الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 3889 - 2012 / 10 / 23 - 21:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
الحوار المتمدن-العدد: 3889 - 2012 / 10 / 23 - 21:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
خبر وتعليق- من وحي برقيات وكالة الصحافة الفرنسية من 11 إلى 17 تشرين الثاني 2012 الطاهر المعز 23/10/2012
جائزة نوبل للسلام:
قررت "اللجنة" منح الإتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام "لما عرفته أوروبا من سلام وأمن لمدة تفوق 60 سنة" (أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية)، حسب تعليل "اللجنة"، موحية أن الإتحاد الأوروبي أو أوروبا بشكل عام صنعت السلام، بعد حروب دامية داخلها وبين دولها...
لقد منحت جائزة نوبل ( خصوصا للسلام) إلى مجرمين شهيرين مثل ميناحيم بيغن وشمعون بيريز وإسحاق رابين، كما منحت إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في بداية حكمه، كما منحت إلى عملاء مثل أنور السادات وإلى مسبحين (ومسبحات) بحمد وزارة الخارجية الأمريكية ونعمها الكثيرة على المنظمات "غير الحكومية" مثل توكل كرمان، ورئيسة ليبيريا، الموظفة السابقة في صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والتي كانت تجمع الأموال في أمريكا لفائدة أحد قادة الحرب في ليبيريا، طالبة منه حرق عاصمة بلدها، الذي تولت فيه وزارة المالية... كما منحت الجائزة إلى هنري كيسنغر، وزير خارجية أمريكا سنة 1973 (بالتشارك مع وزير الخارجية الفيتنامي "لي دوك تو"، الذي رفضها) وهو مهندس السياسة الخارجية الأمريكية أثناء انقلاب الطغمة العسكرية الفاشية في تشيلي على الرئيس المنتخب سلفادور ألندي، وما تبع ذلك من انقلابات وحروب أهلية في أمريكا الجنوبية، بتدبير وتخطيط من المخابرات الأمريكية...
أما عن أوروبا والإتحاد الأوروبي فإنها أشعلت حروبا كثيرة منذ الحرب العالمية الثانية، كالحروب الإستعمارية في الجزائر و"الهند الصينية" (فيتنام، لاوس، كمبوديا)، ومدغشقر ومجازر رواندا والكونغو والكامرون... ولا زالت تساهم بنشاط في احتلال أفغانستان والصومال وساهمت في تدمير ليبيا وتساهم حاليا في إذكاء نار الحرب في سوريا... وتساند الكيان الصهيوني وسلحته فرنسا بالسلاح النووي وأهدته ألمانيا غواصات نووية، ويقوم الإتحاد الأوروبي مقامه في تحمل بعض مسؤولية الإنفاق على الأراضي المحتلة سنة 1967...
أما في داخل القارة فإن أوروبا (خصوصا ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) أشعلت الحرب (منذ انهيار جدار برلين والإتحاد السوفياتي) في يوغسلافيا (حوالي 300 ألف قتيل ومليون مهجر)، وقسمت فدرالية يوغسلافيا إلى عدة دويلات على أسس أثنية وعرقية ودينية، وقسمت ألبانيا (على فقرها)، وشجعت جورجيا على مهاجمة روسيا سنة 2008، وشجعت ومولت التمردات التي يقودها الإسلام السياسي في حوض القوقاز، وشنت حملات تشويه إعلامي بخصوص كوبا وفنزويلا وكل نظام (أو حتى حكومة) ينزع إلى شيء من الإستقلالية عن الهيمنة الإمبريالية واتخاذ قرار مستقل عنها سواء كان القرار اقتصاديا أو دبلوماسيا (علاقات خارجية)، أو حتى داخليا...
يعتبر الإتحاد الأوروبي والدول المكونة له من أكبر تجار السلاح في العالم ويحتل المرتبة الثالثة ( بينما تجاوز عدد العاطلين عن العمل 20 مليون إضافة إلى 20 مليون عامل فقير)، وبلغت قيمة صادرات الأسلحة المعلنة لكل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا 15,4 مليار يورو (19 مليار دولارا) سنة 2010، وتبيع ألمانيا أسلحة فتاكة للكيان الصهيوني بأسعار رمزية مدعومة من الخزينة، أي من ضرائب عمال وموظفي ألمانيا، وتشكل الصادرات الألمانية 50% من المنتوج الداخلي الخام، منها مبيعات الأسلحة: غواصات نووية للكيان الصهيوني ودبابات للسعودية وتركيا واليونان وجنوب افريقيا...
لقد تأسس "المجلس الأوروبي" سنة 1949، في بداية الحرب الباردة (الحرب الإيديولوجية ضد الإشتراكية كفكرة وكقيمة وكبديل ممكن للرأسمالية، قبل أن تكون حربا ضد الدولة السوفياتية) قبل تأسيس "المجموعة الإقتصادية الأوروبية" ثم الإتحاد الأوروبي، بدعم أمريكي واضح، حيث تكفل وزير الخارجية الأمريكي (Dean Acheson) بإقناع المستشار الألماني (Konrad Adenauer ) بضرورة بناء شكل من الوحدة الأوروبية، لأنها دعم هام للحلف الأطلسي ولأمريكا، وكان رواد الوحدة الأوروبية من غلاة المدافعين عن الحلف الأطلسي مثل (Jean Monnet, Paul Henri Spaak,)... وينص البند 42 من المعاهدة الأوروبية على "احترام الإتحاد الأوروبي للمواثيق والمعاهدات المنبثقة عن معاهدة حلف شمال الأطلسي، ويعتبر الأعضاء أن مهمة الدفاع تتم بالإشتراك والتنسيق مع الأطلسي أو في إطاره..."
