Friday, 22 August 2014

{الفكر القومي العربي} article

اللعب خارج الملعب
صباح علي الشاهر
 
 
طالبت بعض الكتل بما سمته ( تحالف الأقوياء) ، وبعد التأمل الحصيف يتبين للملاحظ أن هذا المسمى ( تحالف الأقوياء) بالحيثيات التي يعكسها، يعني حرمان الفائز من فوزه ، ومساواته بالخاسرين، وربما يؤدي إلى تحكم الخاسرين به ..
يريد البعض تحت مسمى حكومة المشاركة إشراك جميع القوائم في الحكومة، حتى القوائم التي لم تحصل إلا على ثلاثة مقاعد ، حيث ستحصل على وزير، وحتى التي لم تحصل إلا على مقعد واحد، حيث ستحصل على وكيل وزارة . من المؤكد أن هذا الأمر يتنافى كلياً مع مفهوم الديمقراطية المتعارف عليه، غير أن لهؤلاء ديمقراطيتهم الخاصة ، التي لا علاقة لها بالديمقراطية مطلقاً ، يرى هؤلاء أنهم ممثلو الطائفة أو العنصر أو الجماعة ، وأن من مصلحة الطائفة أو العنصر أو الجماعة، أن يجلسوا على كراسي الحكم، وأن تكون هناك موازنة دقيقة ، موازنه ترضي هؤلاء الممثلين بالمناصب والمغانم، وليس بالتوزيع العادل للثورة ، وتقديم الخدمات والنهوض بالبلد على مختلف الأصعدة ، وتكريس وحدته، وتعزيز قوته التي هي مبعث هيبته.
ماذا يعني مثل هذا الكلام ؟
يعني أن هؤلاء الأشخاص أصبحوا هم الطائفة أو العنصر أو الجماعة ، وأن التحرش بهم ، حتى لو سرقوا وإختلسوا وفسدوا وأفسدوا، إنما هو تحرش بالطائفة أو العنصر أو الجماعة .
ولو تساءلنا ماذا إستفادت الطوائف، كل الطوائف، وما ذا إستفادت القوميات كل القوميات، عرب، وكرد ، وتركمان، وأقليات أخرى، وقارناه بإستفادة من إدعوا تمثيل هؤلاء لتبين الخيط الأبيض من الأسود ، وتبين الغي من الرشد، فمن كان قبل الإحتلال، وقبل إنتخابه للبرلمان، أو إستيزاره، لا يملك سوى قوت يومه كما يقولون، أو كان على قدر حاله، اصبح من القطط السمان، التي  تتعامل بملايين الدولارات لا بالدينار العراقي كبقية البؤساء في هذا الوطن المُبتلى، وأنا هنا أعمم .. نعم أعمم، ولا أخصص، وأقصد بالتعميم هنا الكل، الوزراء والنواب، وأصحاب المقامات والرتب العالية في عراق ما بعد الإحتلال، وأتحدى من يبرز لنا ليقول أنني نظيف الكفين، ومثلما جئت خرجت، أو مثلما جئت ها أناذا.   
إبطال صوت الشعب، لايتم فقط عبر تغيير نتائج الإنتخابات، ولا حتى عبر إجهاضها، وإبطال مفعولها، وإنما عبر إبطال دور البرلمان الرقابي والتشريعي، ويتم هذا عبر إشراك كل ممثلي الكيانات في السلطة ، فمن يراقب من؟ ، ومن يشرّع لمن ؟
الناس تذهب للإنتخابات لتختار برلمانا يقنون آمالها وطموحاتها بقوانين تُطبخ في مطبخه، ويُبطل قوانين وتشريعات آذته وأذلته وخنقت أنفاسه، وحرمته من حقوقه، وها أنتم جميعاً ترون أن البرلمانات المتعاقبة لم تُبطل حتى أشد قوانين مجلس قيادة الثورة همجية، ولا معقولية، وإيلاماً للشعب، ولم تفصّل أي بند من بنود الدستور، ولم تقر اي قانون يخدم الشعب، بإستثناء القوانين التي كرست مصالح البرلمانيين .
