، وفقاً للكتاب: «ما حدث فى 1991 بعد حرب الخليج، عندما دفعت أمريكا بالشيعة العراقيين للقيام بثورة ضد نظام صدام حسين، لكنها كانت غير قادرة، أو غير راغبة، فى تقديم الغطاء اللازم للمعارضة العراقية لكى تستمر. وكانت النتيجة مصرع عشرات الآلاف من الأشخاص بعد أن قمع صدام حسين هذا التمرد ضده».
لكن، هل كانت أمريكا تعتقد أن بقاء مبارك فى السلطة أقرب من خروجه منها، تقول كيم غطاس فى كتابها: «الأمر الثانى الذى كانت أمريكا تحسب حساباً له فهو ماذا لو طالبت أمريكا مبارك بالتنحى ثم نجح هو بشكل ما، فى البقاء وقرر سحق المعارضين له متسبباً فى خسائر فادحة للأرواح؟. كان الواقع أن أمريكا لم تكن قادرة على إيقافه لو قرر ذلك، فهى لن ترسل قوات الفرسان والمشاة لردعه، وحتى التلويح بقطع المساعدات العسكرية لمصر لم يكن ليحدث تأثيراً إلا على المدى البعيد. وفى كل الحالات، فإن فكرة قطع المعونة تعد دائماً آخر الحلول التى يمكن التفكير فى اللجوء إليها فى الأزمات».
السعودية غضبت لأن أمريكا لا تريد إظهار دعمها لمبارك.. والملك عبدالله اتصل بالرئيس المصرى ليعرب عن مساندته لهويواصل الكتاب: «العالم كله كان يضع استنتاجاته حول حجم التدخل الأمريكى فى مصر، بينما كان المسئولون فى الإدارة الأمريكية يتخبطون فى الظلام. قال لى أحدهم: «نحن فى مصر مقبلون على المجهول، إما أن نشهد تكرار عام 1989 أو عام 1979»، وكان عام 1989 هو العام الذى شهد انهيار سور برلين واعقبته موجة من الانفتاح السياسى والاقتصادى الذى شمل كل دول أوروبا الشرقية التى كانت واقعة تحت الاحتلال السوفيتى، أما عام 1979 فكان العام الذى شهد قيام الثورة الإسلامية بقيادة الخومينى فى إيران، وجاءت بحكم الملالى المتشددين للحكم فى إيران الذى استمر حتى اليوم».
ويتابع الكتاب: «لم يكن أحد فى واشنطن يعرف أى المسارين ستتخذه الأحداث فى القاهرة. لكن، كانت التحذيرات المتكررة فى الإدارة الأمريكية، أن الأحداث الحالية يمكن أن تقلل من النفوذ الأمريكى فى المنطقة. ففى النهاية: ها هو حليف أمريكا الذى خلعه شعبه. ويمكن أن يفسره البعض على أنه «خلع» للنظام الأمريكى نفسه، بشكل يبهج أعداء الولايات المتحدة فى المنطقة مثل سوريا وإيران».
«ويوم 1 فبراير، أعلن مبارك أنه لن يسعى لإعادة ترشح نفسه، لكنه لم يشر إلى عدم ترشح ابنه. صدقه البعض ولم يثق فيه البعض الآخر. أما فى واشنطن، فكان هناك انطباع بأنه ربما تهدأ الأمور نوعاً ما بعد خطاب الرئيس. كان الفرعون يعلن أخيراً أنه سوف ينسحب، وربما كان يحتاج قليلاً من الوقت لترتيب التغييرات التى كان يعد بها. لم يكن هناك معنى للضغط عليه لإنجاز ما وعد به سريعاً».
ويروى الكتاب تفاصيل المكالمة الأخيرة بين مبارك وأوباما وقت الثورة: «أوباما كان مصراً على التزام مبارك بكلمته. كان يريد أن يستوضح بالضبط ما الذى ينوى مبارك فعله لكى يتم الانتقال الديمقراطى بشكل حقيقى فعلى، ويبدأ على الفور. لم يكن أحد يريد أن تستمر الاحتجاجات لشهور فى شوارع مصر. واتصل أوباما بمبارك فى مكالمة استمرت 30 دقيقة. قال أوباما لمبارك فيها بأقصى ما لديه من احترام، إنه قائد خدم بلاده لزمن طويل، وملتزم بخدمته طيلة الوقت، لكن الأمور بهذا الشكل لن تتم. وقال أوباما لمبارك إن عليه أن يعجل بنقل السلطة وعقد لقاءات مع قادة تيارات المعارضة المختلفة. وحاول أوباما اللعب على وتر حب مبارك لبلاده، ملوحاً بأن من المؤكد أن آخر شىء يريده لبلاده هو عدم الاستقرار».