أما عن الديمقراطية فحدث ولا حرج إذ رفض الشعب الفرنسي خلال استفتاء 29 أيار 2005 معاهدة الدستور الأوروبي كما رفضها الشعب الهولندي والإيرلندي والتشيكي الخ، ومع ذلك فقد قرر قادة دول الإتحاد الأوروبي الإلتفاف على نتائج الإقتراع وتنفيذها رغم معارضة المواطنين، وتنص إحدى بنود هذه المعاهدة على "التزام دول الإتحاد بزيادة ودعم طاقاتها العسكرية... وتنسيق وتطوير ودعم القدرات العملية (الفعلية) للإتحاد، لتكون جاهزة باستمرار ومؤهلة للتدخل العسكري المباشر" (البند 24 – 6)...
إن منح الجائزة لكيان سياسي عسكري من قبيل الإتحاد الأوروبي يؤكد الطبيعة الإيديولوجية لجوائز نوبل وبالخصوص جائزة نوبل للسلام، إضافة إلى مفهومها الضيق جدا للسلام، فارتفاع نسبة الفقر والبطالة وأشكال العمل الهشة، مع ارتفاع ميزانية التسلح، وتعدد الإعتداءات العسكرية والتهديدات ( ليبيا، مالي، سوريا، إيران...)، لا تعد عائقا في طريق السلام الداخلي للمجتمعات، في نظر القائمين على تسليم الجائزة، بل عوامل داعمة للسلم الداخلي والخارجي...
أما رئيس لجنة نوبل للسلام، فهو من النرويج (Thorbjørn Jagland )، والنرويج ليس عضوا في الإتحاد الأوروبي، حيث رفض الشعب خلال استفتائين، الإنتماء إلى هياكل "السوق الأوروبية المشتركة"، التي عوضها الإتحاد الأوروبي لاحقا...
هل نفهم من كل ما تقدم أن منح الجائزة يعتبر تشجيعا لمواصلة التسلح والمتاجرة بالسلاح والتدخل العسكري واحتلال الدول الفقيرة أو "المارقة"، ومساندة الكيان الصهيوني...؟
راجع: الإتحاد الأوروبي ورهانات الإنتخابات البرلمانية (حزيران 2009)
منظمات غير حكومية:
ورد في خبر لوكالة الصحافة الفرنسية "فرانس براس" (أ.ف.ب) ليوم 12/10/2012 أن منظمات فرنسية غير حكومية تدعي الدفاع عن المرضى (الأمراض المزمنة، والأمراض الوراثية النادرة...) تتلقى أموالا طائلة من المختبرات التي تصنع الدواء لعلاج نفس تلك الأمراض... ففي سنة 2011 منحت شركة الأدوية الأمريكية (Johnson & Johnson) هذه الجمعيات الفرنسية "غير الحكومية" 640 ألف يورو، ومنحتها شركة (Abbott) 330 ألف يورو، وشركة (GSK) 300 ألف يورو، وشركة (Bayer) 150 ألف يورو، إضافة إلى مبالغ أهم بكثير و"هدايا" تتمثل في خلاص رواتب هامة لمسؤولي هذه المنظمات "غير الحكومية" وذويهم، وتمويل تنظيم المؤتمرات والإنفاق على تنقل وإقامة المدعوين... وهناك بعض المنظمات التي تنظم سهرات تلفزية لجمع الأموال، مع الدعاية المبطنة لأنواع من العقاقير والأدوية، التي لم تثبت جدواها بشكل علمي دقيق... وتمكنت 5 منظمات غير حكومية (يفترض أنها تمثل المصابين بتلك الأمراض) من جمع أكثر من مليوني يورو من عند شركات تصنيع الأدوية، التي لها علاقة مباشرة بالأمراض التي تعنى بها هذه المنظمات... أما الإستنتاج المنطقي فهو أن هذه المنظمات "غير الحكومية" لا يمكن أن تدافع على مصالح المرضى مادامت مرتبطة ماليا بالمؤسسات التي تجني الأرباح الطائلة من بيع العقاقير لنفس هؤلاء المرضى... وحدث أن رفضت هذه المنظمات مساعدة بعض من تعكرت حالهم الصحية بعد تناول أدوية، ثبت فيما بعد أن آثارها الجانبية قد تسبب أضرارا بدنية هامة، وأدت أحيانا إلى ظهور أمراض أكثر خطورة نتجت عنها إعاقة أو موت...
بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفقر:
شخصيا يذكرني يوم 17 اكتوبر (تشرين الأول)، بتلك المجزرة التي ارتكبتها الشرطة الفرنسية في باريس، بقيادة "موريس بابون" (Maurice PAPON) الذي تعامل مع الإحتلال النازي لفرنسا، وأرسل آلاف اليهود إلى المحرقة خلال الحرب العالمية الثانية، ونكل بالجزائريين، بتغطية من حكومة الرئيس شارل ديغول... قتل يوم 17/10/1961، ما لا يقل عن 200 جزائري تظاهروا سلميا في باريس ضد منع التجول الذي فرض عليهم (بينما هم فرنسيون قانونا) وضد الإغتيالات التي يمارسها اليمين المتطرف وعناصر الشرطة، ولم تعترف السلطات الفرنسية، يمينها ويسارها بهذه المجزرة، قبل سنة 2012... ألقت الشرطة خلال ذلك اليوم بعشرات الجزائريين الذين لا يحسنون السباحة في نهر "السان" (بعد سؤالهم إن كانوا يجيدون السباحة) فماتوا غرقا في المياه الباردة، واعتلقت حوالي 12 ألف جزائري وجزائرية، حشدوا في قاعات رياضية وملاعب، مثل ما حصل بعد الإنقلاب العسكري في تشيلي يوم 11/09/1973، وفرضت السلطات الفرنسية (في عهد شارل ديغول) الرقابة على الصحافيين واحتجزت كل الصور والوثائق، باستثناء وثيقة لفريق التلفزة البلجيكية، وقع إخفاؤها وتهريبها... هذا اليوم 17 اكتوبر، يصادف أيضا يوم مكافحة الفقر ويوم مكافحة الأمية...
