اشكالية وحدة الاوطان وتفكك المجتمعات
عدنان برجي
مدير المركز الوطني للدراسات
امين سر المنتدى القومي العربي
يعاني الخطاب القومي العربي اشكالية متجددة فهو لايزال يدعو الى الوحدة بين اقطار الامة العربية، في حين ان الوحدات الوطنية داخل كل قطر باتت مهددة بالتفكك على اسس طائفية ومذهبية وعرقية وإثنية.
الوحدة هي الامر الطبيعي لأمة مزقها الاستعمار بالرغم منها، لكن طريقها كان ولا يزال محفوفا بالصعاب والتحديات. والتمزق المجتمعي هو نقيض الدين والحضارة والثقافة لكنه يجد من يدعمه من خارح الامة ومن داخلها كما يجد من يروج له بوعي ام بغير وعي.
لمن تكون الغلبة، ذلك هو السؤال الذي نحاول الاجابة عليه في هذه العجالة.
في الاسلوب والمنطلقات لدعاة الوحدة:
دعاة الوحدة العربية هم بالطبيعة دعاة وحدة وطنية شعبية داخل كل مجتمع . فهم ينبذون الفرقة والانقسام، يرتكزون دينيا الى سماحة الاديان السماوية ودعوتها جمعيها الى الخير والتآخي، ويستشهدون بالآية القرآنية الكريمة: "انا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، وبالقول المأثور في الاتحاد قوة. كما يرتكزون حضاريا ليس فقط الى العيش المشترك بين كل مكونات الامة على امتداد التاريخ العربي الاسلامي، بل الى مشاركة المسيحيين اخوانهم المسلمين في مواجهة الاستعمار والاحتلال ايا كان منطلقه.
ويقدمون نماذج من التاريخ الحديث، ففي ظل حكم جمال عبد الناصر اندثرت الخلافات المذهبية في كل اقطار الامة، وكانت العروبة هي الحضن الجامع للجميع. ان الخلافات السياسية الحادة بين الانظمة وبين الجماعات السياسية لم تتحول مطلقا الى خلافات مذهبية او طائفية. فيما احداث مصر الطائفية بدأت تذر قرونها بعد رحيل عبد الناصر مباشرة فهل هي مجرد مصادفة؟.
دعاة الوحدة يدركون حجم التآمر الصهيوني الاستعماري سعيا للتقسيم، وهم يعيدون الى الاذهان مشروع الشرق الاوسط الكبير والجديد واستراتيجية اسرائيل للثمانينات التي اذاعها الصحفي الصهيوني اوديد بينون عام 1983، كذلك يستعرضون مشاريع برنارد لويس التقسيمية التي تبناها البنتاغون والتي تدعو الى تقسيم 7 دول عربية هي الاوسع جغرافيا والاكثر كثافة بشرية والاقدر اقتصاديا. وللاسف فقد حققت هذه المشاريع التقسيمية نجاحات متفاوة في السودان والعراق وليبيا، ويجري العمل بمضومنها في مصر وسوريا واليمن، ولن تسلم منها لاحقا المملكة العربية السعودية وفق الخرائط التي توزعها علنا اجهزة الاعلام المتنوعة.
اما في الاسلوب فهم لايملكون اكثر من الدعوة، بعد ان جردت ضدهم حملات القمع والاضطهاد والنفي والسجن على امتداد قرون، من غالبية الانظمة العربية على اختلاف توجهاتها.
دعاة الوحدة هم غالبية الشعب العربي، لكنهم يتعرضون لطمس اعلامي غير بريئ.وهم يتمسكون بالاستقلال الوطني والاستقلال القومي ويرفضون التدخل الخارجي تحت اي مسمى او منطلق.
في الاسلوب والمنطلقات لمعسكر الفرقة والانقسام:
معسكر دعاة التفكيك يضم احزابا وكتّابا وجمعيات وشبابا مُضَللا. هم لايدعون علنا الى التشرذم والانقسام ما عدا قلة تجاهر بدعوتها للانفصال كما الحراك الجنوبي في اليمن، انما يغلّفون دعوتهم بالديمقراطية تارة، وتارة اخرى بعدم قبول الآخر بعد ان حكموا بتكفيره لأنه ليس من "جماعتهم". هم ليسوا من اتباع طريقة واحدة في المنطلقات او الاسلوب، لكنهم يلتقون على الهدف، بوعي منهم ام بغير وعي.
دعاة التفكيك والتفتيت والتجزئة ينبشون الاحقاد والموروثات السلبية في التاريخ، ولهم تفسيرهم الخاص للآيات القرآنية الكريمة وللأحاديث النبوية الشريفة، وغالبا ما يرتكزون على روايات تختلف حولها كتب التاريخ.
باختصار ان دعاة الفرقة والانقسام يتطرفون في الدين او في السلوك الاجتماعي فيفرطون في المجتمع والدين والوطن والامة.