لكن مبارك رد على أوباما: «أنت لا تعرف شعبى، هم يعرفون أننى وحدى القادر على جلب الاستقرار فى مصر». فسأله أوباما: «ماذا لو كنت مخطئاً؟» رد مبارك: «أنت لا تعرف شعبى».. هنا قال أوباما: «دعنا نتحدث إذن مجدداً بعد 24 ساعة». لكن مبارك رفض: «لا لا، سوف نتحدث بعد بضعة أيام، وسوف ترى، سيكون كل شىء قد أصبح على ما يرام».
باراك أوباما
إلا أن أوباما لم يقتنع بكلام مبارك، يواصل الكتاب نقله لنص المكالمة التى دارت بينهما؛ قال أوباما لمبارك: «ربما كنت محقاً لكن ماذا لو كنت على خطأ؟ المخاطر عالية جداً بالنسبة لك أيضاً». كان أوباما يحاول إفهام مبارك أن استمرار الحال على ما هو عليه لفترة طويلة لا يعنى أنه سيستمر كذلك إلى الأبد. لكن مبارك أنهى المكالمة مردداً: «أقول لك إننى أنا من يعرف شعبى، أنت الذى لا يعرفه».
وكانت تلك هى آخر مكالمة بين مبارك وأوباما. وفى اليوم التالى، حدثت موقعة الجمل.
يقول الكتاب: «اتصلت هيلارى كلينتون بنائب الرئيس الراحل اللواء عمر سليمان. وكانت حازمة فى الرسالة التى نقلتها: «ما حدث أمر لا يمكن التسامح معه».. وطمأنها السيد عمر سليمان، أن هذا الموقف لن يتكرر وأنه ستتم السيطرة على العنف. إلا أن هيلارى ردت: «لا يمكنكم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. عليكم الإشراف على عملية انتقال حقيقى للسلطة، لا يمكنكم الاكتفاء بإجراء إصلاحات شكلية والاستمرار لعشر سنوات أخرى. التغيير الحقيقى لا بد أن يأتى، وبسرعة».
ويواصل الكتاب سرده للطريقة التى كانت الإدارة الأمريكية تتابع بها الموقف فى مصر: «كل يوم، كانت هيلارى تتجه إلى البيت الأبيض، لتلتقى وحدها مع أوباما أولاً. ثم كانت تلتقى مع روبرت جيتس، ثم مع مستشار الأمن القومى طوم دونيلون. ثم كانوا يجلسون جميعاً فى لقاء مشترك. كان أوباما يحيط نفسه بدائرة من المستشارين الذين يرون العالم من وجهة نظره، لكنه على مدى العامين الماضيين، صار يستمع بتركيز أكثر إلى هيلارى. كانت لديها هى وجهة نظر عملية حول ما يجرى على الأرض. وكان أوباما فى المقابل يسألها عن رأيها فى أمور السياسة الخارجية، حتى قبل أن ينتهى مستشار الأمن القومى من عرض تقريره عليه».
ويتابع: «كانت هيلارى بعيدة النظر فيما يتعلق بمصر. وكانت تضع عينيها دائماً على الصورة الشاملة. وحذرت بشدة من أن تتحرك الولايات المتحدة سريعاً فى هذا الأمر لتبدو وكأنها تتخلى عن حلفائها. كانت تؤمن بضرورة مساندة الشعوب، لكنها كانت هى أيضاً من وقفت قبلها بأسابيع فى الدوحة لتقول إن الخيار فى العالم العربى ليس بين الإصلاح أو الاستقرار ولكن بين الإصلاح أو الفوضى. والآن، صارت الفوضى تدق على الأبواب. وصار من الضرورى إدارة هذه الفوضى بشكل سليم».
لكن المال، هنا، كان عنصر الحسم فى تفكير هيلارى، لأن الديمقراطية بالطبع فى حاجة لمن يمولها: «لم تكن المسألة مجرد مسألة قيم ومبادئ، لكنها كانت أيضاً مسألة مال. كانت واشنطن تدرك جيدا أنه بعد أى انقلاب أو ثورة، فستكون هناك حاجة لتدفق الأموال لتغذية الاقتصاد. كانت الولايات المتحدة تعانى من أزماتها المالية الخاصة، وربما وجدت نفسها بعد الثورة المصرية تطرق أبواب السعودية طلباً لتدفق الريالات إلى مصر. ولم يكن من الحكمة استبعاد العم الثرى فى الخليج قبل الحصول على ما يمكن من أموال منه».
ووصل الكتاب إلى واحدة من أكثر المحطات غموضاً فى مسار الثورة، تلك الفجوة بين خطاب الرئيس مبارك يوم 10 فبراير، وإعلان تنحيه فى اليوم التالى له، يقول: «الغريب أنه أخيراً، وبعد أن ظل مبارك يضع إصبعه فى عين أمريكا متحدياً. وعد الرئيس المصرى الجيش أنه سيعلن استقالته فى خطبة يلقيها مساء 10 فبراير. كان الجيش يرقب متحفزاً اندفاع الجماهير فى الشوارع، شاعراً بأن سلطته هو نفسه تحت التهديد. وقال جنرالات الجيش المصرى للمسئولين الأمريكان إن كل شىء معد الآن لرحيل مبارك. وبناء عليه قال رئيس المخابرات المركزية ليون بانيتا للكونجرس الأمريكى إن هناك احتمالاً كبيراً بأن مبارك سيتنحى فى هذا المساء».