تبلغ قيمة صادرات الأسلحة 70 مليار دولارا سنويا، وهو مبلغ يغطي الإحتياجات الغذائية لحوالي مليار فقير في العالم، وعلاج مئات ملايين المرضى وتلقيح ملايين الأطفال ضد الأمراض الفتاكة... وإضافة إلى هذه الأموال المهدورة في سبيل شراء الأسلحة، تقدر نسبة المواد الغذائية الملقاة في القمامة بثلث الإنتاج العالمي من المنتوجات الغذائية، منها ما يبقى في الحقول بسبب الظروف المناخية ومنها ما ترفضه الشركات العالمية لأنه يخالف المقاييس التي ضبطتها (الحجم والوزن واللون...)، وتلقى بعض أنواع اللحوم والأسماك، بينما يستخدم بعضها لصناعة غذاء الحيوانات، أو للوقود المسمى اعتباطيا "نظيف"، ويلقي المنتجون بكمية أخرى من الأغذية لأنها تزيد عن الحاجة، ولا تستفيد الجمعيات الخيرية سوى بنسبة 1% من هذه الكميات المهدورة، كي تبقى الأسعار في مستوى حددته الشركات العابرة للقارات... وإذا تعمقنا قليلا ندرك أن كميات الخبز الملقاة في القمامة في الدول المصنعة تؤثر بشكل مباشر على ارتفاع أسعار الحبوب، في الدول الفقيرة، وإذا كان الإنتاج العالمي يزيد عن حاجة سكان كوكب الأرض، فإن جزءا هاما من مواطني العالم يفتقرون إلى الغذاء، ويكفي الجزء المهدور لتغذية مئات الملايين من الجائعين، لكن هذا المنطق لا يستقيم مع قانون رأس المال، فمنذ آلاف السنين كان الإنسان يحاول أن ينتج ما يكفي لإطعامه وذويه، وإن ادخر بعض ما زاد عن الحاجة، فذلك لكي يجد ما يأكله في فصل الشتاء، عند هبوب الأمطار والعواصف، وإذا أكل فلا يلقي بالفضلات أو القشور، بل تستفيد منها الحيوانات أو الأشجار والنباتات كسماد طبيعي، أما حاليا فإن أوروبا على سبيل المثال تستورد 40 مليون طنا من فول الصويا (خصوصا من الأرجنتين) علفا للحيوانات، ولا تستعمل الأغدية المهدورة لإطعام الحيوانات، ويستغل المضاربون فائض الإنتاج لتخزينه (أو حتى إتلافه أحيانا) لكي يتحكموا في السوق وفي مستوى الأسعار التي يجنون منها أرباحا طائلة... وتغيرت بذلك وظيفة الإنتاج، فبعد أن كان هدفه الإستجابة لحاجات الإنسان، أصبح سلعة تباع لتحقيق أرباح كبيرة...
في فرنسا التي يهدد وزير خارجيتها (وكافة أعضاء حكومة صهاينة الحزب الإشتراكي) بشن الحرب على سوريا وإرسال فيالق وأسلحة إلى شمال مالي (بعد مشاركة حكومة اليمين، بمباركة الحزب الإشتراكي في الحرب على ليبيا، ولا زالت قواتها تحتل أفغانستان)، قدر معهد الإحصاء الحكومي (INSEE) عدد الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر ب 8,6 مليون سنة 2010 أو 14,1% من المواطنين الفرنسيين... حدد خط الفقر ب 964 يورو شهريا، لكن أكثر من نصف الفقراء يعيشون بأقل من 781 يورو شهريا... ترى هل أن نسبة الفقر في كوبا أو إيران أو سوريا أكبر منها في فرنسا؟
غذاء، نهب أوروبي لسواحل افريقيا:
تمثل الإتفاقيات المجحفة التي فرضتها الدول الإمبريالية على المستعمرات وأشباه المستعمرات، أحد أسباب إدامة الفقر في الشطر الجنوبي من الكرة الأرضية، وفي هذا الصدد فرض الإتحاد الأوروبي على دول غرب افريقيا ( المغرب وموريتانيا والسينغال وغينيا وساحل العاج...) اتفاقات تسمح لأساطيل الصيد الأوروبية نهب الثروة السمكية في مياه وسواحل هذه البلدان، إذ صرح ربان 27 سفينة أوروبية باصطياد 125 ألف طن من الأسماك خلال 12 شهر في سواحل السينغال (أي نصف حصيلة صيد السفن السينغالية)، مقابل ضريبة قدرها 24 دولارا للطن الواحد (إضافة إلى ما لم يصرح به)... نتج عن هذا النهب نفوق بعض أنواع السمك ونقص مداخيل الصيادين المحليين ومشاكل غذائية، إضافة إلى ارتفاع أسعار السمك ومنتجات البحر في السوق المحلية...
