عروبة جديدة أم هلوسة جديدة؟ سمير حداد لا بد من الاعتراف بادىء ذي بدء، أن تسويغ وتسويق سياسات الأمير القطري الشيخ حمد بن جاسم، وطمس الشكوك والاعتراضات التي تكتنفها، وإضفاء سمات وطنية ومصداقية عليها، مهمة شاقة حتى على أكثر كتّاب العلاقات العامة خبرة ودراية، الا أن المردود المادي لتلك المحاولات تغري ولا شك بعضهم بالمحاولة. أحدث هذه المحاولات نشرت في جريدة زرقاء بقلم أحد كتابها، مبشراً "بعروبة جديدة غير العروبية"، كما هو عنوان تلك المحاولة. وعلى غرار العنوان الغامض المضمون والمبهم الدلالات، إذ كيف تكون ثمة عروبة غير العروبية، سطّر الكاتب عشرات العبارات المليئة بالطلاسم مثل "العروبة الجديدة بقيادة الاسلاميين عروبة حقيقية لانها إسلامية ولكنها عروبة بلا أوطان أو بلا فكرة وطنية". وإذا حاولنا أن نفك هذه الطلاسم، لنفهم ماذا يريد الكاتب أن يقول، اصطدمنا بعشرات الاسئلة المعلقة التي تبحث عن إجابات مثل العروبة هي هوية أمة ووطن فكيف تكون هذه الهوية بلا أوطان وبلا فكرة وطنية؟ ثم كيف يكون الاسلاميون رواداً للعروبة الجديدة، وغالبيتهم الساحقة ممن اعتنق افكار ابو الاعلى المودودي وسيد قطب والتي اعتبرت الانتماء القومي إثماً يساوي الكفر بالله. ولكن وسط تلك الطلاسم والألغاز مرّر الكاتب جملاً واضحة المضامين والدلالات، فيقول إن "المعلم الاول للعروبة الجديدة تحويل دولها الى ولايات"، وإن "المعلم الثاني لهذه العروبة الجديدة هو أن الاحساس بالكرامة موجه ضد أنظمة الاستبداد لا ضد اسرائيل". ويضيف أن مدخل العروبة الجديدة "الى الحداثة هي الفكرة الديمقراطية" ويشرح ذلك بالقول "ان العروبة الاولى دولية تسلطية، العروبة الجديدة مجتمعية تفكيكية". فاذا توقفنا امام دلالات هذه الجمل الواضحة المضامين والدلالات، فانها ببساطة تحاول أن تقول أن الالتزام بمشروع الشرق الأوسط الجديد هو أرقى أشكال الالتزام العروبي. فحينما يكون المعلم الاول للعروبة الجديدة هي تحويل دولها الى ولايات، فعندئذ يُكرس بول بريمر الذي فرض تمزيق العراق تحت ستار الديمقراطية والفيدرالية أحد رواد العروبة الجديدة، وحينما يكون العداء الاول للكيانات الوطنية التي يصفها الكاتب بقوله انها دولية تسلطية، فان تفكيكها طائفياً وعرقياً ومذهبياً يصبح أرقى اشكال التعبير عن الالتزام القومي من وجهة نظره، لأن عروبة الكاتب الجديدة مجتمعية تفكيكية كما وصفها حتى لا يقول تفكيكية للمجتمعات، وبالتداعي المنطقي فان اسرائيل تتحول من عدو ينبغي مجابهته الى حليف باعتبار ان تمزيق المجتمعات العربية هدف مشترك لدى الصهاينة ولدى "العروبيين الجدد" بقيادة الشيخ حمد بن جاسم. وحيث ان الكاتب يرى ان سياسات الاسلاميين في تونس ومصر وسورية، بمن فيهم آكلو لحوم البشر، تنسجم مع عروبة الشيخ حمد بن جاسم الجديدة، فلا بد من الاشادة بهم واظهار التعاطف معهم أولاً في مواجهة عروبة الخمسينيات والستينيات ورمزها الاول جمال عبد الناصر، عروبة التحرير والتوحيد والعدالة، وثانياً في مواجهة مخلفاتهم وأولها "جيوش أُرهقت بالقضية القومية" وثانيها بالمسؤوليات الضخمة لدولة الرعاية الأمر الذي يشير بالتداعي المنطقي ان إضعاف الجيوش العربية وتقليص احجامها وتبني انظمة اقتصادية واجتماعية تطلق يد الراسمالية الوحشية العالمية والمحلية، يصبحان معاً هدفاً قومياً حداثياً وعصرياً "للعروبيين الجدد". وهنا نسأل: هل ما كتب حول العروبة الجديدة فلسفة جديدة؟ ونسارع الى القول إنها هلوسة جديدة تحاول بكلام مبهم وغامض أن توهم القارىء أن وراء تلك الجمل المليئة بالسم عمق فكري والتزام بقضايا الامة، وعلى كل حال فإنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الامة مثل هذه المحاولات، فكتاب الـ (MI6) في الخمسينيات حاولوا أن يبيضوا صفحة نوري السعيد وأمثاله وفشلوا، وكتاب المارينز في عصرنا الراهن حاولوا وما زالوا أن يبيضوا صفحة الصهاينة والمستعمرين والسائرين في ركابهم، وثقتنا مطلقة أنهم فاشلون. |
You received this message because you are subscribed to the Google Groups "الفكر القومي العربي" group.
To unsubscribe from this group and stop receiving emails from it, send an email to alfikralarabi+unsubscribe@googlegroups.com.
To post to this group, send email to alfikralarabi@googlegroups.com.
Visit this group at http://groups.google.com/group/alfikralarabi?hl=en-US.
For more options, visit https://groups.google.com/groups/opt_out.
No comments:
Post a Comment