الجديد في خطاب هنية
بروفيسور عبد الستار قاسم
20/تشرين أول/2013
لمس السيد اسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة غزة في خطابه بتاريخ 19/تشرين 1/2013 على مواضيع فلسطينية تقليدية عدة، وأشار إلى بعضها بكلمات وعبارات معروفة ويتم تداولها على الأقل في أوساط حماس، لكن الخطاب عموما تضمن بعض الأمور الجديدة، والتي أرى من المهم إبرازها:
1- ألقى هنية خطابا مكتوبا الأمر الذي غالبا ما يعني أن الخطاب مؤسسي وليس مجرد رؤية قائد فرد أو زعيم بعينه. أي أن الخطاب مدروس من مؤسسة والتي قد تكون حركة حماس أو حكومة غزة، وهذا أمر مهم لأن الساحة الفلسطينية تفتقر إلى المؤسسية إلى حد بعيد. نحن، كما العرب في مختلف البلدان العربية، نحول المؤسسات العامة إلى مؤسسات شخصية يجمع فيها المدير أو الرئيس زبائنه من أقربائه وأصدقائه ومنافقيه لتفقد بعدها الوطني.
2- لغة إسماعيل هنية كانت جيدة، فلم ينصب الفاعل ولم يجر المفعول به. وهذا تطور كبير على الساحة العربية لأنه من المفروض أن يكون القائد العربي جاهلا ومثلا سيئا في استعمال اللغة العربية.
3- خاطب هنية العقل الفلسطيني، ولم يلجأ إلى التهويش والتضليل والكذب والعبارات الحماسية النارية التي لا فائدة منها. خلا الخطاب من الشعارات البائسة الكاذبة، وبقي في حدود مخاطبة العقل.
4- استعمل هنية لغة خطابية متناسبة مع القدرات التي يعرف هو حدودها. في العادة، خطاباتنا أكبر من قدراتنا، وعصينا أطول من قاماتنا، ودائما نورط أنفسنا في كلام لا نقوى على تنفيذه، أو ننفذ شيئا مغايرا له، لكن هذا الخطاب لم يدخل في سياسة الأفواه الكبيرة والعضلات الصغيرة.
5- ركز هنية على المقاومة وذكرها حوالي ثلاثين مرة، وهذا شيء يعبر عن قناعته بأن قضية فلسطين تحتاج إلى أقوياء وليس إلى مستجدين ومتسولين. كان من المفروض أن يعطي مسألة القوة ودورها في الخروج من المآزق مساحة أوسع بسبب أهمية زرع الفكرة في عقول وسلوك الجيل الفلسطيني الناشئ الذي يسمع كثيرا عن المفاوضات.
6- طمأن الناس بأن هناك من يعمل تحت الأرض من أجل راحتهم. وتقديري أنه كان يعني أن سواعد المقاومين مستمرة في الإعداد والاستعداد، وأن الجهود هذه لن تضيع هباء وستظهر يوم اللقاء. لكن كان من المهم أن يعطي هذا الأمر مساحة أوسع بهدف رفع معنويات الناس الذين باتوا يظنون أن حل قضية فلسطين بأيدي الآخرين وليس بأيدي فلسطينية. التوسع في هذا الأمر لا يتطلب الحديث عن أسرار، وإنما عن نشاطات معروفة ومتوقعة من قبل فصيل مقاوم لكن لا يعرفها الناس العاديون الذين يمكن أن يؤثر عليهم الإعلام بسهولة.
7- لم يكن السيد هنية واضحا بالنسبة للأسس التي يجب أن تستند إليها المصالحة بين فتح وحماس. هل المصالحة مجرد عمل وجداني يرضى عنه الشارع الفلسطيني مؤقتا ليستفيق بعد شهرين على خلافات جديدة، أم عمل يقوم على مبادئ وأسس واضحة وبينة لا لبس فيها. والسؤال المطروح أيضا: هل نحن نبحث عن القوة أم عن المصالحة؟ الوحدة الوطنية عنصر من عناصر القوة، أو هذا هو المفترض، وإذا كانت الوحدة الوطنية على حساب اكتساب القوة فإن لاكتساب القوة أولوية. فمثلا كيف كان من الممكن أن يكون أداء غزة العسكري ضد إسرائيل في حرب 2008/2009، أو في حرب 2012 فيما لو كان هناك وحدة وطنية ضمن المعايير التي تحكم الشارع الفلسطيني عموما الآن؟
8- كان من الضروري التركيز على وحدة المقاومة في المنطقة العربية الإسلامية في مواجهة إسرائيل والمشاريع الأمريكية الغربية في المنطقة. وحدة الشعوب العربية ترتكز بصورة أساسية على وحدة المقاومة، والتي هي مصدر حيوي وجوهري في بناء قوى المقاومة.
9- كان السيد هنية واضحا في العلاقات مع مصر، وفي الموقف مما يجري في مصر. مصر لم تستطع حتى الآن تقديم دليل واحد عم تورط مقاومين فلسطينيين في قتال الجيش المصري، والإعلام المصري، أو جزء منه، وحده ينسج اتهامات لا تدعمها الحقائق. حماس انحازت إعلاميا وسياسيا لفريق دون فريق، لكنها لم تقم بأعمال ميدانية لتغليب هذا على ذاك، وإذا أقدم فلسطينيون على التدخل فإن تدخلهم كان فرديا لا يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني.
No comments:
Post a Comment