يقدر عدد الصيادين "التقليديين" (ذوي السفن والمراكب الصغيرة) بحوالي 15 ألف في السينغال، ويعيل قطاع الصيد البحري (من صيادين وبائعين) أكثر من 600 ألف مواطن (من مجموع 13 مليون نسمة سنة 2012)، وكانت سواحل البلاد مضرب الأمثال لكثرة أسماكها وتنوعها، قبل أن تغزوها السفن الأوروبية والروسية والصينية واليابانية، بحكم اتفاقيات مع الحكومة (أو حتى بدونها)، وتتجاوز المياه العميقة إلى السواحل المخصصة للصيد التقليدي، وقدرت نقابة الصيادين المبالغ التي استأثرت بها الحكومة ب 7,6 مليون يورو، ولم تستخدم لتطوير الصيد "التقليدي" كما وعدت بذلك...
تجوب حوالي 500 سفينة أوروبية سواحل غرب افريقيا، منها 160 في عرض سواحل المغرب وحوالي مائة في موريتانيا و60 في غينيا بيساو و40 في ساحل العاج... إضافة إلى السفن الضخمة، وهي عبارة عن مصانع لتجميد وتصنيع منتوجات البحر وتعليبها، ترفع رايات الصين وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية، إضافة إلى سفن أخرى ترفع راية السينغال أو بلدان صغيرة أخرى، مقابل مبلغ زهيد من المال (وكذا الحال في الصومال والقرن الافريقي وبعض مناطق آسيا)، وكانت هذه السفن تصطاد السمك والرخويات باهظة الثمن، لكنها بدأت منذ أكثر من 10 سنوات تصطاد كل أنواع المنتوجات المتوفرة في المنطقة مما أثر على الثروة السمكية وعلى الإقتصاد المحلي، وعلى نوعية التغذية، محليا...
بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفقر:
يذكرني شخصيا يوم 17 اكتوبر (تشرين الأول)، بتلك المجزرة التي ارتكبتها الشرطة الفرنسية في باريس، بقيادة "موريس بابون" (Maurice PAPON) الذي أرسل آلاف اليهود إلى المحرقة خلال الحرب العالمية الثانية، ونكل بالجزائريين، بتغطية من حكومة الرئيس شارل ديغول، الذي أصدر عفوا عاما على كل مرتكبي جرائم الحرب في الجزائر... قتل يوم 17/10/1961، ما لا يقل عن 200 جزائري تظاهروا سلميا في باريس ضد منع التجول المفروض عليهم (بينما يعتبرهم القانون فرنسيين) وضد الإغتيالات التي ينفذها اليمين المتطرف وعناصر الشرطة، ولم تعترف السلطات الفرنسية، يمينها ويسارها بهذه المجزرة، قبل سنة 2012...
هذا اليوم، 17 اكتوبر، يصادف أيضا يوم مكافحة الفقر ويوم مكافحة الأمية...
تبلغ قيمة الصادرات العالمية للأسلحة 70 مليار دولارا سنويا، وهو مبلغ يغطي الإحتياجات الغذائية لحوالي مليار فقير في العالم، وعلاج مئات ملايين المرضى وتلقيح ملايين الأطفال ضد الأمراض الفتاكة...
إضافة إلى هذه الأموال المهدورة في سبيل شراء الأسلحة، تقدر نسبة المواد الغذائية الملقاة في القمامة بثلث الإنتاج العالمي من المنتوجات الغذائية، منها ما يتلف بسبب الظروف المناخية ومنها ما ترفضه الشركات العالمية لأنه يخالف المقاييس التي ضبطتها (الحجم والوزن واللون...)، وتلقى بعض أنواع اللحوم والأسماك، بينما يستخدم بعضها لصناعة غذاء الحيوانات، أو للوقود المسمى اعتباطيا "نظيف"، ويلقي المنتجون بكمية أخرى من الأغذية لأنها "تزيد عن الحاجة"، ولا تستفيد الجمعيات الخيرية سوى بنسبة 1% من هذه الكميات المهدورة، كي تبقى الأسعار (والأرباح) في مستوى حددته الشركات العابرة للقارات... وإذا تعمقنا قليلا نجد أن كميات الخبز الملقاة في القمامة في الدول المصنعة تؤثر بشكل مباشر على ارتفاع أسعار الحبوب، في الدول الفقيرة، وإذا كان الإنتاج العالمي يزيد عن حاجة سكان العالم، فإن جزءا هاما من مواطني العالم يفتقرون إلى الغذاء، ويكفي الجزء المهدور لتغذية مئات الملايين من الجائعين، لكن هذا المنطق لا يستقيم مع قانون رأس المال، فمنذ آلاف السنين كان الإنسان يحاول أن ينتج ما يكفي لإطعامه وذويه، وإن ادخر بعض ما زاد عن الحاجة، فلكي يجد ما يأكله في فصل الشتاء، عند هبوب الأمطار والعواصف، وإذا أكل فلا يلقي بالفضلات أو القشور، بل تستفيد منها الحيوانات، أما حاليا فإن أوروبا على سبيل المثال تستورد 40 مليون طنا من فول الصويا (خصوصا من الأرجنتين) علفا للحيوانات، ولا تستعمل الأغدية المهدورة لإطعام الحيوانات...
في فرنسا التي يهدد وزير خارجيتها (وكافة أعضاء حكومة صهاينة الحزب الإشتراكي) بشن الحرب على سوريا وإرسال فيالق وأسلحة إلى شمال مالي (بعد مشاركة حكومة اليمين، بمباركة الحزب الإشتراكي في الحرب على ليبيا، ولا زالت قواتها تحتل أفغانستان)، قدر معهد الإحصاء الحكومي (INSEE) عدد الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر ب 8,6 مليون سنة 2010 أو 14,1% من المواطنين الفرنسيين... حدد خط الفقر ب 964 يورو شهريا، لكن أكثر من نصف الفقراء يعيشون بأقل من 781 يورو شهريا... ترى هل أن نسبة الفقر في كوبا أو إيران أو سوريا أكبر منها في فرنسا؟
جائزة نوبل للسلام:
قررت "اللجنة" منح الإتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام "لما عرفته أوروبا من سلام وأمن لمدة تفوق 60 سنة" (أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية)، حسب تعليل "اللجنة"، موحية أن الإتحاد الأوروبي أو أوروبا بشكل عام صنعت السلام، بعد حروب دامية داخلها وبين دولها...
