Tuesday, 22 March 2016

{الفكر القومي العربي} يحيى حسين: مَنْ سَلَّمَ الزندَ مفتاح الكرار؟

مَن سَلَّمَ الزندَ مِفتاحَ الكرار ؟
بقلم المهندس/ يحيى حسين عبد الهادى
yehiahussin@yahoo.com
(البداية ومواقع وصحفٌ أخرى 20 مارس 2016)

ذهب الزند غير مأسوفٍ عليه إلا من أرامله واللصوص الذين لم يلحقوا بمزاد مصالحاته .. أما كوارثه فلا زالت باقية .. والتعامل معها سيحددُ بِدِقَّةٍ معنى الإقالة: هل هى إقالةٌ لشخصٍ أم لأسلوبٍ ومنهجٍ فاسدٍ ومعيب، طَعَن العدالة فى مقتلٍ وأهانَ معنى الدولة فى أقدم دولةٍ فى التاريخ، وأساء لمن اختاره وابتلى مصر به.
يقيناً لم تكن سقطته الأخيرة مقصودةً ومن يقل غير ذلك يبتذل قضيتنا معه .. السقطة فى حد ذاتها خطاٌ ولكن الحالة التى أفرزتها خطيئةٌ .. ففى الحلقة نفسها وقبل دقائق من السقطة لَفَتَ نظرى قولُه (يظنون أنهم يستطيعون هز عرش الزند) وهى عبارةٌ تَنُمُ عن حالةٍ من التسلطن والتسلط والإحساس بأنه يفعل ما يشاء بمن يشاء وهو آمِنٌ من العقوبة .. وكما تعلمنا فإن من أمِنَ العقوبةَ أساء الأدب.
ذهب الزندُ وذهبت معه سقطاتُ لسانه (وما أكثرها) لكن سقطات أفعاله لا زالت باقية .. ذهب وقد تتحرر العدالة بذهابه من قيودٍ حالت دون التحقيق الجدى فى اتهاماتٍ جنائيةٍ تلاحقه قبل استوزاره وتجعل من استوزاره فى حد ذاته عملاً شائناً لا بد من الاعتذار عنه .. ذهب على الطائر الميمون إلى أبو ظبى (مدعواً أو منفياً) ومعه أبناؤه وزوجاتهم .. أبناؤه الثلاثة بالمناسبة كُلُّهم قضاةٌ، إعمالاً للمبدأ الزندى (أتأمرون الناس بالزحف المقدس للتوريث وتنسون أنفسكم) وهو عكس المبدأ القرآنى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم).
فليذهب الزندُ إلى حيث ألقت .. ولكن قوانينه ومصالحاته هى التى بقيت لنا وتلك هى الكارثة التى يَحسُنُ أن لا تُنسينا الهوجة الإعلامية تسلسل وقائعها:
أولاً: فى ليلة استقالة وزير العدل الأسبق محفوظ صابر على خلفية تصريحٍ مستفز، تداول الإعلام أسماء مستشارين أَجِلاّء لوزارة العدل، فيما عدا السيد فريد الديب الذى تَداخل هاتفياً مع أحد البرامج الفضائية وكان شديد التحمس لترشيح الزند للوزارة، وهو ما لم يأخذه الكثيرون مأخذ الجد واعتبروه مجرد مجاملةٍ من صديقٍ لصديقه، لأسبابٍ أَقَلُّها أن التصريح الذى أطاح بالوزير الأسبق مجرد قطرة فى بحر تصريحات الوزير المُرَشّح.
ثانياً: فى صباح اليوم التالى أصبح الزندُ وزيراً للعدل(!) وكان أول قراراته تغيير جهاز الكسب غير المشروع بالكامل واستبداله بجهازٍ آخر صُنِع على عينِه.برئاسة مستشارٍ فاضلٍ ورد اسمه فى قضية الكسب غير المشروع المعروفة بهدايا الصحافة والإعلام، وإن كان قد رَدَّ ما تَكَسَّبه مع أربعين آخرين من بينهم زكريا عزمى وصفوت الشريف .. وقد اعتُبِر ذلك فقرةً على مسرح العبث واللا معقول.
