من أجل من إذن ؟
صباح علي الشاهر
الدبلوماسية الروسية وما أدراك ما الدبلوماسية الروسية !
لسنا بصدد الحديث عن سمات أو مميزات هذه الدبلوماسية الغامضة، العميقة، لكننا نشير إلى سمة من سماتها، سمة تجلت في أجلى صورها في المؤتمر الأخير الذي عقده رأس هذه الدبلوماسية في 26-08-2013، حيث تحدث، وبإطناب ممل، عن كل ما يتعلق بالمعضلة السورية، لكنه ختم الموقف بجملة واحدة، كانت الجملة الأخيرة قبل فض هذا اللقاء الذي كان الغرض الجوهري منه قول هذه الجملة ( لن ندخل حرباً مع الآخرين من أجل سوريا)، والسمة التي نريد تلمسها، ليس فقط ذاك الهدوء والبرود الذي تحدث فيه الوزير، وإنما إستحالة معرفة أي شيء، أو تلمس أي شيء، لا من خلال الصوت، ولا السحنة، ولا التقاطيع، فالوزير كان يردد القول كما لو كان يقرأ جداول الضرب، لذا فليس بالإمكان قراءه اي موقف من خلال التفرس بملامح الوزير وهو يتحدث، لكن الموقف سيأتيك دفعة واحدة، وفي أكثر الجمل تركيزاً وإختصاراً ( لن ندخل الحرب مع الآخرين من أجل سوريا ).
وجه الوزير لم يكن كتاباً، وإنما ورقاً عذرياً لم يخط عليه شيء، لكن قول الوزير لم يكن شافياً إلا بالنسبة لأولئك الذين لا يحسنون قراءة ماوراء الكلمات.
هل يستهين الوزير بسوريا؟
قطعاً لا، فليس ثمة حليف للروس في المنطقة كالحليف السوري، وبضياعة ستضيّع روسيا كل نفوذها في المنطقة.
أعتقد أن الكثيرين، تصوروا أن النتائج لم تتناسب مع الأوليات، فحديث الوزير كان متطابقاً، مع الموقف السوري ومنحازاً إليه تماماً، لكن الختام كان مفارقاً مفارقة فاقعة.
أكان المطلوب دخول روسيا الحرب مع سوريا بمواجهة أمريكا، ولكن من قال أن أمريكا ستشن حرباً على سوريا؟
صحيح أن ثمة جعجعة، تحشيد قوات، وأساطيل، وبوارج، وإجتماعات لأركان حرب، وتهويل وصخب لا أول له ولا آخر، لكنهم يتحدثون عن ضربة أو ضربات، والضربة والضربات، بالمصطلحات المعروفة والمتداولة ( إعتداء) وليست (حرب) ..
والرد على الإعتداء له طرائق وأساليب، ومن يرد على إعتداء المعتدين، يحتاج الدعم، ليس السياسي فقط، وإنما المادي، وتحديداً السلاح، والسلاح القادر على الردع على وجه الخصوص، وهنا نصل إلى بيت القصيد: هل تملك سوريا أسلحة يمكن أن تسمح لها بالرد المناسب على إعتداء دولة بحجم أمريكا؟
إذا كان الجواب بالإيجاب، فإن الروس يكونون والحالة هذه قد ردوا على إعتداء أمريكا بالإسلوب الأكثر إيلاماً ووجعاً، وأستطيع القول ( إذلالا)، فإن تقف دولة مثل سوريا بوجه أمريكا وزعانفها من الغربيين وبقايا العرب، وأن تصمد فهو في كل المقاييس هزيمه، ربما ستدشن مرحلة تسارع إنهيار أمريكا.
وإن لم يكن لدى سوريا هذا النوع من الإسلحة، فإن من الغباء تصور أن سوريا ستقدم رقبتها للجزار ، وبالتالي فهي ستقوم بكل ما تقدر على القيام به، ليس وحدها فقط، وإنما حلفاؤها معها، وبالتالي فإن جملة ( لن ندخل حربا مع الآخرين من أجل سوريا ) ، تحتاج إلى إعادة قراءه، وتعديل، إذ لم تعد حرب الروس الآن من أجل سوريا، وإنما من أجل مصالح روسيا، وربما وجودها، ليس في المنطقة، وإنما كدولة عظمى يحسب لها حساب.
متى تتحوّل حرب أمريكا، وبالأدق ضربات أمريكا التأديبية ضد سوريا إلى حرب تضر بمصالح روسيا؟
لا أحد يعرف، ولا أحد بمقدوره أن يخمن .
أعتقد أن الأمريكان قد قرأوا جيداً جملة الوزير الروسي، وإستوعبوا التحذير، فالروس لن يدخلوا الحرب من أجل سوريا، لكنهم سيدخلونها قطعاً من أجل مصالحهم، وفي سوريا، وعلى أرض سوريا وما حولها، في برها وبحرها، تتداخل الخيوط وتختلط، بين ما هو مصلحة سورية، ومصلحة قومية روسية، ومن قال (الدفاع عن موسكو يبدأ من طرطوس) لم يكن مخطئاً، علماً أن عمر هذا القول مئات السنين، وليس إبن اللحظة، وما هو من مبتكرات بوتين، أو وزير خارجيته، إنها رؤية إستراتيجية لروسيا ونفوذها وأمنها، منذ كانت إمبراطوية وصولاً لعودة الصحوه والنهوض في عهد بوتين .
ربما يكونون قد توافقوا على ضربات محدودة تكون محركة لمياه بدت آسنه، يمكن للطرف الآخر غض الطرف عنها، خصوصاً إذا أوصلت إلى جنيف 2، وأرضت أصحاب المصالح المختلفين والمتخاصمين، قبل إرضاء المتقاتلين، ولكن من بمقدوره تحديد عدد الصواريخ التي ستُطلق بعد الصاروخ الأول؟ ومن بمقدوره إيقاف اللهيب إذ إمتد وإنتشر، خصوصاً أن أكثر من واقد للنار سينشط في حالة كهذه، وإطفاء النيران لن يكون دائما وفق رغبة ومشيئة اللاعبين والمغامرين .
ليس أمريكا لوحدها من سيحدد مديات ما ستذهب إليه المواجهة، وليس فقط سوريا وحلفاءها، ولا القاعدة والنصره، ودولة العراق الإسلامية، والجهاديون من كل لون وصنف، ولن يقف الإسرائيليون متفرجين، فاتحين مستشفياتهم بالمجان للجرحى من الطرفين، وإذا كانت دمشق قريبة من البوارج في عرض المتوسط، فإن عواصم ومدن عديدة، عربية وغير عربية، ليست بعيده عن صواريخ الآخرين أيضاً.
وثمة سؤال، ربما لايدعي البراءة : ترى من يحفر لمن ؟
هل يحفر الأمريكان للروس، أم أن الروس يحفرون حفرة للأمريكان، ربما لن يتمكنوا من الخروج منها سالمين، علماً أنهم ( الأمريكان) وطيلة تأريخهم الدموي، ما دخلوا حفرة ألا وخرجوا منها منتوفي الريش، ولعل مثال الفيتنام سابقاً، والعراق لاحقاً خير دليل على ما نقول .
No comments:
Post a Comment