لقد منحت جائزة نوبل ( خصوصا للسلام) إلى مجرمين شهيرين مثل ميناحيم بيغن وشمعون بيريز وإسحاق رابين، كما منحت إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في بداية حكمه، كما منحت إلى عملاء مثل أنور السادات وإلى مسبحين (ومسبحات) بحمد وزارة الخارجية الأمريكية ونعمها الكثيرة على المنظمات "غير الحكومية" مثل توكل كرمان، ورئيسة ليبيريا، الموظفة السابقة في صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والتي كانت تجمع الأموال في أمريكا لفائدة أحد قادة الحرب في ليبيريا، طالبة منه حرق عاصمة بلدها، الذي تولت فيه وزارة المالية... كما منحت الجائزة إلى هنري كيسنغر، وزير خارجية أمريكا سنة 1973 (بالتشارك مع وزير الخارجية الفيتنامي "لي دوك تو"، الذي رفضها) وهو مهندس السياسة الخارجية الأمريكية أثناء انقلاب الطغمة العسكرية الفاشية في تشيلي على الرئيس المنتخب سلفادور ألندي، وما تبع ذلك من انقلابات وحروب أهلية في أمريكا الجنوبية، بتدبير وتخطيط من المخابرات الأمريكية...
أما عن أوروبا والإتحاد الأوروبي فإنها أشعلت حروبا كثيرة منذ الحرب العالمية الثانية، كالحروب الإستعمارية في الجزائر و"الهند الصينية" (فيتنام، لاوس، كمبوديا)، ومدغشقر ومجازر رواندا والكونغو والكامرون... ولا زالت تساهم بنشاط في احتلال أفغانستان والصومال وساهمت في تدمير ليبيا وتساهم حاليا في إذكاء نار الحرب في سوريا... وتساند الكيان الصهيوني وسلحته فرنسا بالسلاح النووي وأهدته ألمانيا غواصات نووية، ويقوم الإتحاد الأوروبي مقامه في تحمل بعض مسؤولية الإنفاق على الأراضي المحتلة سنة 1967...
أما في داخل القارة فإن أوروبا (خصوصا ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) أشعلت الحرب (منذ انهيار جدار برلين والإتحاد السوفياتي) في يوغسلافيا (حوالي 300 ألف قتيل ومليون مهجر)، وقسمت فدرالية يوغسلافيا إلى عدة دويلات على أسس أثنية وعرقية ودينية، وقسمت ألبانيا (على فقرها)، وشجعت جورجيا على مهاجمة روسيا سنة 2008، وشجعت ومولت التمردات التي يقودها الإسلام السياسي في حوض القوقاز، وشنت حملات تشويه إعلامي بخصوص كوبا وفنزويلا وكل نظام (أو حتى حكومة) ينزع إلى شيء من الإستقلالية عن الهيمنة الإمبريالية واتخاذ قرار مستقل عنها سواء كان القرار اقتصاديا أو دبلوماسيا (علاقات خارجية)، أو حتى داخليا...
يعتبر الإتحاد الأوروبي والدول المكونة له من أكبر تجار السلاح في العالم ويحتل المرتبة الثالثة ( بينما تجاوز عدد العاطلين عن العمل 20 مليون إضافة إلى 20 مليون عامل فقير)، وبلغت قيمة صادرات الأسلحة المعلنة لكل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا 15,4 مليار يورو (19 مليار دولارا) سنة 2010، وتبيع ألمانيا أسلحة فتاكة للكيان الصهيوني بأسعار رمزية مدعومة من الخزينة، أي من ضرائب عمال وموظفي ألمانيا، وتشكل الصادرات الألمانية 50% من المنتوج الداخلي الخام، منها مبيعات الأسلحة: غواصات نووية للكيان الصهيوني ودبابات للسعودية وتركيا واليونان وجنوب افريقيا...
لقد تأسس "المجلس الأوروبي" سنة 1949، في بداية الحرب الباردة (الحرب الإيديولوجية ضد الإشتراكية كفكرة وكقيمة وكبديل ممكن للرأسمالية، قبل أن تكون حربا ضد الدولة السوفياتية) قبل تأسيس "المجموعة الإقتصادية الأوروبية" ثم الإتحاد الأوروبي، بدعم أمريكي واضح، حيث تكفل وزير الخارجية الأمريكي (Dean Acheson) بإقناع المستشار الألماني (Konrad Adenauer ) بضرورة بناء شكل من الوحدة الأوروبية، لأنها دعم هام للحلف الأطلسي ولأمريكا، وكان رواد الوحدة الأوروبية من غلاة المدافعين عن الحلف الأطلسي مثل (Jean Monnet, Paul Henri Spaak,)... وينص البند 42 من المعاهدة الأوروبية على "احترام الإتحاد الأوروبي للمواثيق والمعاهدات المنبثقة عن معاهدة حلف شمال الأطلسي، ويعتبر الأعضاء أن مهمة الدفاع تتم بالإشتراك والتنسيق مع الأطلسي أو في إطاره..."
