العراق ... المفسدون والبديل المطلوب
حسين الربيعي
" من واجبي أن أتطرق إلى قضية غاية في الأهمية ، ألا وهي قضية الأخلاق الملازمة للعملية الوطنية الثورية . وأعني بذلك الأخلاق الثورية التي يجب أن تتحلى بها أي قيادة في سياق عملها ونشاطها ، من صدق وأخلاص وأمانة ووفاء وتواضع في العمل مع الجماهير ."
جورج حبش
لاشك أن الوضع الذي أحدثه الأحتلال في العراق لايزال قائما ، وفي مختلف المجالات ، خصوصا المجال السياسي ، فالقوى السياسية التي جائت معه ، لاتزال ممسكة بتضاريس العملية السياسية ، والفساد الذي احدثه الأحتلال ، لازال الظاهرة الأكثر تجليا في التسيد على المرافق العامة ، ولاتزال البلاد ترقد على حلم إعادة أعمار العراق ، الذي تحولت فصوله إلى كوابيس لما ألت اليه من جرائم وسرقات ةإنحرافات تحت عناوينه البراقة . والطائفية لاتزال البوصلة الرئيسية " لداينمو" اللعبة السياسية ، وهي التي تدير الصراعات والتحالفات وتحدد احداثياتها وتعنون أشواطه الشخصية والحزبية والمناطقية .
وبعد هذا فالمواطن العادي تحول لحالة سلبية من الحدث السياسي ، فقد ضجر الأكاذيب ، وقرف سيل لأتهامات المتبادلة بين أطراف العملية السياسية ، التي توسعت لتنطلق من ذات المتعصبين من طائفة لبعضهم ، ولذات الكتل لأطرافها ، ولأعضاء الحزب أو الجماعة أو الرابطة لبعضهم ، واصبحت المهمة الأكثر رواجا بين العاملين في صفوف العملية السياسية ، هي شر الغسيل القذر . وتحول الفساد إلى ثقافة تنتشر في مرافق الدولة ولمعظم مراحلها الوظيفية ، مع الأخذ بمقدارها وحجمها وخطورتها بين الطبقات الأدنى والعليا ، فالعديد من المليارات من الدنانير العراقية سرقت من الدرجات العليا ، بل أن معظم الوزارات والشركات الحكومية والمؤسسات تحولت إلى ما يشبه ملكية خاصة لمرؤسيها ، حتى أن الطرق والوسائل في السرقة كادت تبدوا كأنها نوادر تشبه نوادر جحا ... فأحد مدراء أحد الشركات العامة يوقع امرا بصرف مبلغ ثلاثة مليون دينار عراقي لضيافة زوار مكتبه ( شاي أو مشروبات غازية وحلويات ) في أحد أيام المناسبات الدينية ، بينما يصرف خمسون ألف دينار عراقي لمستحقي الرعاية الأجتماعية كمعونة شهرية !!
لقد راهنا منذ بداية الأحتلال على هذه الصورة القاتمة للأوضاع السياسية والأقتصادية ستكون النتيجة الحتمية للأحتلال ، ولم يكن رهاننا فذلكة ، فكل شواهد التأريخ لم تحمل صورة أخرى لبلد تحتل ارضه وتقوم على أموره حكم وليد لهذا الأحتلال ، وليس فينا من لم يسمع مقولة الإمام علي بن آبي طالب ع ـ ما غزي قوم إلا ذلوا ـ كان لابد للمتفائلين بالأحتلال ، أن يتعلموا الخلط بين العام والخاص ... بين الأجتماعي والسياسي ، فقد قلنا أن الرهان الطائفي ساقط ، فالناس لاترى في الحاكم " ملا " يعيد قصص التأريخ في مناسبة دينية ، ويوجه المستمع إلى " المثل والمبادئ " ... الناس والحكم تحدث العلاقة " الكيميائية " بينهما ضمن ظروف الزمن الحاضر وإنجازاته ، إذا أن للأنسان أحياجاته ومطالباته لاتصرف له في محاضرة ... انه يحتاج لتحقيق تلك المثل على ارض الواقع في الوقت الحاضر من خلال ما يقدم له من إنجازات تنتشله من واقعه المر ... لا أن تزيد مصائبه وتوسع فاقته .
