Saturday, 20 October 2012

{الفكر القومي العربي} سوريا والتسوية المطلوبة -- د. ساسين عساف


 
سوريا والتسوية المطلوبة
 
د. ساسين عساف
 
تشهد منطقة الشرق الأوسط أزمات سياسية كبيرة، الأزمة في سوريا تشير إلى أنَّ الشرق الأوسط يتوجه نحو المزيد منها.
سيكون للأزمة السورية انعكاساتها المهمة على فهم الأزمات في العمق، وما تحمله من حروب مرتقبة لن تتمكّن القوى العظمى من تحديد مداها أو التحكّم بها، فهذه القوى لا تستطيع منع وقوع الحروب الداخلية ومنع توسّعها، وحتى التدخل العسكري الواسع مثلما حدث في العراق لم يعد ممكنا"، من هنا نرى الدول العظمى عاجزة عن صنع الوقائع على الأرض  بما يخدم مصالحها  ونراها مرغمة على التأقلم معها، حتى لو فرض عليها ذلك التخلي عن أصدقائها. ومغزى هذا أنْ التأييد الأمريكي للمعارضة السورية كما التأييد الروسي للنظام السوري في المدى البعيد ليس أمراً بديهياً، وهذا ما يفرض على السوريين الاسراع الى ايجاد التسوية التاريخية المطلوبة عن طريق الحوار فالأزمات التي تعصف بالمنطقة تزيد في الأهمية الجيو – إستراتيجية لسوريا  كدولة مستقرة وديمقراطية من هنا، على السوريين بناء دولتهم الجديدة على هذه الحقائق، مع التشديد على دورها المحوري في الصراع العربي- الصهيوني.

تثبت الأحداث التي تمر بها سوريا أنَّ قوة النظام تستنزف ولكنها ما زالت كافية للصمود وربّما أكثر وأنّ قوّة المعارضة تزداد ولكنّها غير كافية لاسقاطه، الأمر الذي يبشر بصعود قوى جديدة من الطرفين لديها الاستعداد لمواجهة العنف والعمل على التسوية المطلوبة وذلك عبر التوجه إلى الحوار المباشر ومن خلال وسائل الاتصال الاجتماعي وقنوات أخرى لبلورة قدرتها على الاسهام في تحقيق خطوات متقدمة نحو التسوية الشاملة.

وحدها التسوية في سوريا تبعد عن المنطقة احتمال مواجهات حربية واسعة النطاق، من هنا ضرورة تعزيز فرص الحوار بحيث يكون واضحاً للطرفين أنّ حرباً اقليمية ستكون على حساب السوريين ما يحدوهم على التدقيق العميق في مآسي العراق وليبيا.
المطلوب اذا" بدلاً من حرب اقليمية محتملة تكوين كتلة سلام نواتها الصلبة تكون سورية تشدّ اليها قوى عربية واقليمية ودولية  تسعى الى تقليص فرص الحرب في المنطقة وتوجّه جهودها للتقدم نحو اتفاق شرق أوسطي يشمل الأطراف العربية والإسلامية المعنية ويعود بها الى حقيقة الصراع الوجودي في هذه المنطقة والى فلسطين قضيّتها المركزية.
 