أما عن الديمقراطية فحدث ولا حرج إذ رفض الشعب الفرنسي خلال استفتاء 29 أيار 2005 معاهدة الدستور الأوروبي كما رفضها الشعب الهولندي والإيرلندي والتشيكي الخ، ومع ذلك فقد قرر قادة دول الإتحاد الأوروبي الإلتفاف على نتائج الإقتراع وتنفيذها رغم معارضة المواطنين، وتنص إحدى بنود هذه المعاهدة على "التزام دول الإتحاد بزيادة ودعم طاقاتها العسكرية... وتنسيق وتطوير ودعم القدرات العملية (الفعلية) للإتحاد، لتكون جاهزة باستمرار ومؤهلة للتدخل العسكري المباشر" (البند 24 – 6)...
إن منح الجائزة لكيان سياسي عسكري من قبيل الإتحاد الأوروبي يؤكد الطبيعة الإيديولوجية لجوائز نوبل وبالخصوص جائزة نوبل للسلام، إضافة إلى مفهومها الضيق جدا للسلام، فارتفاع نسبة الفقر والبطالة وأشكال العمل الهشة، مع ارتفاع ميزانية التسلح، وتعدد الإعتداءات العسكرية والتهديدات ( ليبيا، مالي، سوريا، إيران...)، لا تعد عائقا في طريق السلام الداخلي للمجتمعات، في نظر القائمين على تسليم الجائزة، بل عوامل داعمة للسلم الداخلي والخارجي...
أما رئيس لجنة نوبل للسلام، فهو من النرويج (Thorbjørn Jagland )، والنرويج ليس عضوا في الإتحاد الأوروبي، حيث رفض الشعب خلال استفتائين، الإنتماء إلى هياكل "السوق الأوروبية المشتركة"، التي عوضها الإتحاد الأوروبي لاحقا...
هل نفهم من كل ما تقدم أن منح الجائزة يعتبر تشجيعا لمواصلة التسلح والمتاجرة بالسلاح والتدخل العسكري واحتلال الدول الفقيرة أو "المارقة"، ومساندة الكيان الصهيوني...؟
راجع: الإتحاد الأوروبي ورهانات الإنتخابات البرلمانية (حزيران 2009)
منظمات غير حكومية:
ورد في خبر لوكالة الصحافة الفرنسية "فرانس براس" (أ.ف.ب) ليوم 12/10/2012 أن منظمات فرنسية غير حكومية تدعي الدفاع عن المرضى (الأمراض المزمنة، والأمراض الوراثية النادرة...) تتلقى أموالا طائلة من المختبرات التي تصنع الدواء لعلاج نفس تلك الأمراض... ففي سنة 2011 منحت شركة الأدوية الأمريكية (Johnson & Johnson) هذه الجمعيات الفرنسية "غير الحكومية" 640 ألف يورو، ومنحتها شركة (Abbott) 330 ألف يورو، وشركة (GSK) 300 ألف يورو، وشركة (Bayer) 150 ألف يورو، إضافة إلى مبالغ أهم بكثير و"هدايا" تتمثل في خلاص رواتب هامة لمسؤولي هذه المنظمات "غير الحكومية" وذويهم، وتمويل تنظيم المؤتمرات والإنفاق على تنقل وإقامة المدعوين... وهناك بعض المنظمات التي تنظم سهرات تلفزية لجمع الأموال، مع الدعاية المبطنة لأنواع من العقاقير والأدوية، التي لم تثبت جدواها بشكل علمي دقيق... وتمكنت 5 منظمات غير حكومية (يفترض أنها تمثل المصابين بتلك الأمراض) من جمع أكثر من مليوني يورو من عند شركات تصنيع الأدوية، التي لها علاقة مباشرة بالأمراض التي تعنى بها هذه المنظمات... أما الإستنتاج المنطقي فهو أن هذه المنظمات "غير الحكومية" لا يمكن أن تدافع على مصالح المرضى مادامت مرتبطة ماليا بالمؤسسات التي تجني الأرباح الطائلة من بيع العقاقير لنفس هؤلاء المرضى... وحدث أن رفضت هذه المنظمات مساعدة بعض من تعكرت حالهم الصحية بعد تناول أدوية، ثبت فيما بعد أن آثارها الجانبية قد تسبب أضرارا بدنية هامة، وأدت أحيانا إلى ظهور أمراض أكثر خطورة نتجت عنها إعاقة أو موت...
بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفقر:
شخصيا يذكرني يوم 17 اكتوبر (تشرين الأول)، بتلك المجزرة التي ارتكبتها الشرطة الفرنسية في باريس، بقيادة "موريس بابون" (Maurice PAPON) الذي تعامل مع الإحتلال النازي لفرنسا، وأرسل آلاف اليهود إلى المحرقة خلال الحرب العالمية الثانية، ونكل بالجزائريين، بتغطية من حكومة الرئيس شارل ديغول... قتل يوم 17/10/1961، ما لا يقل عن 200 جزائري تظاهروا سلميا في باريس ضد منع التجول الذي فرض عليهم (بينما هم فرنسيون قانونا) وضد الإغتيالات التي يمارسها اليمين المتطرف وعناصر الشرطة، ولم تعترف السلطات الفرنسية، يمينها ويسارها بهذه المجزرة، قبل سنة 2012... ألقت الشرطة خلال ذلك اليوم بعشرات الجزائريين الذين لا يحسنون السباحة في نهر "السان" (بعد سؤالهم إن كانوا يجيدون السباحة) فماتوا غرقا في المياه الباردة، واعتلقت حوالي 12 ألف جزائري وجزائرية، حشدوا في قاعات رياضية وملاعب، مثل ما حصل بعد الإنقلاب العسكري في تشيلي يوم 11/09/1973، وفرضت السلطات الفرنسية (في عهد شارل ديغول) الرقابة على الصحافيين واحتجزت كل الصور والوثائق، باستثناء وثيقة لفريق التلفزة البلجيكية، وقع إخفاؤها وتهريبها... هذا اليوم 17 اكتوبر، يصادف أيضا يوم مكافحة الفقر ويوم مكافحة الأمية...