أما هيلارى، فيقول الكتاب إنها: «كانت مقتنعة تماماً بأن مبارك سيراوغ. كانت ترى أن خطبه فى الأيام الأولى للثورة، غامضة ومبهمة بشكل جعلها لا تتوقع الكثير من الخطبة المنتظرة. وخلال دردشة لها مع معاونيها، قالت هيلارى إنها ببساطة لا يمكنها أن تتخيل «أن هذا العجوز سيقف ويقول: أنا راحل. هذا ببساطة أمر لا يجرى فى دمه».
اختيار «ويزنر» للرسالة الأولى إلى مبارك: انتخابات رئاسية حقيقية آخر العام ولا تترشح أنت أو ابنكويواصل «وشاهدت هيلارى خطبة مبارك من مكتبها بالدور السابع فى البيت الأبيض. على شاشة التليفزيون الذى يقبع عادة ساكناً بالقرب من الجدار الخشبى فى الركن الأيمن من مكتبها، لكنها شغلته لتشاهد عليه هذه اللحظة الخاصة. واستمرت خطبة مبارك لسبع عشرة دقيقة دون أن يفهم أحد ما الذى يريد قوله. واشتعل التحرير من جديد. وعندما سألت المسئولين الأمريكان وقتها عما إذا كان خطاب مبارك مرضياً بالنسبة للولايات المتحدة، قال لى أحدهم: ما زلنا نحاول فك ألغاز كلماته!».
«كان مدير المخابرات المركزية، الذى بدا فى تلك اللحظة فى صورة الأبله الذى يستقى معلوماته من وسائل الإعلام، يعرف جيداً أن مبارك وعد بالفعل بالاستقالة لكنه نكث بوعده. أما أوباما نفسه، فشاهد خطاب مبارك يوم 10 فبراير على متن الطائرة الرئاسية فى طريقه عائداً من ولاية ميتشيجان للبيت الأبيض».
ويروى الكتاب شكل الاتصالات بين الولايات المتحدة والجيش المصرى قبل تنحى الرئيس بيوم: «وفى مساء ذلك اليوم، اتصل وزير الدفاع الأمريكى روبرت جيتس بوزير الدفاع المصرى وقتها المشير حسين طنطاوى، وقال له إن الوضع الآن فى مفترق طرق خطر. وأن على مبارك أن يرحل. والجيش عليه مسئولية تدارك الموقف والإسهام فى إدارة عملية انتقال السلطة. وأعلنت الولايات المتحدة استعدادها لدعم الجيش المصرى فى القيام بأمر لم يفعلوه من قبل: إطلاق العملية الديمقراطية فى مصر».
ويرى الكتاب أنه: «كان هناك كثيرون فى الإدارة الأمريكية يشعرون بقلق من أن الجيش المصرى سيبذل كل ما فى وسعه للحفاظ على سلطاته وامتيازاته الخاصة. ولم تكن واشنطن قادرة على تخيل حجم المشكلة التى يمكن أن تنشأ عن ذلك لو تم. كانت البلاد ستغرق فى حالة كاملة من الفوضى لو لم تتم تهدئة الجماهير ويحصل الشعب على ما يريده. وكان الجيش المصرى هو أمل وملجأ واشنطن الوحيد».
ويتابع: «أما جنرالات الجيش أنفسهم، فكانوا مرهقين ومتوترين وفى غاية القلق من إراقة الدماء. كانوا قد تفادوا إطلاق النار على المتظاهرين، وقبّل الناس الجنود والضباط فى الشوارع. لكن كان من الممكن أن يضيع ذلك كله فى غمضة عين. وظل الجنرالات يوازنون بين الخيارات المطروحة أمامهم طيلة الليل ونهار اليوم التالى: كان مبارك رجلاً عسكرياً، امتد حكمه لثلاثة عقود. ولم يعجب الجنرالات أن الولايات المتحدة توجه لهم النصائح، لكن، لم يكن أحد راغباً فى تفجير الموقف كله».
«لكن مبارك بالفعل، لم يكن قادراً على أن يعلن رحيله، فأرسل من ينوب عنه فى النطق بالكلمات المحتومة. وفى يوم 11 فبراير، الساعة 11 بتوقيت واشنطن، السادسة مساء بتوقيت القاهرة، كانت هيلارى كلينتون تدخل إلى البيت الأبيض لتحضر اجتماعاً عاجلاً فيه، بينما فى مصر، وقف نائب الرئيس الراحل، اللواء عمر سليمان، بأعوامه الخمسة والسبعين، مواجهاً الكاميرات، ومعلناً بوجه شاحب كوجوه الموتى، تفويض الرئيس صلاحياته للقوات المسلحة. ومنهياً تصريحه المقتضب بقوله: الله الموفق والمستعان».
د. يحي الشاعر
No comments:
Post a Comment