محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com
((لا يوجد شيء فى جودة جلد حذائك القديم))
كان هذا هو التعبير الذي اختارته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون لوصف نظام مبارك ، فى سياق حديثها إلى مجلة الايكونوميست البريطانية حول المساعدات الأمريكية لمصر ، وبما معناه ان العلاقات المصرية الامريكية فى ظل مبارك كانت مريحة و ممتازة على عكس الوضع الحالى .
و هو كلاما مشابها لحكاية الكنز الاستراتيجى الذى وصف به القادة الصهاينة مبارك ونظامه ، ولكن كلينتون وبمنتهى الوقاحة قررت تخفيض تصنيف مبارك من الكنز الى الحذاء.
ولو كانت المسألة مجرد وقاحة أمريكية معتادة ، لما كان هناك مبرر للتعليق ، ولكن هذا التعبير او زلة اللسان قد كشفت جانبا مهما من النظرة الامريكية الاستعلائية الى شعوب العالم التابعة لها والخاضعة لسياساتها وفقا لنظرية (الأحذية فى فهم وتفسير السياسات الامريكية) !
فحين يوصف أى شخص أو جماعة بانه بمثابة الحذاء المريح للآخرين فان المعانى المقصودة تتعدى بكثير مجرد الوقاحة وقلة الأدب : فللحذاء مواصفات ووظائف محددة :
· فهو شىء جامد مفعول به لا حياة فيه ، لا يعقل ولا يفكر ولا يحس ولا يعترض و معدوم الإرادة . وهو قطعة صماء من الجلد على مقاس صاحبها يوجهها و يحركها ويتحكم فيها كما يشاء : يلبسها ، يخلعها ، يعتنى بها ، يهملها او يعدمها . فليس له وجود مستقل عن صاحبه ، بل هو احد ملحقاته وممتلكاته ، بكل ما تشتمل عليه الملكية من حقوق التصرف والانتفاع .
· كما أنه مخصص لحماية صاحبه ولخدمة مصالحه ورغباته ، فليس من وظائفه حماية نفسه او الاعتناء بها ، لا يرغب فى ذلك ولا يعيه ولا يملكه ، ولا يقدر عليه ان رغب .
· كما ان الحذاء يحتل ادنى مرتبة فى قائمة الملابس والأردية ، فهو الاكثر قذارة بسبب احتكاكه الدائم بالطريق بكل سوءاته وجراثيمه ونجاسته المحتملة ، فهو يتولى ((الاعمال القذرة)) نيابة عن اقدام صاحبه التى تنأى بنفسها عن الاحتكاك المباشر بالطريق ، ولذا يتركه البعض خارج الابواب حفاظا على طهارة المنازل وخوفا من نقل نجاسة وقذارة الطريق اليها .
· كما ان تشبيه كلينتون لمبارك بحذائهم القديم المريح ، ينطوى على تشبيه ضمنى لما بعد بمبارك بالحذاء الجديد الأقل راحة الى حين ، فالجميع كالأحذية من المنظور الأمريكى ، تم اخضاع قديمها وجار ترويض الجديد منها بمجهودات بسيطة لا تتعدى تلك المبذولة لتطويع اى حذاء جديد . فالمصير النهائى للجميع يجب ان يكون هو الخضوع الكامل والا ستكون العواقب وخيمة .. هكذا يفكرون وهكذا يتصرفون .
***
هل قمنا بتحميل كلام هيلارى كلينتون أكثر مما يحتمل ؟
لا أظن، فمراجعة صغيرة للمواقف والسياسات الأمريكية فى العالم تؤكد بوضوح الرؤية المتدنية العنصرية التى يتعاملون بها مع كل شعوب العالم بشكل يتفوق على أعتى العنصريات على مر التاريخ .
بدءا بإبادتهم للهنود الحمر واستعبادهم لزنوج افريقيا وجرائمهم الكبرى فى هيروشيما ونجازاكى و فيتنام وعشرات البلدان الاخرى ، ثم دورهم فى سرقة فلسطين واخضاع الانظمة العربية ، وفى صناعة نظام مبارك وحمايته ، واحتلالهم لافغانستان وللعراق ، ونهبهم المستمر لكل شعوب العالم ، وتدخلهم السافر فى كل صغيرة وكبيرة فى حياة الجميع .
***
هذا عن الأمريكان ، أما عن السيدة هيلارى فأنسب رد عليها هو صفعة قوية على وجهها لتتعلم الأدب فى مخاطبة خلق الله وعباده ، فان لم يكن فلا مانع من منتظر زيدى آخر يقذفها بحذاءه القديم .
*****
القاهرة فى 30 مارس 2012
No comments:
Post a Comment