تبلغ قيمة صادرات الأسلحة 70 مليار دولارا سنويا، وهو مبلغ يغطي الإحتياجات الغذائية لحوالي مليار فقير في العالم، وعلاج مئات ملايين المرضى وتلقيح ملايين الأطفال ضد الأمراض الفتاكة... وإضافة إلى هذه الأموال المهدورة في سبيل شراء الأسلحة، تقدر نسبة المواد الغذائية الملقاة في القمامة بثلث الإنتاج العالمي من المنتوجات الغذائية، منها ما يبقى في الحقول بسبب الظروف المناخية ومنها ما ترفضه الشركات العالمية لأنه يخالف المقاييس التي ضبطتها (الحجم والوزن واللون...)، وتلقى بعض أنواع اللحوم والأسماك، بينما يستخدم بعضها لصناعة غذاء الحيوانات، أو للوقود المسمى اعتباطيا "نظيف"، ويلقي المنتجون بكمية أخرى من الأغذية لأنها تزيد عن الحاجة، ولا تستفيد الجمعيات الخيرية سوى بنسبة 1% من هذه الكميات المهدورة، كي تبقى الأسعار في مستوى حددته الشركات العابرة للقارات... وإذا تعمقنا قليلا ندرك أن كميات الخبز الملقاة في القمامة في الدول المصنعة تؤثر بشكل مباشر على ارتفاع أسعار الحبوب، في الدول الفقيرة، وإذا كان الإنتاج العالمي يزيد عن حاجة سكان كوكب الأرض، فإن جزءا هاما من مواطني العالم يفتقرون إلى الغذاء، ويكفي الجزء المهدور لتغذية مئات الملايين من الجائعين، لكن هذا المنطق لا يستقيم مع قانون رأس المال، فمنذ آلاف السنين كان الإنسان يحاول أن ينتج ما يكفي لإطعامه وذويه، وإن ادخر بعض ما زاد عن الحاجة، فذلك لكي يجد ما يأكله في فصل الشتاء، عند هبوب الأمطار والعواصف، وإذا أكل فلا يلقي بالفضلات أو القشور، بل تستفيد منها الحيوانات أو الأشجار والنباتات كسماد طبيعي، أما حاليا فإن أوروبا على سبيل المثال تستورد 40 مليون طنا من فول الصويا (خصوصا من الأرجنتين) علفا للحيوانات، ولا تستعمل الأغدية المهدورة لإطعام الحيوانات، ويستغل المضاربون فائض الإنتاج لتخزينه (أو حتى إتلافه أحيانا) لكي يتحكموا في السوق وفي مستوى الأسعار التي يجنون منها أرباحا طائلة... وتغيرت بذلك وظيفة الإنتاج، فبعد أن كان هدفه الإستجابة لحاجات الإنسان، أصبح سلعة تباع لتحقيق أرباح كبيرة...
في فرنسا التي يهدد وزير خارجيتها (وكافة أعضاء حكومة صهاينة الحزب الإشتراكي) بشن الحرب على سوريا وإرسال فيالق وأسلحة إلى شمال مالي (بعد مشاركة حكومة اليمين، بمباركة الحزب الإشتراكي في الحرب على ليبيا، ولا زالت قواتها تحتل أفغانستان)، قدر معهد الإحصاء الحكومي (INSEE) عدد الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر ب 8,6 مليون سنة 2010 أو 14,1% من المواطنين الفرنسيين... حدد خط الفقر ب 964 يورو شهريا، لكن أكثر من نصف الفقراء يعيشون بأقل من 781 يورو شهريا... ترى هل أن نسبة الفقر في كوبا أو إيران أو سوريا أكبر منها في فرنسا؟
غذاء، نهب أوروبي لسواحل افريقيا:
تمثل الإتفاقيات المجحفة التي فرضتها الدول الإمبريالية على المستعمرات وأشباه المستعمرات، أحد أسباب إدامة الفقر في الشطر الجنوبي من الكرة الأرضية، وفي هذا الصدد فرض الإتحاد الأوروبي على دول غرب افريقيا ( المغرب وموريتانيا والسينغال وغينيا وساحل العاج...) اتفاقات تسمح لأساطيل الصيد الأوروبية نهب الثروة السمكية في مياه وسواحل هذه البلدان، إذ صرح ربان 27 سفينة أوروبية باصطياد 125 ألف طن من الأسماك خلال 12 شهر في سواحل السينغال (أي نصف حصيلة صيد السفن السينغالية)، مقابل ضريبة قدرها 24 دولارا للطن الواحد (إضافة إلى ما لم يصرح به)... نتج عن هذا النهب نفوق بعض أنواع السمك ونقص مداخيل الصيادين المحليين ومشاكل غذائية، إضافة إلى ارتفاع أسعار السمك ومنتجات البحر في السوق المحلية...
يقدر عدد الصيادين "التقليديين" (ذوي السفن والمراكب الصغيرة) بحوالي 15 ألف في السينغال، ويعيل قطاع الصيد البحري (من صيادين وبائعين) أكثر من 600 ألف مواطن (من مجموع 13 مليون نسمة سنة 2012)، وكانت سواحل البلاد مضرب الأمثال لكثرة أسماكها وتنوعها، قبل أن تغزوها السفن الأوروبية والروسية والصينية واليابانية، بحكم اتفاقيات مع الحكومة (أو حتى بدونها)، وتتجاوز المياه العميقة إلى السواحل المخصصة للصيد التقليدي، وقدرت نقابة الصيادين المبالغ التي استأثرت بها الحكومة ب 7,6 مليون يورو، ولم تستخدم لتطوير الصيد "التقليدي" كما وعدت بذلك...