البرلمان هو الكتل، ورؤساء الكتل الذين فرضوا أنفسهم ممثلين للطوائف، والقوميات، وليس البرلمانيين الذين ما أستطاعوا تشريع قانون المحكمة الإتحادية، هذا القانون الذي سيقلل كثيراً من مساحة الإبتزاز، ولا تشريع قانون مجلس الخدمة، هذا القانون الذي سينهي مرحلة التحكم بمصائر الناس عبر التحكم بالتعيينات، التي كانت توزع طائفياً وعنصرياً، وفق نظرية التقاسم البغيضة، والكل يعلم أن هذا التقاسم للوظائف من أبسطها إلى أعلاها جعل للوظيفة ثمن، فالموظف البسيط بـضع وريقات من الأخضر الفتان، وكذا الشرطي، والجندي، والوزير بملايين الدولارات عداً ونقداً، ولا تشريع وإقرار قانون الخدمة الإلزامية ، هذا القانون الذي سيجعل الجيش عراقياً تماماً، ويوّحد الشباب الذين سيعيشون معاً، ويتدربون معاً، ويقاتلون معاً، إذا فرض عليهم القتال، وتختلط دماؤهم معاً، وهذا سيعزز الوحدة ويضعف دور أدعياء تمثيل الطوائف والأديان، والقوميات، والأقليات، وهم عرقلوا وسيعرقلون قانون الأحزاب، لأنه سينظم الناس على الأسس السياسية الحقيقية، وفق برامج وطنية توضع لخدمة الوطن والناس دونما تفريق بينهم، وسيضع الأحزاب تحت سقف المسائلة عن مصادر ماليتها، وطرائق صرفياتها وإنفاقها، وحيث أن كل هذا وغيره، ليس في صالح الطائفيين والعنصرين، ومُستغلي الناس، وحيث أن البرلمان برلمانهم وليس برلمان الشعب، حيث كانت كل الأمور تسوى عبرهم، بإعتبارهم ممثلو كتل، وما على البرلمانيين بعد ذلك سوى الإذعان، لذا فقد كانت حصيلة العمل البرلماني تتناسب تماماً مع ما هو متوقع من طائفيين وعنصريين تحكموا بمفاصل الدولة، فهم حكومة وهم معارضة، وهم سلطة تنفيذية، وسلطة تشريعية، وهم سلطات روحية، وهم أيضاً سلطة رابعة، بحيث إحتكروا كل وسائل الإعلام في البلد.  
يبدو أن مفهوم هؤلاء عن الديمقراطية لا يتعدى المغنم، وهم يرون أن الخير كثير، وتقسيمه على من يدعي أنه ممثل الطوائف والأعراق أسلم، فعندما يشترك الجميع بالمغانم، والتي ستكون على فكرة مغانم شخصية، ينعدم وجود المنغص والمتخرص، أو بعبارة أدق المعارض، فيهنأ الغانم بغنمه، وكفى الله المؤمنين شر القتال ..
هذه خلاصة مجتزئة لواقع العمل السياسي الآن، بلا رتوش، أشخاص وضعوا أنفسهم فوق الناس، فوق الشعب، بزعم لا تبرره صناديق الإقتراع، ولا مصداقية له وسط الجماهير، يتنعمون بكل شيء من دون عمل يؤدونه، يتنعمون بالجاه والمال والسطوة، ويمتلكون كل شيء، وفي خدمتهم آلاف الأشخاص ، يرافقونهم أينما حلوا أو إرتحلوا، هم دولة داخل الدولة بحق، والمصيبة أنهم لا يكتفون بما ملكوا، ويستشرسون ليس في الدفاع عن ما لكوا بل في طلب المزيد والمزيد، أما بقية الناس فهم إما بلا عمل، أو بلا مسكن، أو لهم الفتات، أو بلا أمل، ومثل هذه التوازنات التي لا مثيل لها في العالم كله، هي التي تبقيهم على ما هم عليه، وتزيد من نفوذهم، لذا فهم عملوا وسيعملون بأظافرهم وأسنانهم ضد أي مشروع يقلب الطاولة عليهم، ومشروع حكومة الأغلبية السياسية كان أخطر المشاريع التي واجهوها وسيواجهونها مستقبلاً، ورغم بدهية هكذا موضوع، ورغم أنه ليس البدعة، وإنما هو الأصل في كل تجارب العالم الديمقراطية، فإن هؤلاء يصرون على طرح مفاهيمهم لا علاقة لها بالديمقراطية وليست هي في حقيتها  سوى لغواً، وإحتيالا، وتلاعباً بمصائر الناس والوطن.
 

No comments:

Post a Comment