خلال عام وثمانية أشهر وقعت في سوريا أحداث دراماتيكية قد تفضي الى ايجاد نقاط تحول استراتيجية داخلية وعربية واسلامية(تركية وايرانية) أي في المحيط الاستراتيجي لسوريا. هذه الأحداث تشير إلى ثلاث محطات تأسيسية: سوريا الغد غير سوريا الأمس, علاقة سوريا بمحيطها العربي والاسلامي لن تكون كما كانت, علاقة مكوّنات هذا المحيط فيما بينها هي في حكم التغيير الحتمي.
وبانتظار حلّ سياسي للأزمة السورية متعدد المنظومات، فإن الأزمات في منطقة الشرق الأوسط قد تتعمق في المدى القريب. والأزمة في سوريا بدأت تعجل رؤية التغيير في موازين القوى الدولية وفي اعادة صوغ سياسات القوى العظمى في الشرق الأوسط.
الولايات المتحدة في مرحلة عدم اليقين بسبب الاستحقاق الانتخابي.. واستراتيجيتها البعيدة المدى تنزاح عن الشرق الأوسط نحو آسيا مع احتفاظها بأولويّتين في الوطن العربي: أمن اسرائيل والسيطرة على الثروة.
أوروبا تجهد لمنع انهيارات اقتصادية شبيهة بما حصل في اليونان واسبانيا وهي تبدو عاجزة عن حجز مكان لها خاص في الحلبة الدولية والإقليمية.
روسيا والصين تتداخل مصالحهما الاستراتيجية في آسيا وفي منطقة الشرق الأوسط. وهما يتصدّيان للمشروع الأمبراطوري الأميركي في السيطرة على العالم ويسعيان الى تثبيت التعددية القطبية في قيادته.وهما يستخدمان ما يحصل في سوريا للقول: نحن هنا
ايران يزداد تغلغلها في العراق وفي دول الخليج وهي على قاب قوسين من امتلاكها للسلاح النووي وانّ لها مصلحة حيوية في مساعدة النظام السوري. ولكنّها مهدّدة بالحرب في حال شكّلت خطرا" وجوديا" على الكيان الصهيوني.
تركيا متورّطة ومشروعها في تحويل سوريا منطقة نفوذ لها متعثّر والمعطيات القائمة لا توفّر له فرص النجاح. مواقفها وتصرّفاتها باتت ترتدّ سلبا" عليها أمنيا" وسياسيا" وانتقلت بها من نظرية تصفير المشاكل الى تعميمها مع دول الجوار خصوصا" العراق وايران.
انّ منظومة العلاقات بين الدول المعنية بالأزمة السورية تبرز القيمة الاستراتيجية لسوريا  فالكلّ يرغب في أن تكون سوريا حليفا استراتيجيا له . لذلك نقول انّ الصراع  العميق هو على سوريا.
وبعد عام وثمانية أشهر من عمر الأزمة السورية، فإن التقديرات العالمية بشأن المخاطر الكامنة فيها تزداد تحققا وتفاقم عدم الاستقرار الإقليمي وتصعّب مهمة الأمم المتّحدة في ايجاد التسوية السلمية المطلوبة القائمة على قواعد الحلّ الحواري الديموقراطي ما يجعل السوريين أمام تحديات مصيرية عنوانها بقاء سوريا موحّدة الأرض والشعب والدولة..

إن الرغبة في تحويل سوريا الى معقل للإسلام السياسي الإخواني المرتكز على دعم عربي خليجي ومصري  وتركي وأميركي لمواجهة تمدّد النفوذ الايراني والروسي باتجاه المتوسّط  عبر دعم النظام القائم تثبت أنّ الحرب في سوريا هي حرب عليها بوصفها دولة مركزية في المنطقة  تختصر في ذاتها تعقيد  المشكلات المركزية في الشرق الأوسط  أو حلّها. هنا نذكّر بمقولة كيسينجر: لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا..
ما وضع سوريا في عين العاصفة يختصر بالآتي: عدم دخول سوريا في السلم الاسرائيلي وعدم الرضوخ للشروط التي حملها اليها باول في مذكرته بعد احتلال العراق وعدم التقدّم في التسوية على المسار الفلسطيني  فضلا" عن نتائج الحرب على العراق التي جاءت لصالح المشروع الايراني والتحوّلات التي حدثت في تونس ومصر وليبيا واليمن.. والأهمّ من كلّ ذلك بروز قوى دولية صاعدة تبشّر بانهيار المشروع الأمبراطوري الأميركي والسير بالنظام الدولي في اتجاه تعددية القيادة. 
مشروع الشرق الأوسط الجديد بنسخته الأخيرة (تمكين الاسلام السياسي من السلطات والأنظمة في الدول العربية) يستحيل تنفيذه وسوريا خارج السيطرة.. والتغييرات المحتملة في المنطقة قد تتعثّر أو قد تتوقّف وقد ترتدّ سلبا" على الجاهدين في سبيل احداثها والتحكم بها ما لم يحدث التغيير في سوريا.ما يسرّع وتيرة التغيير في الدول العربية حدوثه في سوريا من دون ابطاء. وهذا ما يفسّر رغبة " الشرق الأوسطيين الجددفي الحسم السريع واسقاط النظام.

