Thursday, 24 November 2016

{الفكر القومي العربي} article

اللعب في الوجه الآخر من الورقة
صباح علي الشاهر
 
هؤلاء الذين أوصلوا بلادنا إلى ماهي عليه الآن من دمار متعدد الأوجه، وخراب لم نشهد له مثيل، وفوضى، وقتل، وفساد، وضعف وهوان، بحيث أصبح يتجرأ على العراق من ليس له ظل، هل هم مهيئون لإحداث التغيير والمصالحة المجتمعية، التي وصفها البعض بالتأريخية؟
هل إستيقظوا بعد طول رقاد، أم أنهم يريدون اللعب في الوجه الآخر من الورقة ؟
من أفتى بأن العراق بلد المكونات لا المواطنة، ورفع العباءة الطائفية والعنصرية،  ينبغي له إعلان إفلاسه، ومغادرة المسرح وهو يجرجر أذيال الخيبة،  لا أن ينصب نفسه منقذا من وضع صنعه هو نفسه، ليختار لنا وضعا آخر يصنعه هو ذاته ، وبنفس الأدوات .
ماهي بضاعتكم، ما خلا التلاعب بالإلفاظ، والتهويم البلاغي، وتكرار الكلام المعاد عن اللحمة الوطنية التي نحرتموها من يوم وضعتم أيديكم بأيدي المحتل، ومن يوم قايضتم الوطن بالمناصب والأموال التي أغدقت عليكم بلا حسيب ولا رقيب، وبالجاه الذي سقط عليكم دفعة واحدة .
يقول المثل " دخول الحمام ليس كالخروج منه "، دخلتم الحمام، ولم تتطهروا، بل إزددتم وسخاً، فأي حمام آخر تريدون الدخول إليه، وأي مصيبة تحملونها لهذا الوطن المبتلى بكم، وبأمثالكم؟
يجمعون ممثلي المكونات، ليتقساموا الكعكة، ثم يختلفون بعد ذلك، إختلاف اللصوص على الغنيمة، وتعود حليمة إلى عادتها القديمة، ويكون هذا المنصب من حصة هذا المكون، وذاك من حصة هذا، ثم من هم ممثلو المكونات هؤلاء؟
المعروف أن الممثل يتغير ويتبدل حسب الدور، أو حسب المهمة، فلماذا أنتم باقون ما بقي الليل والنهار؟
يقول الإمام علي " ربوا أولادكم لزمان غير زمانكم" وأنتم لكل الأزمنة، خالدون ، مخلدون، أنتم أنتم، ممثلو السنة، والشيعة، والكرد ، وحتى الأقليات، منذ أن إنتقاكم المحتل ، وأتى بكم وإلى اليوم، لقد إختزلتم الشعب العراقي بأشخاصكم، ولم تجر على ألسنتكم سوى مقولة المكون، ومظلومية الشيعي، أو السني، أو الكردي، لكنكم لم تخدموا في نهاية المطاف سوى جيوبكم وأبناءكم وذوي أرحامكم ، أو أتباعكم وأشياعكم .
تتكون شعوب كل دول العالم من مكونات، هذه بدهية، ولكن كل الأوطان تعتمد نهج المواطنة، لا وجود لبلد المكونات إلا في  العقول السقيمة، ومن أتاكم بهذه الفرية يتكون بلده من مكونات أكثر مما هو موجود ببلدكم بأضعاف مضاعفه، فبلاده عبارة عن تجمع بشري من كل أسقاع الدنيا، ولو كانت الدول القوية تعتمد نهج المكونات لا المواطنة، لأختار لبلاده هذا النهج، لكنه وجد فيكم ظالته لتمرير الخديعة التي تلقفتموها، لجهل منكم ، أو تجاهل، أو لمعرفة أكيدة بأبعاد الجريمة التي نفذتموها بحذافيرها مع "سبق الإصرار والترصد " .
أس الكارثة في العراق هي النظر إليه كبلد مكونات، وليس بلد للمواطنين العراقيين،  عندما يضطر الكردي للإصطفاف مع السياسي الكردي بغض النظر على فعل وعمل هذا السياسي، لا لشيء إلا لكونه كردي، وعندما يصطف الشيعي مع السياسي الشيعي لا لشيء إلا لكونه شيعي، وبغض النظر عن فساده وعدم جدارته، وعندما يصطف السني مع السياسي السني، لا لشيء إلا لكونه سني، رغم أن رائحته تزكم الإنوف، فعندها يصبح الوطن أكذوبة، لأن المواطنة ملغاة .
ليس بعذب الكلام يتغير الحال، وليس بإبدال ممثل هذا المكون بذاك، ولا ابعاد واستبعاد من بات بقاءه صعباً، ولا بجلب معارض للعملية السياسية إلى العملية السياسية، ليس هذا هو ما يحقق المصالحة المجتمعية، إنما المطلوب إعادة النظر بالعملية السياسية برمتها، والخروج من فكرة المكونات والتحاصص، وتحريم الطائفية، وإعلاء فكرة المواطن العراقي المتساوي في الحقوق والواجبات، من أي دين كان أو قومية أو مذهب، أو معتقد سياسي، وتشكيل الأحزاب والتظيمات السياسية وفق الأسس المعروفة، مع تحريم تشكيلها على أساس مذهبي أو عنصري، أو مناطقي، والإنتقال كلياً إلى فضاء المواطنة الرحب، حيث الوطن للجميع، والجميع في خدمة الوطن .
الديمقراطية لا تعني إحتكار السلطة من قبل الأغلبية العددية العنصرية، أو الدينية، أو المذهبية، فالناس في تدافع ونضال مستمر من أجل الحياة الإنسانية السليمة، والعيش الكريم، داخل المجتمع، وهي تقف في كل خلية من خلاياه بوجه المستغل، والفاسد الشيعي، مثلما المستغل والفاسد السني، والكردي والمسيحي، و الديمقراطية لا تعني إحتكار السلطة من قبل الأغلبية العددية السياسية، وإنما إدارة الحكم من قبلها، وفي المواقع السياسية ، المتغيره تبع تغير الكابينة الحاكمه، أو التي تدير الحكم،  أما السلطة بمعناها الواسع، من موظفين في كل المرافق، وشرطة، وقوات أمنية، فهي للشعب كل الشعب، وليس حتى للأغلبية السياسية الحاصلة على أغلبية أصوات الشعب، والناس تنتخب من يحمل برنامجاً مقنعاً بالنسبة لها، لإدارة السلطة وليس لإحتكار السلطة، وكل هذه المفاهيم غائبة كلياً عن الديمقراطية المسلفنة التي آتى بها المحتل الأمريكي .
في العراق إنقض الجراد على البيدر ، ولا حل إلا بطرد الجراد، وإبعاده عن البيدر.  

No comments:

Post a Comment