إن عيون الناس وضمائرهم ، ورغم إحباطاتهم وعزوفاتهم عن الأدوار الوطنية السياسية ، تبحث عن بديل أخر ... بالطرق السلمية الممكنة ، المستقلة ، التي لاتعتمد على دعم " حليف " أو " صديق " من خارج حدود العراق القطرية . فقد تولدت عندي هذه القناعة بعد زيارتي برفقة الأخ منتظر الزيدي لمحافظة الناصرية وبعض أقضيتها ، وتيقنت أن البديل يجب أن تتوافر فيه مواصفات " عروبية ، أشتراكية ، ديمقراطية " ... وقد لاتكون من تيار واحد، بل من تيارات قومية ويسارية وديمقراطية . أما لماذا هذه الثلاثية العروبية الأشتراكية الديمقراطية فللأسباب التالية :
1 ـ لإفراط القوى القابضة على العملية السياسية والضالعين فيها ، في تعريض للهوية الوطنية العراقية ، العربية الإسلامية لمخاطر المساس بها ، حتى ضمن نصوص الدستور الحالي ، فإن الجمل المبتورة قصدا ، ناهيك من أن تجديد محاولات سلخه عن عروبته لاتزال مستمرة بأشكال وصيغ مختلفة ، كما وأن تقسيم " مكونه " العربي إلى سنة وشيعة ، يمكن أعتباره واحدا من أساليب تفريط القوة العربية في العراق وشق وحدتهم الأبدية ... وهذا سفر العملية السياسة منذ أت نمت وترعرعت في ظل الأحتلال .
أن هوية العراق العربية في خضم هذه الأجواء ، تحت أجواء الأستفزازات التي يمارسها اليمين الشوفيني الأنفصالي الكردي ، باتت إرادة شعبية لعرب العراق من جنوبه إلى شماه ، ومن غربه إلى شرقه ، وهي الوسيلة الوحيدة لنبذ وإنهاء المسار الطائفي بكل أشكاله وإعادة أواصر الوحدة الوطنية لسابق عهدها وازدهارها .
2 ـ رغم كل الوعود بتحقيق العدالة والرفاه للشعب العراقي ، فإن ما حدث على أرض الواقع ، هو المزيد من المعاناة والفقر والبطالة والأمراض والجهل ، فقد تخلت دولة " العملية السياسية " عن مهامها أتجاه مواطنيها ، وعلقت كل تلك الوعود علة حمالة " الأستثمار " فتحول العراق إلى سوق للبضائع التجارية الأجنبية ... وأغلبها بمواصفات متدنية ، وتعطلت المصالح العراقية ، وأغلقت المصانع أبوابها ، وتصحرت الأراضي الزراعية بسبب الأهمال وعدم الأهتمام .
وفي الوقت الذي سقط فيه الأقتصاد الرأسمالي في عقر داره جراء الأزمة الأقتصادية التي عصفت به ، واضطرت دول العالم الرأسمالي للأستعانة بنواظم الفكر الأشتراكي فيما سمي بالأقتصاد المزدوج ، فإن " المنظرين " الأقتصاديين للعملية السياسية ، يصرون على خوض غمار الأقتصاد الرأسمالي المنهزم ، ولفتح الطريق أمام " حادلته " تصفى ـ بدم بارد ـ المكتسبات الوطنية ، التي ما تحققت إلا بالتضحيات والجهود الكبيرة ، وتحول هم الساسة من تطبيق وعودهم في العدالة الأجتماعية إلى بيع القطاع العام تحت عنوان تخصيصه ، وأقصاء الكفاءات العراقية أو تجميدها والأستعاضة عن خبراتها ، بالخبرات المتواضعة للقطاع الخاص أو أستقدام خبرات أجنبية مقابل ثروات ، كما حدث في مسألة السيطرة النوعية .
لقد أدرك الناس ، أن الرأسمالية الأقتصادية ، هي الطريق لمزيد من الفساد والأثراء الفاحش لطبقة من الطفيليين ورجال الحكم ورؤساء المؤسسات ومدراء الشركات ، كما صار واضحا أن شعار العدالة الأجتماعية ، كان في ظل هذه الظروف ، شعارا عشوائيا ، والبديل الصحيح هو أطلاق الطريق الأشتراكي ، بما يعنيه هذا الطريق من تصفية الأقطاع الرأسمالي المستغل ، تنفيذا لمطلب الجماهير الكادحة الواسعة من عمال وفلاحين وطلبة ومثقفين .
3 ـ كنا ندرك أن الديمقراطية الرلمانية لن تتمكن من تحقيق الأماني الشعبية في الحرية والمشاركة في الحكم ، فكيف وقد أحيطت بسياقات طائفية ؟؟ أن الديمقراطية البرلمانية التقليدية في وطننا العربي ، كانت بأستمرار مصنعا لصناعة الفساد . لقد عزف الناس عن متابعة جلسات البرلمان ، فهي التي تقر مزايا ومكتسبات وتزايد في ثروات للنواب ، أو قد تشهد مناوشات وحوارات واتهامات بعيدة عن سلوك وواجبات أي برلمان في العالم .
ان الناس تبحث عن بديل يلبي مطالبها ويحقق أهدافها ، ويقضي على الفتنة والطائفية ، ويعزز قوة العراق ودوره ، ويجمع العراقيين على اساس المواطنة ، فهل يجد على لائحة الأنتخابات القادمة هذا البديل ، وهل يتمكن هذا البديل أن يقتحم العملية السياسية ويغير أتجاهاتها في المسار المطلوب ... ؟ سؤال يستحق الطرح ، والأكثر إنه يستحق اللإجابة ... والأستعداد ، مالم يكن ضررا وطنيا .
No comments:
Post a Comment