انّ لهذا الفهم للأزمة السورية أثرا" مباشرا" على الخطوات المفترض بالسوريين اتخاذها وفي رأسها بناء قوة السلام وتهديم قوّة السلاح. قوّة السلام تبني.. وقوّة السلاح تدمّر.
أنصار السلام في سوريا مطالبون بتغيير قواعد اللعبة في الداخل عن طريق الحوار. وحده التفاهم السوري\ السوري يبدّل في المجالين الإقليمي والدولي. التغيير يبدأ في الداخل. والتحديات في هذين المجالين الرابضة أمام السوريين تؤكّد الحاجة الحيوية والعاجلة للجلوس معا" لمواجهة القضايا الحاسمة فلعبة التدمير الذاتي آخذة في التوسع ما ينذربخراب شامل لن تكون لسوريا بعده قيامة ممكنة.
وبناء على هذه الخلفية فإن ظاهرة الاحتجاج الشعبي على الحرب بالغة الأهمية لحيوية قوّة السلام الديموقراطي وتحصين المنعة الوطنية وتعزيز التحشيد الجماهيري الواسع الراغب في السلام المبني على الاصلاح السياسي الآيل الى بناء دولة الحق والقانون . والمهمة غير البسيطة التي تواجه السوريين هي مصالحة وطنية شاملة لمجابهة الأخطار والتهديدات الاستراتيجية المتكونة في الشرق الأوسط فحين تهب العواصف فإن الميل الطبيعي والمنطقي لدى الشعوب المهدّدة هو المصالحة .
في الواقع الشرق أوسطي البادي والمحمّل بامكانات الانفجار الكبير سوريا ذاهبة الى التجزئة وما حولها ذاهب اليها كذلك.
في هذا الوقت الصعب يحتاج السوريون الى استراتيجية قادرة على ابقاء سوريا واحدة ومستندة إلى تقديرات موقف واقعية وإلى تحديد أهداف على أساس نظام أولويات وقدرات: الأولوية هي لسوريا الواحدة شعبا" وأرضا" ودولة.
الأزمة السورية في سياقها الواسع معطوفة عليها التطورات المحتملة في المديين القريب والمتوسط يمكن أن تشكل حافزا" للوحدويين السوريين كي ينصرفوا الى اعداد وثيقة عهد تحمي سوريا من التجزئة  تكون بمثابة وثيقة تحضيرية لانعقاد مؤتمر وطني يجمع اصلاحيي النظام والمعارضة الوطنية الديموقراطية والقوى المدنية الرافضة للعنف المسلّح ولأشكال التدخّل الأجنبي كافة.
إن الأزمة قد تتعمق وقد تطيح بكلّ ما هو سوري جامع. والشعب السوري البريء خائف على مصيره ومصير بلده. في ظروف كهذه عجزه عن ابتكار التسوية الجامعة يمكن أن يدفع بمكوّناته أو ببعضها الى البحث عن صيغ تفكيكية تؤّمّن له في اعتقاده الاستقرار الوجودي والمصيري. وتجدر الإشارة هنا  إلى أن استنتاجات كهذه لن تثمر بالضرورة استقرارا" لأيّ أحد فالتجزئة تعمق الأزمة وتخلق مشكلات اضافية تكون لها مفاعيل تقسيمية في كامل الاقليم الشامي.

وعلاوة على ذلك إن العقل السياسي السوري تتوافر له بكلّ تأكيد أدوات جوهرية لمواجهة الأزمة. أدوات مبتكرة تحول دون احتمالات تفاقم الأزمة وتقوم على خلفية المصالحة بصرف النظر عن موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. المصالحة تقوم عل منطقين: منطق استيعاب التغيير يعتمده النظام في الاقبال عليها، ومنطق التصدّي للخارج تعتمده المعارضة الوطنية في الاقبال عليها. منطق التغيير يلغي الاستبداد الداخلي لصالح الديموقراطية، ومنطق التصدّي للخارج وامتداداته المحلّية يلغي المؤامرة لصالح الوحدة.
التحدّي المطروح على السوريين للخروج من أتون الفتن والحروب: بناء الديموقراطية وحماية الوحدة. والمنهج لرفع هذا التحدّي هو الحوار مع الخصوم. ما أن يبدأ الحوار حتى تستوي موازين القوى ويؤمّن الاستقرار النسبي. الخطوة التأسيسية في أيّ حوار تبدأ بالإصغاء السياسي الى الطرف الآخر.
 


No comments:

Post a Comment