هم اقلية متطرفة تخدم بوعي او بغير وعي مشاريع الصهيونية والاستعمار. لأنهم لو راجعوا اسباب احتلال فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني مكانه، لرأوا ان الهدف هو اقامة جسم غريب يفصل مشرق الامة عن مغربها ويحافظ من خلال التجزئة على التخلف. وحين بات التقسيم الجغرافي غير كاف لضمان مصالح الصهيونية والاستعمار بدأت مرحلة التفتيت المجتمعي من اوسع ابوابه.
وعلى عكس ما ظهر من وحدة سياسية بين اكثر من قطر عربي ووحدة شعبية عربية، ايام حقبة الرئيس جمال عبد الناصر، فقد اظهرت التجارب السياسية الحديثة ان الحكم الطائفي لم يستطع الحفاظ على وحدة الوطن كما في السودان، حيث ذهب بعض ديبلوماسييه بعيدا في اظهار "محاسن الانفصال". وكذلك تجربة حكم الاخوان المسلمين في مصر التي هددت وحدة المجتمع المصري جديا وتفاقمت اثناءها الخلافات الطائفية بشكل خطير وغير مسبوق.
وعلى عكس دعاة الوحدة فان دعاة التفكيك لا يتورعون عن استدعاء التدخل الخارجي والاستقواء بالاستعمار.وقد دلت على ذلك تجاربهم في العراق وليبيا وسوريا ومصر، حتى ان "مفتيهم الاكبر الشيخ القرضاوي" دعا علنا الى الاستقواء بالخارج تحت ذريعة التخلص من النظام المناوئ لجماعته.
لمن ستكون الغلبة؟
فضلا عن انه لا يصح الا الصحيح، وان الغلبة هي للشعوب ابدا، فان معسكر دعاة التفتيت يستعين بمعسكر الاستعمار الذي هو الى تراجع عسكري واقتصادي وسياسي. فبعد ان كانت اميركا تهيئ نفسها لقيادة العالم لمئة عام اضطرت للخروج مهزومة من العراق، وتتهيأ للخروج من افغانستان، وترزح تحت دين يفوق 37 تريليون دولار. فيما بدأت قوى عالمية اخرى بالصعود كدول البريكس مثلا. ان مرحلة القطب الاوحد قد انتهت، دون ان يعني ذلك انهيارا في معسكر الاستعمار فها هي الادارة الاميركية وتحت وطأة الفشل الداخلي تذهب الى الحرب على سوريا دون ان تدرك فعلا تداعيات هذه الحرب ونتائجها على المديين المتوسط والبعيد. لقد فشل الاستعمار في الاحتلال المباشر لذلك يحاول تفتيت المجتمعات، لكن فشله سيكون اكبر باذن الله ،وقد بدأت ارهاصات هذا الفشل في مصر بالتحديد.
كذلك فان الصهيونية حليفة الاستعمار هي الى تراجع بعد ضربات المقاومة لها، وقد بات الكيان الصهيوني في موقع من لايتحمل خسارة استراتيجية جديدة.
ان دعاة الوحدة ورغم ضآلة الامكانيات يملكون المنطق الاقوى ويملكون ثقة الناس، وقد دلت ثورة يونيو المصرية على ذلك.
ان دعاة الوحدة مزودون بتجربة سابقة توازن بين حرية الوطن وحرية المواطن.
و مزودون بتجربة التنمية والعدالة الاجتماعية والشفافية والتقدم العلمي والفني والادبي.وبتجربة التحرر من الاستعمار عربيا واسلاميا ودوليا. فيما دعاة التفتيت لايقدرون سوى على الهدم، لذلك نثق ان الغلبة ستكون للتيار الوحدوي الديمقراطي الانساني الحضاري، الذي لابد له ان يجدد نفسه ويستفيد من الاخطاء.
ما هو المطلوب:
المطلوب في خضم الحرب الاعلامية الواسعة التي تستهدف شل قدرة الانسان العربي على المواجهة، ان نثق بانفسنا وبالشعب، وان نتمسك بجوهر الرسالات السماوية الخالدة، وان نحارب اليأس في نفوسنا .ان امتنا حبلى دائما بالمفاجآت، من المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق الى ثورة "تمرد" في مصر.
ان على الشباب العربي ابتداع تجارب جديدة في العمل السياسي والشعبي تماما كما ابتدع الشباب العربي المصري تجربة "تمرد". مع التذكير ان الدعوة للوحدة لاتعني وحدة اندماجية، ولا وحدة انصهارية قهرية، انما هي دعوة لتكامل الوطنيات سياسيا واقتصاديا وتجاريا.
اخيرا على الشباب العربي ان يعرف نقاط القوة في الأمة وان لايستسلم للإعلام الزائف الذي تغذي اغلبه قوى الاستعمار والصهيونية. وهو مدعو اليوم اكثر من اي وقت مضى الى عدم المراهنة على القوى الاقليمية والدولية فلكل مصالحه وغاياته. ان الامة العربية حين تكون قوية بذاتها تصبح نقطة الارتكاز في المنطقة، ويكون التعامل معها حينذاك على اساس المصالح المشتركة وليس على اساس التبعية لهذه الدولة او تلك.
من محاضرة القيت في مخيم الشباب القومي العربي في البقاع في لبنان – صيف 2013
adnanbourji@gmail.com
No comments:
Post a Comment