تجوب حوالي 500 سفينة أوروبية سواحل غرب افريقيا، منها 160 في عرض سواحل المغرب وحوالي مائة في موريتانيا و60 في غينيا بيساو و40 في ساحل العاج... إضافة إلى السفن الضخمة، وهي عبارة عن مصانع لتجميد وتصنيع منتوجات البحر وتعليبها، ترفع رايات الصين وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية، إضافة إلى سفن أخرى ترفع راية السينغال أو بلدان صغيرة أخرى، مقابل مبلغ زهيد من المال (وكذا الحال في الصومال والقرن الافريقي وبعض مناطق آسيا)، وكانت هذه السفن تصطاد السمك والرخويات باهظة الثمن، لكنها بدأت منذ أكثر من 10 سنوات تصطاد كل أنواع المنتوجات المتوفرة في المنطقة مما أثر على الثروة السمكية وعلى الإقتصاد المحلي، وعلى نوعية التغذية، محليا...
بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفقر:
يذكرني شخصيا يوم 17 اكتوبر (تشرين الأول)، بتلك المجزرة التي ارتكبتها الشرطة الفرنسية في باريس، بقيادة "موريس بابون" (Maurice PAPON) الذي أرسل آلاف اليهود إلى المحرقة خلال الحرب العالمية الثانية، ونكل بالجزائريين، بتغطية من حكومة الرئيس شارل ديغول، الذي أصدر عفوا عاما على كل مرتكبي جرائم الحرب في الجزائر... قتل يوم 17/10/1961، ما لا يقل عن 200 جزائري تظاهروا سلميا في باريس ضد منع التجول المفروض عليهم (بينما يعتبرهم القانون فرنسيين) وضد الإغتيالات التي ينفذها اليمين المتطرف وعناصر الشرطة، ولم تعترف السلطات الفرنسية، يمينها ويسارها بهذه المجزرة، قبل سنة 2012...
هذا اليوم، 17 اكتوبر، يصادف أيضا يوم مكافحة الفقر ويوم مكافحة الأمية...
تبلغ قيمة الصادرات العالمية للأسلحة 70 مليار دولارا سنويا، وهو مبلغ يغطي الإحتياجات الغذائية لحوالي مليار فقير في العالم، وعلاج مئات ملايين المرضى وتلقيح ملايين الأطفال ضد الأمراض الفتاكة...
إضافة إلى هذه الأموال المهدورة في سبيل شراء الأسلحة، تقدر نسبة المواد الغذائية الملقاة في القمامة بثلث الإنتاج العالمي من المنتوجات الغذائية، منها ما يتلف بسبب الظروف المناخية ومنها ما ترفضه الشركات العالمية لأنه يخالف المقاييس التي ضبطتها (الحجم والوزن واللون...)، وتلقى بعض أنواع اللحوم والأسماك، بينما يستخدم بعضها لصناعة غذاء الحيوانات، أو للوقود المسمى اعتباطيا "نظيف"، ويلقي المنتجون بكمية أخرى من الأغذية لأنها "تزيد عن الحاجة"، ولا تستفيد الجمعيات الخيرية سوى بنسبة 1% من هذه الكميات المهدورة، كي تبقى الأسعار (والأرباح) في مستوى حددته الشركات العابرة للقارات... وإذا تعمقنا قليلا نجد أن كميات الخبز الملقاة في القمامة في الدول المصنعة تؤثر بشكل مباشر على ارتفاع أسعار الحبوب، في الدول الفقيرة، وإذا كان الإنتاج العالمي يزيد عن حاجة سكان العالم، فإن جزءا هاما من مواطني العالم يفتقرون إلى الغذاء، ويكفي الجزء المهدور لتغذية مئات الملايين من الجائعين، لكن هذا المنطق لا يستقيم مع قانون رأس المال، فمنذ آلاف السنين كان الإنسان يحاول أن ينتج ما يكفي لإطعامه وذويه، وإن ادخر بعض ما زاد عن الحاجة، فلكي يجد ما يأكله في فصل الشتاء، عند هبوب الأمطار والعواصف، وإذا أكل فلا يلقي بالفضلات أو القشور، بل تستفيد منها الحيوانات، أما حاليا فإن أوروبا على سبيل المثال تستورد 40 مليون طنا من فول الصويا (خصوصا من الأرجنتين) علفا للحيوانات، ولا تستعمل الأغدية المهدورة لإطعام الحيوانات...
في فرنسا التي يهدد وزير خارجيتها (وكافة أعضاء حكومة صهاينة الحزب الإشتراكي) بشن الحرب على سوريا وإرسال فيالق وأسلحة إلى شمال مالي (بعد مشاركة حكومة اليمين، بمباركة الحزب الإشتراكي في الحرب على ليبيا، ولا زالت قواتها تحتل أفغانستان)، قدر معهد الإحصاء الحكومي (INSEE) عدد الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر ب 8,6 مليون سنة 2010 أو 14,1% من المواطنين الفرنسيين... حدد خط الفقر ب 964 يورو شهريا، لكن أكثر من نصف الفقراء يعيشون بأقل من 781 يورو شهريا... ترى هل أن نسبة الفقر في كوبا أو إيران أو سوريا أكبر منها في فرنسا؟
No comments:
Post a Comment