ثالثاً: فى مارس من العام الماضى أخرج الزند القانون الكارثى المشهور بقانون (ادخلوها فاسدين)، ووقَّعَه رئيس الجمهورية، أعنى القانون رقم (16) المُعَدِّل لقانون الإجراءات الجنائية، الذى أجاز لأول مرةٍ فى التاريخ الإنسانى المُعاصر (فى مصر والعالم) ما ظل محظوراً دستورياً، وهو التسوية الودية والصلح مع مُرتكبى جنايات الاعتداء على مصالح الدولة والمنصوص عليها فى قانون العقوبات مثل (جرائم اختلاس الأموال العامة والخاصة والاستيلاء عليها بغير حق/ جريمة الغدر أو طلب أو أخذ ما ليس مستحقاً من غراماتٍ وضرائب/ جرائم محاولة التربح من أعمال الوظيفة والإخلال بتوزيع السلع/ جرائم إحداث الضرر بالأموال والمصالح عمدًا بالإهمال/ جرائم الإخلال بتنفيذ بعض العقود الإدارية وعقد المقاولة/ جريمة استخدام العمال سُخرةً/ جريمة تخريب الأموال الثابتة والمنقولة) وأن يكون هذا التصالح خارج ولاية القضاء حتى لو صَدَرَ حُكمٌ جنائىٌ بالإدانة والعقوبة، وبالقيمة التى تُقَدرها لجنةٌ حكوميةٌ يشكلها رئيس الوزراء ويشارك بها محامو السادة اللصوص(!) ولا يوجد ما يمنع مشاركة السيد اللص شخصياً لكى تكتمل البَرَكةُ.
رابعاً: بعد عدة شهورٍ اكتشف الزند وحواريوه أن هذا القانون (رغم ما به من عوار) لا يعفى من العقوبة شركاءَ اللص (كالموظف العام الذى سَهّل له السرقة مثلاً) فصدر تعديلٌ آخر يشمل بالعفو كل العصابة، فيعود كلٌ مِن أفرادها (بالقانون) خالياً من الذنوب كيوم ولدته أُمُهُ .. يُخرجُ لنا لسانه .. ويمضى واثقاً نحو البرلمان .. ومن يدرى فقد يُصبح وزيراً .. أو يُكافَأُ بوسام.
خامساً: رغم اعتراضنا على المبدأ فى حد ذاته لأنه جعلنا أضحوكة الدنيا وواحةً للفاسدين وأهان شعباً أَبِيَّاً لا يبيع شرفه بأموال الدنيا .. إلا أن التفاصيل المعلنة بعد أن تم تسليم (الزند) مفتاح الكرار تستوجب الإفصاح ، ولنأخذ حالة حسين سالم نموذجاً .. فقد بدأ العرض ب 24 مليار جنيه ارتفعت إلى27 مليار جنيه (الشروق 3 يناير 2015) .. وبعد أن أصبح الملف فى يد الزند فاجَأَنا بأن المبلغ الذى يتفاوضون عليه أقل قليلاً من 10 مليارات وأن الرئيس السيسى أوصاه بأن يرفعه إلى 10 مليارات (!) وأتحفنا بفاصلٍ من المواعظ من عينة ( أن الانتقام لا يبني الدول أو يؤسس الحضارات ولكن الحق والتسامح هو الذي يقوم بهذا الأمر) .. الزندُ يَعِظُ .. وإذا بالمبلغ المتداول قبل إقالة الزند بيومين يهبط إلى 4 مليارات جنيه من أصل 5 (!!!!) يعنى حوالى 400 مليون دولار..
هذه القوانين الفاسدة يُسألُ عنها رئيس الجمهورية، وأى كلامٍ دون ذلك هو افتئاتٌ على الحقيقة، ليس فقط لأنه هو الذى اختار الزند وسَلَّمَهُ مفتاح الكرار وأطلقه على مصر، ولكن لأنه هو الذى وَقَّعَها ونُسِبَت وستظل منسوبةً إليه .. إقالة الزند لا تكفى .. يجب إزالة آثار عدوانه .. وتلك مسؤوليتك المباشرة .. أنت الذى تَبَدلتَ الخبيث بالطيب .. (وإن من بدأ المأساةَ يُنهيها) كما يقول نزار.

No comments:

Post a Comment